فارسی
دوشنبه 10 ارديبهشت 1403 - الاثنين 19 شوال 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

الدعاء 6- 2

جزل الحطب بالضم جزاله: اذا عظم ‌و‌ غلظ، فهو جزل.


 انشد سيبويه:
 متى تاتنا تلمم بنا ‌فى‌ ديارنا
 تجد حطبا جزلا ‌و‌ نارا تاججا
 ثم استعير ‌فى‌ العطاء، فقيل: اجزل له ‌فى‌ العطاء اذا ‌او‌ سعه ‌و‌ اكثر منه، اى: ‌و‌ اكثر لنا فيه ‌من‌ الحسنات.
 ‌و‌ الغرض سوال افاضه قوه تستعد بها النفوس ‌و‌ تقوى على الاكثار ‌من‌ كسب الحسنات.
 ‌و‌ من: اما زائده، نحو «يغفر لكم ‌من‌ ذنوبكم» على راى الاخفش، ‌او‌ ابتدائيه ‌و‌ المفعول محذوف، ‌و‌ التقدير: ‌و‌ اجزل لنا فيه العطاء ‌من‌ الحسنات.
 ‌و‌ عرفت الحسنه بانها ‌ما‌ تكون متعلق المدح ‌فى‌ العاجل ‌و‌ الثواب ‌فى‌ الاجل،
 
و السيئه خلافها.
 ‌و‌ قيل: الحسنه ماندب اليه الشارع، ‌و‌ السيئه ‌ما‌ نهى عنه، ‌و‌ اصلها سيوءه، ‌من‌ ساء يسوء سوا ‌و‌ مساءه، قلبت الواو ياء ‌و‌ ادغمت.
 ‌و‌ اخلاه: جعله خاليا، اى: فارغا. اى: اجعلنا فارغين ‌من‌ السيئات بحسم اسبابها ‌و‌ عدم الاعداد لها.
 ‌و‌ حاصل ذلك كله سوال التوفيق ‌و‌ الالطاف الداعيه الى كسب الحسنات، ‌و‌ الالطاف الصارفه عن اكتساب السيئات.
 ‌و‌ لك حمل كل ‌من‌ الحسنات ‌و‌ السيئات على معناه اللغوى، فتعم الدينيه ‌و‌ الدنيويه.
 ملا الاناء ملا- ‌من‌ باب نفع-: انعمه.
 ‌و‌ طرف الشى ء بالتحريك: جانبه، ‌و‌ المراد بطرفيه: اوله ‌و‌ آخره ‌و‌ ‌هو‌ كنايه عن جميعه، ‌و‌ الغرض طلب الكثره ‌من‌ الحمد ‌و‌ الشكر ‌و‌ ‌ما‌ بعدهما، بحيث ‌لا‌ يخلو ‌آن‌ ‌من‌ آناء اليوم ‌من‌ شى ء ‌من‌ ذلك، حتى لو قدر ‌ان‌ يكون اليوم اناء ‌و‌ الحمد ‌و‌ ‌ما‌ بعده اجساما لبلغت ‌من‌ كثرتها ‌ان‌ تملاه.
 ‌و‌ لكل ‌من‌ الحمد ‌و‌ الشكر معنيان لغوى ‌و‌ عرفى، فالحمد لغه: ‌هو‌ الثناء باللسان على الجميل، سواء تعلق بالفضائل ‌او‌ بالفواضل.
 ‌و‌ عرفا: فعل ينبى عن تعظيم المنعم على النعمه باللسان ‌او‌ الجنان ‌او‌ الاركان.
 ‌و‌ الشكر لغه: فعل ينبى عن تعظيم المنعم بسبب الانعام ‌من‌ اللسان ‌او‌ الجنان ‌او‌ الاركان.
 
و عرفا: صرف العبد جميع ‌ما‌ انعم الله عليه ‌من‌ السمع ‌و‌ البصر ‌و‌ غيرهما الى ‌ما‌ خلقه الله لاجله، فبين الحمد اللغوى ‌و‌ الحمد العرفى عموم ‌و‌ خصوص ‌من‌ وجه، كما ‌ان‌ بين الحمد اللغوى ‌و‌ الشكر اللغوى ايضا كذلك. ‌و‌ بين الحمد العرفى ‌و‌ الشكر العرفى عموم ‌و‌ خصوص مطلقا، كما ‌ان‌ بين الشكر اللغوى ‌و‌ الشكر العرفى ايضا كذلك. ‌و‌ بين الشكر العرفى ‌و‌ الحمد اللغوى عموم ‌و‌ خصوص ‌من‌ وجه. ‌و‌ ‌لا‌ فرق بين الشكر اللغوى ‌و‌ الحمد العرفى، ثم الحمد ‌و‌ الشكر ‌و‌ ‌ان‌ كانا ‌من‌ فعل العبد، لكن التوفيق لهما ‌و‌ الاقدار عليهما ‌من‌ فعله سبحانه، ‌و‌ لذلك سالهما.
 ‌و‌ الاجر: الثواب، اجره الله اجرا- ‌من‌ بابى ضرب ‌و‌ قتل-، ‌و‌ آجره بالمد لغه ثالثه: اذا اثابه.
 ‌و‌ ذخرته ذخرا- ‌من‌ باب نفع- ‌و‌ الاسم الذخر بالضم: اذا اعددته لوقت الحاجه اليه، ‌و‌ الذخر ‌ما‌ اذخرته ايضا كالذخيره، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا.
 ‌و‌ عنى ‌به‌ الاعمال الصالحه التى تعد ليوم الفاقه اليها، ‌و‌ استعار لها لفظ الذخر باعتبار ‌ان‌ تحصيلها ‌فى‌ الدنيا لغايه الانتفاع بها ‌فى‌ العقبى كالذخيره، ‌و‌ ‌ما‌ احسن ‌ما‌ قال القائل:
 ‌و‌ اذ افتقرت الى الذخائر لم تجد
 ذخرا يكون كصالح الاعمال
 ‌و‌ الفضل: الزياده ‌و‌ الخير.
 ‌و‌ الاحسان لغه: ‌ما‌ ينبغى ‌ان‌ يفعل ‌من‌ الخير، ‌و‌ ‌فى‌ الشرع: ‌ان‌ تعبد الله كانك تراه، فان لم تكن تراه فانه يراك.
 
يسر الشى ء يسرا- ‌من‌ باب قرب-: سهل فهو يسير، ‌و‌ يسره الله تيسيرا: سهله.
 
و الموونه على فعوله بفتح الفاء: الثقل.
 ‌و‌ قال الفراء: هى مفعله ‌من‌ الاين ‌و‌ ‌هو‌ التعب ‌و‌ الشده.
 قال الخليل: لو كان مفعله لكان مئينه، مثل معيشه. ‌و‌ يقال: فيها موونه بواوين بلا همز، ‌و‌ مونه بهمزه ساكنه، ‌و‌ مونه بواو ‌من‌ دون همز.
 ‌و‌ الكرام الكاتبون: ‌هم‌ الملائكه الذين يحصون اعمال العباد ‌و‌ ‌هم‌ الحافظون، قال تعالى: «و ‌ان‌ عليكم لحافظين كراما كاتبين»، ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا ‌فى‌ الروضه الثالثه
 قال العلامه البهائى قدس سره ‌فى‌ المفتاح: تيسير الموونه عليهم كنايه عن طلب العصمه عن اكثار الكلام، ‌و‌ الاشتغال بما ليس فيه نفع دنيوى ‌و‌ ‌لا‌ اخروى، اذ يحصل ‌به‌ التخفيف على الكرام الكاتبين بتقليل ‌ما‌ يكتبونه ‌من‌ اقوالنا ‌و‌ افعالنا. انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: عجبت لابن آدم ‌و‌ ملكاه على عاتقيه ‌و‌ لسانه قلمهما ‌و‌ ريقه مدادهما كيف يتكلم فيما ‌لا‌ يعنيه.
 ‌و‌ نظر بعض السلف الى رجل يفحش، فقال: ‌يا‌ هذا انك تملى على حافظيك كتابا فانظر ماذا تقول.
 ‌و‌ سمع بعض الاكابر رجلا يكثر الكلام فيما ‌لا‌ يعنيه، فقال: ‌ان‌ حفظه هذا منه ‌فى‌ موونه.
 
و قال بعض العلماء: ليس على الكرام الكاتبين ‌فى‌ كتابه الحسنات موونه ‌و‌ كلفه، ‌و‌ انما الكلفه عليهم كتابه السيئات.
 ‌و‌ قد ورد ‌فى‌ بعض الاخبار: انهم اذا كتبوا الحسنات صعدوا بها فرحين ‌و‌ عرضوها على ربهم مسرورين، ‌و‌ اذا كتبوا سيئه صعدوا بها ‌و‌ جمين محزونين، فيقول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: ‌ما‌ فعل عبدى؟ فيسكتون، حتى يسالهم ثانيا ‌و‌ ثالثا، فيقولوا: الهنا انت الستار على عبادك، ‌و‌ قد امرت بستر العيوب، فاستر عيوبهم، ‌و‌ انت علام الغيوب. ‌و‌ لهذا يسمون كراما كاتبين.
 قوله عليه السلام: «و املا لنا ‌من‌ حسناتنا صحائفنا». الحسنات هنا: ‌ما‌ يتعلق ‌به‌ الثواب ‌و‌ القربه.
 ‌و‌ هذه الصحائف: هى صحف الاعمال المشار اليها بقوله تعالى: «و اذا الصحف نشرت».
 قال الطبرسى: يعنى صحف الاعمال التى كتبت فيها الملائكه اعمال اهلها ‌من‌ خير ‌و‌ شر، تنشر ليقراها اصحابها، ‌و‌ لتظهر الاعمال فيجازوا بحسبها.
 ‌و‌ عن قتاده: هى صحيفتك يابن آدم، تطوى على عملك حين موتك، ثم تنشر يوم القيامه، فلينظر رجل ‌ما‌ يملى ‌فى‌ صحيفته.
 ‌و‌ قال بعض ارباب المعقول: كل ‌ما‌ يدركه الانسان بحواسه يرتفع منه اثر الى روحه، ‌و‌ يجتمع ‌فى‌ صحيفه ذاته ‌و‌ خزانه مدركاته، ‌و‌ كذلك كل مثقال ذره ‌من‌ خير
 
او ‌شر‌ يعمله يرى اثره مكتوبا ثمه، ‌و‌ ‌لا‌ سيما ‌ما‌ رسخت بسببه الهيئات، ‌و‌ تاكدت ‌به‌ الصفات، ‌و‌ صار خلقا ‌و‌ ملكه، فالافاعيل المتكرره ‌و‌ الاعتقادات الراسخه ‌فى‌ النفوس هى بمنزله النقوش الكتابيه ‌فى‌ الالواح، كما قال الله تعالى: «اولئك كتب ‌فى‌ قلوبهم الايمان»، ‌و‌ هذه الالواح النفسيه يقال لها: صحائف الاعمال، ‌و‌ ‌هو‌ كتاب منطو اليوم عن مشاهده الابصار، ‌و‌ انما ينكشف بالموت عند كشف الغطاء، كما قال الله تعالى: «و اذا الصحف نشرت»، ‌و‌ قال ‌عز‌ ‌و‌ جل: «و كل انسان الزمناه طائره ‌فى‌ عنقه ‌و‌ نخرج له يوم القيمه كتابا يلقيه منشورا» ‌و‌ قال تعالى: «هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ‌ما‌ كنتم تعملون».
 قوله عليه السلام: «و ‌لا‌ تخزنا عندهم بسوء اعمالنا» خزى كرضى خزيا بالكسر: وقع ‌فى‌ بليه ‌و‌ شهره فافتضح بها، ‌و‌ اخزاه الله: فضحه. اى: ‌لا‌ تفضحنا عندهم.
 ‌و‌ المراد طلب العصمه عن المعاصى بل عن الهم بها، لانهم يطلعون على ذلك.
 كما رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن عبدالله ‌بن‌ موسى ‌بن‌ جعفر عن ابيه عليهم السلام قال: سالته عن الملكين هل يعلمان بالذنب اذا اراد العبد ‌ان‌ يعمله ‌او‌ الحسنه؟ فقال: ريح الكنيف ‌و‌ ريح الطيب سواء؟ فقلت: لا، قال: ‌ان‌ العبد اذا ‌هم‌ بالحسنه خرج نفسه طيب الريح، فقال صاحب اليمين لصاحب
 
