عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

الشيطان كان سيئاً مع آدم

الشيطان كان سيئاً مع آدم

ان مسجود الملائكة هي روح الإنسان وليس الجسم ، حيث أن الملائكة خاضعة لروح الإنسان و الشياطين أعداء لروح الإنسان .
فالشيطان ليس سيئاً مع الرجال لأنه كان سيئاً مع آدم . وإنما هو مسيء للإنسانية وعدو للناس ( سواء كانوا رجالاً رجالاً أو نساءً ) ، لذا نجد الله تعالى يخاطب المجتمع البشري بأن عدوكم المبين هو الشيطان بناء على هذا ، فان مسجود الملائكة هو مقام الإنسانية ، ولأن معلم الملائكة هو مقام الإنسانية ، فالعالم بالاسماء هو مقام الإنسانية ، ومقام الإنسانية العالم بالاسماء ، منزه عن الذكورة والأنوثة ، فارفع مقام وهو مقام الخلافة ، هو لإنسانية الإنسان ولا بختص بالمرأة أو الرجل ، وما ورد في سورة الأعراف يؤيد هذه المسالة أحياناً ، جاء في أوائل سورة الأعراف :
( و لقد خالقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) (1) .
أي انه ذكر خلاصة الناس وهو مقام الإنسانية بعنوان آدم وقال للملائكة ان يكونوا خاضعين لمقام المعلم ، ورغم ان البعض يظنون انه يمكن الاستفادة من هذه الآية وجود أناس كانوا قبل آدم ، ولكن آيات سورة آل عمران وأمثالها توضح جيداً أن هؤلاء الناس هم نسل آدم عليه السلام وآدم من ( تراب ) ، رغم انه طبقاً لبعض الروايات قد وجد بشر كثيرون جاؤوا قبل آدم ، ولكنهم رحلوا والنسل الفعلي للبشر ينتهي إلى آدم ، حيث قال تعالى :
( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) (2) .
يقول تعالى بانه لماذا الغلوّ بشأن عيسى ، تعتبرونه ( ابن الله ) وتقولون بشأن الله ( ثالث ثلاثة ) ؟ قضية عيسى مثل قضية آدم . لو كان آدم ابنا لأبوين لما أصبحت قضية عيسى شبيهة بقضية آدم وحواء أبداً .
الخلاصة انه يستنبط من آية سورة الأعراف أن خلاصة الإنسانية ظهرت بصورة آدم ، وهذه الخلاصة صارت خليفة الله ومسجود ومعلم الملائكة . إنسان وكلما زاد سهم من خلاصة الإنسانية حصل على حظ وافر من الخلافة ونصيب أكثر من التعليم وحصة أهم من المسجود ، لذا يكثر تعرض الشياطين له إلا أن ييأسوا .

استفهام الملائكة واعتراض الشيطان :

