عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

رسالة فی معنی المولى

رسالة فی معنی المولى

قال الشیخ المفید أنکر رجل من البهشمیة ( 1 ) - ضمنا ومعه وجماعة من المعتزلة والمجبرة - أن یکون قول رسول الله صلى الله علیه وآله : ( من کنت مولاه فعلی مولاه ) ( 2 ) یحتمل الامامة ، أو فرض الطاعة والرئاسة .
وقال : غیر معروف فی اللغة ، ولا معلوم عند اهلها ، أن ( المولى ) امام ، ولا مفترض الطاعة ، ولا یعبر أحد منهم عن الامام ب‍ ( المولى ) ولا عن المفترض الطاعة ، إلا إذا کان فرض طاعته من جهة الملک .
وقال : ان أهل اللغة هم الاصل فی هذا الباب ، والیهم یرجع فی صحته وفساده ، وإذا ثبت عنهم ما ذکرناه فی نفی معناکم فی ( مولى ) من لفظه ، سقط تعلقکم .
فقلت له : ما انکرت على من قال ، لک انک لم تزد على الدعوى فی جمیع ما ذکرته شیئا ، وان اللغة واهلها بخلاف وصفک من اقرارهم بتضمن لفظة ( مولى ) الامامة ، وعلمهم بذلک وظهوره وانتشاره فی أشعارهم ، وکثرته فی استعمالهم . فمن ذلک قول الاخطل (3 ) وهو یمدح عبد الملک بن مروان ، (4) حیث عهد بنی امیة بالشام ، وأکثر من مدح ملوکهم ، فمدح معاویة بن أبی سفیان ویزید بن معاویة ومن بعدهم من خلفاء بنی مروان ، وهجا اعداءهم من العلویین وآل الزبیر ، والانصار الذین خاصموا بنی مروان ، مات سنة 90 هجریة ، (5).
وقال ابن عائشة : أفضى الامر إلى عبد الملک والمصحف فی حجره ، فاطبقه وقال : " هذا فراق بینی وبینک " . هلک عبد الملک سنة 86 هجریة .(6)
یقول :
فما وجدت فیها قریش لامرها * أعف وأوفى من أبیک وأمجدا
فاورى بزندیه ولو کان غیره * غداة اختلاف الناس أکدى واصلدا
فاصبحت مولاها من الناس کلهم * واحرى قریش أن تهاب وتحمدا
فوصفه بأنه اصبح امامها ورئیسها من بین کل الناس بلفظة " مولاها " .
والاخطل من لا یطعن علیه فی العربیة ، ولا یمکن تخطئته فیما علم من جهة اللغة ، کان أحد شعراء العرب وفصحائهم ، والمبرزین فی معرفة العربیة .
والکمیت بن زید (7) ، وهو ممن استشهد بشعره فی کتاب الله عز وجل ، وأجمع أهل العلم على فصاحته ومعرفته باللغة ، ورئاسته فی النظم ، قال أبو عکرمة الضبی : لولا شعر الکمیت لم یکن للغة ترجمان .
قال أبو الفرج : ولد أیام مقتل الامام الحسین علیه السلام سنة ستین ومات سنة ست وعشرین ومائة ، وکان مبلغ ، شعره حین مات خمسة آلاف ومائتین تسعة وثمانین بیتا .
قال أبو عبیدة : لو لم یکن لبنی أسد منقبة غیر الکمیت لکفاهم . دعا له الامام الصادق جعفر بن محمد علیه السلام بعد أن سمع منه أبیاتا فقال : " اللهم اغفر للکمیت ما قدم وما أخر وما أسر وما أعلن ، واعطه حتى یرضى " (8)
وجلالته فی العرب ، حیث یقول فی قصیدته المشهورة :
ویوم الدوح دوح غدیر خم * أبان له الولایة لو اطیعا
ولکن الرجال تبایعوها * فلم أر مثلها خطرا مبیعا
فلم أبلغ به لعنا ولکن * أساء بذاک أولهم صنیعا
وأوجب له الامامة بخبر الغدیر ، ووصفه بالرئاسة من جهة " المولى " .
ولیس یجوز على الکمیت مع جلالته فی اللغة والعربیة وضع عبارة على معنى لم یوضع علیه قط فی اللغة ، ولا استعملها قبله فیه أحد من أهل العربیة ، ولا عرفتها شئ عنه ( کذا ) کما وصفت أحد منهم ، لانه لو جاز ذلک علیه جاز على غیره ممن هو مثله ، وفوقه ، ودونه حتى یفسد اللغة بأسرها ، ولا یکون لنا طریق إلى معرفة لغة العرب على الحقیقة ، وینغلق الباب فی ذلک .
ثم من تقدم هذین الرجلین من أصحاب رسول الله صلى الله علیه وآله ، وفصحاء العرب الذین تحدوا بالقرآن ، وکان علامة اعجازه عجزهم عنه ، وقد شهدوا رسول الله صلى الله علیه وآله یقول هذا الکلام فی أمیر المؤمنین علیه السلام ، ووصفه به ، وفهموا معناه ، واضطروا إلى قصده فیه ، لمشاهدتهم مخارج ألفاظه ومعاینتهم اشاراته ، واضطرارهم بتحصیل ذلک إلى مراده ، کقیس بن سعد بن عبادة رحمه الله (9) حیث یقول فی قصیدته التی لا یشک أحد من أهل النقل فیها ، والعلم بها من قوله کالعلم بنصرته أمیر المؤمنین علیه السلام وحربه أهل صفین والبصرة معه ، وهی التی أولها :
قلت لما بغى العدو علینا * حسبنا ربنا ونعم الوکیل
حسبنا ربنا الذى فتح البص‍ *ـــرة بالامس والحدیث طویل
حتى انتهى إلى قوله :
وعلی امامنا وامام لس‍ *ــوانا أتى به التنزیل
یوم قال النبی : من کنت مولا * ه فهذا مولاه خطب جلیل
إن ما قاله النبی على الامة * حتم ما فیه قال وقیل
فیشهدها هکذا شهادة قاطعة بامامة أمیر المؤمنین علیه السلام من جهة خبر یوم الغدیر ، ویصرح بأن المقول فیه یوجب رئاسته على الکل ، وامامته علیه .