الشمال: قف، فانه قد ‌هم‌ بالحسنه، فاذا ‌هو‌ عملها كان لسانه قلمه ‌و‌ ريقه مداده فاثبتها له، ‌و‌ اذا ‌هم‌ بالسيئه خرج نفسه منتن الريح، فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين: قف، فانه قد ‌هم‌ بالسيئه، فاذا فعلها كان ريقه مداده ‌و‌ لسانه قلمه فاثبتها عليه.
 قال بعض العلماء: انما جعل الريق ‌و‌ اللسان آله لاثبات الحسنه ‌و‌ السيئه، لان بناء الاعمال انما ‌هو‌ على ‌ما‌ عقد عليه ‌فى‌ القلب ‌من‌ التكلم بها، ‌و‌ اليه الاشاره بقوله تعالى: «اليه يصعد الكلم الطيب ‌و‌ العمل الصالح يرفعه»، ‌و‌ هذا الريق ‌و‌ اللسان الظاهر صوره لذلك المعنى انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ليستحى احدكم ‌من‌ ملكيه اللذين معه كما يستحى ‌من‌ رجلين صالحين ‌من‌ جيرانه ‌و‌ هما معه بالليل ‌و‌ النهار.
 
الساعه: اصلها سوعه بفتح الواو، ثم صارت الفا ‌لا‌ نفتاح ‌ما‌ قبلها، ‌و‌ هى ‌فى‌ اللغه: جزء قليل ‌من‌ ليل ‌او‌ نهار، ‌و‌ منه قوله تعالى: «لا يستاخرون ساعه ‌و‌ ‌لا‌ يستقدمون» ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا، اذ المعنى اجعل لنا ‌فى‌ كل جزء ‌من‌ اجزاء هذا اليوم. ‌و‌ ‌فى‌ اصطلاح اهل التنجيم: جزء ‌من‌ اربعه ‌و‌ عشرين جزء ‌من‌ يوم بليلته، ‌و‌ ذلك انهم قسموا اليوم بليلته على اربعه ‌و‌ عشرين قسما متساويه، ‌و‌ سموا كل قسم ساعه، ‌و‌ قسموا كل ساعه بستين قسما، ‌و‌ سموا كل قسم دقيقه، ‌و‌ ساعات
 
النهار تزيد ‌من‌ وقت انتقال الشمس الى الجدى الى وقت انتقالها الى السرطان، ‌و‌ تنقص ‌فى‌ النصف الاخر، ‌و‌ ساعات الليل بعكس ذلك، فيكون اطول ايام السنه ‌و‌ اقصر لياليها وقت انتقال الشمس الى السرطان، ‌و‌ اقصر ايام السنه ‌و‌ اطول لياليها وقت انتقالها الى الجدى، ‌و‌ يتساويان عند انتقالها الى الحمل ‌و‌ الميزان، ‌و‌ تسمى الساعات المذكوره المستويات، لتساويها ‌فى‌ المقدار ابدا، طال كل ‌من‌ الليل ‌و‌ النهار ‌ام‌ قصر، لكنها تختلف ‌فى‌ العدد بحسب طول كل منهما ‌و‌ قصره. ‌و‌ قد يقسمون كل يوم ‌و‌ كل ليله باثنى عشر قسما متساويه، ‌و‌ يسمونها الساعات الزمانيات ‌و‌ المعوجه، لعدم تساويها ‌فى‌ المقدار ‌و‌ ‌ان‌ استوت ‌فى‌ العدد، فان مقدار كل ساعه يزيد ‌و‌ ينقص بحسب طول كل ‌من‌ الليل ‌و‌ النهار ‌و‌ قصره، لكنها ‌لا‌ تختلف ‌فى‌ العدد، فهى عكس المستويات.
 ‌و‌ قد ورد ‌فى‌ الحديث: قسمه النهار الى اثنتى عشره ساعه قسمه مخصوصه، ‌و‌ نسبه كل ساعه الى واحد ‌من‌ الائمه الاثنى عشر صلوات الله عليهم ‌و‌ تخصيصها بدعاء يدعى ‌به‌ فيها، ‌و‌ هى مذكوره ‌فى‌ كتب الادعيه لاصحابنا رضوان الله عليهم.
 قوله عليه السلام: «حظا ‌من‌ عبادك».
 الحظ: النصيب. ‌و‌ قيل: خاص بالنصيب ‌من‌ الخير ‌و‌ الفضل.
 ‌و‌ عبادك- على الروايه المشهوره-: جمع عبد.
 قيل: معناه اجعل لنا نصيبا منهم لنستضى ء بانوارهم ‌و‌ نقتدى باثارهم.
 
و يحتمل ‌ان‌ يكون على حذف مضاف، اى: ‌من‌ صفات عبادك الذين وصفتهم بقولك: «و عباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا ‌و‌ اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ‌و‌ الذين يبيتون لربهم سجدا ‌و‌ قياما» الى آخر مانعتهم به.
 ‌او‌ عبادك المتصفين بالعبوديه التى ‌لا‌ مقام اشرف منها، اذ هى عباره عن صيروره العبد عبدا خالصا مفتقرا محضا، لم يبق له جهه انانيه، ‌او‌ نظر ‌و‌ التفات الى ‌ما‌ سوى المعبود الحق الاول، ‌و‌ ذلك بعد انسلاخات عن نسبه الوجودات الكونيه، ‌و‌ عقيب رياضات علميه ‌و‌ عمليه، ‌و‌ تجردات ‌من‌ نشاه الى نشاه ‌و‌ صوره الى صوره، ‌حق‌ يصير عبدا محضا فانيا عن نفسه ‌و‌ عن كل شى ء سوى الحق، مستغرقا ‌فى‌ عبوديته ‌و‌ فقره الى الله، بل فنى عن ملاحظه هذا الاستغراق، قاصرا نظره على مطالعه الجلال ‌و‌ مشاهده الجمال، ‌و‌ هذا ‌هو‌ غايه ايجاد الخلق، ‌و‌ رتبه هذا العبوديه المحضه افضل ‌من‌ رتبه الرساله، ‌و‌ لهذا قدمت ‌فى‌ التشهد على الرساله، فيقال: اشهد ‌ان‌ محمدا عبده ‌و‌ رسوله، ‌و‌ اوثر لفظ العبد ‌فى‌ قوله: «سبحان الذى اسرى بعبده» دون نبيه ‌او‌ رسوله.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس «حظا ‌من‌ عبادتك» ‌و‌ ‌هو‌ انسب بقوله عليه السلام: «و نصيبا ‌من‌ شكرك».
 ‌و‌ العباده: فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيما لربه. ‌و‌ قال الحكماء: عباده الله تعالى ثلاثه انواع:
 
الاول: ‌ما‌ يجب على الابدان، كالصلاه ‌و‌ الصيام ‌و‌ السعى الى المواقف الشريفه لمناجاته ‌جل‌ ذكره.
 الثانى: ‌ما‌ يجب على النفوس، كالاعتقادات الصحيحه ‌من‌ العلم بتوحيد الله تعالى، ‌و‌ ‌ما‌ يستحقه ‌من‌ الثناء ‌و‌ التحميد، ‌و‌ الفكر فيما افاضه الله سبحانه على العالم ‌من‌ جوده ‌و‌ حكمته، ثم الاتساع ‌فى‌ هذه المعارف.
 الثالث: ‌ما‌ يجب عند مشاركات الناس ‌فى‌ المدن، ‌و‌ هى ‌فى‌ المعاملات، ‌و‌ المزارعات، ‌و‌ المناكح، ‌و‌ تاديه الامانات، ‌و‌ نصخ البعض للبعض بضروب المعاونات، ‌و‌ جهاد الاعداء، ‌و‌ الذب عن الحريم، ‌و‌ حمايه الحوزه.
 قوله عليه السلام: «و نصيبا ‌من‌ شكرك». النصيب: الحصه، ‌و‌ الجمع انصبه ‌و‌ انصباء ‌و‌ نصب بضمتين. ‌و‌ فيه اشاره الى العجز عن القيام بجميع الشكر، كما قيل:
 ‌و‌ لو ‌ان‌ لى ‌فى‌ كل منبت شعره
 لسانا يقول الشكر فيك لقصرا
 قوله عليه السلام: «و شاهد صدق ‌من‌ ملائكتك» اى: شاهد صادق كامل ‌فى‌ الشهاده، كما يقال: رجل صدق اى: صادق ‌فى‌ الرجوليه كامل فيها، ‌و‌ العرب اذا مدحت شيئا اضافته الى الصدق، ليعلم ‌ان‌ كل ‌ما‌ يظن ‌به‌ ‌من‌ الخير ‌و‌ يطلب منه فانه يصدق ذلك الظن ‌و‌ يوجد فيه، ‌و‌ منه ‌فى‌ التنزيل: «قدم صدق» ‌و‌ «لسان صدق» ‌و‌ «مبوا صدق» ‌و‌ «مقعد صدق».
 
قال الرضى: ‌و‌ المراد بالصدق ‌فى‌ مثل هذا المقام مطلق الجوده ‌لا‌ الصدق ‌فى‌ الحديث، ‌و‌ ذلك مستحسن جيد عندهم، حتى صاروا يستعملونه ‌فى‌ مطلق الجوده، فيقال: ثوب صدق ‌و‌ خل صادق الحموضه.
 قال: ‌و‌ الاضافه ‌فى‌ نحو رجل صدق ‌و‌ رجل سوء للملابسه، ‌و‌ ‌هم‌ كثيرا ‌ما‌ يضيفون الموصوف الى مصدر الصفه نحو خبر السوء، اى: الخبر السى ء، فمعنى رجل صدق رجل صادق. انتهى.
 ‌و‌ قال غيره: ‌هو‌ ‌من‌ باب اضافه الموصوف الى صفته، فوصف ‌فى‌ الاصل بالمصدر مبالغه، ثم اضيف الى صفته، كقوله تعالى: «ما كان ابوك امرا سوء».
 ‌و‌ قيل: الاضافه بمعنى «من» كخاتم حديد، اى: رجل ‌من‌ صدق كانه خلق منه مبالغه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الصدق بالكسر الشده، ‌و‌ ‌هو‌ رجل صدق ‌و‌ صديق صدق مضافين ‌و‌ كذا امراه صدق ‌و‌ حمار صدق «و لقد بوانا بنى اسرائيل مبوا صدق» انزلناهم منزلا صالحا، ‌و‌ يقال: هذا الرجل الصدق بالفتح، فاذا اضفت اليه كسرت الصاد.
 ‌و‌ ‌فى‌ شرح المشكاه للطيبى ‌فى‌ حديث «و جعل له وزير صدق» اى: وزيرا صادقا، ‌و‌ يعبر عن كل فعل فاضل ظاهرا ‌و‌ باطنا بالصدق. انتهى.
 
