فارسی
جمعه 07 ارديبهشت 1403 - الجمعة 16 شوال 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

الدعاء 39

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ اياه نستعين


 
 الحمد لله المطلوب عفوه ‌و‌ غفرانه، المسوول رحمته ‌و‌ احسانه، والصلاه والسلام على نبيه محمد العلى شانه ‌و‌ على آله الذين ‌هم‌ انصار الحق ‌و‌ اعوانه.
 ‌و‌ بعد فهذه الروضه التاسعه ‌و‌ الثلاثون ‌من‌ رياض السالكين، ‌فى‌ شرح صحيفه سيدالعابدين صلى الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الخلفاء الراشدين، املاء راجى فضل ربه السنى على صدرالدين الحسينى الحسنى، اناله الله عفوه ‌و‌ رحمته ‌و‌ فرج عليه ‌من‌ ضيق الكروب زحمته.
 
العفو: التجاوز عن الذنب ‌و‌ ترك العقاب.
 قال ابن الاثير: ‌و‌ اصله المحو ‌و‌ الطمس. ‌و‌ منه عفت الريح الاثر اذا محته.
 ‌و‌ قال الراغب: العفو: القصد لتناول الشى ء. يقال: عفاه ‌و‌ اعتفاه: ‌اى‌ قصده متناولا ‌ما‌ عنده، ‌و‌ منه العافى لكل طالب رزق ‌من‌ طائر ‌او‌ بهيمه ‌او‌ انسان. ‌و‌ عفت الريح التراب: قصدته متناوله اثارته. ‌و‌ عفت الدار كانها قصدت نحو البلى. ‌و‌ عفى الشعر ‌و‌ النبت قصد تناول الزياده كقولك: اخذ النبت ‌فى‌ الزياده ‌و‌ عفى عنه كانه قصد ازاله ذنبه صارفا له عنه. فالمفعول ‌فى‌ الحقيقه متروك عن متعلقه بمضمر. فالعفو ‌هو‌ التجاوز عن الذنب ‌و‌ ترك العقوبه.
 ‌و‌ الرحمه: رقه القلب ‌و‌ انعطاف، ‌اى‌ ميل روحانى يقتضى التفضل ‌و‌ الاحسان، ‌و‌ اذا وصف الله تعالى بها كان المراد بها غايتها اعنى التفضل ‌و‌ الاحسان، لان الرقه ‌من‌ الكيفيات ‌و‌ المزاجيه التابعه للتاثر ‌و‌ الانفعال، ‌و‌ الله سبحانه منزه عنها. ‌و‌ هو: اما ‌من‌ باب المجاز المرسل، بذكر السبب ‌و‌ اراده المسبب، فان الرحمه ‌و‌ الرقه سبب
 
التفضل ‌و‌ الاحسان.
 ‌و‌ اما على طريقه التمثيل، بان شبه حاله تعالى- بالقياس الى المرحومين ‌فى‌ ايصال الخير اليهم- بحال الملك اذا عطف على رعيته ورق لهم، فاصابهم بمعروفه ‌و‌ انعامه، فاستعير الكلام الموضوع للهيئه الثانيه للاولى، ‌من‌ غير ‌ان‌ يتحمل ‌فى‌ شى ء ‌من‌ مفرداته. وقس على ذلك سائر الصفات التى ‌لا‌ يصح اتصافه تعالى بها سواء كانت انفعالات كالرحمه ‌و‌ الحياء ‌و‌ الغضب، ‌او‌ ‌لا‌ كالاستهزاء ‌و‌ المكر، ‌او‌ الخدع.
 ‌و‌ رحمته تعالى: تنقسم الى عامه: ‌و‌ هى افاضه الوجود ‌و‌ ‌ما‌ يليق ‌من‌ الاغراض ‌و‌ الحاجات. ‌و‌ خاصه: ‌و‌ هى التى تخصص بعض العبيد بالتقريب اليه سبحانه، ‌و‌ هذه الرحمه هى المطلوبه هنا، فافهم.
 
كسرت الرجل عن مراده: ثنيته ‌و‌ صرفته. ‌و‌ اصله ‌من‌ كسر العود ‌و‌ نحوه، ‌و‌ ‌هو‌ مجاز مرسل بعلاقه السببيه، لان الكسر يقتضى تغير المكسور عما كان عليه، ‌و‌ صرف عما اعد له، ‌اى‌ اصرف شهوتى عن كل محرم.
 ‌و‌ الشهوه: نزوع النفس الى ‌ما‌ تريده. ‌و‌ عرفت: بانها قوه نفسانيه باعثه على جلب النفع. ‌و‌ يقابلها الغضب، ‌و‌ هى قوه نفسانيه باعثه على دفع الضرر، ‌و‌ قد تقدم ‌فى‌ الروضه الثامنه بيان ‌ان‌ اصعب القوى النفسانيه مداواه ‌و‌ اصلاحا القوه الشهويه، فان قمعها ‌و‌ كسرها عسير جدا، لانها اقدم القوى وجودا ‌فى‌ الانسان، ‌و‌ اشدها ‌به‌ تشبثا، ‌و‌ اكثرها منه تمكنا، فانها تولد معه، ‌و‌ توجد فيه قبل قوه الغضب، ‌و‌ قبل قوه الفكر ‌و‌ النطق ‌و‌ التمييز. ‌و‌ لذلك بدا عليه السلام الدعاء بسوال كسرها ‌و‌ صرفها
 
عن كل محرم، ‌و‌ لان الانسان ‌لا‌ يصير حرا تقيا ‌و‌ غنيا ‌و‌ سخيا الا بقمعها ‌و‌ اماتتها كما سبق بيانه، فانها اذا قهرت ‌و‌ اميتت، صار العبد ملكا روحانيا، ‌و‌ الهيا ربانيا، خارجا عن الفواسق البهيميه، سارحا ‌فى‌ مشارق الانوار الملكيه.
 ‌و‌ المحرم- بفتح الميم ‌و‌ الراء المهمله المخففه-: الحرام، ‌و‌ حقيقه موضع الحرمه. ‌و‌ ‌هو‌ الممنوع منه شرعا.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه محرم- بضم الميم ‌و‌ تشديد الراء المهمله- ‌و‌ ‌هو‌ اسم مفعول ‌من‌ حرم الله الشى ء تحريما: اذا منع منه.
 ‌و‌ زويت الشى ء: جمعته ‌و‌ قبضته، ثم استعمل مجازا ‌فى‌ التنحيه ‌و‌ الصرف. ‌و‌ منه حديث الدعاء: ‌و‌ ‌ما‌ زويت عنى مما احب ‌اى‌ صرفته ‌و‌ نحيته.
 ‌و‌ الحرص: فرط الرغبه ‌و‌ الاراده.
 ‌و‌ قيل: طلب الشى ء باجتهاد. ‌و‌ منه قوله تعالى: «ان تحرص على هداهم» ‌اى‌ ‌ان‌ تفرط ارادتك ‌فى‌ هدايتهم، ‌او‌ ‌ان‌ تجتهد ‌فى‌ طلب هدايتهم. ‌و‌ قد تقدم الكلام على الحرص مستوفى ‌فى‌ الروضه الثامنه.
 ‌و‌ الماثم: الاثم. ‌و‌ ‌هو‌ الذنب ‌و‌ ‌هو‌ مصدر ميمى وضع موضع الاسم.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ الامر الذى ياثم ‌به‌ الانسان ‌اى‌ يقع ‌به‌ ‌فى‌ الاثم ‌و‌ منعته عن الامر: كففته عنه.
 ‌و‌ آذاه يوذيه اذى ‌و‌ اذاه ‌و‌ اذيه: اوقع ‌به‌ مكروها ‌و‌ ضررا ‌فى‌ نفسه ‌او‌ جسمه ‌او‌ ماله دنيويا كان ‌او‌ اخرويا.
 ‌و‌ عطف المسلم ‌و‌ المسلمه على المومن ‌و‌ المومنه، اما ‌من‌ باب التتميم بناء على ‌ان‌ الاسلام دون الايمان، ‌او‌ ‌من‌ باب الترقى ‌من‌ الادنى الى الاعلى بناء على ‌ان‌ الاسلام فوق الايمان.
 
قال الراغب: الاسلام ‌فى‌ الشرع على ضربين:
 احدهما: دون الايمان، ‌و‌ ‌هو‌ الاعتراف باللسان. ‌و‌ ‌به‌ يحقن الدم، حصل معه الاعتقاد ‌او‌ لم يحصل، ‌و‌ اياه قصد بقوله تعالى: «قل لم تومنوا ‌و‌ لكن قولوا اسلمنا».
 ‌و‌ الثانى: فوق الايمان، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب، ‌و‌ وفاء بالفعل، ‌و‌ استسلام لله تعالى ‌فى‌ جميع ‌ما‌ قضى ‌و‌ قدر، كما ذكر عن ابراهيم عليه السلام ‌فى‌ قوله: «اذ قال له ربه اسلم قال اسلمت لرب العالمين» ‌و‌ قوله: « ‌ان‌ الدين عند الله الاسلام» ‌و‌ قوله: «توفنى مسلما ‌و‌ الحقنى بالصالحين» ‌اى‌ اجعلنى ممن استسلم لرضاك، ‌و‌ قوله: «ان تسمع الا ‌من‌ يومن باياتنا فهم مسلمون» ‌اى‌ منقادون للحق مذعنون له. انتهى.
 ‌و‌ قد استوفينا الكلام على مباحث الاسلام ‌و‌ الايمان فيما تقدم فاغنى عن الاعاده.
 
«اى»: اسم شرط مرفوع بالابتداء.
 «و ما»: زائده لتاكيد الابهام ‌فى‌ اى.
 ‌و‌ عبد: محفوظ باضافه ‌اى‌ اليه. ‌و‌ قيل: «ما» نكره ‌و‌ «عبد» بدل منها، ‌و‌ الخبر ‌هو‌ جمله نال منى.
 