هذا مع صحبته رسول الله صلى الله علیه وآله ، ورئاسته فی الانصار ومشاهدته الحال کما قدمنا بدءا .
ثم حسان بن ثابت (10 ) وشعره المشهور فی ذلک ، وهو شاعر رسول الله صلى الله علیه وآله المقدم فی الفصاحة فی الجاهلیة والاسلام ، وقد قال له رسول الله صلى الله علیه وآله : ( لا تزال مؤیدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانک ) هذا مع روایة الشیعة باجمعها عن أسلافها ، إلى أن ینتهى إلى عصر رسول الله صلى الله علیه وآله ان الذی جعله رسول الله صلى الله علیه وآله لعلی علیه السلام فی یوم الغدیر هو الامامة ، فان الذی ضمنه لفظة " مولى " هو الرئاسة .
وفی جملتهم أهل بیت رسول الله علیهم السلام جمیعا یدعون ذلک ، ویصححونه ویعتمدون علیه فی امامة أبیهم أمیر المؤمنین علیه السلام ، ولیس یمکن عاقلا دفع أحد منهم عن العلم بالعربیة ، والاضطلاع باللغة ، إذ کانوا أهلها ، وعنهم اخذ اکثرها ، فلو لم یکن مع أصحابنا غیر النقل فی هذا الباب لاغناهم عن الاشعار ، واستشهاد أقوال أعیانهم من أهل اللغة ، فکیف ومعهم جمیع ذلک ، وهذا یکشف عن خطأ دعواک على أهل اللغة ، واعتمادک على فساد قولنا من جهتهم .
فقال : جمیع ما ذکرت لا دلیل فیه على صحة ما ذهبت إلیه ، وذلک أن ما بدأت فیه من شعر الاخطل فان المکنى عنه ب‍ ( الهاء ) التی فی " مولاها " هی الامة ، لانه عنى بقوله : " فأصبحت مولاها " ناصر الامة ، والذاب عنها بولایتک ، هی دون أن یکون عنى الامامة . وکیف یکون مراده فی هذا الباب الامامة ، و " الهاء " على ما قدمنا کنایة عن الامة ، ولو کان أراد ذلک لکان معنى کلامه فأصبحت امام الامة ، وهذا مما لا یتلفظ به عاقل .
فأما شعر الکمیت الذی ذکر فیه ( مولى ) . فانه لا حجة فیه ، من قبل انه خبر عن اعتقاده فی معنى خبر الغدیر ، والعرب لیس یعصمها فصاحتها من الغلط فی الاعتقاد ، وانما کان یسوغ لک التعلق بالکمیت لو ضمن شعره الذی ذکر خبرا عن العرب ، فأما وهو عن عقده کما شاء فلیست فیه حجة .
وکذلک أیضا ما ذکرته عن قیس ان صح ، فهو خبر عن عقده دون العرب کافة ، واهل الفصاحة عامة .
فاما حسان فقد کفینا التعلق به لشهرة مذهبه فی أبی بکر وعمر وعثمان مما ینفی ما یدعى علیه فی القول بامامة علی بعد رسول الله صلى الله علیه وآله .
فاما ما ذکرت عن الشیعة فلسنا ندفع أکثرهم عن الفصاحة ، ولکنا ندفع جمیعهم عن صحة عقد فی معنى لفظة ( مولى ) إذا اعتقدوا فیها الامامة ، وإذا کان الامر على ذلک ، فقد صح ما ذهبنا إلیه فی هذا الباب .
فقلت : ما انکرت على من قال لک : ان ما تأولت به شعر الاخطل ، ورمت بالالتجاء إلیه افساد تعلقنا به واضح البطلان ، وذلک ان " الهاء " انما هی کنایة عمن تقدم وصفه دون ما لم یتقدم ، بل لم یجر ذکره البتة . ألا ترى انه قد بدأ بذکر قریش فقال : فما وجدت فیها قریش لامرها . إلى آخر کلامه .
ثم قال على النسق : فأصبحت مولاها . من غیر خلط للامة بذکر قریش أو غیرها ، مما یصح أن یکنى ب " الهاء " عنه .
فکیف یمکن تأویلک على ما تأولت مع أنه لو کان على ما ذهبت إلیه ، لخرج الکلام من حد المدح المخصص أو تناقض فی اللفظ ، ودل على فساد الغرض ، وذلک ان نصرة الامة لم تکن مقصورة علیه دون غیره کما لیست مقصورة على سائر الائمة دون جماعة المسلمین ، بل قصرها على مذهبک یجب أن یکون على غیر الامام من العاقدین له ، لانها بعقدهم یثبت ، وباختیارهم یصح ، مع کونهم من وراء الامام ، لتأدیبه عند الغلط ، وتقویمه عند الاعوجاج والزلل .
فکان لا یبین منهم مما خصه به من المدح ، بل یکون الخاص له بذلک سفیها فی قصده ، جاهلا فی غرضه مع استحالة قوله : " فاصبحت مولاها " مبینا له ذلک بعد العقد دون ما قبله ، وهو على ما ذهبت إلیه عنى أمرا قد کان حاصلا له لا محالة عند
الخلق قبل العقد من النصرة التی یشترک فیها جمیع أهل الاسلام ، وهذا باب یکشف عن صحة القول فیه تأمل شعر المادح ، ویستدل على اغراضه ، ویعرف به حقیقة ما قلناه عند الانصاف دون ما تأولت .
