عربي
Saturday 27th of April 2024
0
نفر 0

المتصدي لصرف الخمس

المتصدي لصرف الخمس
الكلام في هذا المقام بعد تعيين المصرف، في بيان من يتصدى لصرف سهم الإمام أو السادة في محلّه، فقد ذهب جماعة منهم السيد الطباطبائي في المتن إلى أنّ أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه وهو المجتهد الجامع للشرائط فلابدّ من الإيصال إليه أو الدفع إلى المستحقّين بإذنه.
وفي مقابل ذلك من يقول بأنّه إذا أحرز رضاه ـ عليه السَّلام ـ لصرفه في جهة معيّنة جاز للمالك تولّي ذلك بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي.
قال المحقّق بعد ما جعل الأقرب صرف حصّته في الأصناف الموجودين:يجب أن يتولّى صرف حصّة الإمام في الأصناف الموجودين، مَنْ إليه الحكم بحقّ النيابة كما يتولى أداء ما يجب على الغائب.(1)
وقال العلاّمة المجلسي: وأكثر العلماء قد صرّحوا بأنّ صاحب الخمس لو تولّى دفع حصّة الإمام ـ عليه السَّلام ـ لم تبرأ ذمّته بل يجب عليه دفعها إلى الحاكم، وظنّي أنّ هذا الحكم جار في جميع الخمس.(2)
وفي مقابله ما ذهب إليه المفيد من جواز صرفه لمن في يده: قال: إذا فقد إمام الحقّووصل إلى الإنسان ما يجب فيه الخمس، فيخرجه إلى يتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم ليوفر قسط ولد أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ لعدول الجمهور عن صلتهم. ولمجيء الرواية عن أئمّة الهدى بتوفير ما يستحقّونه من الخمس في هذا الوقت على فقراء أهلهم وأيتامهم وأبناء سبيلهم.
ومال إليه صاحب الحدائق :انّا لم نقف له على دليل، وغاية ما يستفاد من الأخبار نيابته بالنسبة إلى التّرافع إليه والأخذ بحكمه وفتاواه، وأمّا دفع الأموال إليه فلم أقف له على دليل لا عموماً ولا خصوصاً، وقياسه على النوّاب الذين ينوبونهم ـ عليهم السَّلام ـ حال وجودهم لذلك أو لما هو أعمّ منه لا دليل عليه.(3)
وقد بنى بعضهم المسألة على إحراز الرضا حيث قال: يتبع هذا ما عليه المالك من الوجدان ولا يصل الأمر إلى البرهان، فإن كان قد وجد من نفسه ـ فيما بينه و بين ربّه ـ أنّه قد أحرز رضا الإمام ـ عليه السَّلام ـ بالتصرف الكذائي بحيث كان قاطعاً أو مطمئناً به فلا إشكال ولا حاجة معه إلى المراجعة، وأمّا إذا لم يجد من نفسه هذا الإحراز بل انقدح في ذهنه احتمال أن يكون هذا الصرف منوطاً بإذن نائب الإمام في عصر الغيبة كما كان منوطاً بإذن نفسه في عصر الحضور ولم يتمكّن من دفع هذا الاحتمال كان اللازم مراجعة الحاكم.
يلاحظ عليه: ليس الكلام في وظيفة العامي، حتى يكون الميزان إحراز رضاه، بل الكلام في مقتضى الأدلّة لدى المجتهد فإذا أفتى بواحد من الوجهين فلا تصل النوبة إلى وجدانه.
أقول: مقتضى الأدلّة هو مراجعة الحاكم الشرعي للدليل الآتي.