ثم المراد بالشاهد الصدق ‌من‌ الملائكه هنا الشاهد بالحسنات، فكان طلبه كنايه عن طلب التوفيق لها.
 
 تذكره
 
 ‌فى‌ قوله عليه السلام: «و اجعل لنا ‌فى‌ كل ساعه ‌من‌ ساعاته» اشاره الى ماورد ‌فى‌ الخبر: انه يفتح للعبد يوم القيامه اربع ‌و‌ عشرون خزانه لساعات اليوم ‌و‌ الليله، فيفتح له منها خزانه فيراها مملوءه نورا ‌من‌ حسناته التى عملها ‌فى‌ تلك الساعه، فيناله ‌من‌ الفرح ‌و‌ الاستبشار بمشاهده تلك الانوار ‌ما‌ لو قسم على اهل النار لالهاهم عن الاحساس بالامها، ‌و‌ تفتح له خزانه اخرى فيراها سوداء مظلمه يفوح نتنها ‌و‌ يغشاه ظلامها، ‌و‌ هى الساعه التى عصى الله تعالى فيها، فيناله ‌من‌ الهول ‌و‌ الفزع ‌ما‌ لو قسم على اهل الجنه لنغص عليهم نعيمها، ‌و‌ تفتح له خزانه اخرى فارغه ليس فيها ‌ما‌ يسووه ‌و‌ ‌لا‌ ‌ما‌ يسره، ‌و‌ هى الساعه التى نام فيها ‌او‌ غفل ‌فى‌ شى ء ‌من‌ مباحات الدنيا، فيتحسر على خلوها، ‌و‌ يناله ‌من‌ الغبن الفاحش ‌ما‌ ينال ‌من‌ قدر ربح كثير ثم ضيعه، ‌و‌ اليه الاشاره بقوله تعالى: «و يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن».
 فسواله عليه السلام ‌فى‌ كل ساعه ‌من‌ ساعات اليوم حظا ‌من‌ عبادته تعالى، ‌و‌ نصيبا ‌من‌ شكره، ‌و‌ شاهد صدق ‌من‌ ملائكته، طلب لمل تلك الخزائن ‌من‌
 
الحسنات، حتى ‌لا‌ يكون شى ء منها خاليا ‌من‌ تلك الكنوز العظيمه ‌و‌ الفوائد الجسيمه.
 ‌و‌ على هذا فيحتمل ‌ان‌ يكون المراد بالساعات، الساعات التنجيميه التى هى اربع ‌و‌ عشرون ساعه لليوم بليلته، كما وقع ‌فى‌ متن الحديث، ‌و‌ الله اعلم.
 
من بين ايدينا: ‌اى‌ ‌من‌ قدامنا، لان ‌ما‌ بين يدى الانسان قدامه.
 ‌و‌ ‌من‌ خلفنا: ‌اى‌ ‌من‌ ورائنا.
 ‌و‌ الايمان بالفتح: جمع يمين ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ الشمال.
 ‌و‌ الشمائل: جمع شمال بالكسر، ‌و‌ تجمع على اشمل ايضا.
 سال عليه السلام الحفظ اولا ‌من‌ الجهات الاربع التى اقسم ابليس لعنه الله تعالى لياتين بنى آدم منها، حيث قال: «فبما اغويتنى لاقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لاتينهم ‌من‌ بين ايديهم ‌و‌ ‌من‌ خلفهم ‌و‌ عن ايمانهم ‌و‌ عن شمائلهم ‌و‌ ‌لا‌ تجد اكثرهم شاكرين»، ‌و‌ قد ذكروا ‌فى‌ ذكرها وجوها:
 احدها: اجمالا انها الجهات الاربع التى يعتاد هجوم العدو منها، مثل قصده اياهم للتسويل ‌و‌ الاضلال ‌من‌ ‌اى‌ وجه تيسر باتيان العدو ‌من‌ الجهات الاربع، ‌و‌ لذلك لم يذكر الفوق ‌و‌ التحت.
 الثانى: ‌ما‌ روى عن ابى جعفر عليه السلام قال: ثم لاتينهم ‌من‌ بين ايديهم معناه: اهون عليهم امر الاخره، ‌و‌ ‌من‌ خلفهم: آمرهم بجمع الاموال ‌و‌ البخل بها
 
 
عن الحقوق لتبقى لورثتهم، ‌و‌ عن ايمانهم: افسد عليهم امر دينهم بتزيين الضلاله ‌و‌ تحسين الشبهه، ‌و‌ عن شمائلهم: بتحبيب اللذات اليهم ‌و‌ تغليب الشهوات على قلوبهم.
 الثالث: ‌ما‌ روى عن ابن عباس: ‌من‌ بين ايديهم: ‌من‌ قبل الاخره، ‌و‌ ‌من‌ خلفهم: ‌من‌ جهه الدنيا، ‌و‌ عن ايمانهم ‌و‌ عن شمائلهم: ‌من‌ جهه حسناتهم ‌و‌ سيئاتهم. الرابع: ‌من‌ بين ايديهم: انفرهم عن الرغبات ‌فى‌ سعادات الاخره، ‌و‌ ‌من‌ خلفهم: اقوى رغبتهم ‌فى‌ لذات الدنيا ‌و‌ طيباتها، فالاخره بين ايديهم، لانهم يردون اليها ‌و‌ يقبلون عليها، ‌و‌ الدنيا خلفهم، لانهم يخلفونها، ‌و‌ عن ايمانهم: افترهم عن الحسنات، ‌و‌ عن شمائلهم: اقوى دواعيهم الى السيئات.
 قال ابن الانبارى: ‌و‌ هذا قول حسن، لان العرب تقول: اجعلنى ‌فى‌ يمينك اى: ‌من‌ المقدمين، ‌و‌ ‌لا‌ تجعلنى ‌فى‌ شمالك اى: ‌من‌ الموخرين.
 ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ هذا القول كالشرح لما روى عن ابن عباس، ‌و‌ ‌لا‌ مغايره بينهما ‌فى‌ اصل المعنى.
 الخامس: ‌من‌ بين ايديهم: الشبهات المبنيه على التشبيه، اما ‌فى‌ الذات، ‌او‌ ‌فى‌ الصفات، لان الانسان يشاهد هذه الجسمانيات فهى بين يديه ‌و‌ بمحضر منه، فيعتقد ‌ان‌ الغائب مثل الشاهد، ‌و‌ ‌من‌ خلفهم: شبهات اهل التعطيل، لان هذه
 
بازاء الاولى، ‌و‌ عن ايمانهم: الترغيب ‌فى‌ ترك المامورات، ‌و‌ عن شمائلهم: الترغيب ‌فى‌ فعل المنهيات.
 ‌و‌ قال حكماء الاسلام: ‌ان‌ ‌فى‌ البدن قوى اربعا هى الموجبه لفوات السعاده الروحانيه.
 احدها: القوه الخياليه التى تجتمع فيها مثل المحسوسات، ‌و‌ موضعها البطن المقدم ‌من‌ الدماغ، ‌و‌ اليها الاشاره بقوله: «من بين ايديهم».
 ‌و‌ ثانيها: القوه الوهميه التى تحكم ‌فى‌ غير المحسوسات بالاحكام المناسبه للمحسوسات، ‌و‌ محلها البطن الموخر ‌من‌ الدماغ، ‌و‌ ‌هو‌ قوله: «و ‌من‌ خلفهم».
 ‌و‌ ثالثها: الشهوه، ‌و‌ محلها الكبد عن يمين البدن.
 ‌و‌ رابعها: الغضب، ‌و‌ منشاه القلب الذى ‌هو‌ ‌فى‌ الشق الايسر. فالشياطين الخارجيه ‌ما‌ لم تستعن بشى ء ‌من‌ هذه القوى الاربع لم تقدر على القاء الوسوسه، ‌و‌ لم يذكر الفوق ‌و‌ التحت لان القوى التى منها يتولد ‌ما‌ يوجب تفويت السعاده الروحانيه هى هذه الموضوعه ‌فى‌ الجوانب الاربعه ‌من‌ البدن.
 ‌و‌ عن شقيق: ‌ما‌ ‌من‌ صباح الا قعد الشيطان لى على اربعه مراصد: ‌من‌ بين يدى، ‌و‌ ‌من‌ خلفى، ‌و‌ عن يمينى، ‌و‌ عن شمالى.
 اما ‌من‌ بين يدى فيقول: ‌لا‌ تخف ‌ان‌ الله غفور رحيم، فاقرا «و انى لغفار لمن تاب ‌و‌ آمن ‌و‌ عمل صالحا».
 ‌و‌ اما ‌من‌ خلفى: فيخوفنى الضيعه على ‌من‌ اخلفه بعدى، فاقرا «و ‌ما‌ ‌من‌ دابه ‌فى‌
 
الارض الا على الله رزقها».
 ‌و‌ اما عن يمينى فياتينى ‌من‌ قبل الثناء، فاقرا «و العاقبه للمتقين».
 ‌و‌ اما عن شمالى: فياتينى ‌من‌ قبل الشهوات، فاقرا «و حيل بينهم ‌و‌ بين ‌ما‌ يشتهون».
 ‌و‌ انما عدى الفعل ‌فى‌ الدعاء ‌و‌ ‌فى‌ الايه الى الاولين بحرف الابتداء، لان الاتى منهما يتوجه الى الانسان، ‌و‌ الى الاخرين بحرف المجاوزه، لان الاتى منهما كالمنحرف المتجافى عنه المار على عرضه، ‌و‌ نظيره جلست عن يمينه.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: كلمه «من» هنا تبعيضيه، لان الفعل يقع ‌فى‌ بعض الجهتين:
 قال ‌فى‌ الكشاف: فان قلت: كيف قيل: «من بين ايديهم ‌و‌ ‌من‌ خلفهم» بحرف الابتداء، ‌و‌ «عن ايمانهم ‌و‌ عن شمائلهم» بحرف المجاوزه؟
 قلت: المفعول فيه عدى اليه الفعل نحو تعديته الى المفعول به، فكما اختلفت حروف التعديه ‌فى‌ ذلك اختلفت ‌فى‌ هذا، فكانت لغه توخذ ‌و‌ ‌لا‌ تقاس، ‌و‌ انما يفتش عن صحه موقعها فقط، فلما سمعناهم يقولون: جلس عن يمينه ‌و‌ على يمينه، ‌و‌ عن شماله ‌و‌ على شماله، قلنا: معنى على يمينه انه تمكن ‌من‌ جهه اليمين تمكن المستعلى ‌من‌ المستعلى عليه، ‌و‌ معنى عن يمينه: انه جلس متجافيا عن صاحب اليمين منحرفا عنه غير ملاصق له، ثم كثر حتى استعمل ‌فى‌ التجافى ‌و‌ غيره، ‌و‌ نحوه ‌من‌ المفعول ‌به‌ رميت عن القوس ‌و‌ على القوس ‌و‌ ‌من‌ القوس، لان السهم يبعد عنها
 
