عربي
Saturday 27th of April 2024
0
نفر 0

علم التفسير

علم التفسير

التفسير بوصفه علماً فهو علم يبحث فيه عن القرآن الكريم بوصفه كلاماً للَّه‌ تعالى‌(1) .
وتوضيح ذلك : أنّ القرآن الكريم له عدة اعتبارات : فهو تارة يُلحظ بوصفه حروفاً كتابية ترسم على‌ََ الورق واُخرى‌ََ : يُلحظ بوصفه أصواتاً نقرؤها ونرددها بلساننا ، وثالثة : يُلحظ باعتباره كلاماً للَّه‌ تعالى‌ََ .
والقرآن الملحوظ بأي واحد من هذه الاعتبارات يقع موضوعاً لعلم يتكون‌ من بحوث خاصة به .
فالقرآن من حيث إنّه حروف تكتب : موضوعٌ لعلم الرسم القرآني الذي يشرح قواعد كتابة النص القرآني .
والقرآن من حيث إنّه يقرأ : موضوع لعلم القراءة وعلم التجويد .
والقرآن من حيث إنّه كلام اللَّه : يقع موضوعاً لعلم التفسير .
فعلم التفسير يشتمل على‌ََ جميع البحوث المتعلقة بالقرآن بوصفه كلام اللَّه ، ولا يدخل في نطاقه البحث في طريقة كتابة الحرف ، أو طريقة النطق بصوته ، لأنّ الكتابة والنطق ليسا من صفات نص القرآن بوصفه كلاماً للَّه، اذ ليس لكونه كلاماً للَّه دخل في كيفية كتابته أو قراءته .
وانما يدخل في علم التفسير في ضوء ما ذكرناه له من تعريف البحوث الآتية :
اولاً : البحث عن مدلول كل لفظ أو جملة في القرآن الكريم ، لأنّ كون هذا المعنى‌ََ أو ذاك مدلولاً للفظ القرآني من صفات القرآن بوصفه كلاماً للَّه، وليس من صفات الحروف أو أصواتها بما هي حروف أو أصوات .
ثانياً : البحث عن اعجاز القرآن والكشف عن مناحي الاعجاز المختلفة فيه ، فإنّ الاعجاز من أوصاف القرآن باعتباره كلاماً دالاً على‌ََ المراد .
ثالثاً : البحث عن أسباب النزول ، لأنّ الآية حين ندرس سبب نزولها نلاحظها بما هي كلام ، اي بما هي لفظ مفيد دال على‌ََ معنى‌ََ ، لأنّ ما لا يكون كلاماً ولا يدل على‌ََ معنى‌ََ ، لا يرتبط بحادثة معينة لتكون سبباً لنزول الآية .
رابعاً : البحث عن الناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمقيد والمطلق ، فإنّ كل ذلك يتناول النص القرآني بوصفه كلاماً دالاً على‌ََ معنى‌ََ .
خامساً : البحث عن أثر القرآن في التأريخ ، ودوره العظيم في بناء الانسانية وهدايتها ، فإنّ اثر القرآن ودوره مردهما الى‌ََ فعالية القرآن بوصفه كلاماً للَّه لا بوصفه مجرد حروف تُكتب أو صوت أو اصوات تُقرأ .
الى‌ََ غير ذلك من البحوث التي ترتبط بالقرآن باعتباره كلاماً للَّه‌تعالى‌ََ .
ومن خلال تعريف علم التفسير نحدد موضوعه أيضاً وهو ( القرآن ) من حيث كونه كلاماً للَّه‌تعالى‌ََ .
وعلى هذا الضوء نعرف أنّ اطلاق اسم علم ( الناسخ والمنسوخ ) أو علم ( اسباب النزول ) أو علم ( اعجاز القرآن ) : على‌ََ البحوث المتعلقة بهذه المواضيع ، لا يعني عدم امكان اندراجها جميعاً في نطاق علم واحد باسم علم : ( التفسير ) فهي في الحقيقة جوانب من هذا العلم ، لوحظ في كل جانب منها تحقيق هدف خاص يتعلق بالبحث في ناحية خاصة من كلام اللَّه ؛ ففي علم ( اعجاز القرآن ) يدرس كلام اللَّه في القرآن مقارناً بالنتاج البشري أو بالامكانات البشرية ، ليدلل على‌ََ أ نّه فوق تلك الامكانات وهو معنى‌ََ الاعجاز ، وفي علم ( اسباب النزول ) يدرس كلام اللَّه في القرآن من حيث ارتباطه بالاحداث والوقائع التي لابست نزوله ، وهكذا الامر في سائر الجوانب الاُخرى‌ََ .