إنّ الخمس ليس ملكاً شخصياً للإمام بل ملك له بما أنّه قائم بأمر الإمامة والزعامة، كما هو صريح صحيح أبي علي بن راشد قال : قلت لأبي الحسن الثالث: إنّا نؤتى بالشيء فيقال هذا كان لأبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ عندنا فكيف نصنع؟ فقال: «ما كان لأبي ـ عليه السَّلام ـ بسبب الإمامة فهو لي، و ما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب اللّه وسنّة نبيّه».(4)
فإذا كان الخمس راجعاً لمقام الإمامة وليس منصبها أمراً قابلاً للتعطيل فالشاغل لمنصبه في عصر الغيبة، إنّما هو الفقيه العارف بالكتاب والسنّة، فكيف يكون نائباً عنه في شؤون الإمامة ولا يكون نائباً عنه في المال الخاص به؟
ويؤيد ما ذكرنا أنّ الأموال في عصر الحضور كانت تجلب إليهم ، بما أنّهم كانوا هم القائمين لوظائف الإمامة في عصرهم، فمقتضى النيابة كونه كذلك في غيبتهم، واحتمال اختصاص ذلك بعصر الحضور ينافي القول باستمرار وظائف الإمامة وإن انقطعت الإمامة.
أضف إلى ذلك أنّ تولّي أرباب الأموال لتقسيم الخمس يستلزم الهرج، من دون أن يصرف المال في مواقعها ومصالح الإمامة.
نعم ما ذكر من الوجه لا يأتي في سهم السادة، إذ ليس لسهامهم صلة بمقام الإمامة. فيجوز لربّ المال تخميس ماله ودفع الشطر التّالي إلى أصحابه وأمّا إذا قلنا بأنّ جميع السهام راجع إلى مقام الإمامة والولاية العامة لإدارة الشؤون الدّينيّة وأنّ إدارة معيشة الأصناف الثلاثة من وظائف مقام الإمامة، فكان لا إشكال في جواز نقل الخمس من بلده إلى غيره إذا لم يوجد المستحقّ فيه، بل قد يجب كما إذا لم يمكن حفظه مع ذلك، أو لم يكن وجود المستحقّ فيه متوقّعاً بعد ذلك، ولا ضمان حينئذ عليه لو تلف، و الأقوى جواز النقل مع وجود المستحقّ أيضاً، لكن مع الضمان لو تلف، ولا فرق بين البلد القريب والبعيد و إن كان الأولى القريب إلاّ مع المرجّح للبعيد.
المراد من النقل نقل نفس الخمس ، إمّا لولايته على الإفراز كما هو الحقّ ـ لأنّ الخطاب بالأداء ، يلازم جواز الإفراز للمؤدّي ـ أو لتحقق الإفراز بالحاكم الشرعي دون التقسيم، وعلى كلّ تقدير فقد أفتى بوجوب النقل في صورتي عدم التمكّن من الحفظ أو عدم توقع المستحق، مع عدم الضمان عليه، أمّا الوجوب، فلوجوب إيصال مال الغير إليه، وأمّا عدم الضمان فلأنّ الوجوب ينافي الضمان، إلاّ إذا كان مقصّراً، كما في مورد الغاصب. ويمكن الاستدلال بما رواه الصدوق بسند صحيح عن أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ قال: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها لقوم، فضاعت، أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شيء عليه». وفي رواية محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ : رجل بعث بزكاة مال لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه ، فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده».(5)
وتحمل الأُولى على ما إذا لم يكن المستحق موجوداً.
إنّما الكلام في غير هاتين الصورتين كما إذا كان المستحق موجوداً أو متوقعاً فيقع الكلام في أُمور:
1. جوازه تكليفاً.
2. إجزاؤه إذا نقله وصرفه في غير مكانه.
3. ضمانه لو تلف.
أمّا جواز النقل في المقام والزكاة، فقد قال السيد الطباطبائي في كتاب الزكاة: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر ولو مع وجود المستحق في البلد، وإن كان الأحوط عدمه كما أفتى به جماعة، ولكن الظاهر الإجزاء لو نقل على هذا القول أيضاً.