فأما اعتذارک فی شعر الکمیت بذکر عقده ، وجواز الغلط فی العقد ، فانه من أعجب شئ ، وذلک ان عقده فی معنى اللفظ لم یکن من طریق العقول ولا القیاس ، فتجیز علیه الغلط فیه ، وانما کان من جهة اللغة إذ کانت معانی الالفاظ لا یرجع أحد من
أهل العقل فی عبارتها المستحقة لها إلى غیر اللسان ، فلو جاز أن یتوهم على الکمیت أن یغلط فی اعتقاده معنى لفظ " المولى " حتى یجعله عند نفسه ما لم یجعله عربی قبله قط مع جلالته فی اللغة لجاز أن یتوهم على جریر (11 ) والاخطل ، والفرزدق (12 ) .
بل على من تقدمهم مثل امرئ القیس (13 ) ، وزهیر (14 ) ونحوهما من شعراء الجاهلیة وضع " رجل " و " فرس " و " حمار " على ما لم یضعه أحد من العرب قبلهم علیه ، بل لا ینکر أن یکون من تقدم هؤلاء أیضا قد فعلوا ذلک ومثله ، وهذا هو الذی قدمناه من غلق باب اللغة والحیلة من افساد الشریعة ، وهو یکفی فی اسقاط ما ذکرته عن القیس إذ کان شیئا واحدا . فاما ما دفعت به حکایتنا عن حسان بمذهبه المشهور ، فلیس بشئ یعتمد علیه ، وذلک انه لا یمتنع عندی وعندک ، بل عند کل أهل العقل أن یعتقد الانسان مذهبا فی وقت ، ثم ینصرف عنه إلى غیره فی وقت آخر ، ویظهر قولا فی زمان ، ثم یظهر ضده فی زمان آخر ، وهو قول حسان المتضمن للشهادة على امامة علی علیه السلام بخبر الغدیر بعینه عند القول ، وذلک ان الروایة جاءت بأنه استأذن رسول الله صلى الله علیه وآله عندما سمع منه فی أخیه أمیر المؤمنین علیه السلام أن یقول شعرا ، فأذن له فقال ذلک الشعر ، ولیس بمنکر أن یؤثر الدنیا بعده ، ویرغب عن الآخرة فیمدح أعداءه ویذمه هو بعد ان مدحه .
وقد کان زیاد بن مرجانة (15) بلا خلاف بین الامة من شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام ، ومن أشد الناس حبا له وولایة فی الظاهر ، ثم آل أمره إلى التشیع لعثمان والاغراق فی مدحه ، وذم أمیر المؤمنین علیه السلام والاغراق فی سبه ، فما ینکر أن یکون حال حسان کحاله ، ولا یستحیل وکان زیاد کاتبا للمغیرة بن شعبة ، ثم لابی موسى الاشعری أیام امرته على البصرة ، ولاه أمیر المؤمنین علی بن أبى طالب علیه السلام إمرة فارس ولما استشهد علیه السلام امتنع زیاد على معاویة ، وتحصن فی قلاع فارس ، وألحقه معاویة بنسبه سنة 44 هجریة ، فقدم زیاد علیه ، فکان زیاد عضده الاقوى .(16)
فأما قولک : ان الشیعة لیس یدفع فصاحة أکثرها ، غیران ما تدعیه فی لفظ " مولى " غلط منها من جهل العقد ، فالکلام فیه کالکلام فی باب قیس والکمیت حرفا بحرف .
مع انک قد أغفلت موضع الاعتماد ، وهو انا اعتمدنا انتشارها عن سلفها من أهل الفصاحة ، وعن أهل بیت نبیها علیهم السلام خلفا عن سلف ، إلى أن ینتهی الى من حضر منهم یوم الغدیر ، انهم اعتقدوا امامة أمیر المؤمنین علیه السلام بالقول ، وفهموها منه ، وعلموها یقینا بقصد رسول الله صلى الله علیه وآله إلى افهامهم ، واشارته إلیها علیهم ، ولیس هذا مما یقع الغلط فیه قیاسا ولا عقلا ، بل انما یقع ان وقع حسا وسماعا ، وهذا باطل لا محالة ، فیعلم انک لم تعلم مما قلناه شیئا البتة .
فقال صاحب المجلس حین انتهیت إلى هذا الموضع : وان شیخنا - أعزه الله - قد اعتمد أصلا صحیحا ، وهو أن ما طریقه اللغة فسبیل التوصل إلیه سلوک طریقه دون التجاوز إلى غیره .
وقد رأینا جماعة ممن لا یختلف الناس فی معرفتهم باللغة ، ولا یطعن علیهم فی علمها ، وقد صنفوا الکتب المرجوع إلیها من هذا الباب ، کالخلیل بن أحمد ، وأبی زید ، وفلان وفلان ، ثم لم یذکروا فی موضع من کلامهم ولا تصنیفاتهم ان ( المولى ) امام ، فعلم ان ما ذکره من دخول الشبهة على الشیعة فی معنى اللفظ صحیح ، إذ لم یکونوا راجعین فیها إلى أحد من عددناه ، وهم أئمة اللغة . فأما أمر الکمیت فانه یحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أن یکون عبر عن الامامة بلفظ ( المولى ) لاعتقاد الامامة بها ، ولا یکون ذلک معروفا عند أهل اللسان .
والوجه الآخر : أن یکون اتقى الله فی معنى الامامة من لفظة ( مولى ) یومى إلى أنه تعمد الکذب فی ذلک على أهل اللغة فلم یتق الله على القلب والصدر .
والوجه الآخر : أن یکون اعتقد أن ما جرى یوم الغدیر یوجب له التفضیل على الکل ، والتفضیل علامة الامامة على ما ذهب إلیه جماعة الراوندیة واعتقدوا امامة أمیر المؤمنین علیه السلام من جهة فضله فیما زعموا على الکل ، لا من جهة النص . فأما حسان ، فما سمعنا منک قولا عنه فکنا نتامله ، وننظر معناه ، غیر انک أضفت إلیه فی الجملة مثل ما أضفت إلى الکمیت ، وهلم ما قال حسان لکی ننظره کما نظرنا ما تقدم .