و يستعليها اذا وضع على كبدها للرمى ‌و‌ يبتدا منها، ‌و‌ كذلك قالوا: جلس بين يديه ‌و‌ خلفه بمعنى فى، لانهما ظرفان للفعل، ‌و‌ ‌من‌ بين يديه ‌و‌ ‌من‌ خلفه، لان الفعل يقع ‌فى‌ بعض الجهتين، كما تقول جئته ‌من‌ الليل تريد بعض الليل انتهى.
 قوله عليه السلام: «و ‌من‌ جميع نواحينا». النواحى: جمع ناحيه ‌و‌ هى الجانب فاعله بمعنى مفعوله، لانك نحوتها اى: قصدتها، اى: ‌من‌ جميع جوانبنا، ‌و‌ هذا تعميم بعد التخصيص، فدخل فيه الفوق ‌و‌ التحت، لاحتمال اتيان المكروه منهما.
 قال بعضهم: السالك الى الله تعالى خائف ‌من‌ قطع الطريق ‌من‌ الشيطان، ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌ يالو جهدا ‌فى‌ ‌ان‌ ياتيه ‌من‌ ‌اى‌ جهه امكنه الاتيان منها، فليس للتخلص منه مساغ الا بان يلتجا الى الله سبحانه، ‌و‌ يساله الحفظ ‌من‌ جميع الجهات.
 حفظا: مصدر منصوب على المفعوليه المطلقه، ‌و‌ ‌هو‌ بنفسه مفيد لتقويه عامله ‌و‌ تقرير معناه، ‌و‌ بوصفه بكونه عاصما مفيد لبيان نوعه.
 ‌و‌ عاصما: ‌اى‌ مانعا.
 ‌و‌ الطاعه: موافقه الامر ‌او‌ الاراده.
 ‌و‌ قدم العصمه ‌من‌ المعصيه على الهدايه الى الطاعه، لان التخليه مقدمه على التحليه، ثم ترقى الى سوال المحبه.
 ‌و‌ مستعملا: يروى بفتح الميم اسم مفعول، ‌و‌ بكسرها اسم فاعل. فعلى
 
الاول معناه: حفظا نستعمله لمحبتك. ‌و‌ على الثانى: حفظا يستعملنا لمحبتك.
 الا ‌ان‌ الاول ‌من‌ استعملت الثوب ‌و‌ نحوه اذا اعملته فيما يعد له. ‌و‌ الثانى ‌من‌ استعملته اذا جعلته عاملا.
 ‌و‌ اضافه المحبه الى كاف الخطاب ‌من‌ اضافه المصدر الى المفعول، اى: لمحبتنا اياك، ‌او‌ الى الفاعل، اى: لمحبتك ايانا.
 قيل: محبه العباد لربهم محبه طاعته، ‌و‌ ابتغاء مرضاته، ‌و‌ اجتناب ‌ما‌ يوجب سخطه ‌و‌ عقابه. ‌و‌ محبه الله تعالى لعباده اراده اكرامهم، ‌و‌ ‌ان‌ يثيبهم احسن الثواب، ‌و‌ يرضى عنهم، ‌و‌ يصونهم عن العاصى.
 ‌و‌ هذا التفسير لمحبه العباد لربهم مبنى على ‌ما‌ ذهب اليه جمهور المتكلمين ‌من‌ ‌ان‌ المحبه نوع ‌من‌ الاراده، ‌و‌ الاراده ‌لا‌ تعلق لها الا بالحوادث، فيستحيل تعلق المحبه بذات الله تعالى ‌و‌ صفاته، ‌و‌ لانها تستدعى الجنسيه بين المحب ‌و‌ المحبوب.
 قال بعض المحققين: ‌و‌ المنع عن الاول ‌ان‌ المحبه ليست نوعا ‌من‌ الاراده، لتعلقها بالاعيان ‌و‌ تعلق الاراده بالافعال، بل لو عكس لكان صوابا.
 ‌و‌ عن الثانى ‌ان‌ المحبه قد تتعلق بالاعراض، ‌و‌ ‌لا‌ جنسيه بين الجوهر ‌و‌ العرض.
 ‌و‌ التحقيق: انها ‌من‌ الوجدانيات التى ‌لا‌ تحتاج الى تعريف حقيقى، بل الى شرح مستقيم لتمتاز عن باقى المعانى الوجدانيه، بان يقال: هى ادراك الكمال ‌من‌ حيث انه موثر، ‌و‌ كلما كان الادراك اتم ‌و‌ المدرك اشد كماليه موثره كانت المحبه اكمل.
 ‌و‌ لذلك قال العارفون: نحن نحب الله تعالى لذاته ‌لا‌ لغرض، ‌و‌ لو كان كل شى ء محبوبا لاجل شى ء آخر دار ‌او‌ تسلسل، ‌و‌ اذا كنا نحب الرجل العالم
 
لعلمه، ‌و‌ الرجل الشجاع لقوته ‌و‌ غلبته، ‌و‌ الرجل الزاهد لبراءه ساحته عن المثالب، فالله تعالى احق بالمحبه، لان كل كمال بالنسبه الى كماله نقص، ‌و‌ الكمال مطلوب لذاته محبوب لنفسه، ‌و‌ كلما كان الاطلاع على دقائق حكمه الله ‌و‌ قدرته ‌و‌ صنعه اكثر كان حبه له اتم، ‌و‌ بحسب الترقى ‌فى‌ درجات العرفان تزداد المحبه، الى ‌ان‌ يستولى سلطان الحب على قلب المومن، فيشغله عن الالتفات الى غيره ‌و‌ يغنى عن حظوظ نفسه، فبه يسمع ‌و‌ ‌به‌ يبصر ‌و‌ ‌به‌ ينطق ‌و‌ ‌به‌ يبطش ‌و‌ ‌به‌ يمشى، فلا يفعل الا ‌ما‌ احبه ‌و‌ اراده، ‌و‌ ‌لا‌ يختار الا ‌ما‌ امره ‌و‌ رضيه، ‌و‌ ‌لا‌ يثق الا به، ‌و‌ ‌لا‌ يسكن الا اليه، ‌و‌ ‌لا‌ يتكلم الا عنه، ‌و‌ ‌لا‌ يتفكر الا فيه، ‌و‌ ‌لا‌ يتنفس الا معه، ‌و‌ هذه احوال تلطف عن العباره ‌و‌ تدق عن الاشاره.
 ‌و‌ لنذكر نبذه ‌من‌ كلام المحبين ‌فى‌ المحبه، تبركا بانفاسهم، ‌و‌ اقتباسا ‌من‌ نبراسهم.
 قال بعضهم: المحبه هى امحاء القلب عما سوى المحبوب.
 ‌و‌ قال آخر: هى نار تحرق ‌ما‌ سوى المراد المحبوب.
 ‌و‌ قال آخر: هى الموافقه ‌فى‌ جميع الاحوال.
 ‌و‌ قال آخر: المحبه بذل المجهود ‌و‌ الحبيب يفعل ‌ما‌ يريد.
 ‌و‌ قال آخر: المحبه ميلك الى الشى ء بكليتك، ثم ايثارك له على نفسك ‌و‌ روحك، ثم موافقتك له سرا ‌و‌ جهرا فيما سرك ‌او‌ ساءك، ثم علمك بتقصيرك ‌فى‌ حقه.
 
و قال آخر: المحبه ‌ما‌ ‌لا‌ تنقصه الاساءه، ‌و‌ ‌لا‌ يزيده الاحسان، ‌و‌ ‌لا‌ ينسيه القرب، ‌و‌ ‌لا‌ يسليه البعد.
 قالوا: ‌و‌ للمحبه خصائص.
 فمن خصائصها: تقديم امور الاخره ‌فى‌ كل ‌ما‌ يقرب الى الله تعالى على امور الدنيا ‌من‌ كل ‌ما‌ تهوى الانفس، ‌و‌ التذلل لاولياء الله ‌من‌ العلماء ‌و‌ العباد، ‌و‌ التعزز على ابناء الدنيا، ‌و‌ المجاهده ‌فى‌ طريق المحبوب بالمال ‌و‌ النفس جميعا، ‌و‌ الانقطاع عن كل شى ء اليه، ‌و‌ وجود الانس بالوحده، ‌و‌ الروح بالخلوه، ‌و‌ الالتذاذ بحلاوه الخدمه، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يسكن الا اليه، ‌و‌ ‌لا‌ يعتمد الا عليه.
 ‌و‌ ‌فى‌ قصه برخ، العبد الاسود الذى استسقى ‌به‌ موسى عليه السلام ‌ان‌ الله تعالى اوحى اليه ‌ان‌ برخ نعم العبد لى الا ‌ان‌ فيه عيبا، قال: ‌يا‌ رب ‌و‌ ‌ما‌ ذاك؟ قال: يعجبه نسيم الاسحار ‌و‌ ‌من‌ احبنى ‌لا‌ يسكن الى شى ء ‌و‌ ‌لا‌ يانس بشى ء.
 ‌و‌ ‌من‌ خصائصها: الخروج الى الله تعالى ‌من‌ الدنيا بالزهد فيها، ‌و‌ الخروج اليه ‌من‌ النفس بايثار الحق على الهوى، ‌و‌ الخروج ‌من‌ العمل باسقاط المثوبه ‌و‌ اطراح الاجر ‌و‌ الجزاء.
 ‌و‌ عليه قول سيد العارفين صلوات الله عليه: «ما عبدتك خوفا ‌من‌ نارك ‌و‌ ‌لا‌ طمعا ‌فى‌ جنتك...» الحديث.
 ‌و‌ ‌من‌ خصائص المحبه: ‌ان‌ المحب هش بش بسام، يحسن لمن يعاشره خلقه، ‌و‌ يعذوذب لمن يلقاه شربه، يحنو على الصغير، ‌و‌ يبجل الكبير، ‌و‌ كيف ‌لا‌ يهش ‌و‌ ‌هو‌
 
فرحان بالحق ‌و‌ بكل شى ء، فانه يرى فيه لطف الحق.
 ‌و‌ ‌من‌ خصائصها: ‌ان‌ الذكر ‌لا‌ يكون عن نسيان، ‌و‌ الرويه ‌لا‌ تكون عن عيان، فلا يكون ‌فى‌ نفسه موضع الا ‌و‌ ‌هو‌ معمور ‌به‌ متهالك عليه، ‌و‌ ‌لا‌ ‌من‌ قلبه موقع الا ‌و‌ ‌هو‌ موشى بذكره مطرزا باسمه، ‌و‌ انشدوا:
 ‌لا‌ لانى انساك اكثر ذكراك
 ولكن بذاك يجرى لسانى
 انت ‌فى‌ القلب ‌و‌ الجوانج ‌و‌ النفس
 ‌و‌ انت الهوى ‌و‌ انت الامانى
 كل جزء منى يراك ‌من‌ الوجد
 بعين غنيه عن عيان
 فاذا غبت عن عيانى ابصر
 تك منى بعين كل مكان
 كان الفضيل ‌بن‌ عياض يقول: اذا قيل لك: تحب الله؟ فاسكت، فان قلت: نعم، فليس وصفك وصف المحبين فاحذر المقت، ‌و‌ ‌ان‌ قلت: لا، كفرت.
 ‌و‌ اما محبته تعالى لعباده، فقال بعض العارفين: هى راجعه الى محبته ذاته، لانه تعالى ‌ما‌ احب شيئا بالذات غير ذاته المقدسه ‌و‌ ‌ان‌ احب غيره فانما احبه بتبعيه محبه ذاته، لانه ‌من‌ توابعها، فكل ‌ما‌ ‌هو‌ اقرب اليه كان احب عنده، فترجع محبته لما سواه الى محبته لذاته. كما يدل عليه ‌ما‌ ورد ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ الله جميل يحب الجمال.
 ‌و‌ لهذا لما قرا القارى ‌فى‌ مجلس الشيخ ابى سعيد ‌بن‌ ابى الخير قوله تعالى: «يحبهم ‌و‌ يحبونه»، قال: لعمرى يحبهم ‌و‌ يحق انه يحبهم، لانه انما يحب نفسه.
 
