عربي
Saturday 27th of April 2024
0
نفر 0

ملامح عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )

ملامح عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )

ملامح عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) *

الحالة السياسية :

امتاز العصر العبّاسي الثاني ، الذي بدأ بحكم المتوكِّل سنة (232 هـ ) ، بالنفوذ الواسع الذي تمتع به الأتراك الذين غلبوا الخلفاء وسلبوهم زمام إدارة الدولة ، وأساءوا التعامل مع الأهالي منذ أيام المعتصم الذي سبق المتوكّل إلى الحكم ، وهذا الوضع قد اضطرّ المعتصم لنقل مركز حكمه من بغداد إلى سامراء ؛ بسبب السلوك التركي الخشن وشكاية أهالي بغداد منهم .

كما اتّسم بضعف القدرة المركزية للدولة الإسلامية ، وفقدانها بالتدريج لهيبتها التي كانت قد ورثتها من العصر الأوّل لأسباب عديدة ، منها : انشغال الحكّام بملاذّهم وشهواتهم ، ومنها : سيطرة الموالي ـ ولا سيّما الأتراك ـ على مقاليد السياسة العامة بعد انهماك الحكّام بالملاهي .

وكانت سيطرة الأتراك وقوّادهم قد بلغت حدّاً لا مثيل له ، إذ كان تنصيب الخلفاء وعزلهم يتمّ حسب إرادة هؤلاء القوّاد الأتراك ، وأنتج تعدّد الإرادات السياسية وضعف الخلفاء ظاهرة خطيرة للغاية ، هي قِصر أعمار حكوماتهم وسرعة تبدّل الخلفاء وعدم استقرار مركز الخلافة الذي يمثّل السلطة المركزية للدولة الإسلامية .

وهذا الضعف المركزي قد أنتج بدوره نتائج سلبية أخرى ، مثل : استقلال الأُمراء في أطراف الدولة الإسلامية بالحكم ، والاتجاه نحو تأسيس دويلات شبه مستقلّة في شرق الدولة الإسلامية وغربها ، بل انتقلت هذه الظاهرة بشكل آخر إلى داخل الحاضرة الإسلامية ، فكانت من علائمها بروز حالات الشغب من قبل الخوارج باستمرار منذ سنة (252 هـ ) إلى سنة (262 هـ ) ، وظهور صاحب الزنج في سنة (255 هـ ) ، فضلاً عن ثوّار علويين كانوا يدعون إلى الرضا من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، لا سيّما بعد ما عرفناه من كراهة المتوكّل للعلويين وقتله للإمام الهادي ( عليه السلام ) ومراقبته الشديدة للإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) (1) .

الحالة الاجتماعية :

تحدثنا فيما سبق عن الظرف السياسي وملابساته : من عدم الاستقرار وفقدان الأمن ؛ وذلك لتعدُّد الحركات السياسية والمذهبية ، الخارجة على الدولة العباسية في مختلف الأمصار الإسلامية ، فضلاً عن دور الأتراك البارز في خلع وتولية الخليفة العباسي ، وهذا دون شك ينعكس سلبياً على الظروف الاجتماعية التي كان يعيشها أبناء الأُمة المسلمة ورعايا الدولة الإسلامية ، فينجم عنه توتّر في علاقة السلطة بالشعب ، وعدم استقرار الوضع الاجتماعي نتيجة لذلك .

كما أن اختلال الظروف السياسية يتسبَّب في التفاوت الاجتماعي وظهور الطبقية ، أو الفئات المتفاوتة في المستوى المعيشي ، والمتباينة في الحقوق والواجبات تبعاً لولائها وقربها أو بعدها من البلاط ورجاله ؛ فانقسم أبناء الأُمة وأتباع الدين الذي كان يركّز على الأُخوة الإيمانية والمساواة والعدل والإنصاف (2) ، إلى جماعة قليلة مترفة ومتمتِّعة بقوّة السلطان ، وأخرى واسعة ، تمثِّل غالبية أبناء الأُمة الإسلامية ، وهي معدمة ومسحوقة ، أنهكها الصراع وزجّها في النّزاعات والحروب ، والتي ما تخمد إحداها حتى تتأجّج الثانية وتتسع لتشمل مساحة أوسع من أرض الدولة الإسلامية (3) ، ثمَّ لتنفصل بعض أجزائها فتكون دولة مستقلة عن مركزية الدولة وغير خاضعة لها ـ وأطلق المؤرِّخون عليها مرحلة : ( إمرة الأُمراء ) (4) ـ إضافة إلى الدولة المستقلة كما هو الحال بالنسبة لأمارة الحمدانيين والبويهيين والدولة الصفارية ( 254هـ ) والدولة السامانية (261 ـ 389هـ ) وغيرها ... ممّا أدّى إلى تفكّك وسقوط الدولة العباسية فيما بعد سنة ( 656 هـ ) .