قال المحقّق: لا يحلّ حمل الخمس إلى غير بلده مع وجود المستحق ولو حمل والحال هذه ضمن ويجوز مع عدمه.(6)
وجوب الاستئذان قويّاً في جميع الأسهم، وهذا ما احتمله صاحب الجواهر في نهاية المسألة الرابعة للمحقّق وقال: لولا وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في أنّ الخمس جميعه للإمام ـ عليه السَّلام ـ وإن كان يجب عليه الإنفاق منه على الأصناف الثلاثة الذين هم عياله، ولذا لو زاد كان له ـ عليه السَّلام ـ ولو نقص كان الإتمام عليه من نصيبه، وحلّلوا منه من أرادوا(الجواهر:16/155.)
وبذلك يظهر قوة إفادة السيد الطباطبائي في آخر المسألة حيث قال: وأمّا النصيب الآخر للأصناف الثلاثة فيجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه لكن الأحوط منه أيضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه، لأنّه أعرف بمواقعه والمرجّحات الّتي ينبغي ملاحظتها، والأولى أن يقول: إنّ الجميع ملك لمقام الإمامة وإدارة الأصناف من شؤونهم.
لو أذن الفقيه في النقل لم يكن عليه ضمان ولو مع وجود المستحقّ.
قد عرفت أنّ الضمان، ينافي الوجوب إلاّ إذا كان مقصِّراً، وعلى ضوء ذلك فلو طلبه الحاكم وحكم بالنقل إلى مكان آخر فلا ضمان عليه، ومثله ما لو وكّله في قبضه عنه بالولاية العامة ثمّ أذن في نقله، لأنّ قبضه عندئذ كقبض الولي، أو المستحق، ويعد إيصالاً إلى محلّه.
و كذا لو وكّله في قبضه عنه بالولاية العامّة ثمّ أذن في نقله الزكاة خصوصاً مع طلب المساواة بين المستحقين(7)
واختار المحدّث البحراني عدم الجواز في الزكاة والخمس معاً.
ويمكن استظهار عدم الجواز، من كونه منافياً للفورية، ومستلزماً لمنع المستحق عن حقّه في بلد الخمس، وموجب لتعريض المال على التلف، والجميع منظور فيه إذ لم يدلّ دليل على الفورية، بل لا يجوز التساهل والتسامح وربّما يكون إيصاله إلى المستحقّ في المكان المنقول إليه أقرب، وليس المستحق خصوص الموجودين في البلد بل العناوين الثلاثة، ونسبة القريب والبعيد إليه سواء، وضمان الناقل يصونه عن كونه معرضاً للتلف.
إنّما الكلام إذا أذن بلا إلزام، فهل الإذن يخرج يده عن كونها يد ضمان مثل ما إذا نقل مال الغير بإذنه، فضاع في الطريق أو لا؟ بل أقصاه أنّه يكون مأذوناً في النقل ولا يحرم النقل، وولاية الحاكم على الخمس ليس كولاية الإنسان على ماله الشخصي حتى يستدل بعدم الضمان فيه بالإذن، على عدمه هناك إذ ليس للحاكم التقلّب فيه كيف ما شاء بخلاف المال الشخصي فللمالك التصرّف فيه كيف ما شاء، والأقوى الأوّل، وإن كان الثاني أحوط.
مؤنة النقل على الناقل في صورة الجواز، ومن الخمس في صورة الوجوب.
أمّا الأوّل، لإمكان الدفع في البلد وعدم الملزم إلى النقل، فإقدامه بالنقل من دون ملزم، التزام بتحمّل مؤنته، وبعبارة أُخرى: إذا أمكن إيصال المال بتمامه إليصاحبه، فلا مسوّغ لإيصاله بطريق موجب لنقص المال إلاّأن يقوم بترميمه.
ليس من النقل لو كان له مال في بلد آخر فدفعه فيه للمستحقّ عوضاً عن الّذي عليه في بلده، و كذا لو كان له دين في ذمّة شخص في بلد آخر فاحتسبه خمساً و كذا لو نقل قدر الخمس من ماله إلى بلد آخر فدفعه عوضاً عنه.