اشاره الى انه ‌لا‌ نظر له الى غيره ‌من‌ حيث انه غيره، بل نظره الى ذاته ‌و‌ الى افعاله فقط، ‌و‌ ليس ‌فى‌ الوجود الا نفسه ‌و‌ افعال نفسه ‌و‌ صنائعه ‌و‌ آثاره، ‌و‌ كلها راجع اليه، ‌و‌ ‌هو‌ غايه كل شى ء، فلا تجاوز محبته ذاته ‌و‌ تابع ذاته ‌من‌ حيث ‌هو‌ متعلق بذاته، فهو اذا ‌لا‌ يحب الا نفسه.
 ‌و‌ ‌ما‌ ورد ‌فى‌ الاخبار ‌من‌ حبه لعباده فهو موول بما ذكرناه، ‌و‌ يرجع معناه الى انه جعله قريبا منه، ‌و‌ كشف عن قلبه الحجاب حتى راه بقلبه، فمحبته تعالى لمن احبه ازليه مهما اضيفت الى الاراده الازليه، ‌و‌ اذا اضيفت الى فعله ‌و‌ صنعه ‌فى‌ ‌حق‌ عبده، ‌من‌ تمكينه اياه ‌من‌ القرب منه ‌و‌ الى مشيئته ‌و‌ ارادته المخصوصه التى اقتضت تمكن هذا العبد ‌من‌ سلوك طريق القرب اليه، فهى حادثه بحدوث السبب المقتضى له.
 كما ورد ‌فى‌ الحديث القدسى: ‌لا‌ يزال العبد يتقرب الى بالنوافل حتى احبه.
 فيكون تقربه بالنوافل سببا لصفاء باطنه، ‌و‌ ارتفاع الحجاب عن قلبه، ‌و‌ حصوله ‌فى‌ درجه القرب، ‌و‌ صيرورته ‌من‌ جمله المقربين، فصار قريبا بعد ‌ما‌ كان بعيدا كائنا ‌فى‌ مقام المبعدين كالبهائم ‌و‌ السباع ‌و‌ ابناء الشياطين، فقد تجددت له درجه القرب ‌و‌ المحبوبيه بالمعنى الذى علمت ‌من‌ كونها على وجه التبعيه، ‌و‌ لم تتجدد فيه تعالى صفه لم تكن، ولكن ربما يظن لهذا انه لما تجدد له القرب ‌و‌ صار محبوبا
 
له تعالى بعد ‌ان‌ لم يكن فقد تغير وصف العبد ‌و‌ الرب جميعا، ‌و‌ هذا ظن باطل، اذ البرهان قائم على ‌ان‌ التغير عليه تعالى محال، بل ‌لا‌ يزال ‌من‌ نعوت الكمال ‌و‌ الجمال على ‌ما‌ كان عليه ‌فى‌ ازل الازال، ‌و‌ هذا مما ينكشف لك بمثال ‌فى‌ قرب الاشخاص، فان الشخصين قد يتقاربان بتحركهما جميعا، ‌و‌ قد يكون احدهما ثابتا فيتحرك الاخر، فيحصل القرب بينهما معتبرا ‌فى‌ احدهما فقط. ‌و‌ كذا ‌فى‌ القرب المعنوى، فان التلميذ يطلب القرب ‌من‌ درجه استاذه ‌فى‌ كمال العلم ‌و‌ قوه اليقين، ‌و‌ الاستاذ ثابت ‌فى‌ كمال علمه غير متحرك بالنزول الى درجه التلميذ، ‌و‌ التلميذ متحرك ‌من‌ حضيض الجهل الى ذروه العلم ‌و‌ بقاع الكمال، فلا يزال دائبا ‌فى‌ التغير ‌و‌ الترقى الى ‌ان‌ يقرب ‌من‌ استاذه، ‌و‌ الاستاذ ثابت غير متغير.
 فكذلك ينبغى ‌ان‌ يفهم ترقى العبد ‌فى‌ درجات القرب ‌من‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ صيرورته ‌من‌ جمله المقربين المحبوبين بعد ‌ما‌ لم يكن.
 
 تتمه
 
 قال بعض ارباب العرفان: كما ‌ان‌ لمحبه المحب مراتب متفاضله، كذلك لمحبه المحبوب درجات متفاوته، فمحبته للعوام باختصاصهم بالرحمه ‌و‌ الغفران، ‌و‌ التجلى عليهم بالافعال ‌و‌ الايات، ‌و‌ محبته للخواص باختصاصهم بتجلى صفات الجمال، ‌و‌ ستر ظلمه صفاتهم بانوار صفاته، ‌و‌ محبته لاخص الخواص باختصاصهم
 
بالجذبات، ‌و‌ ستر ظلمه وجودهم بانوار الوجود الحقيقى، فيتجلى اولا بنار الجلال فيحرق عن قلبهم جميع ‌ما‌ كان فيه، ثم يتجلى بنور الجمال فيمحوهم عنهم ‌و‌ يثبتهم به، ‌و‌ يسلب عنهم السمع ‌و‌ البصر ‌و‌ النطق.
 كما ورد ‌فى‌ الحديث المشهور بين الخاصه ‌و‌ العامه: فاذا احببته كنت سمعه الذى يسمع به، ‌و‌ بصره الذى يبصر به، ‌و‌ لسانه الذى ينطق به، ‌و‌ يده التى يبطش بها، ‌ان‌ دعانى اجبته، ‌و‌ ‌ان‌ سالنى اعطيته.
 قال العلامه البهائى ‌فى‌ شرح الاربعين: المراد- ‌و‌ الله اعلم-: انى اذا احببت عبدى جذبته الى محل الانس، ‌و‌ صرفته الى عالم القدس، ‌و‌ صيرت فكره مستغرقا ‌فى‌ اسرار الملكوت، ‌و‌ حواسه مقصوره على اجتلاء انوار الجبروت، فتثبت حينئذ ‌فى‌ مقام القرب قدمه، ‌و‌ يمتزج بالمحبه لحمه ‌و‌ دمه، الى ‌ان‌ يغيب عن نفسه، ‌و‌ يذهل عن حسه، فتتلاشى الاغيار ‌فى‌ نظره، حتى اكون بمنزله سمعه ‌و‌ بصره.
 كما قال ‌من‌ قال:
 جنونى فيك ‌لا‌ يخفى
 ‌و‌ نارى منك ‌لا‌ تخبو
 فانت السمع ‌و‌ الابصار
 ‌و‌ الاركان ‌و‌ القلب
 
التوفيق: جعل الاسباب متوافقه ‌فى‌ التادى الى المسبب الذى ‌هو‌ المطلوب خيرا كان ‌او‌ شرا، ثم خص بالخير، هذا معناه اللغوى.
 ‌و‌ اما معناه العرفى، فعند بعض المتكلمين: ‌هو‌ الدعوه الى الطاعه، ‌و‌ عند
 
بعضهم: خلق اراده الطاعه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ جعل الله فعل عبده موافقا لما يحبه ‌و‌ يرضاه.
 ‌و‌ هذا ‌و‌ هذه: صفتان لليوم ‌و‌ الليله بتاويل الحاضر ‌و‌ الحاضره.
 ‌و‌ استعمال الخير: ‌اى‌ العمل به.
 قال ابن سيده ‌فى‌ محكم اللغه: استعمله: عمل به.
 ‌و‌ الهجران بالكسر: اسم ‌من‌ هجره هجرا- ‌من‌ باب قتل-: بمعنى تركه ‌و‌ رفضه. ‌و‌ قد اسلفنا الكلام على معنى الخير ‌و‌ الشر.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين صلوات الله عليه: افعلوا الخير ‌و‌ ‌لا‌ تحقروا منه شيئا، فان صغيره كبير، ‌و‌ قليله كثير، ‌و‌ ‌لا‌ يقولن احدكم ‌ان‌ احدا اولى بفعل الخير منى فيكون ‌و‌ الله كذلك، ‌ان‌ للخير ‌و‌ للشر اهلا، فمهما تركتموه منهما كفاكموه اهله.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: الشر جامع لمساوى العيوب.
 فظهر ‌ان‌ الخير كلى يندرج تحته جميع الاعمال الصالحه، ‌و‌ الشر كلى يندرج تحته جميع القبائح.
 قوله عليه السلام: «و شكر النعم» الالف ‌و‌ اللام: لاستغراق الافراد، اى: شكر كل نعمه ظاهره كانت ‌او‌ باطنه، ‌و‌ قد علمت ‌ان‌ الشكر عمل يتعلق بالقلب ‌و‌ اللسان ‌و‌ الجوارح.
 فشكر النعم بالقلب: القصد الى تعظيمه تعالى ‌و‌ تمجيده ‌و‌ تحميده عليها،
 
و التفكر ‌فى‌ آثار لطفه بايصالها ‌و‌ نحو ذلك.
 ‌و‌ باللسان: اظهار ذلك المقصود بالتحميد ‌و‌ التمجيد ‌و‌ التهليل ‌و‌ التسبيح.
 ‌و‌ بالجوارح: استعمالها ‌فى‌ طاعته ‌و‌ عبادته، ‌و‌ الاحتراز ‌من‌ الاستعانه بها ‌فى‌ معصيته ‌و‌ مخالفته.
 ‌و‌ سياتى تمام الكلام على الشكر ‌فى‌ الروضه السابعه ‌و‌ الثلاثين ‌ان‌ شاء الله تعالى.
 الاتباع: الاقتداء، ‌و‌ المراد باتباعها: العمل بها.
 ‌و‌ السنن: جمع سنه، ‌و‌ هى لغه: الطريقه، ‌و‌ تطلق شرعا على الاحاديث المرويه عنه صلى الله عليه ‌و‌ آله، ‌و‌ على الطريقه النبويه ‌و‌ هى ‌ما‌ سنه النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله، اى: شرعه ‌من‌ مفروض ‌او‌ مندوب ‌و‌ غير ذلك، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا.
 ‌و‌ على الطريقه المسلوكه ‌فى‌ الدين ‌من‌ غير افتراض ‌و‌ ‌لا‌ وجوب، ‌و‌ هى نوعان:
 سنه يتعلق بتركها كراهه كالاذان ‌و‌ الاقامه، ‌و‌ يسميها بعضهم سنه الهدى.
 ‌و‌ سنه فعلها خير ‌و‌ ‌لا‌ حرج ‌فى‌ تركها، كسنن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌فى‌ قيامه ‌و‌ قعوده ‌و‌ اكله ‌و‌ شربه، ‌و‌ يسميها بعضهم سنن الزوائد.
 ‌و‌ قد تطلق السنه على ‌ما‌ يتعلق ‌به‌ الوجوب، ‌و‌ عليه قول ابى جعفر عليه السلام: كل ‌من‌ تعدى السنه ‌رد‌ الى السنه.
 ‌و‌ قول اميرالمومنين صلوات الله عليه، السنه سنتان سنه ‌فى‌ فريضه الاخذ بها هدى ‌و‌ تركها ضلاله، ‌و‌ سنه ‌فى‌ غير فريضه الاخذ بها فضيله ‌و‌ تركها الى غير
 