و قيل: ‌هو‌ جمله الجزاء، ‌و‌ ‌هو‌ قوله: فاغفر له.
 ‌و‌ قيل: الشرط مع جزائه ‌هو‌ الخبر، ‌و‌ قد مر الكلام على ذلك مستوفى ‌فى‌ الروضه الحاديه ‌و‌ الثلاثين، فليرجع اليه.
 ‌و‌ نال الشى ء يناله نيلا: اصابه.
 ‌و‌ الحظر: المنع. يقال: حظرته حظرا- ‌من‌ باب قتل- ‌اى‌ منعته ‌و‌ اداه بعلى لتضمينه معنى التحريم. ‌و‌ مفعول حظرت محذوف اطرادا، ‌اى‌ حظرته عليه.
 ‌و‌ انتهك الرجل الحرمه تناولها بما ‌لا‌ يحل.
 ‌و‌ حجر عليه الشى ء حجرا- ‌من‌ باب قتل-: حرمه عليه، ‌و‌ منعه ‌من‌ التصرف فيه. ‌و‌ يقال للممنوع منه: بتحريمه حجر، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و قالوا هذه انعام ‌و‌ حرث حجر».
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه حجزت عليه بالزاء المعجمه. ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الحجز بمعنى الفصل، ‌و‌ يرجع الى معنى المنع.
 ‌و‌ الظلامه- بالضم-: اسم لما يطلبه المظلوم عند الظالم كالمظلمه.
 ‌و‌ ميتا: نصب على الحال.
 ‌و‌ «او» لاحد الامرين.
 ‌و‌ حصل الشى ء حصولا- ‌من‌ باب قعد- ‌و‌ حصل لى عليه كذا: ثبت ‌و‌ وجب.
 ‌و‌ القبل:- على وزن عنب- بمعنى عند.
 قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: يقال: لى قبل فلان ‌حق‌ ‌اى‌ عنده.
 ‌اى‌ ثبتت لى ظلامتى عنده حال كونه حيا.
 ‌و‌ قول بعضهم: قبله ‌اى‌ ‌من‌ جانبه، تمحل ‌لا‌ داعى اليه الا عدم اطلاعه على ورود قبل بمعنى عند.
 
و الم بالذنب الماما: فعله.
 ‌و‌ منى: ‌اى‌ ‌من‌ ظلمنى.
 ‌و‌ ادبر بالشى ء: ذهب به.
 قال بعضهم: المراد بما الم ‌به‌ ‌ما‌ اقام عليه ‌من‌ الظلم ‌من‌ الالمام بالمنزل، ‌و‌ ‌هو‌ النزول به، ‌و‌ بما ادبر ‌به‌ ‌ما‌ فعله ‌من‌ الظلم، ثم مضى ‌و‌ انقضى.
 ‌و‌ قال آخر: المراد بقوله: «اغفر له ‌ما‌ الم ‌به‌ منى» ‌ما‌ نزل ‌من‌ البلاء بسبب ظلامتى.
 ‌و‌ كل هذا تخرص ‌لا‌ يفهمه ظاهر العباره، بل الظاهر ‌ان‌ المراد بقوله: «ما الم ‌به‌ منى» ‌ما‌ فعله ‌من‌ ظلمى، ‌و‌ بقوله: «عما ادبر ‌به‌ عنى» ‌ما‌ ذهب ‌به‌ ‌من‌ حقى، كمال ‌و‌ نحوه يريد التعميم ‌فى‌ ‌ما‌ جناه عليه، سواء كان ظلما ‌فى‌ نفس ‌و‌ عرض ‌او‌ مال وقنيه. ‌و‌ الله اعلم بمراد اوليائه.
 ‌و‌ ‌لا‌ تقفه على ‌ما‌ ارتكب فى: ‌اى‌ ‌لا‌ تطلعه عليه ‌او‌ ‌لا‌ تبكته ‌و‌ ‌لا‌ تقبح عليه فعله.
 قال الجوهرى: وقفته على ذنبه: ‌اى‌ اطلعته عليه.
 ‌و‌ قال ابوعبيده: وقفته على ذنوبه اذا بكته بها، ‌اى‌ قبحت عليه فعله لها، ‌و‌ اصله ‌من‌ الوقوف.
 قال ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز وقفته على ذنبه، ‌و‌ على سوء صنيعه.
 ‌و‌ ارتكب الذنب ارتكابا: اتاه ‌و‌ فعله.
 «و فى» ‌اى‌ بسببى، كقوله عليه السلام: ‌ان‌ امراه دخلت النار ‌فى‌ هره حبستها، ‌و‌ ترجع الى الظرفيه كان السبب متضمن للمسبب تضمن الظرف
 
للمظروف.
 ‌و‌ ‌لا‌ تكشفه: ‌اى‌ ‌لا‌ تفضحه. يقال: كشفته الكواشف: ‌اى‌ فضحته. ‌و‌ اصله ‌من‌ الكشف ‌و‌ ‌هو‌ الاظهار، ‌و‌ رفع الشى ء عما يواريه ‌و‌ يغطيه.
 «و عن» ‌فى‌ قوله: «عما اكتسب» سببيه مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌ما‌ ينطق عن الهوى».
 قال الرضى: ‌اى‌ نطقا صادرا عن الهوى.
 فالجار ‌و‌ المجرور صفه للمصدر، فعن ‌فى‌ مثله تفيد السببيه كما ‌فى‌ قولك: قلت هذا عن علم.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الكشف كالتكشيف- ‌و‌ كشفته عن كذا تكشيفا: اكرهته على اظهاره.
 ‌و‌ اراده هذا المعنى هنا حسنه، ‌اى‌ ‌لا‌ تكرهه على اظهار ‌ما‌ اكتسب ‌فى‌ ‌اى‌ بسببى. ‌و‌ يجوز ‌ان‌ تكون «الباء» فيه هى الباء الداخله على آله الفعل نحو كتبت بالقلم، ‌و‌ قطعت بالسكين، جعل نفسه ‌فى‌ اكتساب الظالم للاثم كالاله له ‌من‌ حيث ‌ان‌ ظلمه مقصور عليه. ‌و‌ الله اعلم.
 سمح بكذا يسمح بفتحتين سماحا ‌و‌ سماحه: جاد ‌و‌ اعطى ‌و‌ وافق على ‌ما‌ اريد منه، ‌و‌ اسمح بالالف لغه.
 ‌و‌ قال الاصمعى: سمح- ثلاثيا- بماله، ‌و‌ اسمح- رباعيا- بمفاده. ‌و‌ سامحه بكذا اعطاه. ‌و‌ تسامح ‌و‌ اصله الاتساع، ‌و‌ منه يقال: ‌فى‌ الحق مسمح: ‌اى‌ متسع ‌و‌ مندوحه
 
عن الباطل.
 ‌و‌ تبرع بالامر: فعله غير طالب عوضا.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: تبرع بالعطاء تفضل بما ‌لا‌ يجب عليه.
 ‌و‌ قال صاحب المحكم: تبرع بالعطاء اعطى ‌من‌ غير سوال.
 ‌و‌ ‌هو‌ موافق لما ‌فى‌ الاساس حيث قال: فعل ذلك تبرعا ‌من‌ غير طلب اليه، كانه يتكلف البراعه فيه ‌و‌ الكرم.
 ‌و‌ تصدق بكذا: اعطاه صدقه، ‌و‌ هى ‌ما‌ يخرجه الانسان ‌من‌ ماله على وجه القربه، كالزكاه. لكن الصدقه ‌فى‌ الاصل يقال للمتبرع به، ‌و‌ الزكاه للواجب.
 ‌و‌ قيل: يسمى بالواجب صدقه اذا تحرى صاحبه الصدق ‌فى‌ فعله. قال تعالى: «خذ ‌من‌ اموالهم صدقه». ‌و‌ يقال لما تجافى عنه الانسان ‌و‌ تركه: ‌من‌ حقه تصدق به، ‌و‌ عليه عباره الدعاء. ‌و‌ منه قوله سبحانه: «فمن تصدق ‌به‌ فهو كفاره له» ‌و‌ قوله تعالى: «وديه مسلمه الى اهله الا ‌ان‌ يصدقوا» فسمى اعفاءه صدقه.
 ‌و‌ الزكاء بالمد: النماء ‌و‌ الزياده، يقال: زكا الزرع اذا حصل منه نمو ‌و‌ زياده ‌و‌ منه الزكاه لما يخرجه الانسان ‌من‌ ‌حق‌ الله سبحانه الى الفقراء، لانه سبب يرجى ‌به‌ الزكاء ‌و‌ البركه.
 ‌و‌ اعلى: ‌اى‌ اشرف ‌و‌ افضل.
 ‌و‌ الصلات: جمع صله بالكسر. ‌و‌ اصلها وصل حذفت الواو ‌و‌ عوض منها هاء ‌فى‌
 
آخرها. يقال: وصله وصلا وصله- ‌من‌ باب وعد-. ‌و‌ اصله ‌من‌ اتصال الاشياء بعضها ببعض، ثم استعمل ‌فى‌ العطاء، فقيل: وصله بالف دينار، ‌اى‌ اعطاه. ‌و‌ سموا العطيه صله، وضعا للمصدر موضع الاسم، ‌و‌ عليه عباره الدعاء، ‌اى‌ اشرف عطايا المتقربين.
 ‌و‌ تقرب الى الله بكذا: طلب قربه تعالى بسببه ‌و‌ ‌هو‌ قرب روحانى ‌لا‌ بدنى.
 ‌و‌ منه الحديث القدسى: ‌ما‌ تقرب الى عبد بمثل اداء الفرائض.
 