إذا قلنا بحرمة النقل فجوازه في المقام إمّا لعدم تحقّقه كما في الصورتين الأُوليين أصلاً، أو تحققه لكن لغير الخمس، غاية الأمر يؤدى الخمس منه.
وأمّا الثاني، فلأنّ إلزام صاحب المال بدفع أُجرة النقل، يحتاج إلى الدليل، بعد كون المال للغير والنقل لصالحه.
فإن قلت: إذا كان الإيصال واجباً فيكون ما يتوقّف عليه واجباً.
قلت: الواجب هو الأداء ورفع المانع عن تحققه، وأمّا الإيصال فلا، فعلى الولي الحاكم أو المستحق قطع الطريق وأخذ الحقّ.
وبالجملة: إيراد النقص على الخمس في الصورة الأُولى، أو تكليف صاحب المال بشيء وراء ما وجب عليه، يحتاج إلى الدليل.
لو كان الذي فيه الخمس في غير بلده فالأولى دفعه هناك، و يجوز نقله إلى بلده مع الضمان. لأنّ المدار بلد الخمس، لا بلد المالك فيأتي جميع الأقسام السالفة فيه كما لا يخفى.
إن كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلده جاز نقل حصّة الإمامعليه السَّلام إليه، بل الأقوى جواز ذلك و لو كان المجتهد الجامع للشرائط موجوداً في بلده أيضاً بل الأولى النقل إذا كان من في بلد آخر أفضل أو كان هناك مرجّح آخر. إذا كان أمر حصّة الإمام بيد الحاكم الشرعي، وجب نقل حصّة الإمام ـ عليه السَّلام ـ إليه، فقوله: «جاز نقله» محمول على الجواز بالمعنى الأعم، وحمله السيد الحكيم على الجواز بالمعنى الأخص قائلاً: بأنّ المعيار في جواز التصرّف في حصّة الإمام عليه السَّلام العلم بالرضا وعليه يدور أمر النقل وعدمه، مداره، ومع تساوي النقل وعدمه فيه يتخير.
هذا إذا قلنا بتعلّق الحرمة بعنوان النقل وأمّا إذا قلنا بحرمته لأجل أنّه إضاعة لحقّ المستحقين في بلد الخمس، أو لأنّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر، فملاك الحرمة موجود في الصورالثلاث، والذي يسهل الأمر عدم الدليل على حرمة النقل.
يلاحظ عليه: أنّ العلم بالرضا ، يعيّن المصرف، وأمّا الكيفية، فإن أذعن أيضاً برضاه فيها وإلاّ فأصالة الاشتغال تقتضي أن ينقل إليه وجوباً.
يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر له نقداً أو عروضاً و لكن يجب أن يكون بقيمته الواقعيّة، فلوحسب العروض بأزيد من قيمتها لم تبرأ ذمّته و إن قبل المستحقّ و رضي به. قد مرّ أنّه يجوز أداء الخمس من العين والنقد، لأنّه مقياس القيم عند العقلاء وقد كان أداء الخمس في عصرهم ـ عليهم السَّلام ـ بالنقد، وفي رواية إسحاق بن عمّار الصيرفي، أنّ دفع النقد في زكاة الفطرة أنفع بحال الفقير، لأنّه يشتري ما يريد.(8)
وأمّا العروض فيجوز إذا كان ممّا تمس به حاجة السادة ويحاسب بقيمته الواقعية لا أزيد وإن رضى المستحق، إذ ليس ملكاً شخصياً له حتى يؤثر رضاه وإنّما المالك الواقعي هو العنوان الكلي المتجسّد فيه وفي غيره ولو حاسب أزيد من قيمته الواقعية لم تبرأ ذمّته بمقدار الزيادة، لا مطلقاً.
