في النهي عن الجدال
قال أبو جعفر في الجدال الجدال في الله منهي عنه لأنه يؤدي ما لا يليق به.
و روي عن الصادق ع أنه قال يهلك أهل الكلام و ينجو المسلمون
قال أبو عبد الله الشيخ المفيد رحمه الله الجدال على ضربين أحدهما بالحق و الآخر بالباطل فالحق منه مأمور به و مرغب فيه و الباطل منه منهي عنه و مزجور عن
استعماله. قال الله تعالى لنبيه ص وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فأمر بجدال المخالفين و هو الحجاج لهم إذ كان جدال النبي ص حقا و قال تعالى لكافة المسلمين وَ لا تُجادِلُوا
أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فأطلق لهم
جدال أهل الكتاب بالحسن و نهاهم عن جدالهم بالقبيح. و حكى سبحانه عن قوم نوح ع ما قالوه في جدالهم فقال سبحانه قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فلو كان الجدال
كله باطلا لما أمر الله تعالى نبيه ص به و لا استعمله الأنبياء ع من قبله و لا إذن للمسلمين فيه. فأما الجدال بالباطل فقد بين الله تبارك و تعالى عنه في قوله أَ لَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ فذم المجادلين في آيات الله لدفعها أو قدحها و إيقاع الشبهة في حقها. و قد ذكر الله تعالى عن خليله إبراهيم ع أنه حاج كافرا في الله
تعالى فقال أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ الآية و قال مخبرا عن حجاجه قومه وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ. و قال سبحانه آمرا
لنبيه ص بمحاجة مخالفيه قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ
فَتُخْرِجُوهُ لَنا. و قال عز اسمه كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ الآية و قال لنبيه ص فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ الآية و ما زالت الأئمة ع يناظرون في دين
الله سبحانه و يحتجون على أعداء الله تعالى و كان شيوخ أصحابهم في كل عصر يستعملون النظر و يعتمدون الحجاج و يجادلون بالحق و يدمغون الباطل بالحجج و
البراهين و كان الأئمة ع يحمدونهم على ذلك و يمدحونهم و يثنون عليهم بفضل. و قد ذكر الكليني ره في كتاب الكافي و هو من أجل كتب الشيعة و أكثرها فائدة
حديث يونس بن يعقوب مع أبي عبد الله ع حين ورد عليه الشامي لمناظرته فقال له أبو عبد الله ع وددت أنك يا يونس كنت تحسن الكلام فقال له يونس جعلت فداك سمعتك
تنهى عن الكلام و تقول ويل لأهل الكلام يقولون هذا ينقاد و هذا لا ينقاد و هذا ينساق و هذا لا ينساق و هذا نعقله و هذا لا نعقله فقال أبو عبد الله ع إنما قلت ويل لهم إذا
تركوا قولي و صاروا إلى خلافه ثم دعا حمران بن أعين و محمد بن الطيار و هشام بن سالم و قيس الماصر فتكلموا بحضرته و تكلم هشام بعدهم فأثنى عليه و مدحه و
قال له
مثلك من يكلم الناس
و قال ع و قد بلغه موت الطيار رحم الله الطيار و لقاه نضرة و سرورا فلقد كان شديد الخصومة عنا أهل البيت
و قال أبو الحسن موسى بن جعفر ع لمحمد بن حكيم كلم الناس و بين لهم الحق الذي أنت عليه و بين لهم الضلالة التي هم عليها
و قال أبو عبد الله ع لبعض أصحابنا حاجوا الناس بكلامي فإن حجوكم فأنا المحجوج
و قال لهشام بن الحكم و قد سأله عن أسماء الله تعالى و اشتقاقها فأجابه عن ذلك ثم قال له بعد الجواب أ فهمت يا هشام فهما تدفع به أعداءنا الملحدين في دين الله و تبطل
شبهاتهم فقال هشام نعم فقال له وفقك الله
و قال ع لطائفة من أصحابه بينوا للناس الهدى الذي أنتم عليه و بينوا لهم ضلالهم الذي هم عليه و باهلوهم في علي بن أبي طالب ع فأمر بالكلام و دعا إليه و حث عليه
و روي عنه ع أنه نهى رجلا عن الكلام و أمر آخر به فقال له بعض أصحابه جعلت فداك نهيت فلانا عن الكلام و أمرت هذا به فقال هذا أبصر بالحجج و أرفق منه
فثبت أن نهي الصادقين ع عن الكلام إنما كان لطائفة بعينها لا تحسنه و لا تهتدي إلى طرقه و كان الكلام يفسدها و الأمر لطائفة أخرى به لأنها تحسنه و تعرف طرقه و
سبله. فأما النهي عن الكلام في الله عز و جل فإنما يختص بالنهي عن الكلام في
تشبيهه بخلقه و تجويره في حكمه. و أما الكلام في توحيده و نفي التشبيه عنه و التنزيه له و التقديس فمأمور به و مرغب فيه و قد جاءت بذلك آثار كثيرة و أخبار متظافرة
و أثبت في كتابي الأركان في دعائم الدين منها جملة كافية و في كتابي الكامل في علوم الدين منها بابا استوفيت القول في معانيه و في عقود الدين جملة منها من اعتمدها
أغنت عما سواها و المتعاطي لإبطال النظر شاهد على نفسه بضعف الرأي و موضح عن قصوره عن المعرفة و نزوله عن مراتب المستبصرين و النظر غير المناظرة و
قد يصح النهي عن المناظرة للتقية و غير ذلك و لا يصح النهي عن النظر لأن في العدول عنه المصير إلى التقليد و التقليد مذموم باتفاق العلماء و نص القرآن و السنة.
قال الله تعالى ذاكرا لمقلدة من الكفار و ذاما لهم على تقليدهم إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ.
و قال الصادق ع من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال و من أخذ دينه من الكتاب و السنة زالت الجبال و لم يزل
و قال ع إياكم و التقليد فإنه من قلد في دينه هلك إن الله تعالى يقول اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فلا و الله ما صلوا لهم
تصحيح الاعتقاد ص : 73
و لا صاموا و لكنهم أحلوا لهم حراما و حرموا عليهم حلالا فقلدوهم في ذلك فعبدوهم و هم لا يشعرون
و قال ع من أجاب ناطقا فقد عبده فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله و إن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان
source : دار العرفان/الامان