لقد كان المجتمع الإسلامي في أواخر العصر العباسي الأوّل يتألف من عدة عناصر ، هي : العرب والفرس والمغاربة وظهر العنصر التركي أيضاً على مسرح السياسة في عهد المعتصم الذي اتّخذهم حرَّساً له ، وأسند إليهم مناصب الدولة وأُهمل العرب والفرس . ولمَّا رأوا الخطر المحدق بهم من قبل الأتراك ، استعانوا بالمغاربة والفراغنة وغيرهم من الجنود المرتزقة (5) .  كما نلاحظ انقسام المسلمين في هذا العصر إلى شيع وطوائف ، وتعرّض المجتمع الإسلامي إلى أنواع التنازع المذهبي المؤدِّي إلى التفكّك أيضاً . فهناك أهل السُنة الذين كانوا يشكّلون السواد الأعظم ويتمتّعون بقسط وافر من الحرية المذهبية والطمأنينة النفسية في عهد نفوذ الأتراك ، وهناك الشيعة الذين كانوا يقاسون كثيراً من العنت والاضطهاد (6) .

وهذا لا يعني الالتزام الديني من قبل حكَّام الدولة العباسية بالمذهب السنّي ، بقدر ما يوضح لنا أنَّ موقفهم هذا كان من أجل التصدّي لحركة الأئمة في الأُمة ومحاصرتها بمختلف الوسائل والطرق ، والتي منها : دعم ومساندة فِرق وحركات تحمل توجُّهات السلطة ، وترى السلطة فيها استتباب الوضع لها ولا تخشى من تمرّدها ، فهي تعيش على فتات موائدها وبذلها وبذخها لهم ؛ من أجل ديمومة الحكم واستمرار السلطة للخلفاء . ولم يكن هذا ليدوم بدخول العنصر التركي الذي كان يميل إلى البذخ والسيطرة ، وعدم الخضوع إلى سلطة الخليفة العباسي كما أوضحنا .

أمَّا بالنسبة إلى التفكُّك الاجتماعي في هذا العصر ، فيمكن ملاحظته من خلال طبقات المجتمع في هذا العصر ، وهي :

1 ـ " طبقة الرقيق " ، وكانت مصر وشمالي أفريقية وشمالي جزيرة العرب من أهم أسواق الرقيق الأسود ، وقد جُلب كثير من الزنجيات والزنوج لفلاحة الأرض وحراسة الدور . وإنّ كثرة الزنج في العراق أدّت إلى قيام ثورة الزنج التي دامت أكثر من أربع عشرة سنة (255 ـ 270هـ ) (7) .

وكلَّفت هذه الثورة الدولة والأُمة الكثير من الأموال والدماء لإخمادها ؛ ممَّا أسهم بشكل كبير في إضعافها .

2 ـ " أهل الذمة " ، وهم اليهود والنصارى ، ولم تتدخل الدولة في شعائرهم ، بل على العكس ، كان يبلغ من تسامح الحكّام أنَّهم كانوا يحضرون مواكبهم واحتفالاتهم ويأمرون بحمايتهم (8) .

3 ـ " رجال البلاط والملاّك وغيرهم " ممَّن لهم نفوذ كبير في سياسة الدولة وتأثير واسع في الوضع الاقتصادي والاجتماعي .

4 ـ " عامة الناس " والذين أجهدتهم الضرائب والحروب والخلافات والمنازعات الداخلية .

5 ـ ونشأت طبقة واسعة من " الرقيق وغيرهم من المغنِّيات " اللاَّئي كنَّ يُحيين ليالي اللهو للخلفاء وغيرهم ، وقد ارتفعت أسعارهنَّ بشكل ملفت للنظر (9) ؛ ممَّا أدَّى أخيراً إلى إضعاف العلاقة داخل البلاط نفسه ، وبين البلاط وقواد الجيش من أتراك وغيرهم ، فضلاً عن آثاره السلبية على المجتمع عامة .

الحالة الثقافية :

انتشرت الثقافة الإسلامية في هذا العصر انتشاراً يدعو إلى الإعجاب بفضل الترجمة من اللغات الأجنبية ، وخاصة اليونانية والفارسية والهندية إلى العربية .