لا تبرأ ذمّته من الخمس إلاّ بقبض المستحقّ أو الحاكم ، سواء كان في ذمّته أو في العين الموجودة، و في تشخيصه بالعزل إشكال. قد سبق هنا أنّ للمالك ولاية العزل لأنّه المخاطب بالأداء ويلازم عرفاً الولاية له، فإذا عزله وقبض المستحق أو وليه الحاكم، فقد برأت ذمّته إنّما الكلام في العزل «فقال الماتن فيه و في تشخيصه بالعزل إشكال».
لا شكّ في أنّ ذمة المالك تبرأ بقبض المستحق أو الحاكم، إنّما الكلام في تعيّنه للخمس بمجرد عزله بحيث لو تلف بدون تعدّ وتفريط، لا يكون ضامناً ويصير بمنزلة التلف في يد المستحق.
مقتضى القاعدة، هو عدم التعيّن، كالدين فلا تبرأ الذمة إلاّ بقبض الدائن أو وكيله، ومثله المقام فلا تبرأ الذمة بمجرد العزل وأمّا عزل الموالي، الخمس وبعثه إلى الإمام، فلا يدل على تعيّنه له قبل القبض، لأنّ المفروض أنّ بعث الخمس إليهمعليهم السَّلام كان مقروناً بالقبض والقبول، فلا يدل التعيّن هناك على التعيّن في المقام وأمّا جواز نقل الخمس، فلا يدلّ على التعيّـن ولذا قلنا بضمانه إذا نقله مع وجود المستحق.
وأمّا بالنظر إلى الروايات الواردة في باب الزكاة، وكون الخمس بدلاً منها، فالحقّ جواز العزل وتعيّن المعزول له.
روى يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ : زكاتي تحلّ عليّ في شهر أيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني (يكون عندي عدّة)؟فقال: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك لا تخلطها بشيء ثمّ أعطها كيف شئت». قال قلت: فإن أنا كتبتُها وأثبتُّها يستقيم لي؟ قال: «نعم لا يضرّك».
روى علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ ، قال: سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا تمكنني أن أُؤدّيها قال: «اعزلها، فإن اتّجرت بها فأنت لها ضامن ولها الربح وإن تَوِيَتْ في حال ما عزلتها، من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شيء، فإن لم تعزلها فاتّجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح ولا وضيعة عليها».(9)
إذا عرفت ذلك نقول: الناظر في الروايات يقف على أنّ المالك بما هو الشريك الأكبر له ولاية التقسيم وإخراج الخمس في أيّ جزء من أجزاء ماله ما يشاء وليس للحاكم ولا للمستحق إلزامه فالإعطاء من مال خاص، كما أنّ له الولاية في الإيصال وأمّا تعينه قبل قبض المستحق بحيث لو تلف بلا تعد وتفريط
لا يكون ضامناً، فيتوقف على إلغاء الخصوصية وعطف الخمس على الزكاة وليس ببعيد. وإن أبيت وقلت بالضمان قبل قبض المستحق، فالظاهر ترتب جميع آثار الإفراز إلاّ الضمان، ولو اتّجر به يكون الربح للمستحق لا للمالك.
إذا كان له في ذمّة المستحقّ دين جاز له احتسابه خمساً وكذا في حصّة الإمام عليه السَّلام إذا أذن المجتهد.
يقع الكلام في مقامين:
الأوّل: ما هو واقع الاحتساب؟
ليس الاحتساب من قبيل الإبراء، إذ هو عبارة عن غضّ النظر عن الدين بلا عوض، بخلاف المقام فانّه مشتمل عليه إذ بالاحتساب تبرأ ذمّةُ المستحق المديون، كما تبرأ ذمّة المالك عن الخمس.
كما أنّه ليس من قبيل التمليك لأنّه يتوقف على القبول وهو منتف في بعض الصور.
بل الاحتساب يدور بين أحد أمرين:
1. إنّه من قبيل تبديل ما في ذمّة المديون إلى الخمس لولايته عليه، كولايته على التقسيم والإفراز والانضاض.