عندما أراد الله تعالى خلق الخليفة كان الملائكة والشيطان غافلين عن هذا الأمر ، لذا فكلاهما سأل الله تعالى ، ولكن لياقة الملائكة كانت تقتضي ان يطرحوا هذا السؤال بصفة استفهام ، وشيطنة الشيطان دفعنه إلى طرح هذا السؤال بصفة اعتراض ، كلاهما سأل ، ولكن أحدهما مستفهما والآخر متعنتاً ـ جاء في الجوامع الروائية في مسألة آداب التعلم .
( سل تفقهاً ولا تسأل تعنتاً ، فغن الجاهل المتعلم شبيه بالعالم وان العالم المتعسف شبيه بالجاهل المتعنت ) (3)
أي ان السؤال مفتاح العلم وكثير من الفضائل مترتبة على السؤال ، كما ورد أن العلم مخزون في كنز ومفتاحه السؤال وبأن جماعة كثيرة تؤجر بسؤالكم . فالذي يجيب يحصل على أجر وكذلك المستمع يحصل على أجر ، أي ان السامع يحصل على أجر والسائل أيضاً مأجور ، ولكن كما هو مشخص ان مراد مضمون الرواية هو انه يجب السؤال لأجل الفهم ، لا لأجل العناد ـ لذا حين قال تعالى :
( اني جاعل في الأرض خليفة ) (4) .
قال الملائكة :
( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) .
وذكروا سرّ أولويتهم هكذا :
( ونحن نسبحّ بحمدك ونقدس لك ) .
تلك الجهة رجحان خلافة الملائكة وهذه الجهة مرجوحية خلافه الإنسان ، إحداهما سلبية والأخرى إثباتية ، ولكن الملائكة بدأوا جميع هذه الاحتجاجات في سؤالهم الأول ، بالتسبيح وقالوا : ( سبحانك ) ، أي انك منزه عن كل نقص وعيب ، ومبرأ من كل نقد واعتراض ، ونحن الذين لا معلم ن وأنهم بعد الفهم سبحوا أيضاً وقالوا :
( سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علمتنا ) (5) .
أما اعتراض الشيطان عند الأمر بالسجدة فكان هكذا :
( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) (6) .
ولأن سؤال الشيطان كان ممزوجاً بالنقد والاعتراض ، لذا عبر القرآن الكريم عن شيطنة الشيطان ، بهذا التعبير :
( أبى واستكبر وكان من الكافرين ) .
أقسام الإباء والامتناع :
الإباء على نوعين :
1 ـ إباء اشفاقي ، وهذا النوع من الإباء ليس مذموماً ، فالشخص العاجز عن تحمل تكليف يأبى ، ولكن إباءه ، هو إباء إشفاقي وليس له مذمة ، كما في قوله تعالى :
( إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين ان يحملنها وأشفقن منها ) (7) .
هنا ليس في الأمر ذم ، لأنهما لم تكونا قادرتين فأبين .
2 ـ إباء استبكاري : يكون الإباء استكبارياً عندما توجد قدرة على الفعل ، ولكن في نفس الوقت يتمرد ، لذا تعبير القرآن عن إباء الشيطان ممزوج بالاستكبار ( أبى واستكبر وكان من الكافرين ) .
من هنا يتضح أن محور نقد الشيطان ومحور سؤال الملائكة هو في رؤيتهم البدن ، وإلا لا الملائكة أدركت روح الإنسان ، ولا الشيطان كان عالماً بروحه . الملائكة رأت الجنبة ، المادية والبدن ، لذا سألوا :
( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) .
كما ان الشيطان رأى البدن وقال :
( خلقتني من نار وخلقته من طين ) .

آدم ، معلم ، الاسماء :

وقد رفع الله ، في مقام الجواب ، الحاجب ، بحيث أطلع الملائكة وعلمهم ، وعلم الشيطان أيضاً مع هذا الفرق وهو أن تعليم الشيطان رفقه طرد ، وتعليم الملائكة امتزج بالتقرب ، قال تعالى للملائكة :
( إني أعلم ما لا تعلموم ) (8) .
ثم بين الأمر للملائكة هكذا وقال :
( وعلّم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة ) (9) .
قال للملائكة : إن خليفته ليس مصداق ( من يفسد فيها ويسفك الدماء ) ، بل خلفيته العارف بحقائق العالم ومتعلم الاسماء ، والذي يسفك الدماء ، على أساس ( اثّاقلتم إلى الأرض ) (10) ، ويقبل بمسألة سفك دماء البدن أو يقبل بالفساد ، فالإنسان من ناحية ان لديه روحاً عالمة طبق ( وعلم آدم الاسماء ) هو خليفته ، حيث انه تعالى ذكر أن آدم ليس مسجوداً من ناحية أنه خلق من طين ، وخرج من تراب ، بل من ناحية أنه يمر من الأفلاك .

