عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

الإسلام وضرورة وجود الحاکم

ولایة الفقیه لیست مجرد نظریة فکریة یبحثها العلماء فی طیات کتبهم، ولا هی مجرد حلم یراه المثالیون ویصورونه فی مخیلاتهم، بل هی حیاة وواقع ومنهج ونظام، یقوم على أساسها المجتمع الإسلامی لیحقق الإنتصارات الواحد تلو الاخر ببرکتها.
ولایة الفقیه هی النهج الإسلامی الأصیل، والرائد الذی استطاع أن یقدم الإسلام بأبهى صوره.
تعتبر الحاجة الإنسانیة الثابتة هی العامل الأساسی لضرورة وجود قانون وحکومة، وهذه الحاجة تنشأ بملاحظة طبیعة الإنسان التی تدعوه لیعیش مع أخیه الإنسان فیفیده ویستفید منه.
ولکن الإنسان ونتیجة میوله وغرائزه من حب الذات والمال الجاه والحریة المطلقة لجمیع ما یهواه سوف یقع الإختلاف والتعارض بین ما یریده هو وما یریده الاخرون، ولا بد لأجل حل هذا التعارض والإختلاف من وجود مرجعیة یتم الإحتکام إلیها والخضوع لها ولیست هذه المرجعیة سوى (القانون) وأهم ما ینبغی أن یحمله هذا القانون هو العدالة لجمیع الناس عبر اعطاء کل ذی حق حقه ورعایة العدل الإجتماعی.
وإذا کان القانون یشکل ضرورة لبنی البشر فإن وجود الحاکم هو ضروری لتطبیق هذا القانون لأن الإنسان قد یتجاوز القانون ولا یخضع له رعایة لمصالحه الخاصة، فوظیفة الحاکم هی ضمان تطبیق القانون لتحقیق العدل الإجتماعی.
لقد وردت الروایات التی تتحدث عن ضرورة وجود الحاکم ففی روایة نهج البلاغة أن علیاً علیه السلام لما سمع مقولة الخوارج: لا حکم إلا للَّه قال: "کلمة حق یراد به الباطل، نعم إنه لا حکم إلا للَّه ولکن هؤلاء یقولون لا إمرة إلا للَّه وأنه لا بد للناس من أمیر بر أو فاجر، یعمل فی إمرته المؤمن ویستمتع فیها الکافر ویبلغ اللَّه فیها الأجل ویجمع به الفی‌ء، ویقاتل به العدو وتأمن به السبل ویؤخذ به للضعیف من القوی حتى یستریح بر ویستراح من فاجر"(1)
وفی روایة الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا علیه السلام لما سأله: فلم جعل أولی الأمر وأمر بطاعتهم قال علیه السلام : "إن الخلق لما وقفوا على حد محدود وأمر أن لا یتعدوا ذلک الحد لما فیه من فسادهم لم یکن یثبت ذلک ولا یقوم إلا بأن یجعل علیهم فیه أمیناً یمنعهم من التعدی والدخول فیما حظر علیهم، لأنه لو لم یکن ذلک کذلک لکان أحد لا یترک لذته ومنفعته لفساد غیره"(2)
ولکن یبقى سؤال: هل للإسلام حکمه ونظامه الخاص أم أنه ترک للناس تحدید النظام المناسب لهم وللإجابة عن هذا السؤال علینا أن نلاحظ الأمور التالیة:
الرسالة الخاتمة الکاملة
لقد خص اللَّه عزَّ وجلّ‌َ شریعة الإسلام من بین الشرائع السماویة بأن جعلها خاتمة الشرائع والرسالات فلا شریعة بعدها ولا رسالة. وهذه الخصوصیة تتضمن أمرین مهمین:
1 - أنها کاملة: فهی شریعة لاحظت فی تشریعها کل ما یحتاج إلیه الإنسان وکل ما یواجهه فی أمور حیاته منذ أن یأتی إلى هذه الحیاة وإلى أن ینتقل إلى الحیاة الأبدیة. فقد نظّم اللَّه عزَّ وجلّ‌َ للإنسان مصالحه الفردیة والاجتماعیة وحدد له نظام علاقته مع الاخرین فیما یرتبط بعائلته ومجتمعه وفیما یرتبط بالسیاسة والاقتصاد وغیر ذلک.
قال تعالى:(الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الإِسْلاَمَ دِینًا)(3).
وقال تعالى: (مَّا فَرَّطْنَا فِی الکِتَابِ مِن شَیْ‌ءٍ)(4)
2- شاملة مؤبدة: إن معنى کون رسالة الإسلام خاتمة الرسالات هو أنها جاءت للبشر کافة فلم تأت لقوم بعینهم ولا لجماعة خاصة بل هی لجمیع الناس مهما تعددت ألوانهم وأعراقهم. قال تعالى (ذِکْرَى لِلْعَالَمِینَ)(5)وفی ایة أخرى: (نَذِیراً لِّلْبَشَر)(6)
وکذلک هی رسالة مؤبدة إلى یوم القیامة تصلح لتنظیم حیاة الإنسان إلى یوم القیامة مهما تطور هذا الإنسان وارتقى فی حضارته وصناعته فإن شریعة الإسلام تواکبه فی هذا کله.