و عوضه تعويضا: اعطاه عوض ‌ما‌ اخذ منه.
 ‌اى‌ اجعل عفوك عنى عوضا ‌من‌ عفوى عنهم، ‌و‌ رحمتك عوضا ‌من‌ دعائى لهم بالغفران ‌و‌ العفو ‌و‌ الاغماض ‌و‌ الستر.
 ‌و‌ (حتى) يجوز ‌ان‌ تكون تعليليه مرادفه ل«كى» ‌اى‌ ‌كى‌ يسعد كل منا. ‌و‌ يجوز ‌ان‌ تكون بمعنى «الى»، فيكون المراد منه حينئذ الدوام.
 ‌و‌ سعد فلان يسعد- ‌من‌ باب تعب- ‌فى‌ دين ‌او‌ دنيا سعدا ‌و‌ سعودا: حصلت له السعاده.
 ‌و‌ المراد بها هنا السعاده المطلقه ‌و‌ هى السعاده الاخرويه، التى هى عباره عن حسن الحياه ‌فى‌ الاخره، ‌و‌ هى المشار اليها بقوله تعالى: «و اما الذين سعدوا ففى الجنه خالدين فيها».
 ‌و‌ «الباء» ‌من‌ قوله: «بفضلك» اما سببيه، ‌او‌ للملابسه ‌اى‌ ملتبسا بفضلك.
 ‌و‌ نجا ‌من‌ الهلاك ينجو نجاه: خلص.
 ‌و‌ ‌من‌ عليه يمن منا: انعم عليه ‌و‌ احسن اليه.
 قال بعضهم: يحتمل ‌ان‌ يكون معنى قوله عليه السلام «حتى يسعد كل منا بفضلك» ‌اى‌ حتى اسعد انا بفضلك الذى عوضتنى اياه عن عفوى عنه، ‌و‌ يسعد ‌هو‌
 
بفضلك الذى لولا عفوى عنه لعاقبته، ‌او‌ اسعد انا بعفوى ‌و‌ بما عوضتنى، ‌و‌ ذلك فضل منك، فانك انت الذى وفقتنى للعفو. ‌و‌ سعادته ايضا كائنه بفضلك، فانك كما تفضلت على بالعفو عنه، تفضلت عليه بعفوى عنه، ‌و‌ قبلت عفوى.
 ‌و‌ لعل هذا انسب بقوله عليه السلام: «و ينجو كل منا بمنك» ‌و‌ الله اعلم.
 قلت: ‌لا‌ حاجه الى هذا التمحل بل تجعل السعاده ‌و‌ النجاه لكل منهما غايه لطلبه- عليه السلام- الغفران ‌و‌ العفو للظالم، ‌و‌ تعويضه عن ذلك عفوه تعالى، ‌و‌ رحمته له. ‌و‌ ‌هو‌ ظاهر لاغبار عليه.
 
ادركه ادراكا: ‌اى‌ لحقه ‌و‌ ‌هو‌ هنا لحوق معنوى. ‌و‌ الدرك- بفتحتين- اسم منه. ‌و‌ منه: «لا تخاف دركا ‌و‌ ‌لا‌ تخشى» ‌اى‌ ‌لا‌ تخاف ‌ان‌ يدركك فرعون ‌من‌ خلفك، ثم اطلق على ‌ما‌ فيه اثم يلحق ‌به‌ الانسان، عقوبه، كما سمى ذلك بالتبعه ايضا لما يتبعه ‌من‌ العقوبه. ‌و‌ قد يطلق الدرك ‌و‌ التبعه على الظلامه التى يلحق المظلوم بها الظالم، ‌و‌ يتبعه لاجلها.
 ‌و‌ قد يقال الدرك لما يلحق الانسان ‌من‌ عقوبه التبعه ‌و‌ الاثم. ‌و‌ ‌به‌ فسر ‌ما‌ ورد ‌فى‌ الحديث: ‌و‌ ‌ما‌ ادركه ‌من‌ درك فعلى خلاصه.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس ‌اى‌ ‌ما‌ يلحقه ‌من‌ التبعه.
 ‌و‌ كل هذه المعانى يحسن حمل عباره الدعاء عليه.
 ‌و‌ مسه الاذى: ناله ‌و‌ اصابه.
 
قال الراغب: ‌و‌ المس: يقال ‌فى‌ كل ‌ما‌ ينال الانسان ‌من‌ اذى، نحو قوله تعالى: «مستهم الباساء ‌و‌ الضراء» انتهى.
 ‌و‌ اصله ‌من‌ مسه يمسه- ‌من‌ باب تعب، ‌و‌ قتل-: اذا افضى اليه بيده ‌من‌ غير حائل.
 ‌و‌ قوله «بى ‌او‌ بسببى» يريد ‌به‌ ‌ما‌ كان بمباشرتى انا له، ‌او‌ ‌ما‌ كان بمباشره غيرى ‌و‌ كنت انا السبب فيه، فالباء الاولى للالصاق، ‌لا‌ للسببيه. ‌و‌ متعلقها قوله: «ظلم» ‌اى‌ لحقه ظلم ملتصق فعله بى، ‌او‌ كائن بسببى. ‌و‌ ‌لا‌ داعى لجعل المتعلق قوله: «لحقه»، لما علمت غير مره ‌من‌ ‌ان‌ المصدر اذا لم يكن منحلا الى ‌ان‌ وصلتها جاز تقديم معموله عليه.
 قال ابن هشام: ‌و‌ ‌من‌ ظن ‌ان‌ المصدر ‌لا‌ يتقدمه معموله مطلقا فهو واهم.
 قوله عليه السلام: «ففته بحقه» الفوت: بعد الشى ء عن الانسان بحيث يتعذر عليه ادراكه.
 قال ‌فى‌ الاساس: فاتنى بكذا سبقنى ‌به‌ ‌و‌ ذهب ‌به‌ عنى.
 ‌و‌ اصل السبق: التقدم ‌فى‌ السير، ثم تجوز ‌به‌ ‌فى‌ غيره، فاذا عدى بالباء كان بمعنى الفوت، يقال سبقه ‌به‌ وفاته ‌به‌ بمعنى.
 ‌و‌ اذا عدى بعلى كان بمعنى الغلبه.
 قال ‌فى‌ الكشاف: سبقته على الشى ء اذا اعجزته ‌و‌ غلبته عليه ‌و‌ لم تمكنه منه. ‌و‌ منه قوله تعالى: «ما نحن بمسبوقين على ‌ان‌ نبدل امثالكم» ‌اى‌ انا قادرون على ذلك ‌لا‌ تغلبوننى عليه.
 قال بعضهم: قوله عليه السلام «او سبقته بمظلمته» عطف تفسيرى على قوله:
 
«ففته بحقه» ‌او‌ تاكيد له.
 ‌و‌ ياباه العطف ب«او» فان عطف الشى ء على مرادفه ‌من‌ خواص الواو، دون سائر حروف العطف عند الجمهور خلافا لابن مالك، ‌و‌ استشهاده بقوله تعالى: «و ‌من‌ يكسب خطيئه ‌او‌ اثما» مدفوع بحمل الخطيئه على الصغيره، ‌او‌ على مالا عمد فيه، ‌او‌ على ‌ما‌ بين العبد ‌و‌ بين ربه، ‌و‌ الاثم على الكبيره، ‌او‌ على ‌ما‌ كان عن عمد، ‌او‌ على مظالم العباد. على ‌ان‌ ابن مالك معترف بقلته.
 فالاولى ‌ان‌ تجعل الفقره الثانيه تاسيسا، بحمل الفقره الاولى على الفوت بحقه ‌فى‌ دار الدنيا، بان يكون قد مات، ‌او‌ يكون بعيد الدار فلا يمكنه استرداد حقه، ‌او‌ يكون ضعيفا عن استرداده، ‌و‌ الفقره الثانيه على السبق بالمظلمه الى الدار الاخره، ‌او‌ بحمل الحق ‌فى‌ الاولى على غير المظلمه، كحقوق الاخوه ‌و‌ نحوها، ‌و‌ المظلمه ‌فى‌ الثانيه على الحق الذى ظلمه اياه ‌من‌ مال ‌و‌ نحوه، فان التاسيس خير ‌من‌ التاكيد.
 ‌و‌ المظلمه: بمعنى الظلامه.
 قال ‌فى‌ الاساس: عند فلان ظلامتى، ‌و‌ مظلمتى حقى الذى ظلمنيه.
 ‌و‌ الوجد- بالضم-: الغنى. ‌و‌ منه اسمه «الواجد» تعالى ‌اى‌ الغنى. ‌و‌ يعبر عنه بالجده ايضا. ‌و‌ اصلها الوجد حذفت الواو ‌و‌ عوضت عنها الهاء.
 ‌و‌ المعنى: اعطه ‌من‌ غناك وسعتك حتى يرضى عنى، فلا يطالبنى بحقه. ‌و‌ اوفه حقه ‌من‌ عندك. ‌اى‌ اعطه اياه وافيا ‌من‌ فضلك، ‌او‌ تفضلا ‌من‌ عندك. ‌و‌ عند هنا مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «فان اتممت عشرا فمن عندك».
 قال الفيومى: ‌اى‌ ‌من‌ فضلك.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: ‌اى‌ فهو منك تفضل ‌و‌ تبرع، ‌و‌ الا فلا عليك. انتهى.
 
و فائده هذا القيد الاحتراز عن ايفائه حقه بمقاصته ‌من‌ حسناته.
 كما ورد ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ الله يقتص ‌من‌ حسنات الظالم، ‌و‌ يعطيها المظلوم بازاء حقه. ‌و‌ الله اعلم.
 