التأويل :
والتأويل كلمة اُخرى‌ََ ظهرت الى‌ََ صفّ كلمة : ( التفسير ) في بحوث القرآن عند المفسرين ، واعتبرت - من قِبَلهم - متفقة بصورة جوهرية مع كلمة التفسير في المعنى‌ََ ، فالكلمتان معاً تدلان على‌ََ بيان معنى‌ََ اللفظ والكشف عنه ؛ قال صاحب القاموس : « أوّل الكلام تأويلاً : دبّره وقدّره وفسّره »(2) .
والمفسرون الذين كادوا أن يتّفقوا على‌ََ التوافق بين الكلمتين بشكل عام اختلفوا في تحديد مدى‌ََ التطابق بين الكلمتين .
ونحن هنا نذكر بعض الاتجاهات والمذاهب في ذلك :
1 - الاتجاه العام لدى‌ََ قدماء المفسرين الذي يميل الى‌ََ القول بالترادف بينهما ، فكل تفسير تأويل ، والعكس صحيح أيضاً ، وعلى‌ََ هذا فالنسبة بينهما هي التساوي ؛ ولعل منه قول مجاهد : إنّ العلماء يعلمون تأويله ، وقول ابن جرير الطبري في تفسيره « القول في تأويل قوله كذا ... واختلف أهل التأويل في الآية ... » .
2 - الاتجاه العام لدى‌ََ من تأخر عنهم من المفسرين الذي يميل الى‌ََ القول بأنّ التفسير يخالف التأويل في بعض الحدود : إمّا في طبيعة المجال المفسَّر والمؤوَّل ، أو في نوع الحكم الذي يصدره المفسِّر والمؤوِّل ، وفي طبيعة الدليل الذي يعتمد عليه التفسير والتأويل ؛ فهنا مذاهب نذكر منها ثلاثة :
ألف - التمييز بين التفسير والتأويل في طبيعة المجال المفسَّر ، ويقوم هذا المذهب على‌ََ أساس القول بأنّ التفسير يخالف التأويل بالعموم والخصوص ؛ فالتأويل يصدق بالنسبة الى‌ََ كلّ كلام له معنى‌ََ ظاهر ، فيحمل على‌ََ غير ذلك المعنى‌ََ فيكون هذا الحمل تأويلاً ؛ والتفسير أعم منه لأنّه بيان مدلول اللفظ مطلقاً أعمّ من أن يكون هذا المدلول على‌ََ خلاف المعنى‌ََ الظاهر أو لا .
ب - التمييز بين التفسير والتأويل في نوع الحكم ، ويقوم هذا المذهب على‌ََ أساس القول بأنّ التفسير والتأويل متباينان ، لأنّ التفسير هو : القطع بأنّ مراد اللَّه كذا ؛ والتأويل : ترجيح أحد المحتملات بدون قطع ، وهذا يعني أنّ المفسر احكامه قطعية ، والمؤول أحكامه ترجيحية .
ج - التمييز بينهما في طبيعة الدليل : ويقوم هذا المذهب على‌ََ أساس القول بأنّ التفسير هو : بيان مدلول اللفظ اعتماداً على‌ََ دليل شرعي ، والتأويل هو بيان اللفظ اعتماداً على‌ََ دليل عقلي .
موقفنا من هذه الاتجاهات :
والبحث في تعيين مدلول كلمة التأويل ، والمقارنة بينها وبين كلمة التفسير يتسع - في الحقيقة - بقبول كل هذه الوجوه حين يكون بحثاً اصطلاحياً يستهدف تحديد معنى‌ََ مصطلحيّ لكلمة التأويل في علم التفسير ، لأنّ كل تلك المعاني داخلة في نطاق حاجة المفسر ، فيمكنه أن يصطلح على‌ََ التعبير عن أيّ واحد منها بكلمة التأويل ، لكي يشير الى‌ََ مجال خاص أو درجة معينة من الدليل ، ولا حرج عليه في ذلك ، ولكن الخطر يكمن في اتخاذ المعنى‌ََ المصطلح معنى‌ََ وحيداً للفظ ، وفهم كلمة ( التأويل ) على‌ََ أساسه اذا جاءت في النص الشرعي .