خطيئه.
 ‌و‌ جانب الشى ء مجانبه: باعده كانه تركه جانبا.
 ‌و‌ البدع: جمع بدعه بالكسر، ‌و‌ هى اسم ‌من‌ ابتدع الامر اذا ابتداه ‌و‌ احدثه، كالرفعه ‌من‌ الارتفاع، ‌و‌ الخلفه ‌من‌ الاختلاف، ثم غلبت على ‌ما‌ ‌هو‌ زياده ‌فى‌ الدين ‌او‌ نقصان منه.
 ‌و‌ قيل: كل ‌ما‌ لم يكن ‌فى‌ زمن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله فهو بدعه.
 ‌و‌ رده الفاضل الاردبيلى يمنع الشرطيه، ‌و‌ قال: البدعه: كل عباده لم تكن مشروعه ثم احدثت بغير دليل شرعى، ‌او‌ ‌دل‌ دليل شرعى على نفيها، فلو صلى ‌او‌ دعا ‌او‌ فعل غير ذلك ‌من‌ العبادات، مع عدم وجودها ‌فى‌ زمانه صلى الله عليه ‌و‌ آله، فانه ليس بحرام، لان الاصل كونها عباده، ‌و‌ لغير ذلك مثل الصلاه خير موضوع ‌و‌ الدعاء حسن انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ تخصيصها بالعباده نظر ظاهر.
 ‌و‌ قال العامه: البدعه ‌فى‌ الشرع: احداث ‌ما‌ لم يكن ‌فى‌ عهد رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله. ‌و‌ هى منقسمه الى واجبه ‌و‌ محرمه ‌و‌ مندوبه ‌و‌ مكروهه ‌و‌ مباحه ‌و‌ الطريق ‌فى‌ ذلك ‌ان‌ تعرض البدعه على قواعد الشريعه فان دخلت ‌فى‌ قواعد الايجاب فهى واجبه، ‌او‌ ‌فى‌ قواعد التحريم فمحرمه، ‌او‌ الندب فمندوبه، ‌او‌ الكراهه فمكروهه، ‌او‌ الاباحه فمباحه.
 ‌و‌ للبدع الواجبه امثله، منها: الاشتغال بعلم النحو الذى يفهم ‌به‌ كلام الله
 
عز ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ كلام رسوله صلى الله عليه ‌و‌ آله، ‌و‌ ذلك واجب، لان حفظ الشريعه واجب، ‌و‌ ‌لا‌ يتاتى حفظها الا بذلك، ‌و‌ ‌ما‌ ‌لا‌ يتم الواجب الا ‌به‌ فهو واجب.
 ‌و‌ منها: حفظ غريب الكتاب ‌و‌ السنه ‌من‌ اللغه.
 ‌و‌ منها: تدوين اصول الفقه. ‌و‌ منها: الكلام ‌فى‌ الجرح ‌و‌ التعديل ‌و‌ تمييز الصحيح ‌من‌ السقيم، ‌و‌ قد دلت قواعد الشريعه على ‌ان‌ حفظ الشريعه فرض كفايه فيما زاد على المتعين، ‌و‌ ‌لا‌ يتاتى ذلك الا بما ذكرناه.
 ‌و‌ للبدع المحرمه امثله، منها: مذاهب القدريه ‌و‌ الجبريه ‌و‌ المرجئه ‌و‌ المجسمه، ‌و‌ الرد على هولاء ‌من‌ البدع الواجبه.
 ‌و‌ للبدع المندوبه امثله، منها: احداث الربط ‌و‌ المدارس، ‌و‌ كل احسان لم يعهد ‌فى‌ العصر الاول.
 ‌و‌ للبدع المكروهه امثله: كزخرفه المساجد ‌و‌ تزويق المصاحف.
 ‌و‌ للبدع المباحه امثله، منها: التوسع ‌فى‌ اللذيذ ‌من‌ الماكل ‌و‌ المشارب ‌و‌ الملابس ‌و‌ المساكن ‌و‌ لبس الطيالسه ‌و‌ توسيع الاكمام.
 ‌و‌ قال شيخنا الشهيد قدس سره ‌فى‌ القواعد الاصوليه: محدثات الامور بعد عهد النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله تنقسم اقساما، ‌لا‌ يطلق اسم البدعه عندنا الا على ‌ما‌ ‌هو‌ محرم منها.
 اولها: الواجب، كتدوين القرآن ‌و‌ السنه اذا خيف عليهما التفلت ‌من‌ الصدور، فان التبليغ للقرون الاتيه واجب اجماعا ‌و‌ للايه، ‌و‌ ‌لا‌ يتم الا بالحفظ،
 
و هذا ‌فى‌ زمان الغيبه واجب، اما ‌فى‌ زمان ظهور الامام عليه السلام فلا، لانه الحافظ لهما حفظا ‌لا‌ يتطرق اليه خلل.
 ‌و‌ ثانيها: المحرم، ‌و‌ ‌هو‌ كل بدعه تناولتها قواعد التحريم ‌و‌ ادلته ‌من‌ الشريعه، كتقديم غير المعصومين عليهم ‌و‌ اخذهم مناصبهم، ‌و‌ استئثار ولاه الجور بالاموال ‌و‌ منعها مستحقها، ‌و‌ قتال اهل الحق ‌و‌ تشريدهم ‌و‌ ابعادهم، ‌و‌ القتل على الظنه، ‌و‌ الالزام ببيعه الفساق ‌و‌ المقام عليها ‌و‌ تحريم مخالفتها، ‌و‌ الغسل ‌فى‌ المسح، ‌و‌ المسح على غير القدم، ‌و‌ شرب كثير ‌من‌ الاشربه، ‌و‌ الجماعه ‌فى‌ النوافل، ‌و‌ الاذان الثانى يوم الجمعه، ‌و‌ تحريم المتعتين، ‌و‌ البغى على الامام، ‌و‌ توريث الاباعد ‌و‌ منع الاقارب، ‌و‌ منع الخمس اهله، ‌و‌ الافطار ‌فى‌ غير وقته، الى غير ذلك ‌من‌ المحدثات المشهورات، ‌و‌ منها بالاجماع ‌من‌ الفريقين المكس، ‌و‌ توليه المناصب غير الصالح لها ببذل ‌او‌ ارث ‌او‌ غير ذلك.
 ‌و‌ ثالثها: المستحب، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ تناولته ادله الندب، كبناء المدارس ‌و‌ الربط، ‌و‌ ليس منه اتخاذ الملوك الاهبه ليعظموا ‌فى‌ النفوس، اللهم الا ‌ان‌ يكون ذلك مرهبا للعدو.
 ‌و‌ رابعها: المكروه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ شملته ادله الكراهيه، كالزياده ‌فى‌ تسبيح الزهراء عليهاالسلام ‌و‌ سائر الموظفات، ‌او‌ النقيصه منها، ‌و‌ التنعم ‌فى‌ الملابس ‌و‌ الماكل بحيث يبلغ الاسراف بالنسبه الى الفاعل، ‌و‌ ربما ادى الى التحريم اذا استضر ‌به‌ ‌و‌ عياله.
 
و خامسها: المباح، ‌و‌ ‌هو‌ الداخل تحت ادله الاباحه كنخل الدقيق، فقد ورد اول شى ء احدثه الناس بعد رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله اتخاذ المناخل، لان لين العيش ‌و‌ الرفاهيه ‌من‌ المباحات فوسيلته مباحه انتهى.
 ‌و‌ قال بعضهم: البدعه تطلق على مفهومين:
 احدهما: ‌ما‌ خولف ‌به‌ الكتاب ‌او‌ السنه ‌او‌ الاجماع، فهذه البدعه الضلاله.
 ‌و‌ الثانى: ‌ما‌ لم يرد فيه نص بل سكت عنه فاحدث بعد، فهذه ‌ما‌ كان منها خيرا فلا خلاف ‌من‌ احد ‌فى‌ كونه غير مذموم.
 ‌و‌ ‌ما‌ ورد ‌فى‌ الخبر من: كل بدعه ضلاله ‌و‌ كل ضلاله ‌فى‌ النار. فالمراد ‌به‌ المفهوم الاول. ‌و‌ الله اعلم.
 المراد بالمعروف هنا: الواجب ‌و‌ المندوب.
 ‌و‌ بالمنكر: الحرام ‌و‌ المكروه.
 ‌و‌ هما واجبان ‌فى‌ الواجب ‌و‌ الحرام، ‌و‌ مستحبان ‌فى‌ المندوب ‌و‌ المكروه.
 ‌و‌ دليل الوجوب قوله تعالى: «و لتكن منكم امه يدعون الى الخير ‌و‌ يامرون بالمعروف ‌و‌ ينهون عن المنكر».
 ‌و‌ قوله صلى الله عليه ‌و‌ آله: لتامرن بالمعروف ‌و‌ لتنهن عن المنكر، ‌او‌ ليسلطن الله شراركم على خياركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم.
 ‌و‌ ‌من‌ طرق اهل البيت عليهم السلام ‌فى‌ هذا المعنى ‌ما‌ يقصم الظهور، فليقف
 
عليه ‌من‌ اراده ‌فى‌ الكافى ‌و‌ غيره.
 ‌و‌ هنا مسائل ‌لا‌ باس بالتعرض لها تتميما للفائده ‌و‌ تعميما للعائده:
 احدها: اختلف اصحابنا هل الوجوب ‌فى‌ هذا الباب عينى ‌او‌ كفائى؟
 فشيخ الطائفه ‌و‌ ابن ادريس ‌و‌ جماعه ‌من‌ المتاخرين على الاول، ‌و‌ علم الهدى ‌و‌ ابو الصلاح ‌و‌ العلامه ‌و‌ بعض المتاخرين على الثانى.
 ‌و‌ الحق ‌فى‌ المساله انه ‌ان‌ كان المطلع منفردا تعين عليه، ‌و‌ ‌ان‌ كانوا جماعه، فان شرع احدهم فيه، ‌و‌ ظن الباقون تاثير مشاركتهم ‌فى‌ الردع وجب عليهم، فيكون الوجوب عينيا، ‌و‌ الا كان على الكفايه.
 الثانيه: للامر بالمعروف ‌و‌ النهى عن المنكر شروط، ‌و‌ المشهور منها اربعه:
 احدها: علم الامر ‌و‌ الناهى ‌و‌ تمييزه بين المعروف ‌و‌ المنكر، فان الجاهل ربما امر بمنكر ‌و‌ نهى عن معروف.
 ‌و‌ الثانى: تجويز التاثير، فان علم عدمه سقط الوجوب دون الجواز. ‌و‌ هل يكفى ظن العدم؟ قيل: نعم، ‌و‌ قيل: لا، لان التجويز قائم مع الظن. ‌و‌ ‌هو‌ حسن، اذ ‌لا‌ يترتب عليه ضرر، فان نجع ‌و‌ الا فقد ادى فرضه، ‌و‌ الفرض انتفاء الضرر.
 
الثالث: الامن ‌من‌ الضرر على المباشر ‌او‌ على بعض المومنين، نفسا ‌او‌ مالا ‌او‌ عرضا، فبدونه يحرم ايضا على الاقوى، ‌و‌ ‌لا‌ يجب ‌فى‌ السقوط العلم بالضرر بل يكفى ظنه.
 الرابع: اصرار المامور ‌او‌ المنهى على الذنب، فلو علم منه الاقلاع ‌و‌ الندم سقط الوجوب بل حرم، ‌و‌ اكتفى الشهيد ‌فى‌ الدروس ‌و‌ جماعه ‌فى‌ السقوط بظهور اماره الندم، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ محله.
 ‌و‌ زاد بعضهم شرطا خامسا، ‌و‌ ‌هو‌ عدم كون الامر ‌و‌ الناهى مرتكبا للمحرمات، ‌و‌ اشترط فيه العداله، بدليل قوله تعالى: «اتامرون الناس بالبر ‌و‌ تنسون انفسكم».
 ‌و‌ الحق انه غير شرط، اذ ‌لا‌ يسقط بترك احد الواجبين الواجب الاخر، ‌و‌ الانكار ‌فى‌ الايه على عدم العمل ‌لا‌ على الامر.
 الثالثه: للانكار مراتب:
 اولها: بالقلب، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يبغضه عليه، ‌و‌ ‌هو‌ البغض ‌فى‌ الله المامور ‌به‌ ‌فى‌ السنه المطهره، ‌و‌ ‌هو‌ مشروط بعلم الامر ‌و‌ الناهى ‌و‌ اصرار المنهى، دون الشرطين الاخرين، ثم باظهار الكراهه بغير قول ‌و‌ فعل، فان ارتدع اكتفى به، ‌و‌ الا اعرض عنه ‌و‌ هجره، ‌و‌ الا انكره باللسان بالوعظ ‌و‌ الزجر مرتبا الايسر فالايسر.
 ‌و‌ غيره باليد ككسر الملاهى ‌و‌ اراقه الخمر مثلا مع التهديد، ‌و‌ لو لم ينزجر الا بالضرب ‌و‌ شبهه فعل مع القدره، ‌و‌ لو افتقر الى الجرح توقف على امر الحاكم
 
و اذنه، الا ‌ان‌ يتعرض، لنفسه ‌او‌ حرمه فيجب الدفاع بما امكن، فان قتل كان هدرا ‌و‌ ‌ان‌ قتل كان شهيدا، فكذا اذا راى مع امراته رجلا يزنى بها، فان له قتلهما ‌من‌ غير اثم، ‌و‌ لكن ‌فى‌ الظاهر عليه القود ‌فى‌ الصورتين، الا ‌ان‌ ياتى ببينه ‌او‌ يصدقه الولى، ‌و‌ له الانكار ظاهرا ‌و‌ الحلف عليه مع التوريه، ‌و‌ له زجر المطلع على داره، فلو اصر فرماه بما جنى عليه كان هدرا، الا ‌ان‌ يكون رحما لنسائه.
 الرابعه: ‌لا‌ يشترط ‌فى‌ المامور ‌و‌ المنهى ‌ان‌ يكون مكلفا، بل اذا علم اصرار غير المكلف منع ‌من‌ ذلك، ‌و‌ كذا الصبى ينهى عن المحرمات لئلا يتعودها، ‌و‌ يومر بالطاعات ليتمرن عليها.
 