فقلت له : ما أنکرت على من قال لک : ان الذین وصفتهم بمعرفة اللغة ، وجعلتهم أئمة فیها ، وأشرت إلى وجوب الرجوع إلیهم فیما تعلق بها ، لیس هم الحجة بانفرادهم دون غیرهم ، ولا کل من عداهم من أهل اللغة راجعا إلیهم ، بل لو قالوا قولا بأجمعهم ، وخالفهم علیه مثلهم فی العدد أو دونهم ، ممن قد اشتهر أیضا بمعرفة اللغة وان لم یکن له مصنف یأتی به ، لوجب الترجیح عندک بین القولین ، والنظر فی المذهبین ، حتى لو انهم أنکروا شیئأ فجاء بصحته رجل من أهل البادیة لشاع لمحبه ، ولم یمتنع بانکارهم . وإنما کان یسلم لک ما تعلقت به ، لو کان من عددت وذکرت جمیع أهل اللغة المرجوع إلیهم ، کیف والذین عددت ، انما هم فی جملة أهل اللغة کالجزء الذی لا یتجزأ فی أکثر العالم ، فلیس لک بهم تعلق مع انک لم تجد عنهم النکیر على من جعل ( المولى ) إماما وبمعنى الامام ، ولم ترجع فی ذلک إلى شئ من کتبهم ومصنفاتهم ، وانما رجعت خلو الکتب والمصنفات من تسطیر ذلک ، ولیس خلوها منه دلیلا على فساده ، لا سیما وقد بینا اثبات من لا یطعن علیه من أهل اللغة ، ان الامامة بلفظة ( مولى ) واستشهدنا بأشعارهم التی هی أشهر عنهم من أن یجحد لو أمکن انکارها ولا خلاف بین أهل العلم ان المثبت فی هذا الباب واشکاله أولى من النافی . فأما ما قسمته من أمر الکمیت ، فان القسم الاول منه قد أتینا علیه بما لم نسمع له جوابا .
والثانی : قد مضى أیضا ما هو اسقاط له ، وهو أنه إن جاز أن یتوهم على الکمیت وهو أحد من استشهد بشعره فی کتاب الله عز وجل ، وفاق فی النظم شعر أهل عصره ، وبلغ فی الفصاحة الرتبة التی لم یخف على أحد من اهل الادب أن یکون حملته العصبیة والعناد على أن یتقی الله تعالى على ما وصفت بالقلب ، ویستعمل عبارة لم یستعملها أحد قبله ، ویضع لفظا على غیر معناه ، حتى یسیره فی الشعر ، ویظهر التدین به ، لم یأمن أن یکون کثیر من فصحاء الجاهلیة الذین لم یعتقدوا الایمان فیحجزهم عن الکذب دون أن یکونوا کالکمیت فی الدیانة ، قد وضعوا أکثر هذه الالفاظ الذی نضعها نحن على المعانی الان ، ولم یکن لها قبل ، بل کانت على غیرها ، ومعهودة فی سواها لعصبیة على طائفة منهم لغرض من الاغراض ، أو محبة الابداع ، لیعرفوا بالخلاف أو عنادا لبعض منهم ، أو لسبب من الاسباب فاتقوا الله تعالى فی ذلک على حسب اتقاء الکمیت فی لفظة ( مولى ) ویکونوا به أخلق وفعلهم له أجدر ، وهو علیهم ومنهم أجوز ، وهذا هدم للاصل بأسره ، وافساد اللغة جمیعا ، وتشکیک فیها جملة ، وهو باب الالحاد .
فأما الوجه الثالث : فانه تأویل فاسد بین الاحالة ، وذلک انه لو کان کما وصفت جعلت اماما باعتقاد الفضل لا بالقول ، لعلق ما یعنیه به من الولایة على الجمیع والرئاسة بذکر الفضل بعینه دون القول الذی لم یوجبه البتة وانما کان على ما زعمت عنده کاشفا عن رتبة بها یستحق ذلک الوصف ، أو کان إذ ذکر القول لا یقتصر علیه فی باب الرئاسة دون ما یوجبه من الفضل ، بل یضم أحدهما إلى الآخر .
فلما أفرد القول نفسه ، دل على انه لم یرد ایجاب الامامة بغیره ، کیف وهو مع هذا یعدد فی جمیع قصائده المشهورة فی مدائح بنى هاشم فضله ، الذی بان به من الکل شیئا بعد شئ ، وخصلة بعد خصلة ، ولا یوجب له الامامة عند ذکر شئ فیه بلفظه ، حتى إذا انتهى إلى یوم الغدیر بعینه .
فالامامة بنفس القول الواقع فیه دون ما سواه ، فهل یخفى هذا الباب على أحد ، أو یمکن تأویله مع ما وصفنا إلا عند إمکان تأویل جمیع أقوال الشعراء على غیر اغراضهم ، وصرفها بأسرها عن مراداتهم . وأما استشراحک ایای شعر حسان ، فانی لم أنصرف عنه إلى الاجمال إلا لعلمی بشهرته عندکم واستفاضته ، فکان اقتصاری على ما مضى من نظیره فی الشهرة من الشعر یغنی عن ذکره معینا .
فأما إذا رمتم شرحه ، فهو قوله عند نصب رسول الله صلى الله علیه وآله علیا علیه السلام فی یوم الغدیر بعد استئذانه فی قول الشعر والاذن له فی ذلک على ما جاء فی الاخبار (17 ) .
ینادیهم یوم الغدیر نبیهم * بخم وأسمع بالرسول منادیا
فقال : فمن مولاکم وولیکم * فقالوا ، ولم یبدوا هناک التعادیا
الهک مولانا وأنت ولینا * ولن تجدن منا لک الیوم عاصیا
فقال له : قم یا علی فاننی * رضیتک من بعدی اماما وهادیا
فمن کنت مولاه فهذا ولیه * فکونوا له أنصار صدق موالیا
هناک دعا اللهم وال ولیه * وکن للذی عادى علیا معادیا
وهذا صریح فی الاقرار منه بامامة أمیر المؤمنین علیه السلام ، من جهة القول الکائن فی یوم الغدیر ، من رسول الله صلى الله علیه وآله لعلی علیه السلام ، لا یمکن تأویله ، ولا یسوغ صرفه إلى غیر حقیقته .