لما كان ظلم العباد يتضمن محظورين: احدهما: الذهاب بحق الخلق.
 الثانى: معصيه الخالق بعدم الاجتناب لما نهى عنه، ‌و‌ التعدى لحكمه سبحانه.
 ‌و‌ كان كل منهما يقتضى مكافاه ‌و‌ جزاء مستقلا براسه، ‌و‌ يوجب عقوبه ‌و‌ مواخذه على حده. سال عليه السلام اولا اسقاط ‌حق‌ خصمه، ‌و‌ ارضاءه عنه، ثم التجاوز عما يوجبه التعدى لحكمه تعالى. ‌و‌ انما قدم الاول ‌و‌ عقبه بالثانى لان حقوق العباد مبناها على الضنه ‌و‌ الضيق، ‌و‌ حقوق الله تعالى مبناها على المسامحه. ‌و‌ لذلك جاء بكلمه التراخى ايذانا بفرط رحمته ‌و‌ مسامحته ‌فى‌ حقوقه. ‌و‌ عن ذلك قدم الفقهاء عند تزاحم الحقوق حقوق العباد على حقوق الله الغنى الحميد.
 ‌و‌ على هذا فاللام ‌من‌ قوله: «يوجب له» تعليليه، ‌و‌ الضمير عائد الى الظلم، ‌اى‌ ‌ما‌ يوجب لاجل الظلم حكمك. ‌و‌ يجوز ‌ان‌ تكون اللام للتاكيد، ‌و‌ هى المعترضه بين الفعل المتعدى ‌و‌ مفعوله. كقوله:
 ‌و‌ ملكت ‌ما‌ بين العراق ‌و‌ يثرب
 ملكا اجار لمسلم ‌و‌ معاهد
 ‌و‌ عليه: حمل المبرد ‌و‌ الزمخشرى قوله تعالى: «ردف لكم» ‌و‌ الاصل ردفكم. قال ‌فى‌ الكشاف: زيدت اللام للتاكيد نحو قوله تعالى: «و ‌لا‌ تلقوا
 
بايديكم» ‌و‌ المجهور على انه ضمن معنى اقترب.
 ‌و‌ الضمير على هذا عائد الى «ما» ‌و‌ الاصل ‌ما‌ يوجبه.
 ‌و‌ اما ‌ما‌ قيل: ‌من‌ ‌ان‌ الضمير عائد الى المظلوم، ‌و‌ المعنى قنى ‌ما‌ يوجب للمظلوم حكمك، ‌و‌ يحكم ‌به‌ عدلك ‌من‌ اخذ حقه منى، ‌لا‌ ارضائه عنى، ‌و‌ ايفائه حقه ‌من‌ فضلك فتاباه، بل تحيله كلمه التراخى ‌من‌ قوله: «ثم قنى»، اذ ‌لا‌ معنى لسوال الوقايه ‌من‌ مقتضى العدل- بعد سوال المعامله بالفضل- بكلمه «ثم»، كما ‌هو‌ ظاهر لاخفاء به.
 ‌و‌ استقل بالشى ء استقلالا ‌و‌ اقله اقلالا: رفعه ‌و‌ حمله. ‌و‌ اصله ‌من‌ القله ‌ضد‌ الكثره، كان الحامل يجد ‌ما‌ يحمله قليل المحمل بالنسبه الى قوته ‌اى‌ خفيفا. ‌و‌ منه قوله تعالى: «اقلت سحابا ثقالا» ‌اى‌ رفعته ‌و‌ احتملته فوجدته قليلا باعتبار قوتها، ثم تجوز فيه، فاستعمل ‌فى‌ المعانى، فقيل: فلان يستقل بهذا الامر ‌اى‌ يقوى عليه ‌و‌ يطيقه.
 قال ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز ‌هو‌ ‌لا‌ يستقل بهذا الامر: ‌اى‌ ‌لا‌ يطيقه.
 ‌و‌ الطاقه: القدره اسم ‌من‌ اطقت الشى ء اطاقه: ‌اى‌ قدرت عليه، كالطاعه اسم ‌من‌ اطاع اطاعه.
 ‌و‌ الا تغمدنى: ‌اى‌ ‌ان‌ لم تغمدنى، كقوله تعالى: «الا تنصروه فقد نصره الله»، ‌و‌ هى كلمتان ‌ان‌ الشرطيه، ‌و‌ ‌لا‌ النافيه. ‌و‌ تغمدنى فعل مضارع حذفت ‌من‌ اوله احدى التائين، ‌و‌ الاصل تتغمدنى، كقوله تعالى: «و ‌لا‌ تعاونوا على الاثم ‌و‌ العدوان». ‌و‌ تغمده الله برحمته: غمره ‌و‌ ستره بها.
 
و ‌او‌ بقه الله: اهلكه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ليس احد يدخل الجنه بعمله. قيل: ‌و‌ ‌لا‌ انت ‌يا‌ رسول الله، قال: ‌و‌ ‌لا‌ انا الا يتغمدنى الله برحمته.
 
استوهبته كذا: سالته ‌ان‌ يهبه لى. ‌و‌ الهبه: العطاء ‌من‌ غير عوض.
 ‌و‌ النقص: الخسران ‌فى‌ الحظ. يقال: نقص نقصا- ‌من‌ باب قتل- ‌و‌ نقصانا، ‌و‌ نقص يكون لازما ‌و‌ متعديا الى مفعول واحد ‌و‌ الى مفعولين.
 يقال: نقص الشى ء ‌اى‌ ذهب منه شى ء بعد تمامه، ‌و‌ نقصت المال ‌اى‌ اذهبت منه شيئا، ‌و‌ نقصت زيدا حقه. ‌و‌ منه عباره الدعاء، ‌اى‌ ‌ما‌ ‌لا‌ ينقصك شيئا. حذف المفعول الثانى لمجرد الاختصار مع قيام القرينه، لان بذل الشى ء ‌لا‌ يوجب نقصا ‌فى‌ الذات، ‌و‌ انما يوجب نقصا ‌فى‌ الشى ء ‌من‌ ملك الباذل.
 ‌و‌ البذل: العطاء عن طيب نفس.
 يقال: بذله بذلا- ‌من‌ باب قتل- ‌اى‌ اعطاه، ‌و‌ سمح به.
 ‌و‌ استحملت فلانا ثقلى: سالته ‌ان‌ يحمله عنى.
 ‌و‌ بهضه الحمل بهضا- ‌من‌ باب منع-: اثقله. ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ بعض النسخ بالظاء المشاله، ‌و‌ ‌فى‌ بعضها بالضاد.
 ‌و‌ نص ‌فى‌ القاموس: انه بالظاء اكثر.
 
اى اسالك ‌ان‌ تحمل عنى ‌ما‌ ‌لا‌ يثقلك حمله. ‌و‌ هذا ‌من‌ باب التمثيل، مثل حال سئواله تعالى محو ذنوبه التى قد فدحته، ‌و‌ عفوه عنها بحال ‌من‌ يسال قويا قادرا ‌ان‌ يحمل عنه ‌ما‌ قد اثقله ‌من‌ الحمل، اذ كان ‌لا‌ يثقله ‌و‌ ‌لا‌ يبهظه حمله، ‌من‌ غير ذهاب الى جهه حقيقه بالنسبه الى الله تعالى كما يذهب اليه المجسمه، ‌او‌ مجاز بان يراد بالاستحمال طلب العفو ‌و‌ الاغضاء، ‌من‌ قولهم: حملت ‌ما‌ كان منه ‌اى‌ عفوت ‌و‌ اغضيت عنه. البهظ ضيق الصدر، ‌و‌ كرب النفس، ‌و‌ نحو ذلك. ‌و‌ انما المراد بالمفردات حقائقها ‌فى‌ نفسها كما ‌فى‌ قولهم: «اراك تقدم رجلا ‌و‌ توخر اخرى»، لكن ‌لا‌ بالنسبه الى الممثل له، بل بالنسبه الى الممثل به، ‌و‌ هذا النوع ‌من‌ التمثيل قد يعبر عنه بالتخييل. ‌و‌ ‌هو‌ تمثيل خاص لايقاعه ‌فى‌ الخيال، ‌و‌ تصوير المعانى العقليه بصور الاعيان الحسيه، لكونها اظهر حضورا، ‌و‌ اكثر خطورا. ‌و‌ ‌هو‌ باب جليل ‌فى‌ علم البيان، عليه يحمل كثير ‌من‌ متشابهات القرآن ‌و‌ السنه، ‌و‌ قد اسلفنا الكلام عليه بابسط ‌من‌ هذا فيما سبق.
 
قوله عليه السلام: «استوهبك ‌يا‌ الهى نفسى» جمله ‌فى‌ محل رفع على البدليه ‌من‌ الجمله المرفوعه على الخبريه ل«ان» ‌من‌ قوله: «انى استوهبك». ‌و‌ انما ابدلها منها لكونها اوفى ‌من‌ الاولى بتاديه المعنى المراد، لدلالتها على المستوهب صريحا، بخلاف الاولى فان المستوهب فيها مبهم.
 ‌و‌ ‌فى‌ التفسير اثر الابهام ‌من‌ زياده التقرير ‌ما‌ ليس ‌فى‌ غيره.
 ‌و‌ امتنع بالشى ء: احتمى به. ‌من‌ المنع بمعنى الحمايه.
 ‌و‌ السوء: المكروه ‌و‌ الضرر.
 ‌و‌ تطرقت بالشى ء الى كذا: جعلته طريقا اليه. كما يقال: لتسببت به، ‌اى‌ جعلته سببا. ‌و‌ الاصل تتطرق بتائين، لانه فعل مضارع فحذفت احدى التائين
 
تخفيفا.
 ‌اى‌ لم تخلقها لغرض يعود اليك ‌من‌ دفع ضر ‌او‌ جلب نفع.
 «و لكن انشاتها». ‌اى‌ احدثتها ‌و‌ اوجدتها.
 اثباتا لقدرتك: ‌اى‌ تحقيقا لها ‌و‌ تقريرا على انشاء مثلها.
 ‌و‌ احتجاجا بها: ‌اى‌ جعلها حجه ‌و‌ دليلا.
 على خلق شكلها: ‌اى‌ مثلها ‌فى‌ الهيئه، ‌و‌ تعاطى الفعل.
 قال الراغب: الشكل ‌فى‌ الهيئه ‌و‌ الصوره ‌و‌ القدر ‌و‌ المساحه، ‌و‌ الند: ‌فى‌ الجوهريه ‌و‌ الجنسيه، ‌و‌ الشبه: ‌فى‌ الكيفيه، ‌و‌ المساوى ‌فى‌ الكميه فقط، ‌و‌ المثل: عام ‌فى‌ ذلك كله. ‌و‌ قوله تعالى: «و آخر ‌من‌ شكله ازواج» ‌اى‌ مثل له ‌فى‌ الهيئه، ‌و‌ تعاطى الفعل. انتهى.
 ‌و‌ قال بعضهم: معنى الاحتجاج بها على شكلها ‌ان‌ ‌من‌ انشا مثلها كان قادرا حكيما الى غير ذلك مما يليق بجنابه المقدس، ‌او‌ الاحتجاج بها عليها بان ركب فيها ‌من‌ الالات ‌و‌ العقل ‌و‌ غيرهما ‌ما‌ ‌لا‌ يبقى لها معها عذر ‌فى‌ التقصير ‌و‌ المخالفه انتهى.
 ‌و‌ المعنى الثانى بعيد عن مدلول الالفاظ. ‌و‌ الله اعلم.
 