أحکام الإسلام‌
إذا کانت رسالة الإسلام شاملة لکافة جوانب الإنسانیة فهذا یعنی أنها نظمت علاقة الفرد مع الاخرین أی مع المجتمع ککل، ففی الإسلام نظام للعقوبات تکفلته أحکام الحدود والقصاص ونظام للدفاع تکفلته أحکام الجهاد ونظام للإقتصاد تکفلته أحکام المعاملات من البیع والإجارة وغیرها...
إن ملاحظة تشریعات الإسلام هذه تشهد وبوضوح على لزوم إقامة الدولة والحکومة لأن الکثیر منها لا یملک قابلیة التنفیذ إلا فی ظل دولة قویة قادرة، وعدم قیام الحکومة یعنی تعطیل هذه الأحکام.
بل تضمنت أحکام الإسلام قوانین أخرى وتشریعات لبیان کیفیة تطبیق هذه الأحکام وما هی الطرق التی ینبغی إعتمادها لصیرورة هذه الأحکام واقعاً یحتکم إلیه الناس ویعیشون فی ظله.
یقول الإمام الخمینی (قدس سره الشریف) :
"مجموعة القوانین لا تکفی لإصلاح المجتمع، ولکی یکون القانون مادة لإصلاح وإسعاد البشر فإنه یحتاج إلى السلطة التنفیذیة، لذا فإن اللَّه عزَّ وجلّ‌َ قد جعل فی الأرض إلى جانب مجموعة القوانین حکومة وجهاز تنفیذ وإدارة، الرسول الأعظم کان یترأس جمیع أجهزة التنفیذ فی إدارة المجتمع الإسلامی... والحق أن القوانین والأنظمة الاجتماعیة بحاجة إلى منفذ"(7)
وقد وردت الایات تحث الناس على إحیاء أحکام الإسلام.
قال تعالى: (الَّذِینَ إِن مَّکَّنَّاهُمْ فِی الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَاتَوُا الزَّکَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنکَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)(8)
وورد فی الروایة عن رسول اللَّه صلى الله علیه وآله وسلم : "ساعة إمام عدل عادل أفضل من عبادة سبعین سنة، وحدٌّ یقام للَّه فی الأرض أفضل من مطر أربعین صباحاً"(9).
والخلاصة :
فان رسالة الإسلام هی الرسالة الخاتمة وهی کاملة لاحظت فی تشریعها کل ما یحتاج إلیه الإنسان وهی شاملة للبشر کافة وهی مؤبدة إلى یوم القیامة.
إن أحکام الإسلام تشهد وبوضوح على ضرورة ولزوم إقامة الدولة والحکومة لأن من هذه الأحکام
کان سماحة الإمام الخامنئی (دام ظله) یولی عنایة خاصة للإهتمام بأمور العائلة.
قبل لقاء لهط مع مجموعة من حرس الثورة، توفقت لدخول مکتبه، وفی سیاق إطمئنانه على أحوالنا ومع أنه کان واقفاً توجّه لنا بالقول: "فی الوقت نفسه الذی تتابعون فیه أمور العلم، اهتموا أیضاً بشؤون العائلة، ولا یکون إهتمامکم منحصراً بأعمال(الحرس) وتُضیّعوا حق أفراد العائلة، فیشعر الأبناء أنه لا یُهتم بهم بالشکل اللائقط.
وأکمل قائلاً: "أبناؤکم فی فترة نمو وتطوّر، ویحتاجون إلى توجیه أکبر. فالذین لا یبعد مکان عملهم عن بیوتهم کثیراً والذین بإمکانهم أیضاً، علیهم السعی لتناول طعام الغداء والعشاء إلى جانب عوائلهم".
إهتمام القائد بالعائلة کان بالنسبة لی أمراً ذا جاذبیة. وسماحته علاوة على حساسیته الخاصة فی أمور الدولة والأمور العسکریة فهو یشیر إلى أمور بسیطة ودقیقة، وفی الوقت نفسه مهمة تکون درساً للجمیع.
المصادر:
1- نهج البلاغة، من کلام له علیه السلام رقم 40.
2- عیون أخبار الرضا علیه السلام ، ص‌107، ح‌1، الشیخ الصدوق.
3- المائدة:3
4- الأنعام:38
5- الأنعام:9
6- المدثر:36
7- الحکومة الإسلامیة، ص‌33
8- الحج:41
9- فروع الکافی، الکلینی، ج‌7، ص‌175، ح‌8، باب التحدید من کتاب الحدود.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الأحاديث الشريفة في المهدي المنتظر (عجّل الله ...
فی من نسی صلاة اللیل
رأس الـحسين (عليه السلام)
مرقد السيدة زينب الكبرى (س)
أقوال المعصومين في القرآن
تتمّة فيها فوائد مهمّة-2
السياسة عند الامام الحسن عليه السلام
اهمية البناء التبربوي للطفل في الاسلام
فيما نذكره عند المسير من القول و حسن التدبير
الحرية بين النخبة والأمة

 
user comment