فقال صاحب المجلس : هکذا قال رسول الله صلى الله علیه وآله فی یوم الغدیر : " قم یا علی فاننی رضیتک للعالم إماما " کما قال حسان بلفظة ( مولى ) مع احتمالها . وان کان انما قال : ( من کنت مولاه فعلی مولاه ) على ما تقدم القول فیه فهذا القول الذی حکیته عن حسان کذب لا محالة ، والکذب سبیلنا جمیعا أن نطرحه . فقلت له : ان رسول الله صلى الله علیه وآله وان لم یکن قال هذا القول مفصلا ، حتى حسب تفصیل حسان له ، فقد أتى بمعناه بأخصر لفظ وأفهمه ، فافتقر حسان فی شرحه إلى ما حکیناه عنه من القول ، ولیس کل حکایة تضمنت غیر لفظ المحکی وان أفادت المعنى مطرحة ولا مستدلا بها على کذب الحاکی ، ولا غلطه . ولو کان ما اعتمدت علیه اعتمادا لاستحال حکایة العربی بالفارسی ، والفارسی بالنبطی ، والعبرانی بالسریانی ، وبطلت جمیع الحکایات المنظومة إذ کان ما حکى بها غیر منظوم ، وهذا یوجب أن لا یکون أحد من الشعراء المتقدمین ولا المتأخرین صدق فی حکایة قضیة مضت ، وحکمة نقلت ، وذکر کرم وجد ، وفعل عجیب وقع ، الا إذا حکوه بالفاظه الجلیة عینا ، وذکروه على ترتیب التعبیر سواء ، وهذا ما لا نذهب إلیه ، ولا أحد من أهل النظر فنشتغل فی الاطناب فیه .
فعاد صاحبی المتکلم أولا فقال : ان الذی أتیت به من شعر الاخطل فانه وان لم یکن أراد بقوله : " فأصبحت مولاها " الخلافة على ما قلت ، وأراد قریشا على ما وصفت ، فلیسن أیضا فیه دلالة على ما ذهبت إلیه ، وذلک انه أراد ب‍ " مولى " أی ناصر قریش ، ومن یجب أن ینصره قریش ، والکمیت فقد قلنا إنه لا یستحیل أن یکون اعتقد فضل أمیر المؤمنین علیه السلام على الکل بما جرى یوم الغدیر ، فأوجب له الامامة به لا من جهة القول .
فراسله الکلام صاحب المجلس ها هنا فقال : ویمکن أن یکون غلط وان کان من أهل اللغة ، وان امرء القیس مع جلالته فی معنى صاحبه قد غلطه جماعة فی شئ ذکره عنه لم أحفظه فی وقت اتیانی هذه المسألة ، وهو نفسه - أعنی الکمیت - قد غلط فی قوله : أبرق وأرعد یایزی‍د فما وعیدک لی بضائر (18 ) فلم ینکر غلطه فی لفظة " مولى " وان کان على الصفة التی هو علیها فی اللغة .
فقال المتکلم أولا : الامر کما وصفه سیدنا - أدام الله عزه - یعنی صاحب المجلس - ویمکن أیضا ما قلناه .
وتکلم رجل منهم من آخر المجلس فقال : وکیف وهم یدعون - یعنی أصحابنا - ان رسول الله صلى الله علیه وآله قال فی ذلک لعلی علیه السلام : " أنت أمیر المؤمنین " فلا یستحیل أن یکون الکمیت عمل على هذا فقال ما قال فی شعره من جهته ، ولم یقله من جهة لفظة " مولى " .
وتکلم قوم من جنبات المجلس ، واختلط کلامهم، فسکتهم ، ثم أقبلت على صاحبی المتکلم الاول مهما : ما ( أنکرت على من ) قال لک : ان ما لجأت إلیه أیضا فی هذه النوبة مع تسلیم ان " الهاء " کنایة عن قریش من أن " المولى " هو الناصر ، وانما أراد نصرته لقریش ، ونصرتهم له یسقط من قبل ان نصرة قریش لم یتجدد وجوبها علیه بالعقد له بالامامة ، بل هی لازمة نصرتهم له قد تقدم وجوبها علیهم قبل العقد له من جهة السنة والکتاب والاجماع على وجوب نصرة المسلم للمسلم : والمتدین أخاه فی الدین . فلم یک یحتاج فی وجوبها الى طلب کرم أبیه وفضله کما زعم الشاعر فی طلب قریش ذلک حیث یقول ما ذکره :
فما وجدت فیها قریش لامرها * أعف وأوفى من أبیک وأمجدا
واورى بزندیه ولو کان غیره * غداة اختلاف الناس أکدى وأصلدا
تجدد حال بعد أن لم تکن فاصبحت مولاها من الناس کلهم * واحرى قریش أن تهاب وتحمدا ( 19 )
ولولا أن الامر على ما قلناه دون ما قلت ، ما کان وجوب نصرته لهم ونصرتهم له مما یوجب تهنئته وحمده دون سائر الناس الناصرین والمنصورین ، اللهم الا أن یکون نصرة امامة ، وسلطان رئاسته ، فیعود الامر الى ما قلناه وقد قدمت ان تأمل الشعر بعین الانصاف یؤکد قولنا ، ویبطل ما خالفه دون النظر والاحتجاج وقد بان ذلک والحمد لله .
ثم أقبلت على صاحب المجلس فقلت : ما قاله سیدنا - أدام الله عزه - فی غلط امرئ القیس عند من غلطه والکمیت فی بیته من الشعر الذی طعن فیه فقد رضینا به شاهدا وذلک ان الذی غلطهما من منتحلی اللغة شذ بتغلیطهما من سائر أهلها وتفرد فی
الحکم بما لم یوافقه علیه أحد من رؤساء علمائها وصار فی ذلک فردا من بیتها ومسنا فی الشذوذ من جملتها ولم یکن کذلک الا لرئاستهما فی المعرفة وتقدیمها فی الصناعة وکونها قدوة لمن نشأ بعدهما .