عدم شأنية الملائكة للتعلم :

عندما طرح الله مسألة تعليم الاسماء عرف الإنسان الكامل معلماً للملائكة ، وجعل الملائكة تلاميذ الإنسان ، وليس تلاميذ الله ، ولو كان للمائكة شأنية كسب العلم من الله بدون واسطة ، لم يكن عند الله تعالى إمساك وبخل عن قبولهم . فيتضح ان الملائكة ليس لهم شأن في أن يكونوا تلاميذ الله بلا واسطة بدليل انه :
( وما منا إلا له مقام معلوم ) (11) .
كما ليس لهم لياقة لأن يصبحوا عالمين وبحقائق جميع الاسماء ، بل هم يعرفون فقط في حد الأنباء عن حقائقها ، ولو كان غير هذا لقال الله تعالى لآدم : يا آدم علمهم باسماء هؤلاء .
ولأنه لم يقل لآدم : كن معلمهم ، بل قال :
( أنبئهم بأسمائهم ) (12) .
أي أنبئهم بالاسماء ، لا تعليم الأسماء يتضح أولاً : ان الملائكة هم دون ان يجعلوا تلاميذ الله بلا واسطة ، وثانياً : هم دون ان يكونوا تلاميذ ومتعلمين لجميع الاسماء ، بل يجب ان يكونوا مستمعين صرفاً ويسمعون النبأ فقط ، وليس كل المسائل .
عندما تكلم الله تعالى عن هذه الساحة أفهم الملائكة ان خليفته هو معلم ومنبيء وعالم الاسماء ، وقال للشيطان إن خليفته ، ليس الذي خرج من التراب ، بل الشخص الذي له إحاطة ، بالتراب أيضاً ، وذلك .
أولاً : معنى الخلافة هو ان يكون شخص خليفة ( المستخلف عنه ) .
ثانياً : في معنى الخلافة أخذت غيبة المستخلف عنه ، لأن المستخلف عنه إذا كان له حضور ، فلا محل للخلافة .
ثالثاً : معنى الخلافة هو ان يأتي شخص الخليفة من خلف المستخلف ، لا من الأمام واليمين واليسار لذا يجب ان يكون للمستلف عنه خلف ، أي يكون محدوداً حتى يكون هناك محل للخليفة .
رابعاً : ولأن الله تعالى هوالمحيط الكل ، وليس له خلف وغايبة حتى يملأ شخص ذلك الخلف والغيبة ، في النتيجة يجب أن يكون خليفة الله محيطاً أيضاً ، حتى يستطيع تحمل لياقة خلافة الله ، وهو لا يمكن ان يكون إلا الإنسان الكامل ؛ لأنه مظهر تشبيه وتنزيه وجامع كل الاسماء الحسنى ، و ليس الملائكة الذين هم جامعون الاسماء التنزيهية فقط ، ولا الحيوانات وغير الحيوانات التي لديها الاسماء التشبيهية فقط . فالإنسان هو الذي يتوفر فيه الجلال والجمال والتشبية والتنزيه والإنسان يستطيع ان يدل على المحيط ، لذا فهو خليفة محيط .
يتضح من هذا البيان ان من هو خليفة الله له مقام أرفع من نشأة البدن ، وذلك المقام لائق للخلافة ، وما فوق نشأة البدن . ليس محلاً للذكورة والأنوثة ، وعلى أساس هذا التحليل فان خليفة الله ليس امرأة ولا رجلاً ، بل هو إنسان ، مسجود الملائكة ليس أمرأة ولا رجلاً ، بل هي إنسانية الإنسان .
المصادر :
1- سورة الأعراف ، الآية : 11 .
2- سورة آل عمران ، الآية : 59 .
3- نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح ، الحكمة 320 .
4- سورة البقرة ، الآية : 30 .
5- سورة البقرة ، الآية : 32 .
6- سورة الأعراف ، الآية : 12 .
7- سورة الأحزاب ، الآية : 72 .
8- سورة البقرة ، الآية : 30 .
9- سورة البقرة ، الآية : 31 .
10- سورة التوبة ، الآية : 38 .
11- سورة الصافات ، الآية : 164 .
12- سورة البقرة ، الآية : 33 .

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الأحاديث الشريفة في المهدي المنتظر (عجّل الله ...
فی من نسی صلاة اللیل
رأس الـحسين (عليه السلام)
مرقد السيدة زينب الكبرى (س)
أقوال المعصومين في القرآن
تتمّة فيها فوائد مهمّة-2
السياسة عند الامام الحسن عليه السلام
اهمية البناء التبربوي للطفل في الاسلام
فيما نذكره عند المسير من القول و حسن التدبير
الحرية بين النخبة والأمة

 
user comment