 تنبيهان
 
 الاول: قد يستفاد ‌من‌ قوله عليه السلام: «لم تخلقها لتمتنع بها ‌من‌ سوء» الى آخره. انه تعالى ‌لا‌ يفعل لغرض عائد اليه ‌من‌ دفع مفسده ‌او‌ تحصيل منفعه، ‌و‌ ‌هو‌ كذلك.
 ‌و‌ برهانه: انه لو فعل لغرض، لكان ‌هو‌ ناقصا لذاته، مستكملا بتحصيل ذلك الغرض، لانه ‌لا‌ يصلح غرضا للفاعل الا ‌ما‌ ‌هو‌ اولى به، ‌و‌ اصلح له ‌من‌ عدمه، ‌و‌ ذلك
 
 
لان ‌ما‌ استوى وجوده ‌و‌ عدمه بالنظر الى الفاعل، ‌او‌ كان وجوده مرجوحا بالقياس اليه ‌لا‌ يكون باعثا له على الفعل، ‌و‌ سببا لاقدامه عليه بالضروره. فكل ‌ما‌ كان غرضا له وجب ‌ان‌ يكون وجوده اولى بالفاعل، ‌و‌ اصلح له ‌من‌ عدمه. ‌و‌ ‌هو‌ معنى الكمال. فاذن يكون الفاعل مستكملا بوجود الغرض، ‌و‌ ناقصا بدونه، ‌و‌ هذا امر مجمع عليه.
 بقى انه هل يجوز ‌ان‌ يفعل لغرض عائد الى غيره ‌ام‌ لا؟
 ذهبت الحكماء ‌و‌ الاشاعره الى انه ‌لا‌ يجوز لان الغرض العائد الى الغير ‌من‌ نفع ‌و‌ احسان مثلا، ‌ان‌ كان اولى بالنسبه اليه ‌من‌ عدمه عاد حديث الكمال ‌و‌ النقصان، ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن اولى بل كان مساويا ‌او‌ مرجوحا لم يصلح ‌ان‌ يكون غرضا، لما مر ‌من‌ العلم الضرورى.
 ‌و‌ ذهبت المعتزله ‌و‌ جمهور الاماميه الى ‌ان‌ نفى الغرض مطلقا يستلزم العبث. ‌و‌ ‌ان‌ امتنع عود الغرض اليه عقلا- كما تقدم بيانه- وجب ‌ان‌ يكون فعله سبحانه لغرض عائد الى العبد، ‌و‌ ‌هو‌ احسانه اليه. ‌و‌ ادعاء العلم الضرورى- بانه ‌ان‌ لم يكن اولى ‌به‌ لم يصلح ‌ان‌ يكون غرضا له- ممنوع، بل يكفى ‌فى‌ كونه غرضا له مجرد كونه اصلح للغير. ‌و‌ ايضا ‌ان‌ ارادوا باستكماله بالغير حصول صفه الكمال بسبب الفعل فلا نسلم ‌ان‌ فعله لو كان لغرض كان ناقصا لذاته، مستكملا بغيره، لجواز ‌ان‌ يكون كامل الذات، ‌و‌ يحصل له بحسب كل فعل كمال، ‌و‌ يتجدد له استحقاق الحمد ‌و‌ المدح لاجله. ‌و‌ ‌ان‌ ارادوا ‌به‌ غير ذلك فليبينوه. ‌و‌ المساله ذات ذيل طويل فلتوخذ ‌من‌ مظانها.
 الثانى: ‌لا‌ يلزم ‌من‌ قوله عليه السلام: «و لكن انشاتها اثباتا لقدرتك على مثلها» الى آخره. ‌ان‌ يكون انشاوها لغرض عائد اليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا، بل عائد الى العبد، لان دلالتها- على ثبوت قدرته على انشاء مثلها عند العقول، ‌و‌ جعلها حجه ‌و‌ دليلا على خلق شكلها لدى النفوس- امر يعود منفعته الى العباد، ليومنوا بعموم
 
قدرته، ‌و‌ يوقنوا بجلاله ‌و‌ عظمته، فيوحدوه ‌و‌ يعبدوه، فيفوزوا برضاه ‌و‌ رحمته. كما قال سبحانه «و ‌فى‌ الارض آيات للموقنين ‌و‌ ‌فى‌ انفسكم افلا تبصرون». ‌و‌ الله اعلم.
 
«من» ‌فى‌ قوله: «من ذنوبى» مبينه للمبهم بعدها ‌و‌ ‌هو‌ «ما»، فقد مر غير مره بيان وجه جواز تقديمها عليه.
 ‌و‌ الاستعانه: طلب المعونه.
 قال الشيخ امين الاسلام الطبرسى: للرغبه الى الله تعالى ‌فى‌ طلب المعونه ‌و‌ جهان:
 احدهما: ‌ان‌ يسال الله تعالى ‌من‌ الطافه ‌ما‌ يقوى دواعيه، ‌و‌ يسهل ‌من‌ الفعل عليه ‌ما‌ ليس بحاصل.
 ‌و‌ الثانى: ‌ان‌ يطلب بقاء كونه قادرا على طاعاته المستقبله، بان يجدد له القدره حالا بعد حال عند ‌من‌ ‌لا‌ يقول ببقائها، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يفعل ‌ما‌ يضادها ‌و‌ ينفيها عند ‌من‌ قال ببقائها. انتهى.
 اذا عرفت ذلك فالاستعانه هنا ‌من‌ الوجه الاول، لان الغرض منها سواله تعالى ‌ان‌ يفيض عليه قوه يستعد بها لغفران ذنوبه، ‌و‌ محو سيئاته التى تعاظمه كثرتها، فاشبهت حاله حال ‌من‌ حمل على ظهره حملا ثقيلا فاثقله.
 يقال: فدحه الامر فدحا- ‌من‌ باب منع- ‌اى‌ اثقله.
 
و الثقل- بالكسر، مخفف ثقل، كعنب- مصدر ثقل الشى ء- بالضم- فهو ثقيل.
 
و «على» بمعنى مع، ‌اى‌ مع ظلمها. مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌ان‌ ربك لذو مغفره للناس على ظلمهم» «و آتى المال على حبه».
 ‌و‌ لما كانت النفس رهينه على الوفاء بالميثاق الذى واثقها الله تعالى به، ‌و‌ العهد الذى اخذ عليها حين الاهباط الى عالم الحس ‌و‌ الخيال، ‌ان‌ ترجع اليه سالمه ‌من‌ سخطه، عامله باوامره، غير منحرفه عن صراطه الموضوع على لسان رسوله صلى الله عليه ‌و‌ آله، فان وفت بعهدها خرجت ‌من‌ وثاق الرهن، وضو عف لها الاجر، كما قال تعالى: «و ‌من‌ اوفى بما عاهد عليه الله فسيوتيه اجرا عظيما»، ‌و‌ ‌ان‌ نكثت، ‌و‌ ارتكبت ‌ما‌ نهيت عنه بقيت رهينه بعملها، كما قال تعالى: «كل نفس بما كسبت رهينه».
 سال (عليه السلام) ربه ‌ان‌ يمن عليه بفكاك نفسه ‌من‌ رهانها ‌و‌ يهبها له.
 ‌و‌ التوكيل: جعل الانسان غيره قائما باموره، ‌او‌ بامر منها.
 ‌اى‌ اجعل رحمتك قائمه باحتمال اصرى، اى: بحمل ‌ما‌ اثقلنى ‌من‌ الذنوب.
 يقال: حمله حملا ‌و‌ احتمله احتمالا بمعنى.
 ‌و‌ الاصر: الحمل الثقيل الذى ياصر صاحبه، ‌اى‌ يحبسه مكانه، فلا يستطيع المشى ‌به‌ لثقله، استعير للذنب العظيم. ‌و‌ منه «و ‌لا‌ تحمل علينا اصرا».
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ الذنب الذى ‌لا‌ توبه له.
 ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا الذنوب الكثيره التى قد اثقله حملها بقرينه ‌ما‌ قبله، جعلها كلها حملا واحدا.
 ‌و‌ «الفاء» ‌من‌ قوله: «فكم» سببيه، ‌و‌ «كم» خبريه.
 
و لحقت رحمتك بالمسيئين: ‌اى‌ ادركتهم ‌و‌ اصابتهم.
 ‌و‌ المسيئين: الذين اساوا ‌و‌ عملوا السوء، ‌و‌ ‌هو‌ كل ‌ما‌ يقبح شرعا ‌و‌ عقلا.
 ‌و‌ شملهم الامر- ‌من‌ باب تعب ‌و‌ قعد- شمولا: عمهم.
 
و الخاطئين: اصحاب الخطايا. ‌من‌ خطى ء الرجل اذا تعمد الذنب، ‌و‌ قصد فعله، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الخطا المقابل للصواب، دون المقابل للعمد.
 قال الراغب: الخاطى: القاصد للذنب. ‌و‌ عليه قوله تعالى: «لا ياكله الا الخاطئون» انتهى.
 ‌و‌ قد جوز ‌ان‌ يراد بهم الذين يتخطون الحق، ‌و‌ يتعدون حدود الله. ‌و‌ الله اعلم.
 «الفاء» لترتيب الدعاء ‌و‌ المدعوبه على ‌ما‌ قبله، فان كثره لحوق رحمته بالمسيئين، ‌و‌ شمول عفوه الخاطئين مما يقتضى طلب التجاوز ‌و‌ العفو.
 ‌و‌ الاسوه- بكسر الهمزه ‌و‌ ضمها-: القدوه ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ يقتدى ‌به‌ اى: يفعل مثل فعله اقتداء به.
 ‌و‌ نهض نهضا ‌و‌ نهوضا- ‌من‌ باب منع-: قام. ‌و‌ انهضته اقمته.
 ‌و‌ تجاوزت عن المسى ء: عفوت عنه ‌و‌ صفحت
 ‌و‌ الصرع: الطرح على الارض. ‌و‌ المصارع: مواضعه جمع مصرع. يقال: هذه مصارع القوم، ‌و‌ لكل جنب مصرع.
 