والعامل الأول في ذلك ، هو حثُّ الإسلام المسلمين على طلب العلم واعتباره فريضة على كلّ مسلم ومسلمة . كما حظي العلماء بتشجيع من الخلفاء والسلاطين والأمراء ورجال العلم والأدب . وكانت مراكز هذه الحركة الثقافية في بلاط السامانيين والغزنويين والبويهيين والحمدانيين في الشرق ، وفي بلاط الطولونيين والإخشيديين والفاطميين في مصر ، وفي بلاد الأُمويين في الأندلس .

ويضاف إلى ذلك ظهور كثير من الفِرق التي اتّخذت الثقافة والعلم وسيلة لتحقيق مآربها السياسية .

وكان للجدل والنقاش الذي قام بين هذه الفرق من ناحية ، وبينها وبين العلماء الرسميين ـ أي فقهاء السلطة ـ من ناحية أخرى ، أثرٌ كبيرٌ في هذه النهضة العلمية التي كان يتميَّز بها هذا العصر ، وخاصّة في القرن الرابع الهجري ، على الرغم ممَّا انتاب العالم الإسلامي بوجه عام من تفكك وانحلال ، وما أصاب الدولة العباسية من ضعف ووهن (10) .

الحالة الاقتصادية :

اعتنى العباسيون بالزراعة وفلاحة البساتين التي قامت على دراسة علمية (11) ، وذلك بفضل انتشار المدارس الزراعية التي كان لها الأثر الكبير في إنارة عقول المسلمين .

ولمَّا كانت الزراعة تعتمد على الري ، اهتم العباسيون بتنظيم أساليبه وجعل الماء مباحاً للجميع ؛ ولذلك عملوا على تنظيمه في مصر والعراق واليمن وشمال شرقي فارس وبلاد ما وراء النهر ، وبلغ هذا النظام شأواً بعيداً من الدقة ، حتى إنَّ الأُوربيين أدخلوا كثيراً من هذه النُّظم في بلادهم .

واعتنت الدولة العباسية بصيانة السدود والترع ، وجعلوا جماعة من الموظفين أطلق عليهم اسم " مهندسين " ، وكانت مهمَّتهم المحافظة على السدود عصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ؛ خشية انبثاق الماء منها فيما إذا حدث ثغر من الهدم والتخريب (12) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* اقتباس قسم المقالات في شبكة الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي، المصدر: أعلام الهداية، الإمام الحسن بن علي العسكري ( عليه السلام ) ، تأليف : المجمع العالمي لأهل البيت (ع) .

(1) راجع : الكامل في التاريخ ، ومروج الذهب ، أحداث السنين : ( 232 ـ 256 هـ ) .

(2) قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) ( الحجرات : 10 ) ، وقال ( صلَّى الله عليه وآله ) : ( الناس سواسية كأسنان المشط ) ، انظر : السرخسي ، المبسوط : 5 / 23 ، ولسان الميزان : 2 / 43 ، باختلاف يسير.

(3) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ : 4 ، أحداث السنين ( 248 ـ 322 هـ ) .

(4) حسن ، د. حسن إبراهيم ، تاريخ الإسلام السياسي : 3 / 26 وما بعدها .

(5) تاريخ الإسلام السياسي : 3 / 422 ـ 423 .

(6) تاريخ الإسلام السياسي : 3 / 423 .

(7) تاريخ الطبري : 7 ، أحداث السنين (255 ـ 270 هـ ) .

(8) الحضارة الإسلامية : 268 ، وتاريخ الإسلام السياسي : 3 / 424 .

(9) تاريخ الإسلام السياسي : 3 / 435 .

(10) تاريخ الإسلام السياسي : 3 / 332 .

(11) تاريخ الإسلام السياسي : 3 / 319 ، بتصرُّف .

(12) مسكويه ، تجارب الأُمم  : 2 / 296 ـ 297 بتصرُّف . وقال المعتزلي : الهندسة أصلها بالفارسية : أندازه ، إي المقدار ، والمهندس أي المقدِّر .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أو الافطحية وهم الذين يقولون بانتقال الامامة من ...
من خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ...
المدن الشيعيّة في شبه القارّة الهنديّة
قبسات من الكلام الفاطمي
التضحية وصناعة التاريخ .. ثورة الإمام الحسين ...
في تقدم الشيعة في علم الكلام ، وفيه صحائف
الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام
أهل الذمة في عصر الأمويين
أسرة آل بُوَيه في الريّ
من هم قتلة عثمان

 
user comment