وإذا کان کذلک فواجب أن تکون هذه الحال حال من غلط من عددناه فی لفظة " مولى " وما عبر بها وهذا یؤکد ما قلناه ویزیده بیانا ویسقط ما خالفه وضاده فی معناه على أن البیت الذی حکى عن الاصمعی (20 ) الطعن فیه على الکمیت - رحمة الله علیه - بخلاف بیته المتضمن النص على أمیر المؤمنین علیه السلام بخبر الغدیر فی الحکم وذلک انه انما ساغ لمن طعن فیه الطعن لتفرده دون متقدم متبوع ، ولا قرین مماثل مذکور ، مع ما فی ظاهر اللغة المشهورة فی خلافه ، وان کانت له فیه حجج یعتمد علیها ودلائل یلجأ فی جوازه إلیها . وما تأوله من خبر الغدیر وصرح به فیه ، فقد سبقه إلیه من یعتمد فی باب القول علیه ممن عددناه من أهل الفصاحة من الصحابة وأهل البیت علیهم السلام ، وحکموا فیه بمثل ما حکم ، وطابقه علیه وسائر أهل عصره من الشیعة ، ومن ( نشأ بعده ) من أهل الفصاحة ، فلم یک عروضا لذلک ، ولا نظیرا له من وجه من الوجوه . ثم شرعت فی افساد ما تعلق به الرجل الذی حکیت اعتراضه بالخبر الوارد فی یوم الغدیر فی السلام على علی بامرة المؤمنین ، فامتنعوا من استماعه .
وقال صاحبی المتکلم : الکلام معی لونه ، ولیس یجب أن تکلم کل من کلمک ، فیذهب الزمان ، وفروا من الکلام علیه کل الفرار ، ثم شرع فی کلام أورده لم أحفظ فیه زیادة على ما تکلم بعدم موافقته على معانی ما اسقطته به مما تقدم من کلامی ، وانقضى المجلس وانصرفنا .
اعلم أرشدک الله : ان نفس ما اعتمدوا علیه فی دفعنا عن معنى لفظة " مولى " یفسد علیهم بالذی راموا به فساد دلیلنا فی صحته من الشعر والروایة بعینه ، وذلک انه یقال لهم : إذا کنتم قد ترکتم حال من ذکرناه من أهل الفصاحة ، وجعلنا اعتمادنا ثلاثة منازل :
أحدها : الجهل والغلط .
والثانی : العصبیة والعناد .
والثالث : التأویل المتعلق بالاعتقاد .
فما أنکرتم ان تکون هذه الثلاثة المنازل حال من دعوتمونا إلى الرجوع إلیه والى کتبه ومصنفاته ، وزعمتم انهم العماد فی هذا الباب ، إذ لم یکونوا معصومین من ذلک ، ولا مبرأین منه ، ولا علم علیهم فی دفع جوازه منهم ، بل کانت أحوالهم داعیة إلیه ، وأسبابهم مقربة منه ، ودواعیهم موقعة فیه ، لانه قد فصلت لهم الرئاسة لا شک من جهة من کان یدفع نص النبی صلى الله علیه وآله على أمیر المؤمنین علیه السلام بالامامة ، ویتدین بذلک ، ویلبث علیه معاقب ، وقد علم کل عاقل تأثیر الرغبة والرهبة فی الحق وستره ، والباطل وقسره ، وهذا مالا یجدون فیه فصلا .
وقد کنت ذکرت بعد انصرافی من المجلس شیئا من کتاب غریب القرآن لابی عبیدة معمر بن المثنى ( 21 ) ، یبطل دعواهم التی اعتمدوها، وتغلطهم فیها ، ذاکرت بها بعضهم بعد ذلک، وهو ان أبا عبیدة وظاهر أمره ومذهبه المشهور الخلاف على الشیعة ، والمضادة لهم ، قال فی کتاب غریب القرآن ، فی تفسیر قوله عزوجل ، فی سورة الحدید : ( هی مولاکم ) أی أولى بکم ، قال لبید ( 22 ) :
فغدت کلا الفرجین تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وأمامها
هذا لفظه بعینه ، فی کتابه بعینه ، لا زیادة فیه ولا نقصان منه ، ولولا أن ابا عبیدة لم یخطر بباله عند تفسیر هذه اللفظة بهذا التفسیر ما للشیعة من التعلق فی امامة أمیر المؤمنین علیه السلام ما صرح به ولکتمه کسلفه واخوانه ومضى على سنتهم .
ویقال لمن اعترض فقال : ما أنکرتم أن یکون الکمیت بن زید رحمة الله علیه انما عنى بقوله :
ویوم الدوح دوح غدیر خم * أبان له الولایة لو اطیعا
ما جاء فی الخبر ان رسول الله صلى الله علیه وآله أمر الناس فی ذلک الیوم بالسلام على علی بامرة المؤمنین ، فتوهمه صحیحا یعمل علیه ، ولم یعن قوله : " من کنت مولاه فعلی مولاه " لانه کان من أهل الفصاحة ، ولم یک یجهل مثل هذا ، فبطل ما تعلقتم به . أول ما فی هذا الباب انه لو کان على ما وصفت ، لکان من أدل دلیل على تکذیب أصحابک جمیعا ، أو بطلان دعواهم على الشیعة انه لم یک أحد منهم فیما مضى یدعی الامامة لامیر المؤمنین علیه السلام من جهة القول الصریح ، حتى قذفه إلیه ابن الراوندی وافتعله ورتبه ، فتعلقوا به ، واحدثوا الاحتجاج والذب عنه ، وهذا اسقاط لکافتهم ، وطعن لا شبهة فیه على سائر شیوخهم ممن تأخر وکان فی عصر ابن الراوندی وبعده ، کأنهم بأجمعهم یدعون ذلک ویقولون به ، ویستغرون الجهال، لا سیما وشیخهم الاجل أبو علی اعتماده علیه ، وهذا مما لا به نفس الذی قدمت حکایة الاعتراض عنه ، ولا أحد منهم کافة الآن .