2. من قبيل تقاص ما في يده عمّا في ذمّة المستحق، وهو الظاهر من الرواية التي يرويها سماعة، عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير، يريد أن يعطيه من الزكاة فقال: «إن كان الفقير عنده وفاء بما كان
عليه من دين من عرض من دار، أو متاع من متاع البيت أو يعالج عملاً يتقلب فيها بوجهه، فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه فلا بأس أن يقاصّه بما أراد، أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها فإن لم يكن عند الفقير وفاء ولا يرجو أن يأخذ منه شيئاً فيعطيه من زكاته ولا يقاصه شيء من الزكاة».(10)
وقوله: «أو يحتسب» يحتمله أن يكون عطف تفسير للتقاص، بشهادة أنّه اقتصر في الشق المقابل بقوله: «ولا يقاصه شيء من الزكاة» ولم يزد عليه قوله: «ولا يحتسب بها، فالاحتساب أشبه بالتقاصّ.
الثاني: في جواز الاحتساب
إنّ الاحتساب أمر عقلاني رائج بين الناس في الأُمور الماليّة، والزكاة والخمس وإن كانا من الأُمور القربيّة، لكن بما أنّه لم يرد في كيفية أدائهما نص خاص، يُتَّبع ما هو الرائج ما لم يكن منع من الشارع. أضف إلى ذلك أنّ الغرض من فرض الخمس هو إغناء الفقير وسدّ خلّته ورفع حاجته، وحلّ مشكله في الحياة، وهو حاصل بالاحتساب ولذلك تضافرت الروايات على الجواز في باب الزكاة وتوقف بعضهم في إسرائه إلى باب الخمس ظنّاً بأنّه قياس غير تام لمساعدة العرف على إلغاء الخصوصية .
ثمّ إنّ السيد الحكيم أشكل في هذا الأمر العرفي وقال ما هذا حاصله:
الظاهر من الاحتساب أنّه إيقاع لا تمليك، فجوازه يتوقّف على أُمور:
1. كون اللام في آية الخمس لبيان المصرف لكفاية إبراء الذمة في المصرف لكن كون اللام للمصرف، خلاف الظاهر .
2. أن تكون اللام للملك، لكن المالك طبيعة الفقير، والمالك والفقيه بحسب ولايته على المال الذي ليس له مالك معيّن، يصرفه في مصالح الطبيعة، ومن المصالح إبراء ذمّة بعض أفراد الطبيعة. وفيه أنّ ثبوت هذه الولاية المطلقة لا دليل عليه وإنّما الثابت هو الولاية على تطبيق الكلي على الفرد، ودفع ماله إليه، لا الولاية على صرف المال في مطلق مصالح الطبيعة ومنها إبراء الذمة لبعض أفرادها.
3. البناء على صحّة عزل الخمس في المال الذي في ذمّة الفقير وبعد تطبيق المستحق عليه، يسقط قهراً. وفيه أنّ عزل الخمس في المال الخارجي محلّ إشكال، فضلاً عمّا في الذمّة، ومن ذلك يظهر الإشكال في جواز الاحتساب في هذا القسم من الخمس، نعم لا يبعد ذلك في سهم الإمام ـ عليه السَّلام ـ للعلم برضاه، وقاعدة إلحاق الخمس بالزكاة لا دليل عليها.(11)
والوجوه المذكورة لا تخلو عن نظر.
1. قد عرفت أنّ الاحتساب ليس إيقاعاً، أي إبراءً، لأنّه إنّما يتصوّر إذا لم يكن هناك عوض والمقام غير خال عن العوض.
2. إنّ الأصناف الثلاثة من قبيل المصارف، بشهادة حذف اللام الموجودة في الأفراد المتقدّمة عليها، والذهن العرفي لا يساعده.