 تنبيه
 
 علم مما مر ‌ان‌ ‌فى‌ اطلاق الامر ‌و‌ النهى على كل ‌من‌ مراتب الامر بالمعروف ‌و‌ النهى عن المنكر سوى بعض افراد الامر ‌و‌ النهى اللسانى تجوزا، ‌و‌ كذا ‌فى‌ اطلاق النهى على الانكار القلبى، لان الامر ‌و‌ النهى حقيقه استدعاء الفعل ‌و‌ تركه بالقول.
 قال العلامه البهائى: ‌و‌ كان ذلك صار حقيقه شرعيه. ‌و‌ الله اعلم.
 حاط الشى ء يحوطه حوطا ‌و‌ حيطه ‌و‌ حياطه: حفظه ‌و‌ ذب عنه ‌و‌ تعهده.
 ‌و‌ المراد بالاسلام هنا: جميع ‌ما‌ جاء ‌به‌ النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌من‌ الدين الحق، المشار اليه بقوله تعالى: «ان الدين عند الله الاسلام»، ‌و‌ قوله: «اليوم
 
اكملت لكم دينكم ‌و‌ اتممت عليكم نعمتى ‌و‌ رضيت لكم الاسلام دينا» ‌و‌ قوله: «و ‌من‌ يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه».
 ‌و‌ المراد بحياطته: نصرته، ‌و‌ القيام بامره، ‌و‌ الذب عنه، ‌و‌ صيانته عن ‌و‌ صمات الشياطين ‌و‌ تبديلهم ‌و‌ تحريفهم، ‌و‌ تاييده باظهار حججه ‌و‌ اقامه براهينه ‌و‌ نفى الشبهات عنه ‌و‌ هدايه الناس اليه، الى غير ذلك.
 النقيصه: العيب.
 قال ‌فى‌ الاساس: انتقصه ‌و‌ تنقصه: عابه.
 ‌و‌ الذل بالضم ‌و‌ الذله بالكسر ‌و‌ المذله: الضعف ‌و‌ الهوان، ‌و‌ يتعدى بالهمزه فيقال: اذله الله اذلالا.
 ‌و‌ النصره بالضم: اسم ‌من‌ نصره على عدوه نصرا اى: اعانه ‌و‌ قواه.
 ‌و‌ ‌عز‌ الرجل عزا- ‌من‌ باب ضرب-: قوى، ‌و‌ اعززته اعزازا: قويته.
 ‌و‌ الحق ‌فى‌ اللغه: ‌هو‌ الثابت الذى ‌لا‌ يسوغ انكاره، ‌من‌ ‌حق‌ الشى ء يحق- ‌من‌ بابى ضرب ‌و‌ قتل- اذا وجب ‌و‌ ثبت.
 ‌و‌ ‌فى‌ اصطلاح اهل المعانى: الحكم المطابق للواقع ينطلق على الاقوال ‌و‌ العقائد ‌و‌ الاديان ‌و‌ المذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك، ‌و‌ يقابله الباطل.
 ‌و‌ اما الصدق: فقد شاع ‌فى‌ الاقوال خاصه، ‌و‌ يقابله الكذب. ‌و‌ قد يفرق بينهما بان المطابقه تعتبر ‌فى‌ الحق ‌من‌ جانب الواقع ‌و‌ ‌فى‌ الصدق ‌من‌ جانب الحكم، فمعنى صدق الحكم: مطابقته للواقع، ‌و‌ معنى حقيته: مطابقه الواقع اياه. ‌و‌ قد يطلق الحق
 
 
على الموجد للشى ء على الحكمه ‌و‌ لما يوجد عليها، كما يقال: الله تعالى ‌حق‌ ‌و‌ كلمته حق.
 ‌و‌ قد يراد به: الاقبال على الله تعالى بلزوم الاعمال الصالحه المطابقه للعقائد المطابقه للواقع، ‌و‌ بالباطل: الالتفات عنه الى غير ذلك مما ‌لا‌ يجدى نفعا ‌فى‌ الاخره.
 ثم المراد بانتقاص الباطل ‌و‌ اذلاله: تزييفه، ‌و‌ اظهار بطلانه، ‌و‌ الرد على اصحابه، ‌و‌ بيان ضلالهم.
 ‌و‌ بنصره الحق ‌و‌ اعزازه: تاييده، ‌و‌ اظهار حقيته، ‌و‌ ترغيب الناس ‌فى‌ اتباعه ‌و‌ اعتقاده، ‌و‌ نحو ذلك.
 الرشد بالضم: خلاف الغى ‌و‌ الضلال ‌و‌ ‌هو‌ الاهتداء، رشد يرشد رشدا ‌و‌ رشدا- ‌من‌ بابى قتل ‌و‌ تعب- فهو راشد ‌و‌ الاسم الرشاد، ‌و‌ يتعدى بالهمزه فيقال: ارشدته ارشادا.
 ‌و‌ الضلال: قيل: ‌هو‌ الفقدان لما يوصل الى المطلوب.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ سلوك طريق ‌لا‌ يوصل الى المطلوب.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ العدول عن الطريق السوى ‌و‌ لو خطا.
 ‌و‌ الحق شموله للمعانى الثلاثه.
 ‌و‌ ‌من‌ الاول قوله تعالى: «و وجدك ضالا فهدى» على بعض الاقوال ‌فى‌ معناه، اى: فاقدا لما يوصلك الى ‌ما‌ انت عليه الان ‌من‌ النبوه ‌و‌ الشريعه، فهداك
 
اليه بنصب الادله ‌و‌ الالطاف حتى وصلت الى المطلوب.
 ‌و‌ على المعنيين الاخيرين فادناه اصغر الصغائر، ‌و‌ اعلاه اكبر الكبائر.
 اذا عرفت ذلك فالمراد بالارشاد: الدلاله على المطلوب بلطف، سواء كان معها وصول اليه ‌ام‌ لا، فلا ينافيه قوله تعالى: «انك ‌لا‌ تهدى ‌من‌ احببت ولكن الله يهدى ‌من‌ يشاء»، اذ المراد بالهدايه هنا: الايصال الى المطلوب ‌و‌ ‌هو‌ بيده تعالى.
 فان قلت: قد ورد ‌فى‌ الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام: كفوا عن الناس ‌و‌ ‌لا‌ تدعوا احدا الى امركم. ‌و‌ ‌هو‌ ينافى سوال التوفيق لارشاد الضال، مع انه ‌من‌ باب الامر بالمعروف ‌و‌ النهى عن المنكر.
 قلت: اجيب بان الامر بالكف ‌و‌ النهى عن الدعاء، اما: لاجل ‌ما‌ كان ‌فى‌ ذاك الزمان ‌من‌ شده التقيه ‌من‌ اهل الجور ‌و‌ العدوان.
 ‌و‌ اما: لان القصد منه ترك المبالغه ‌فى‌ الدعاء، ‌و‌ عدم المخاصمه ‌فى‌ امر الدين، كما يدل عليه قول ابى عبدالله عليه السلام ‌فى‌ حديث آخر: ‌لا‌ تخاصموا الناس لدينكم فان المخاصمه ممرضه للقلب. فلا منافاه.
 ‌و‌ ‌فى‌ ارشاد الضال ‌و‌ هدايته ‌من‌ الثواب ‌ما‌ ‌لا‌ يحصى، فعن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال اميرالمومنين صلوات الله عليه: لما وجهنى رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله الى اليمن، قال: ‌يا‌ على ‌لا‌ تقاتل احدا حتى تدعوه الى الاسلام، ‌و‌ ايم الله
 
لان يهدى الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس ‌و‌ غربت ‌و‌ لك ولاوه.
 قوله عليه السلام: «و معاونه الضعيف» عاونه معاونه اى: اعانه، فهو فاعل بمعنى افعل.
 ‌و‌ الضعف بفتح الضاد ‌فى‌ لغه تميم ‌و‌ بضمها ‌فى‌ لغه قريش: خلاف القوه ‌و‌ الصحه، فالمفتوح مصدر ضعف ضعفا- ‌من‌ باب قتل- ‌و‌ المضموم مصدر ضعف مثال قرب قربا. ‌و‌ منهم ‌من‌ يجعل المفتوح ‌فى‌ الراى، ‌و‌ المضموم ‌فى‌ الجسد، ‌و‌ ‌هو‌ ضعيف، ‌و‌ ضعف عن الشى ء: عجز عن احتماله فهو ضعيف ايضا.
 ‌و‌ قد يطلق الضعيف على المهين الذى ‌لا‌ عزه له ‌و‌ ‌لا‌ قوه، فلا يقدر على الامتناع ممن يريد ظلمه ‌و‌ هضمه ‌او‌ يريد ‌به‌ مكروها، ‌و‌ لعل هذا المعنى ‌هو‌ المراد هنا.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: عونك الضعيف ‌من‌ افضل الصدقه.
 قوله عليه السلام: «و ادراك اللهيف» ادركته: اذا طلبته فلحقته.
 ‌و‌ اللهيف ‌و‌ الملهوف ‌و‌ اللهفان ‌و‌ اللاهف: المظلوم المضطر يستغيث ‌و‌ يتحسر.
 ‌و‌ المراد بادراكه: اغاثته، عبر عنها بذلك لضيق خناقه ‌و‌ شده اضطراره، حتى كان اغاثته ادراك له قبل فواته.
 ‌و‌ لهذا كتب عثمان ‌بن‌ عفان الى اميرالمومنين عليه السلام حين ضاق ‌به‌ الخناق ‌فى‌ الدار قول الشاعر:
 
فان كنت ماكولا فكن خير اكل
 ‌و‌ الا فادركنى ‌و‌ لما امزق
 ‌و‌ قد ورد ‌فى‌ اغاثه الملهوف اخبار جمه، فعنه صلى الله عليه ‌و‌ آله: انه كان يحب اغاثه اللهفان.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين صلوات الله عليه: ‌من‌ كفارات الذنوب العظام اغاثه الملهوف ‌و‌ التنفيس عن المكروب.
 ‌و‌ عن زيد الشحام قال: سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول: ‌من‌ اغاث اخاه المومن اللهفان عند جهده، فنفس كربته، ‌و‌ اعانه على نجاح حاجته، كانت له بذلك عند الله اثنان ‌و‌ سبعون رحمه ‌من‌ الله، يعجل له منها واحده يصلح بها معيشته، ‌و‌ يدخر له احدى ‌و‌ سبعين رحمه لافزاع يوم القيامه ‌و‌ اهوالها.
 