ثم یقال له : ان الروایات التی جاءت بأن رسول الله صلى الله علیه وآله أمر الامة أن تسلم فی یوم الغدیر على أمیر المؤمنین علیه السلام بامرة المؤمنین ، انما جاءت بانه لما قرر الامة على فرض طاعته ، ثم قال عقیب ذلک " فمن کنت مولاه فعلی مولاه " واستوفى الکلام فیه أمر الامة حینئذ أن تقر له بمعنى ما جعله له بلفظة " مولى " فقال لهم : سلموا علیه بامرة المؤمنین ، کان أمره علیه السلام ایاهم بذلک کشفا عن معنى اللفظ ، وجاریا مجرى التفسیر ، وأخذا بالاقرار بالمعلوم ، وتأکید المقصود ، وهذا موضح عن صحة ما قلناه نحن فی لفظة " مولى " له .
وشئ آخر : هو ان المقام إذا وجد فیه شیئان اجمع على أحدهما ، واختلف فی الآخر ، وکتم التعلق به فی مدح ان کان ما وقع فیها مدحا ، أو ذما ان کان ذما ونظم المتعلق به شعرا ، أو تکلم فیه نثرا ، فمحال أن یقصد الى المختلف منه دون المتفق علیه ، والمکتوم دون المشهور ، إلا أن یکون فی غایة الجهل والعناد والنقص . ولیس یتوهم بالکمیت رحمه الله هذه المنازل وان کان یطعن علیه فی الغلط من جهة الرأی والقیاس ، وما یقع من العقلاء الالباب بالشبهات .
وإذا کان الامر على ما وصفناه ، وکان قوله علیه السلام : " من کنت مولاه فعلی مولاه " مجمعا على انه کان فی یوم الغدیر وظاهر ذلک عام فی الکل ، حتى لا یذکر الغدیر الا ویراد بذکره مقدمة القول ، ولا یقال القول الا وسائر مستمعیه ذاکرون به المقام ، ولم یک ما اختصت به الشیعة من قوله علیه السلام فی ذلک الیوم : سلموا على علی بامرة المؤمنین یجری هذا المجرى ، بل کان على ما تقدم وصفه من المختلف فیه ، المجحود المختص بطائفة دون اخرى ، ذلک على أنه لم یرده الکمیت ، وقد أجمل التعلق بالغدیر ویومه ، ولم یفصل ما فیه .
وشئ آخر وهو : ان الشیعة لم تقتصر فی ادعاء النص على یوم الغدیر بدون غیره ، بل قد روته فی یوم الدار عند دعوة بنی هاشم ، ووافقها على ذلک جمهور أصحاب الحدیث من العامة وغیرهم ، وفی اماکن شتى ، ومقامات اخر ، فکیف یصح أن یکون اراد ذلک الکمیت ، فلم یعلقه بیوم الدار ، مع استفاضته فی الطائفتین ولا بغیره مما عددناه ، وعلقه بیوم الغدیر ، وهو یرى الشیعة کلها تعتمد من یوم الغدیر فی الامامة على لفظة " مولى " للاجماع خاصة ، دون ما کان بعدها مما رووه وأقلوا من الاحتجاج به لموضع الخلاف ، وهذا ما لا یتوهم أحد ، وبالله نستعین ، وصلى الله على سیدنا محمد النبی وآله الطاهرین وسلم تسلیما کثیرا کثیرا .

المصادر :
1- الشهرستانی فی ملله 1 : 73
2- سبط ابن الجوزی فی تذکرة الخواص : 30
3- غیاث بن الصلت بن طارقة ، ویقال : ابن سیحان بن عمرو بن الفدوکس بن عمرو ابن مالک بن جشم من بنی تغلب ، أبو مالک ، والاخطل لقب غلب علیه . کانت امه لیلى من قبیلة أیاد النصرانیة ، عاش ومات نصرانیا ، وکان الاخطل مسرفا فی الشراب .
4- عبد الملک بن مروان بن الحکم بن أبی العاص بن امیة بن عبد شمس ، ولد عام 26 هجریة ، وحکم الناس فی شطر من البلاد الاسلامیة أیام ابن الزبیر بعهد من أبیه ، واستوثق الامر إلیه بعد مقتله . قال الذهبی : أنى العدالة ، وقد سفک الدماء وفعل الافاعیل .
5- الاغانی 8 : 320 - 380 ، دائرة المعارف الاسلامیة 1 : 515 ، الشعر والشعراء : 302 ، خزانة الادب
6- تاریخ الطبری 5 : 610 ، وفیات الاعیان 2 : 402 ، میزان الاعتدال 2 : 664 .
7- أبو المستهل ، الکمیت بن زید بن خنیس بن مجالد من بنی أسد ، شاعر مقدم ، فقیه ، خطیب ، فارس ، شجاع . عالم بلغات العرب ، خبیر بأیامها . من شعراء مضر وألسنتها ، ثقة فی علمه ، حتى احتج المفسرون فی شعره .
8- ). الاغانی 17 : 41 ، والاعلام 6 : 92 .
9- أبو عبد الملک ، قیس بن سعد بن عبادة بن دلیم من بنی ساعدة بن کعب بن الخزرج ، دخل مصر فی مستهل شهر ربیع الاول سنة سبع وثلاتین والیا علیها من قبل الامام أمیر المؤمنین علیه السلام ، ثم عزله عنها ، فقدم قیس المدینة ، ثم لحق بالامام علیه السلام فی الکوفة ، وکان على مقدمة جیش أمیر المؤمنین علیه السلام یوم صفین ، وکان على شرطة الخمیس ، ولم یزل قیس بن سعد مع علی علیه السلام حتى استشهد علیه السلام ، فصار مع الامام الحسن بن علی علیه السلام ، فوجهه على مقدمته یرید الشام ، وبعد أن وقعت المعاهدة بین الامام علیه السلام ومعاویة بن أبی سفیان رجع قیس إلى المدینة ، فلم یزل بها حتى توفى فی آخر خلافة معاویة ، انظر الطبقات الکبرى لابن سعد 6 : 52 ، الولاة والکتاب والقضاة : 22 - 20 .