3. انّ تحديد ولاية المالك والفقيه بتطبيق الكلي على الفرد، دون صرف المال في مطلق مصالح الطبيعة ومنها إبراء الذمة لبعض أفرادها لا يخلو عن خفاء، إذ المقام أيضاً من قبيل تطبيق الكلي على الفرد، ولو كان هناك اختلاف، فإنّما هو في كيفية الأداء وإلاّ فكلّي الفقير طُبِّق على الفقير المديون.
إذا أراد المالك أن يدفع العوض نقداً أو عروضاً لا يعتبر فيه رضى المستحقّ أو المجتهد بالنسبة إلى حصّة الإمام عليه السَّلام و إن كانت العين التي فيها الخمس موجودة، لكن الأولى اعتبار رضاه خصوصاً في حصّة الإمامعليه السَّلام. وذلك لأنّ أداء الخمس ليس من قبيل المعاوضة حتى يتوقف على رضا الطرفين، وما دلّ على جواز أدائه بالنقد، دلّ عليه غير مقيدة برضا المستحق، نعم في ولاية المالك على الدفع من غير النقدين كلام مرّ وقلنا بالجواز إذا كان الجنس رافعاً لحاجة المستحق كالنقد.
4. قد عرفت أنّ الأمر بالأداء يلازم عرفاً الولاية على التقسيم والإيصال غاية الأمر يكون ضامناً إلى أن يقبضه المستحق، وهذه الأُمور كلّها موجودة في المقام.
5. إذا كان العلم برضا الإمام ـ عليه السَّلام ـ كافياً في الاحتساب فليكن العلم برضاه به في مورد الأصناف الثلاثة كافياً، خصوصاً إذا قلنا بأنّ أمر الخمس كلّه بيده.
فخرجنا بهذه النتيجة ، كفاية الاحتساب مثل باب الزكاة.
ثمّ إنّ القول بجواز الدفع بالنقد والعروض، لا ينافي كون تعلّق الخمس من باب الإشاعة أو الكلّي في المعيّن، أو كتعلّق الحقّ، لأنّ للمالك ، الولاية على التقسيم والانضاض وفكّ العين عن الحق. نعم يكون ما ذكر على القول بتعلّقه بالمالية السيّالة أوضح.
المسألة 18: لا يجوز للمستحقّ أن يأخذ من باب الخمس و يردّه على المالك إلاّ في بعض الأحوال، كما إذا كان عليه مبلغ كثير و لم يقدر على أدائه بأن صار معسراً و أراد تفريغ الذمّة فحينئذ لا مانع منه إذا رضي المستحقّ بذلك.
وقال قدَّس سرَّه في كتاب الزكاة: السادسة عشرة: لا يجوز للفقير وللحاكم الشرعي أخذ الزكاة من المالك ثمّ الردّ عليه المسمّى بالفارسية بـ «دست3گردان» أو المصالحة معه بشيء يسير أو قبول شيء منه بأزيد من قيمته أو نحو ذلك، فانّ كلّ ذلك حيل في تفويت حقّ الفقراء، وكذا بالنسبة إلى الخمس والمظالم ونحوهما.
نعم لو كان شخص عليه من الزكاة أو المظالم أو نحوهما مبلغ كثير، وصار فقيراً لا يمكنه أداؤها وأراد أن يتوب إلى اللّه، لا بأس بتفريغ ذمّته بأحد الوجوه المذكورة ـ و مع ذلك إذا كان مرجو التمكّن بعد ذلك ـ الأولى أن يشترط عليه أداؤها بتمامها عنده.(12)
أقول: إنّ للحاكم الولاية على الزكاة والخمس لكن في إطار مصالح المستحقين فلا يجوز له فعل ما فيه إضاعة حقهم، وأمّا سائر الأصناف فليست لهم أيّة ولاية، غاية الأمر، لهم بذل ما أخذوه للآخرين بعنوان الزكاة أو الخمس في حدّ شأنهم، لا ما إذا كان فوقه. إذا علمت ذلك فنقول: للمسألة صور مختلفة:
1. إذا كان الدفع بصورة الإقراض، مثلاً لو كان عليه مائة دينار، ولا يملك فعلاً إلاّ عشرة، فيدفعها إلى الحاكم، ثمّ يقرضها الحاكم له و يتكرّر دفع الخمس من جانب المالك عشر مرّات، والإقراض من جانب الحاكم تسعة، وهذا جائز،لولاية الحاكم على التصرف بما فيه مصالح المستحقين، إذ المفروض عدم تمكّنه إلاّ بأداء عشرة دنانير و المفروض قبضها نهاية، غاية الأمر صار المالك مديوناً للحاكم،
2. أن يأخذ الخمس، ثمّ يهبه إلى المالك وكانت الهبة وفق شأن الحاكم أو الفقير، فتبرأ ذمّته.