ونحن اذا لاحظنا كلمة التأويل وموارد استعمالاتها في القرآن نجد لها معنى‌ََ آخر ، لا يتفق مع ذلك المعنى‌ََ الاصطلاحي الذي يجعلها بمعنى‌ََ التفسير ولا يميزها عنه إلّافي الحدود والتفصيلات ، فلكي نفهم كلمة التأويل يجب أن نتناول إضافة الى‌ََ معناها الاصطلاحي معناها الذي جاءت به في القرآن الكريم .
وقد جاءت كلمة التأويل في سبع سور من القرآن الكريم :
إحداها : سورة آل عمران ، ففيها قوله تعالى‌ََ : «هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ اُمّ الكتاب واُخر متشابهات فأمّا الذين في قلوبهم زَيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ... »(3).
والاُخرى : سورة النساء ، ففيها قوله تعالى‌ََ : «يا أ يّها الذين آمنوا أطيعوا
اللَّه وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شي‌ءٍ فردّوه إلى‌ََ اللَّه والرسول إن كنتم تؤمنون باللَّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً »(4).
والثالثة : سورة الاعراف ، ففيها قوله تعالى‌ََ : «ولقد جئناهم بكتابٍ فصّلناه على‌ََ علمٍ وهدى‌ََ ورحمةٍ لقومٍ يؤمنون * هل ينظرون إلّاتأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربّنا بالحقّ ... »(5).
والرابعة : سورة يونس ، ففيها قوله : «بل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تأويله ... »(6).
والخامسة : سورة يوسف ، جاء فيها قوله : «وكذلك يجتبيك ربّك ويعلّمك من تأويل الاحاديث ... »(7).
والسادسة والسابعة : سورتا الاسراء والكهف‌(8) ، اذ جاءت فيهما كلمة التأويل على‌ََ هذا المنوال أيضاً .
وبدراسة هذه الآيات نعرف أنّ كلمة التأويل لم ترد فيها بمعنى‌ََ التفسير وبيان مدلول اللفظ ، ولا يبدو إمكانية ورودها بهذا المعنى‌ََ إلّافي الآية الاُولى‌ََ فقط ، لأنّ التأويل في الآية الاُولى‌ََ اُضيف الى‌ََ الآيات المتشابهة ، ولهذا ذهب كثير من مفسري الآية الى‌ََ القول : بأنّ تأويل الآية المتشابهة هو تفسيرها وبيان مدلولها ، وتدل الآية عندئذ على‌ََ عدم جواز تفسير الآية المتشابهة ، وبالتالي على‌ََ أنّ قسماً من القرآن يستعصي على‌ََ الفهم ولا يعلمه إلاّ اللَّه والراسخون في العلم ، وأمّا ما يتاح للانسان الاعتيادي فهمه وتفسيره ومعرفة معناه من القرآن فهو الآيات المحكمة منه فقط .
وهذا الموقف الذي وقفه اُولئك المفسرون من هذه الآية الكريمة ، وحملهم لكلمة التأويل على‌ََ ضرب من التفسير نتيجة لانسياقهم مع المعنى‌ََ الاصطلاحي لكلمة التأويل ، ونحن بازاء موقف من هذا القبيل يجب أن نعرف قبل كل شي‌ء أنّ المعنى‌ََ الاصطلاحي هل كان موجوداً في عصر القرآن ؟ وهل جاءت كلمة التأويل بهذا المعنى‌ََ وقتئذ ؟ ولا يكفي مجرد انسياق المعنى‌ََ الاصطلاحي مع سياق الآية لنحمل كلمة التأويل فيها عليه .
وملاحظة ما عدا الاولى‌ََ من الآيات التي جاءت فيها كلمة التأويل تدل على‌ََ أ نّها كانت تستعمل في القرآن الكريم بمعنى‌ََ آخر غير التفسير ، ولا نملك دليلاً على‌ََ أ نّها استعملت بمعنى‌ََ التفسير في مورد ما من القرآن .
والمعنى‌ََ الذي يناسب تلك الآيات هو ان يكون المراد بتأويل الشي‌ء ما يؤول إليه ، ولهذا اُضيف التأويل الى‌ََ الرد الى‌ََ اللَّه والرسول تارة ، والى‌ََ الكتاب اُخرى‌ََ ، والى‌ََ الرؤيا ، والى‌ََ الوزن بالقسطاس المستقيم .
وهذا نفسه هو المراد في أكبر الظنّ من كلمة التأويل في الآية الاُولى‌ََ التي اُضيف فيها التأويل الى‌ََ الآيات المتشابهة في قوله تعالى‌ََ : «.... فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ... »(9)
فتأويل الآيات المتشابهة ليس بمعنى‌ََ بيان مدلولها وتفسير معانيها اللغوية ، بل هو ما تؤول إليه تلك المعاني ، لأن كل معنى‌ََ عام حين يريد العقل ان يحدده ويجسده ويصوره‌ في صورة معينة ، فهذه الصورة المعينة هي تأويل ذلك المعنى‌ََ العام .