10- أبو الولید ، حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زید مناة بن عدی الانصاری النجاری ، کان حسان من فحول الشعراء ، وأحد المعمرین المخضرمین ، عاش مائة وعشرین سنة ، لم یشهد مع النبی صلى الله علیه وآله مشهدا ، وعمی قبیل وفاته ، مات فی زمن معاویة بن أبی سفیان ، کان موالیا بصفة خاصة لعثمان بن عفان ، وذلک ان عثمان عاش فی بیت أخیه بالمدینة بعد الهجرة وجعل جریرة مقتل عثمان تسعى حتى تقف بباب علی علیه السلام . الاغانی 4 : 134 ، تهذیب التهذیب 2 : 216 ، دائرة المعارف الاسلامیة 7 : 375 .
11- جریر بن عطیة بن حذیفة الخطفی بن بدر الکلبی الیربوعی من تمیم ، ولد بالیمامة سنة 28 ومات بها سنة 110 ، قیل : 111 هجریة . وکان جریر أشعر اهل عصره ، وکان هجاء مرا ، فلم یثبت أمامه غیر الفرزدق والاخطل . الاغانی 8 : 89 ، خزانة الادب 1 : 36 .
12- همام بن غالب بن صعصعة التمیمی الدارمی ، أبو فراس ، الشهیر بالفرزدق شاعر من النبلاء ، من أهل البصرة ، عظیم الاثرة فی اللغة ، کان یقال : لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب ، ولولا شعره لذهب نصف أخبار الناس ، له مهاجات مع الاخطل وجریر ، مات فی بادیة البصرة سنة 110 هجریة وقد قارب المئة . الاغانی 9 : 224 .
13- امرؤ القیس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آکل المرار بن معاویة بن ثور وهو من کندة ، أبو الحارث وقیل : أبو وهب ، اختلف فی اسمه فقیل : حندج ، وقیل : ملیکة ، وقیل : عدی . ویقال ان امرأ القیس هو أول من قصد القصائد ، ووضع قواعد للشعر العربی ، کما کان أول من أنشأ القصائد التی یستوقف فیها الشاعر خلیلیه لیبکیا معه ، وبذلک بعث روحا جدیدا فی الشعر العربی الذی کان مقصورا على الرجز ، انظر الاغانی 9 : 77 ، دائرة المعارف الاسلامیة 2 : 622 .
14- زهیر بن ابی سلمى ، واسم أبی سلمى ربیعة بن ریاح بن قرة بن الحارث بن مازن ، هو أحد الثلاثة المقدمین على سائر الشعراء ، قال جریر : شاعر أهل الجاهلیة زهیر . الاغانی 10 : 228 .
15- قال الذهبی : زیاد بن أبیه ، الامیر . لا تعرف له صحبة ، مع انه ولد عام الهجرة ، قال ابن حبان فی الضعفاء " ظاهر أحواله المعصیة ، وقد أجمع أهل العلم على ترک الاحتجاج بمن کان کذلک " . وقال ابن عساکر : لم یر النبی صلى الله علیه وسلم ، وأسلم فی عهد أبی بکر ، وولی العراق لمعاویة .
16- میزان الاعتدال 2 : 86 ، الاعلام 3 : 53 .
17- المناقب لاخطب خوارزم : 80 ، وفرائد السمطین 1 : 61 ، ومقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی : 47 ، وأرجح المطالب : 567 .
18- حکاه ابن منظور فی لسان العرب 10 : 14 .
19- أبیات من قصیدة قالها الاخطل فی مدح عبد الملک بن مروان .
20- أبو سعید عبد الملک بن قریب بن عبد الملک بن علی بن أصمع الاصمعی صاحب اللغة والنحو . کان من أهل البصرة ، وقدم بغداد فی أیام هارون الرشید ، ومات سنة 210 هجریة ، انظر تاریخ بغداد 10 : 410 ، انباه الرواة 2 : 197 .
21- أبو عبیدة ، معمر بن المثنى التیمی بالولاء ، البصری النحوی ، ولد فی البصرة سنة 110 هجریة ، کان من أئمة العلم بالادب واللغة ، قال الجاحظ : لم یکن فی الارض أعلم بجمیع العلوم منه ، له نحو 200 مؤلف ، مات بالبصرة أیضا سنة 209 هجریة وقیل غیر ذلک ، انظر تاریخ بغداد 13 : 252 .
22- لبید بن ربیعة بن مالک بن جعفر بن کلاب العامری ، أبو عقیل ، من الشعراء المخضرمین ، أدرک الاسلام ، وقدم على رسول الله صلى الله علیه وآله فی وفد بنی کلاب فاسلموا ورجعوا إلى بلادهم ، ثم قدم لبید الکوفة ومات بها فی زمن معاویة بن أبی سفیان ، وهو ابن مائة وسبع وخمسین سنة ، انظر الشعر والشعراء : 148 .


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ابتکار نظرية الصحابة
غزوة بدر الكبرى أسبابها وأهميتها
مناظرة أمير المؤمنين(ع) مع رجل من أهل الشام في ...
احتجاج الإمام علي(ع) بحديث الغدير
الاسرة والحقوق الزوجية
الملهوف على قَتلى الطفوف
نساء يأكلن من خبز النفايات لإشباع بطونهن ، في ...
بعث الإسلام مجدداً وتعميم نوره على العالم:
خروج الحسين: سؤال الحرية؟
اليهود ودورهم في عصر الظهور:

 
user comment