شبه الخاطئين الذين اوبقتهم الخطايا بالمغلوبين الذين اثخنهم اعداوهم جراحا ، ‌و‌ طرحوهم على الارض، بجامع العجز عن الخلاص، فاثبت لهم المصارع، ‌و‌ هى استعاره مكنيه مرشحه. ‌و‌ الانهاض ايضا ترشيح. ‌و‌ هى ‌من‌ بديع الاستعارات، ‌و‌ افصح الكلام. ‌اى‌ ‌من‌ قد نجيته بعفوك عما يجب للخاطئين ‌من‌ العقوبات ‌و‌ النقم.
 قال بعضهم: معنى جعله اسوه له ‌ان‌ ينهضه ‌و‌ ينجيه قبله، بان يبدا بانهاضه ‌و‌ نجاته، لان الاسوه ‌هو‌ المبتدى بالفعل الذى يتاسى ‌به‌ فيه، فهو ‌من‌ باب ذكر اللازم ‌و‌ اراده الملزوم.
 ‌و‌ قيل: معناه: ‌ان‌ يجعله بحيث يتاسى به، ‌و‌ يقتدى كل ‌من‌ انهضه ‌من‌ صرعته، ‌و‌ خلصه ‌من‌ ورطته، لحسن انهاضه ‌و‌ تخليصه.
 ‌و‌ خلص الشى ء ‌من‌ التلف خلوصا- ‌من‌ باب قعد- ‌و‌ خلاصا ‌و‌ مخلصا: سلم ‌و‌ نجا. ‌و‌ خلصته تخليصا: سلمته ‌و‌ نجيته.
 ‌و‌ الورطات: جمع ورطه ‌و‌ ‌هو‌ الهلاك. ‌و‌ اصلها الوحل تقع فيه الغنم فلا تقدر على التخلص.
 ‌و‌ قيل: اصلها ارض مطمئنه ‌لا‌ طريق فيها ترشد الى الخلاص، ‌و‌ تورطت الغنم ‌و‌ غيرها: وقعت ‌فى‌ الورطه، ثم استعمل ‌فى‌ كل شده ‌و‌ امر شاق. ‌و‌ تورط فلان ‌فى‌ الامر اذا ارتبك فيه، فلم يسهل له المخرج منه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ ‌من‌ ورطات الامور التى ‌لا‌ مخرج منها سفك الدم الحرام بغير حله.
 قال الطيبى: هى جمع ورطه، ‌و‌ هى الهلاك.
 
و «الفاء» ‌من‌ قوله: «فاصبح» للتعقيب.
 ‌و‌ اصبح هنا: فعل ناقص بمعنى صار ‌من‌ غير اعتبار الزمان الذى ‌دل‌ عليه تركيب الفعل، اعنى الصبح. نحو قوله سبحانه: «فاصبحتم بنعمته اخوانا».
 ‌و‌ الطليق بمعنى المطلق: ‌و‌ ‌هو‌ الاسير الذى اطلق عنه اساره ‌و‌ خلى عنه، فانطلق: ‌اى‌ ذهب ‌فى‌ سبيله.
 ‌و‌ الاسار: ككتاب ‌ما‌ يشد ‌و‌ يوثق به.
 ‌و‌ العتيق: بمعنى المعتق، ‌من‌ الاعتاق، ‌و‌ ‌هو‌ تحرير العبد، ‌اى‌ جعله حرا، ‌و‌ تخليصه ‌من‌ الرق. ثم استعمل ‌فى‌ التخليص مطلقا.
 ‌و‌ الصنع: الاحسان، كالصنيعه.
 ‌و‌ الوثاق- بالفتح ‌و‌ يكسر- بمعنى الاسار، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يشد به.
 ‌و‌ الاستعارات ‌فى‌ هذه الفقرات ظاهره، ‌و‌ قد تقدم لها نظائر، اغنى الكلام عليها هناك عن اعادته هنا.
 
ذلك: اشاره الى المذكور ‌من‌ جعله اسوه ‌من‌ انهضه ‌و‌ خلصه، ‌و‌ ‌ما‌ فيه ‌من‌ معنى البعد مع قرب العهد بالمشار اليه، للايذان بعلو درجته، ‌و‌ بعد منزلته ‌فى‌ الشرف ‌و‌ الفضل عنده.
 ‌و‌ «تفعله» مجزوم ‌فى‌ جواب الشرط. ‌و‌ هل العامل للجزم الاداه ‌او‌ الشرط ‌او‌ هما
 
معا؟ خلاف.
 ‌و‌ جحدت الامر جحدا ‌و‌ جحودا: انكرته، قالوا: ‌و‌ ‌لا‌ يكون الا على علم ‌من‌ الجاحد له.
 ‌و‌ ‌لا‌ يبرى نفسه: ‌اى‌ ينزهها، ‌من‌ برى زيد ‌من‌ ذنبه يبرا مهموزا- ‌من‌ باب تعب- براءه: ‌اى‌ سقط عنه طلبه. ‌و‌ براته ‌من‌ العيب بالتشديد جعلته بريئا منه.
 
و تفعل- بالضم باتفاق النسخ- على الاستيناف.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه قديمه «بل تفعل ذلك» بزياده بل الابتدائيه. ‌و‌ معناها الانتقال ‌من‌ غرض الى آخر.
 ‌و‌ الخوف: توقع مكروه عن اماره مظنونه ‌او‌ معلومه، ‌ان‌ الطمع توقع محبوب عن اماره مظنونه، ‌او‌ معلومه. ‌و‌ اذا علق كل منها بالذوات كما نقول: خفت زيدا، ‌و‌ طمعت فيه فمعناه توقع مكروه ‌او‌ محبوب يقع ‌من‌ جهته، ‌و‌ الا فالذوات ‌لا‌ يتعلق بها خوف ‌و‌ ‌لا‌ طمع.
 قال بعض العلماء: اعلم ‌ان‌ خوف الخائفين ‌من‌ الله تعالى قد يكون لامور مكروهه لذاتها، ‌و‌ قد يكون لامور مكروهه لادائها الى ‌ما‌ ‌هو‌ مكروه لذاته.
 اما القسم الاول: فمثل ‌ان‌ يتمثل ‌فى‌ نفوسهم ‌ما‌ ‌هو‌ المكروه لذاته كسكرات الموت ‌و‌ شدته، ‌او‌ سوال القبر ‌او‌ عذابه، ‌او‌ هول الموقف بين يدى الله تعالى، ‌و‌ الحياء ‌من‌ كشف الستر، ‌و‌ السئوال عن كل صغيره ‌و‌ كبيره، ‌او‌ الخوف ‌من‌ المرور على الصراط وحدته، ‌او‌ ‌من‌ النار ‌و‌ اهوالها ‌و‌ اغلالها، ‌او‌ ‌من‌ حرمان الجنه، ‌او‌ ‌من‌ نقصان الدرجات فيها، ‌او‌ خوف الحجاب ‌من‌ الله تعالى. ‌و‌ كل هذه الاسباب مكروهه ‌فى‌ انفسها، ‌و‌ يختلف حال السالكين الى الله فيها، ‌و‌ اعلاها رتبه خوف الفراق ‌و‌ الحجاب عن الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، ‌و‌ ‌هو‌ خوف العارفين. ‌و‌ ‌ما‌ قبل ذلك فهو خوف العابدين ‌و‌ الصلحاء ‌و‌ الزاهدين.
 ‌و‌ اما القسم الثانى: فاقسامه كثيره كخوف الموت قبل التوبه، ‌او‌ خوف نقض
 
التوبه، ‌او‌ خوف الانحراف عن القصد ‌فى‌ عباده الله، ‌او‌ خوف استيلاء القوى الشهوانيه بحسب مجرى العاده ‌فى‌ استعمال الشهوات المالوفه، ‌او‌ خوف تبعات النفس عنده، ‌او‌ خوف سوء الخاتمه ‌او‌ خوف سبق الشقاوه ‌فى‌ علم الله. ‌و‌ كل هذه ‌و‌ نحوها مخاوف عباد الله الصالحين، ‌و‌ اغلبها على قلوب المتقين خوف الخاتمه فان الامر فيه خطر. ‌و‌ اعلى الاقسام، ‌و‌ اكملها، ‌و‌ ادلها على كمال المعرفه خوف السابقه، لكون الخاتمه تبعا لها، ‌و‌ مظهره لما سبق ‌فى‌ اللوح المحفوظ، كما تقدم بيانه ‌فى‌ الروضه الحاديه عشره.
 قال بعض ارباب القلوب: اذا سكن الخوف القلب احرق الشهوه، ‌و‌ طرد عنه الغفله.
 قال بعضهم: العلم قائد، ‌و‌ الخوف سائق، ‌و‌ النفس مع ذلك حرون جموح، خداعه رواغه فاحذرها، وراعها بسياسه العلم، وسقها بتهديد الخوف، لتقطع مفاوز الافات، ‌و‌ تصل الى دار الكرامات.
 ‌و‌ قال بعضهم: خلق الله القلوب مساكن لذكره، فصارت مساكن
 