وعلى‌ََ هذا الاساس يكون معنى‌ََ التأويل في هذه الآية هو ما أطلقنا عليه اسم تفسير المعنى‌ََ ، لأن الذين في قلوبهم زيغ كانوا يحاولون أنْ يحددوا صورة معينة لمفاهيم الآيات المتشابهة اثارة للفتنة ، لأنّ كثيراً من الآيات المتشابهة تتعلق معانيها بعوالم الغيب ، فتكون محاولة تحديد تلك المعاني وتجسيدها في صورة ذهنية خاصة عرضة للخطر وللفتنة . ونستخلص من ذلك أمرين :
أحدهما : التأويل جاء في القرآن بمعنى‌ََ ما يؤول إليه الشي‌ء لا بمعنى‌ََ التفسير ، وقد استخدم بهذا المعنى‌ََ للدلالة على‌ََ تفسير المعنى‌ََ لا تفسير اللفظ ، اي على‌ََ تجسيد المعنى‌ََ العام في صورة ذهنية معينة .
والآخر : ان اختصاص اللَّه سبحانه والراسخين في العلم بالعلم بتأويل الآيات المتشابهة لا يعني أنّ الآيات المتشابهة ليس لها معنى‌ََ مفهوم ، وان اللَّه وحده الذي يعلم بمدلول اللفظ وتفسيره ، بل يعني أنّ اللَّه وحده الذي يعلم بالواقع الذي تشير إليه تلك المعاني ، ويستوعب حدوده وكنهه . وأما معنى‌ََ اللفظ في الآية المتشابهة فهو مفهوم بدليل أنّ القرآن يتحدث عن اتباع مرضى‌ََ القلوب للآية المتشابهة ، فلو لم يكن لها معنى‌ََ مفهوم لما صدق لفظ ( الاتباع ) هنا ، فما دامت الآية المتشابهة يمكن ان تتبع فمن الطبيعي ان يكون لها معنى‌ََ مفهوم ، وكيف لا يكون لها معنى‌ََ مفهوم وهي جزء من القرآن الذي اُنزل لهداية الناس وتبيان كل شي‌ء !
والواقع أنّ عدم التمييز بين تفسير اللفظ وتفسير معنى‌ََ اللفظ هو الذي أدّى‌ََ الى‌ََ الاعتقاد بأنّ التأويل المخصوص علمه باللَّه هو تفسير اللفظ وبالتالي الى‌ََ القول بأنّ قسماً من الآيات ليس لها معنى‌ََ مفهوم ، لأنّ تأويلها مخصوص باللَّه ، ونحن اذا ميّزنا بين تفسير اللفظ وتفسير المعنى‌ََ نستطيع أنْ نعرف أنّ المخصوص باللَّه هو تأويل الآيات المتشابهة ، بمعنى‌ََ تفسير معانيها لا تفسير ألفاظها .
وهكذا يمكننا في هذا الضوء ان نضيف الى‌ََ المعاني الاصطلاحية التي مرت بكلمة التأويل معنى‌ََ آخر هو : تفسير معنى‌ََ اللفظ ، والبحث عن استيعاب ما يؤول إليه المفهوم العام ، ويتجسد به من صورة .
المصادر :
1- الزركشي في البرهان 1 : 13 ، وما نقله الذهبي عن بعضهم في « التفسير والمفسرون » 1 : 15 ، وما ذكره الزرقاني في « مناهل العرفان » 1 : 481 .
2- القاموس : مادة ( اول )
3- آل عمران : 7
4- النساء : 59
5- الأعراف : 52
6- يونس : 39
7- يوسف : 6
8- الإسراء : 35 ، والكهف : 78
9- آل عمران : 7

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

حالة الحسين بعد مقتل مسلم
أين يقع غدير خُمّ؟
مكانة السيدة المعصومة (عليها السلام)
ابن عباس: مدرستُه، منهجه في التفسير
من معاجز أمير المؤمنين عليه السّلام
من كنت مولاه فهذا علي مولاه
دعاء الموقف لعلي بن الحسين ع
المهدي المنتظر في القرآن الكريم
خصائص القائد الإسلامي في القرآن الكريم
الولاء لأهل البيت عليهم السلام

 
user comment