العدالة
عن فضيل بن الجعد قال: آكد الأسباب كان فى تقاعد العرب عن أمير المؤمنين أمر المال فإنه لم يكن يفضل شريفاً على مشروف ولا عربياً على عجمىّ ولا يصانع
الرؤساء
وأمراء القبائل كما يصنع الملوك ولا يستميل أحداً إلى نفسه، وكان معاوية بخلاف ذلك، فترك الناس علياً والتحقوا بمعاوية، فشكا على إلى الأشتر تخاذل أصحابه
(أصدقائه) وفرار بعضهم إلى معاوية، فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين أنّا قاتلنا أهل البصرة بأهل الكوفة وأهل الشام بأهل البصرة وأهل الكوفة ورأى الناس واحد وقد
اختلفوا بعد وتعادوا وضعفت النيّة وقلّ العدد وأنت تأخذهم بالعدل وتعمل فيهم بالحق، وتنصف الوضيع من الشريف، فليس للشريف عندك فضل منزلة (على
__________________________________________________
(1) الغارات: 1/ 35؛ بحار الأنوار 41/ 134 باب 107 ح 45.
(2) الغارات: 1/ 36؛ بحار الأنوار: 34/ 312 باب 34 ح 1083؛ مستدرك الوسائل: 11/ 92 باب 35 ح 12497.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 259
الوضيع) فضجّت طائفة ممن معك من الحق إذ عموا به واغتموا من العدل إذ صاروا فيه ورأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء والشرف، فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا وقلّ
من ليس للدنيا بصاحب وأكثرهم يجتوى الحق (يكره الحق) ويشترى الباطل ويؤثر الدنيا، فإن تبذل المال يا أمير المؤمنين تمل إليك أعناق الرجال وتصفو نصيحتهم
ويستخلص ودّهم صنع الله لك يا أمير المؤمنين وكبت أعداءك وفضّ جمعهم وأوهن كيدهم وشتت أمورهم إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ «1».
فقال على (ع): أما ما ذكرت من عملنا وسيرتنا بالعدل فإن الله عزّ وجلّ يقول: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ «2» وأنا من أن
أكون مقصراً فيما ذكرت أخوف، وأما ما ذكرت من أن الحق ثقيل عليهم ففارقونا بذلك، فقد علم الله أنهم لم يفارقونا من جور ولا لجئوا إذ فارقونا إلى عدل، ولم يلتمسوا
إلا دنيا زائلة عنهم كان قد فارقوها، وليُسألنَّ يوم القيامة: للدنيا أرادوا أم لله عملوا؟، وأما ما ذكرت من بذل الأموال واصطناع الرجال، فإنه لا يسعنا أن نوفى أحداً أكثر
من حقه وقد قال الله سبحانه وتعالى الحق: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ «3» وقد بعث الله محمداً وحده وكثره بعد القلّة وأعزّ فئته
بعد الذلّة وإن يرد الله أن يولّينا هذا الأمر يذلّل لنا صعبه ويسهّل لنا حزنه وأنا قابل من رأيك ما كان لله عزّ وجل رضىً وأنت من آمن الناس عندى وأنصحهم لى وأوثقهم
فى نفسى إن شاء الله «4».
__________________________________________________
(1) سورة هود: الآية 11.
(2) سورة فصلت: الآية 46.
(3) سورة البقرة: الآية 249.
(4) الغارات: 1/ 46؛ بحار الأنوار: 41/ 133 باب 107 ح 45.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 260
source : دارالعرفان/ اهل البيت (ع) ملائكة الارض، للعلامة انصاریان حفظه الله تعالی