الشهوات، فلا يمحو الشهوات منها الا خوف مزعج، ‌او‌ شوق مقلق.
 ‌و‌ قال بعضهم: كل خائف اذا خاف ‌من‌ شى ء ‌من‌ الاشياء هرب منه، ‌و‌ ‌من‌ خاف الله هرب اليه.
 ‌و‌ قال آخر: الخائف يهرب ‌من‌ ربه الى ربه.
 ‌و‌ الياس: انقطاع الرجاء ‌و‌ الطمع، يئس يياس- ‌من‌ باب تعب- ياسا.
 ‌و‌ الرجاء: قيل ظن يقتضى حصول ‌ما‌ فيه مسره.
 ‌و‌ قيل: تعلق النفس بحصول محبوب ‌فى‌ المستقبل.
 ‌و‌ كما ‌ان‌ الخوف على اقسام، فالرجاء ايضا على اقسام:
 رجاء لمغفرته تعالى مع عدم التوبه كما قال: «و ‌ان‌ ربك لذو مغفره للناس على ظلمهم».
 ‌و‌ رجاء لقبول التوبه عن السيئات، ‌و‌ رجاء لقبول الحسنات، ‌و‌ رجاء للتفضل.
 ‌و‌ لما كان حمل النفس على الخوف دون الرجاء يوهم القنوط- كما قيل: ‌من‌ حمل نفسه على الرجاء تعطل، ‌و‌ ‌من‌ حمل نفسه على الخوف قنط- احترز عليه السلام عن ذلك بقوله: «لا ‌ان‌ يكون ياسه قنوطا» ‌اى‌ ‌لا‌ لان يكون، فحذف لام التعليل لاطراد حذف الجار مع ‌ان‌ المصدريه، ‌اى‌ ليس كون خوفه اكثر ‌من‌ طمعه، ‌و‌ ياسه اوكد ‌من‌ رجائه، لكون ياسه قنوطا، اى: ياسا ‌من‌ رحمه الله تعالى، فهو اخص ‌من‌ الياس.
 ‌و‌ لما كان اكثريه الخوف، ‌و‌ زيادته على الطمع، ‌و‌ اوكديه الياس، ‌و‌ رجحانه على الرجاء، يوهم كون الطمع ‌و‌ الرجاء ‌فى‌ رحمه الله غرورا- ‌اى‌ سكونا الى الباطل، ‌و‌ ‌ما‌ ‌لا‌ حقيقه له- احترز بقوله: «او يكون طمعه اغترارا». يقال: غره يغره غرا ‌و‌ غرورا،
 
وغره بالكسر: ‌اى‌ اطمعه بالباطل، ‌و‌ خدعه. فاغتر ‌هو‌ اغترارا.
 ‌اى‌ «ليس كون خوفه اكثر ‌من‌ طمعه» ‌و‌ ياسه اوكد ‌من‌ رجائه، لكون طمعه طمعا ‌فى‌ ‌ما‌ ‌لا‌ حقيقه له، فيكون اغترارا.
 «بل لقله حسناته»- ‌اى‌ بل ‌هو‌ لاجل قله حسناته- قيل: اضراب عما يدل عليه ‌ما‌ سبق، ‌و‌ ابطال له.
 ‌اى‌ ليس الامر كذلك، بل سببه كون حسناته قليله بين سيئاته اى: ‌فى‌ وسطها. فهو اما ظرف لغو متعلق بقله، ‌او‌ مستقر متعلق بمحذوف حال ‌من‌ حسناته، ‌اى‌ حال كونها بين سيئاته.
 ‌و‌ «بين» هنا: للمكان المجازى.
 ‌و‌ قله الحسنات بين السيئات: كنايه عن اتصال السيئات غالبا بحيث ‌لا‌ تتخللها حسنه الا نادرا، لان «بين» موضوعه للخلل ‌و‌ الفرجه بين الشيئين، فاذا كانت الحسنات قليله بينهما كانت ‌فى‌ الغالب متصله ‌لا‌ يفصل بين السيئه، ‌و‌ السيئه فاصل بل صدر هذى بعجز تلك ‌و‌ هلم جرا، ‌و‌ هذا ‌من‌ بليغ الكلام ‌و‌ بديع البراعه ‌فى‌ البلاغه.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد بالقله العدم، كما يقال: فلان قليل الخير ‌اى‌ ‌لا‌ يكاد يفعله.
 ‌و‌ غرضه انه ‌لا‌ يخالط سيئاته حسنه، فلا يكون ممن قال الله سبحانه فيهم: «و آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا ‌و‌ آخر سيئا عسى الله ‌ان‌ يتوب عليهم، ‌ان‌ الله غفور رحيم». كل ذلك لعدم اعتداده عليه السلام بحسناته، ‌و‌ كمال اعتنائه ‌و‌ اهتمامه بما يعتقده ‌فى‌ نفسه، ‌و‌ يعده سيئه. ‌و‌ الله اعلم بمقاصد اوليائه.
 ‌و‌ الضعف- بالفتح- لغه تميم، و- بالضم- لغه الحجاز. ‌و‌ منهم ‌من‌ يجعل المفتوح
 
فى الراى، ‌و‌ المضموم ‌فى‌ الجسد، ‌و‌ اتفقت النسخ هنا على الفتح. ثم ‌هو‌ تاره يستعمل ‌فى‌ خلاف القوه، ‌و‌ تاره ‌فى‌ خلاف الصحه، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا.
 ‌و‌ الحجج: جمع حجه، ‌و‌ هى البينه الواضحه.
 ‌و‌ قيل: هى الدلاله المبينه للقصد الصحيح الذى تقتضى صحه احد النقيضين، قال الله تعالى: «فلله الحجه البالغه»، ‌و‌ قد تطلق على العذر.
 ‌و‌ منه حديث: ‌من‌ خلع يدا ‌من‌ طاعه الله لقى الله ‌لا‌ حجه له.
 قال النووى ‌فى‌ شرح مسلم: ‌اى‌ ‌لا‌ حجه له ‌فى‌ فعله، ‌و‌ ‌لا‌ عذر له ينفعه.
 ‌و‌ التبعات: جمع تبعه، على وزن كلمه.
 قال ‌فى‌ المحكم: التبعه ‌و‌ التباعه ‌ما‌ اتبعت ‌به‌ صاحبك ‌من‌ ظلامه ‌و‌ نحوها. ‌و‌ التبعه ‌و‌ التباعه ‌ما‌ فيه اثم يتبع ‌به‌ انتهى.
 ‌و‌ المعنى الثانى ‌قل‌ ‌من‌ نبه عليه ‌من‌ اهل اللغه، ‌و‌ ارادته هنا متعينه، ‌و‌ ‌ان‌ امكن الحمل على المعنى الاول بضرب ‌من‌ التاويل.
 
 تنبيه
 
 قال بعض الاصحاب: اعترافه عليه السلام يكون خوفه اكثر ‌من‌ طمعه ‌و‌ ياسه اوكد ‌من‌ رجائه ينافى بالظاهر ‌ما‌ رواه ‌فى‌ الكافى ‌من‌ جمله حديث: انه ليس ‌من‌ عبد مومن الا ‌و‌ ‌فى‌ قلبه نوران نور خيفه، ‌و‌ نور رجاء. لو وزن هذا لم يزد على هذا، ‌و‌ لو وزن هذا لم يزد على هذا.
 فاما ‌ان‌ يراد ‌به‌ غير المعصوم، ‌او‌ ‌ان‌ المقام هنا- ‌و‌ ‌هو‌ التذلل ‌و‌ الخضوع- يقتضى
 
ذلك، ‌او‌ ‌ان‌ مساواه النورين ‌لا‌ يستلزم الخوف ‌و‌ الرجاء، ‌او‌ لما ذكره عليه السلام ‌من‌ قله الحسنات بين السيئات، ‌او‌ ‌ان‌ الخوف يزيد بمخاطبه المخوف منه ‌و‌ مشاهدته. انتهى.
 قلت: قد علمت آنفا ‌من‌ بيان اقسام الخوف ‌ان‌ اعلاها رتبه ‌هو‌ خوف الفراق ‌و‌ الحجاب عن الله تعالى، ‌و‌ ‌هو‌ خوف العارفين. ‌و‌ لما كان عليه السلام سيد العابدين، ‌و‌ امام الزاهدين وجب حمل خوفه على هذا القسم ‌من‌ الخوف، ‌و‌ هذا غير الخوف الذى يجب ‌ان‌ يكون مساويا للرجاء، فان العارف مادام ‌فى‌ هذه النشاه ‌لا‌ يزال ملتبسا باحكام البشريه، ‌و‌ اوصاف الانسانيه مع ‌ما‌ مزجت ‌به‌ الطينه ‌من‌ النقص ‌و‌ القصور، ‌و‌ حفت ‌به‌ الاحوال ‌من‌ الشوائب ‌و‌ النوائب. فاذا راى ‌ما‌ ‌هو‌ عليه ‌من‌ ذلك، ‌و‌ استشعر عظمه ذى الجلال ‌و‌ تنزهه، ‌و‌ تقدسه عن ‌ان‌ يلم بساحه قدسه ‌من‌ يشم منه رائحه البشريه. كما قيل: ‌ما‌ للتراب ‌و‌ رب الارباب اشتد خوفه ‌و‌ كثر، ‌و‌ ‌قل‌ طمعه ‌و‌ قصر، ‌و‌ تاكد ياسه ‌و‌ ضعف رجاوه، ‌و‌ تقطعت ‌من‌ الحزن ‌و‌ الجزع احشاوه.
 ‌و‌ ‌من‌ هنا قال بعضهم: ‌ان‌ الخوف ‌و‌ الرجاء ‌من‌ بقايا الاحساس باحكام البشريه، ‌و‌ اوصاف الانسانيه، ‌و‌ هذه السيئات التى اشار اليها عليه السلام بقوله: «بل لقله حسناته بين سيئاته» هى بعينها حسنات الابرار، ‌و‌ هذه التبعات هى صوالح اعمال الاخيار.
 كما ورد: حسنات الابرار سيئات المقربين، ‌و‌ انوار الصادقين ظلم ‌فى‌ ‌حق‌ الصديقين.
 ‌و‌ الى هذا المقام ‌و‌ صاحبه اشار اميرالمومنين عليه السلام ‌و‌ سيد الوصيين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه بقوله ‌من‌ خطبه له: عباد الله، ‌ان‌ ‌من‌ احب عباد الله اليه عبدا
 
اعانه الله على نفسه، فاستشعر الحزن، ‌و‌ تجلبب الخوف، فزهر مصباح الهدى ‌فى‌ قلبه... الى آخر ‌ما‌ قال. ‌و‌ ‌هو‌ مذكور ‌فى‌ نهج البلاغه.
 فتراه عليه السلام كيف جعل استشعاره الحزن، ‌و‌ تجلببه الخوف، متسببا عن اعانه الله تعالى له على نفسه، ‌و‌ لم يجر للطمع، ‌و‌ ‌لا‌ للرجاء معه ذكر. ‌و‌ هذا ‌هو‌ الخوف الذى عناه سبطه عليه السلام ‌فى‌ دعائه، فافهم ذلك. ‌و‌ الله يقول الحق، ‌و‌ ‌هو‌ يهدى السبيل.
 