3. نفس الصورة وتكون فوق شأنهما على وجه يعدّ ضياعاً لحقّ المستحق فلا يجوز.
فإن قلت: إنّ المستحق بعد القبض يكون مالكاً له فيكون مسلّطاً على ماله يصرفه حيث شاء.
قلت: هو مالك لما قبض بشرط صرفه فيما يحتاج إليه في حياته حسب شؤونه، لا الخارج عن هذا الإطار وردّ المأخوذ إلى المالك، صرف له، في غير ما عيّن للصرف فيه.
وبذلك يعلم ما في كلام الماتن حيث استثنى ما إذا كان عليه مبلغ كبير ولم يقدر على أدائه بأن صار معسراً وأراد تفريغ ذمّته فأفتى بأنّه لا مانع منه إذا رضى المستحق بذلك، وذلك لأنّه ليس للمستحق تلك الولاية، بل له صلاحية الأخذ والصرف فيما يرفع به حاجته، وأمّا إفراغ ذمّة المالك بالنحو المزبور فليس له ذلك الأمر، بل المالك يبقى مديوناً للسادة كسائر ديونه لكن لا يجبر بل ينظر إلى الميسرة.
4. أن يصالح الشيء الكثير بشيء يسير، فلا يجوز لما ذكر.
5. أن يقبل المستحق شيئاً بأزيد من قيمته الواقعية، فلا يجوز أيضاً.
وبالإحاطة بالصور، يظهر ما هو الصحيح عن غيره الوارد في المتن.
إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممّن لا يعتقد وجوبه كالكافر و نحوه لم يجب عليه إخراجه فإنّهم عليهم السَّلام أباحوا لشيعتهم ذلك سواء كان من ربح تجارة أو غيرها، و سواء كان من المناكح و المساكن والمتاجر أو غيرها.
المصادر :
1- الشرائع:1/138.
2- لاحظ الحدائق: 12/468.
3- الحدائق: 12/470.
4- الوسائل: الجزء 6، الباب 2 من أبواب الأنفال، الحديث 6.
5- الوسائل: الجزء 6، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3و1.
6- الشرائع : 1/183.
7- المسالك: 1/472.
8- الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب الفطرة، الحديث 6.
9- الوسائل: الجزء 6، الباب 52 من أبواب مستحق الزكاة، الحديث 2و3; ولاحظ الباب 53.
10- الوسائل: الجزء 6، الباب 46 من أبواب مستحق الزكاة ، الحديث 3.
11- المستمسك:9/589.
12- العروة الوثقى، كتاب الزكاة، الفصل الختامي، المسألة 16.

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

حالة الحسين بعد مقتل مسلم
أين يقع غدير خُمّ؟
مكانة السيدة المعصومة (عليها السلام)
ابن عباس: مدرستُه، منهجه في التفسير
من معاجز أمير المؤمنين عليه السّلام
من كنت مولاه فهذا علي مولاه
دعاء الموقف لعلي بن الحسين ع
المهدي المنتظر في القرآن الكريم
خصائص القائد الإسلامي في القرآن الكريم
الولاء لأهل البيت عليهم السلام

 
user comment