يقال فلان اهل لكذا: ‌اى‌ جدير به، ‌و‌ مستحق له.
 ‌و‌ اغتررت به: ظننت الامن، فلم اتحفظ.
 ‌و‌ الصديقون: جمع صديق- بالكسر ‌و‌ التشديد- ‌و‌ ‌هو‌ الملازم للصدق.
 ‌و‌ قال ابن الاثير: ‌هو‌ فعيل، للمبالغه ‌فى‌ الصدق، ‌و‌ يكون للذى يصدق قوله بالفعل.
 ‌و‌ قال الراغب: الصديق: يقال لمن كثر منه الصدق، ‌و‌ قيل: بل لمن لم يكذب قط، ‌و‌ قيل: بل لمن لم يتات منه الكذب لتعوده الصدق، ‌و‌ قيل: بل لمن صدق بقوله ‌و‌ اعتقاده، ‌و‌ حقق صدقه بفعله، قال تعالى ‌فى‌ ‌حق‌ ابراهيم عليه السلام: «انه كان صديقا نبيا» ‌و‌ قال: «اولئك مع الذين انعم الله عليهم ‌من‌ النبيين ‌و‌ الصديقين ‌و‌ الشهداء ‌و‌ الصالحين، ‌و‌ حسن اولئك رفيقا». ‌و‌ الصديقون قوم دون الانبياء ‌فى‌ الفضيله. انتهى.
 
و قال بعضهم: ‌لا‌ واسطه بين الصديق ‌و‌ النبى ‌و‌ لذلك قال تعالى ‌فى‌ هذه الايه: «من النبيين ‌و‌ الصديقين» ‌و‌ ‌فى‌ صفه ابراهيم «انه كان صديقا نبيا» يعنى انك ‌ان‌ ترقيت ‌من‌ الصديقين وصلت الى النبيين، ‌و‌ ‌ان‌ نزلت عن النبيين وصلت اليهم.
 ‌و‌ استقصيت الامر ‌و‌ تقصيته: بلغت الاقصى ‌فى‌ البحث عنه، ‌و‌ استقصى حقه اخذه كله ‌و‌ لم يترك منه شيئا.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «لانك الرب العظيم» الى آخره تعليل لكونه اهلا ‌ان‌ ‌لا‌ يياس منه المجرمون، ‌لا‌ لمضمون الفقرتين معا.
 ‌و‌ ‌فى‌ معنى هذا الفصل ‌من‌ الدعاء قول اميرالمومنين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه ‌فى‌ نهج البلاغه: ‌لا‌ تامنن- على خير هذه الامه- عذاب الله، لقول الله سبحانه: «فلا يامن مكر الله الا القوم الخاسرون» ‌و‌ ‌لا‌ تياسن لشر هذه الامه ‌من‌ روح الله لقول الله سبحانه: «انه ‌لا‌ يياس ‌من‌ روح الله الا القوم الكافرون».
 قال الامام الطبرسى: مكر الله: عذابه. سمى مكرا لنزوله بمستحقه ‌من‌ حيث ‌لا‌ يشعر. ‌و‌ قد يسال فيقال: ‌ان‌ الانبياء ‌و‌ المعصومين عليهم السلام امنوا مكر الله ‌و‌ ليسوا بخاسرين. ‌و‌ جوابه: ‌ان‌ معناه ‌لا‌ يامن عقاب الله جهلا بحكمته الا الخاسرون. انتهى ملخصا بالمعنى.
 
تعالى: ‌اى‌ ارتفع ‌و‌ تنزه، ‌من‌ العلو. ‌و‌ صيغه التفاعل للمبالغه، ‌و‌ ‌هو‌ انشاء ‌فى‌ صوره الخبر، لان الغرض منه استعظام ذكره، ‌و‌ تنزيهه عن مساواته لذكر المذكورين.
 ‌و‌ المراد بذكره تعالى: اما ذكره بالتسبيح ‌و‌ التحميد ‌و‌ التهليل ‌و‌ التمجيد ‌و‌ الثناء
 
عليه، فيكون المراد تنزهه ‌و‌ تعاليه عن ذكر ‌من‌ يذكر بالمفاخر ‌و‌ المحامد ‌و‌ المحاسن ‌من‌ المخلوقين، لان ذكره تعالى شرف للذاكرين، ‌و‌ غايته سعاده الدارين، ‌و‌ ‌ما‌ يترتب عليه ‌من‌ الفوائد ‌و‌ النتائج امر محقق متيقن ‌لا‌ ريب فيه، ‌و‌ دائم مستمر ‌لا‌ انقطاع ‌و‌ لازوال له. ‌و‌ ذكر غيره ازراء بالذكر، ‌و‌ غايته ‌ان‌ اريد ‌به‌ المفاخره، فتضييع ‌و‌ حرمان، ‌و‌ ‌ان‌ اريد ‌به‌ العارفه ‌و‌ المثوبه، فامر مشكوك حتى يقع. فاذا وقع فهو قليل منقطع زائل.
 ‌او‌ يكون المراد، ‌ان‌ ‌ما‌ يذكر ‌به‌ سبحانه ‌من‌ المحامد ‌و‌ الممادح منزه عن ‌ان‌ يذكر ‌به‌ المخلوقون، لعدم استحقاقهم له.
 كما قال اميرالمومنين عليه السلام ‌فى‌ آخر خطبه له: هذا مقام ‌من‌ افردك بالتوحيد الذى ‌هو‌ لك، ‌و‌ لم ير مستحقا لهذه المحامد ‌و‌ الممادح غيرك.
 فالذكر على الاول مراد ‌به‌ الحاصل بالمصدر، ‌و‌ على الثانى المذكور به.
 ‌و‌ اما ‌ان‌ يكون المراد: «بذكره تعالى» شرفه ‌و‌ علوه ‌و‌ عظمته، ‌من‌ قولهم «لفلان ذكر ‌فى‌ الناس» ‌اى‌ شرف ‌و‌ نباهه وصيت، ‌و‌ بهذا المعنى فسر قوله تعالى: «و انه لذكر لك ‌و‌ لقومك».
 قال الزمخشرى: ‌اى‌ ‌ان‌ الذى اوحى اليك لشرف لك ‌و‌ لقومك.
 ‌و‌ يقال: فلان مذكور: ‌اى‌ ذو شرف ‌و‌ نباهه ‌و‌ شهره. ‌و‌ منه قوله سبحانه. «و القرآن ذى الذكر».
 قال ‌فى‌ الكشاف: ‌و‌ الذكر: الشرف ‌و‌ الشهره، ‌من‌ قولك: فلان مذكور.
 فيكون المراد: «بالمذكورين» اولى الشرف ‌و‌ النباهه، ‌اى‌ تعالى شرفك، ‌و‌ تنزهت عظمتك عن شرف اولى الشرف، لتعاليه تعالى عن صفات المخلوقين، اذ
 
لا نسبه بين الرب ‌و‌ المربوب ‌فى‌ صفه ‌من‌ الصفات.
 ‌و‌ تقدست: ‌اى‌ تنزهت. ‌و‌ اصله ‌من‌ القدس- بالضم ‌و‌ بضمتين- ‌و‌ ‌هو‌ الطهر، ثم استعمل التقدس، ‌و‌ التقديس، بمعنى التنزه ‌و‌ التنزيه.
 يقال: تقدس الله. ‌اى‌ تنزه عن كل ‌ما‌ ‌لا‌ يليق بشانه.
 ‌و‌ المراد باسمائه تعالى: اسماوه الحسنى الداله على معانى الكمال ‌و‌ نعوت الجلال.
 قالوا: ‌و‌ هى محصوره ‌فى‌ نوعين: عدم افتقاره الى غيره، ‌و‌ ثبوت افتقار غيره اليه.
 ‌و‌ المراد: «بالمنسوبين»، اما اولو الحسب ‌و‌ النسب ‌من‌ قولهم: فلان نسيب ‌و‌ منسوب ‌اى‌ ذوحسب ‌و‌ نسب. فيكون المعنى تنزهت اسماوك ‌ان‌ يسمى بها غيرك ‌من‌ اولى الشرف ‌و‌ الحسب ‌و‌ النسب.
 ‌و‌ اما اولو القرابه، ‌و‌ اولو صله. فيكون المعنى تنزهت اسماوك عن ‌ان‌ يسمى بها احد ‌من‌ الناس. ‌و‌ ‌من‌ البين ‌ان‌ اسماءه تعالى مختصه به، متعاليه عن ‌ان‌ يسمى بها غيره. ‌و‌ اما اطلاق مثل الرحيم ‌و‌ الكريم ‌و‌ العزيز على غيره فليس معناها ‌فى‌ حقه تعالى ‌هو‌ معناها ‌فى‌ ‌حق‌ غيره، بل ‌هو‌ بحسب اشتراك الاسم لاغير.
 ‌و‌ ايثار عنوان المنسوبيه لافاده كمال التباين بينه ‌و‌ بين غيره، لتفرده بعدمها ‌و‌ اشتراك ‌من‌ عداه فيها.
 وفشا الشى ء فشوا: ظهر ‌و‌ كثر ‌و‌ انتشر.
 ‌و‌ «الفاء» ‌من‌ قوله: «فلك الحمد» لترتيب اختصاص الحمد ‌به‌ تعالى على ‌ما‌ قبله، فان فشو نعمته ‌فى‌ جميع المخلوقين ‌من‌ موجباته ‌و‌ دواعيه. ‌و‌ وصفه تعالى بربوبيه العالمين ‌لا‌ يخفى مناسبته لفشو نعمته سبحانه ‌فى‌ جميع المخلوقين.
 هذا آخر الروضه التاسعه ‌و‌ الثلاثين ‌من‌ رياض السالكين، وفق لاكمالها ‌و‌ اجتلاء بدر كمالها غره ذى الحجه الحرام، آخر شهور سنه اربع ‌و‌ مائه ‌و‌ الف، ‌و‌ لله الحمد.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5
اسناد الصحیفه السجادیه- 1
الدعاء 1- 3
الدعاء 3- 1
الدعاء 31- 2
الدعاء 48- 2
الدعاء 6- 2
الدعاء 4

بیشترین بازدید این مجموعه


 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^