اليمن بالضم: البركه ‌و‌ السعاده، يمن كعلم، ‌و‌ يمن بالبناء للمفعول فهو ميمون، ‌و‌ قدم على ايمن اليمنى، اى: اليمن.
 ‌و‌ عهدناه: ‌اى‌ عرفناه ‌او‌ لقيناه، تقول: الامر كما عهدت اى: عرفت، ‌و‌ عهدته بمكان كذا: لقيته، ‌و‌ عهدى ‌به‌ قريب اى: لقائى.
 ‌و‌ الفضل: الخير اى: خير صاحب، ‌و‌ اطلاق الصاحب على اليوم مجاز.
 ‌و‌ الوقت: المقدار ‌من‌ الزمان، ‌و‌ اكثر ‌ما‌ يستعمل ‌فى‌ الماضى كما وقع هنا.
 
و ظل يظل ظلا ‌و‌ ظلولا- ‌من‌ باب تعب-. قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب. الظلول بالنهار بمنزله البيتوته بالليل.
 سال عليه السلام ‌ان‌ يكون يومه اكثر يمنا ‌و‌ فضلا ‌و‌ خيرا ‌من‌ ايامه الماضيه، ‌و‌ اراد بذلك ‌ان‌ يكون طاعته ‌و‌ عمله اكثر مما كان ‌فى‌ سالف ايامه، طلبا للترقى ‌فى‌ معارج القدس ‌و‌ مدارج الانس يوما فيوما، فان ‌من‌ استوى يوماه فهو مغبون، فهو ‌من‌ باب سوال اللازم ‌و‌ اراده الملزوم.
 
ارضى: اسم تفضيل يجوز ‌ان‌ يكون ‌من‌ رضى بالبناء للفاعل، اى: اجعلنا ‌من‌ اعظم الراضين بقضائك، ‌و‌ ‌ان‌ يكون ‌من‌ رضى بالبناء للمفعول على ‌ما‌ مر بيانه ‌فى‌ الروضه الاولى، اى: اجعلنا ‌من‌ اعظم المرضيين عندك.
 قال العلامه البهائى قدس سره ‌فى‌ الحديقه الهلاليه: ‌و‌ ‌فى‌ كلام بعض اصحاب القلوب ‌ان‌ علامه رضا الله سبحانه عن العبد رضا العبد بقضائه، ‌و‌ هذا يشعر بنوع ‌من‌ اللزوم بين الامرين، ‌و‌ لو اريد باسم التفضيل هنا ‌ما‌ يشملهما، ‌من‌ قبيل استعمال المشترك ‌فى‌ معنييه، لم يكن فيه كثير بعد، ‌و‌ مثله ‌فى‌ كلام البلغاء غير قليل انتهى.
 ‌و‌ «من» ‌من‌ قوله عليه السلام: ‌من‌ جمله خلقك بيانيه.
 ‌و‌ الجار ‌و‌ المجرور حال ‌من‌ اسم التفضيل، اى: كائنا ‌من‌ بين جمله خلقك، كما تقول: انت منهم الفارس البطل، اى: انت ‌من‌ بينهم، ‌و‌ هذا الفرس ‌من‌ بين الخيل كريم.
 
اشكرهم: بالنصب حال ‌من‌ ارضى، على الصحيح ‌من‌ جواز تعدد الحال ‌فى‌ الفصيح.
 ‌و‌ ‌ما‌ قيل ‌من‌ انه معطوف على ارضى بتقدير حرف العطف فخطا، لانه لو كان كذلك كان مجرورا. الا ‌ان‌ يقال: انه عطف على محله.
 ‌و‌ فيه: ‌ان‌ حذف حرف العطف بابه الشعر، كما نص عليه ابن هشام ‌فى‌ المغنى.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه ابن ادريس: اشكرهم بالجر، ‌و‌ ‌هو‌ اما بدل ‌من‌ ارضى، ‌او‌ عطف بيان.
 ‌و‌ اوليته معروفا: منحته اياه.
 سئل بعض العارفين: ‌من‌ اشكر الناس؟ فقال: اربعه ‌هم‌ اشكر الناس ‌و‌ اسعدهم: الطاهر ‌من‌ الذنب يعد نفسه ‌من‌ المذنبين، ‌و‌ الراضى بالقليل يعد نفسه ‌من‌ الراغبين، ‌و‌ القاطع دهره بذكر الله يعد نفسه ‌من‌ الغافلين، ‌و‌ الدائب نفسه ‌من‌ العمل يعد نفسه ‌من‌ المقلين، فهذا ‌هو‌ اشكر الشاكرين ‌و‌ افضل المومنين.
 الشرائع: جمع شريعه ‌و‌ هى ‌ما‌ شرع الله ‌من‌ الفرائض ‌و‌ السنن، ماخوذ ‌من‌ الشريعه ‌و‌ هى مورد الناس للاستقاء، سميت بذلك لوضوحها ‌و‌ ظهورها، ‌و‌ شرع الله لنا كذا: اظهره ‌و‌ اوضحه. اى: اشدهم قياما بما اظهرته لنا ‌من‌ احكام دينك، فرضا كان ‌او‌ سنه.
 
و وقع ‌فى‌ كلام بعض المترجمين ‌من‌ العجم: ‌ان‌ حرف العله ‌و‌ ‌هو‌ الياء ‌من‌ شرائع ‌لا‌ تقلب همزه، بل تبقى ياء على حالها البته. ‌و‌ علل ذلك بان حرف العله المذكور لم يقع قبله واو ‌او‌ ياء كاوائل ‌و‌ خيائر حتى تقلب همزه، ‌و‌ ‌هو‌ خطا واضح ‌و‌ غلط فاضح، بل الياء ‌من‌ شرائع يجب قلبها همزه ‌من‌ غير خلاف، فرقا بين الزائده ‌و‌ الاصليه، كما بيناه ‌فى‌ شرح السند عند قوله: «و يدخروه ‌فى‌ خزائنهم».
 ‌و‌ اعجب لعجمى هذا مبلغه ‌فى‌ العربيه كيف سولت له نفسه التعرض لشرح كلام المعصوم، ‌و‌ الله المستعان.
 اوقفهم: اسم تفضيل ‌من‌ وقف عن الشى ء بمعنى توقف، اى: امسك عنه ‌و‌ لم يدخل فيه.
 ‌و‌ التحذير: التخويف.
 ‌و‌ نهى الله عن الشى ء: ‌اى‌ حرمه. ‌و‌ المراد بنهيه هنا منهيه، اى: ‌ما‌ حرمه، اطلاقا للمصدر على المفعول كالشرط بمعنى المشروط.
 ‌و‌ لما كان للتوقف عن المنهيات مراتب اتى باسم التفضيل الدال على الزياده طلبا لاعلى درجاته، ‌و‌ قد رتبوه على اربع درجات:
 الاولى: التوقف عما يوجب ارتكابه التفسيق ‌و‌ سقوط العداله، ‌و‌ هذه هى الادنى ‌فى‌ الدرجات.
 الثانيه: الحذر عما تتطرق اليه شبهه الحرمه، ‌و‌ ‌ان‌ ساغ ذلك ‌فى‌ الفتوى، ‌و‌ ‌هو‌ الذى قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: دع ‌ما‌ يريبك الى ‌ما‌ ‌لا‌ يريبك. ‌و‌ هذه
 
الدرجه للصالحين.
 الثالثه: وقوف المتقين ‌و‌ ورعهم.
 قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌لا‌ يبلغ الرجل درجه المتقين حتى يترك ‌ما‌ ‌لا‌ باس ‌به‌ مخافه ‌ما‌ ‌به‌ باس.
 فربما توقف المتقى عن الاطعمه الشهيه ‌و‌ الملابس البهيه خيفه ‌ان‌ تجمح ‌به‌ النفس الاماره بالسوء الى مواقعه محظور، ‌و‌ ربما ‌لا‌ يمد العين الى ‌ما‌ متع ‌به‌ الناس لئلا تتحرك دواعى الرغبه فيه، على ‌ما‌ قال الله تعالى: «و ‌لا‌ تمدن عينيك الى ‌ما‌ متعنا ‌به‌ ازواجا منهم زهره الحيوه الدنيا».
 الرابعه: الوقوف عما ‌لا‌ يراد بتناوله القوه على الطاعه، ‌او‌ يلم بصاحبه بعض خواطر المعصيه، ‌و‌ هذه درجه الصديقين.
 كما يحكى عن بعضهم انه شرب دواء ‌و‌ اشير عليه بالمشى، فقال: انى لم امش قط ‌فى‌ غير طاعه، ‌و‌ ‌لا‌ اعرف لمشيتى هذه وجها فيها.
 ‌و‌ كان بعضهم يتجنب شرب ماء الانهار الكبار التى تحتفرها السلاطين.
 ‌و‌ اطفا بعضهم سراجا اشعله غلامه ‌من‌ دار ظالم.
 ‌و‌ امثال هذه الافعال انما توجد ‌فى‌ عش انفس وفت بقول الله تعالى: «قل الله ثم ذرهم»، فرات كل ‌ما‌ لم يكن لله حراما عليها، فتوقفت عنه، ‌و‌ قصرت اعينها عن النظر اليه، فكانت اوقف خلق الله عما حذر ‌من‌ منهياته، ‌و‌ ابعدهم عن
 
الجموح الى مواقعه محظوراته.
 
اشهدك اى: اسالك ‌ان‌ تشهد، ‌و‌ الشهيد ‌و‌ الشاهد.
 قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: ‌فى‌ اسمائه تعالى الشهيد ‌هو‌ الذى ‌لا‌ يغيب عنه شى ء، ‌و‌ الشاهد: الحاضر، ‌و‌ فعيل ‌من‌ ابنيه المبالغه، فاذا اعتبر العلم مطلقا فهو العليم، ‌و‌ اذا اضيف الى الامور الباطنه فهو الخبير، ‌و‌ اذا اضيف الى الامور الظاهره فهو الشهيد، ‌و‌ قد يعتبر مع هذا ‌ان‌ يشهد على الخلق يوم القيامه بما علم. انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ «كفى بك» قولان:
 احدهما: ‌ان‌ ضمير المخاطب ‌هو‌ فاعل كفى، ‌و‌ الباء زائده غلبت زيادتها ‌فى‌ فاعل هذا الفعل لتضمنه معنى اكتف، ‌و‌ الاصل كفيت شهيدا، فلما زيدت الباء قيل: كفى بك، ‌و‌ مثله قوله تعالى: «و كفى بالله شهيدا» ‌و‌ «كفى بالله حسيبا»، ‌و‌ ‌هو‌ قول الزجاج.
 قال ابن هشام: ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الحسن بمكان. ‌و‌ يصححه قولهم اتقى الله امرء فعل خيرا يثب عليه اى: ليتق، بدليل جزم يثب، ‌و‌ يوجبه قولهم: كفى بهند بترك التاء.
 ‌و‌ تعقب بعضهم ‌ما‌ استحسنه فقال: انه غير صحيح، لانه يلزم عليه ‌ان‌ يكون فاعل كفى ضمير المخاطب، ‌و‌ الفعل الماضى ‌لا‌ يرفع ضمير المخاطب المستتر.
 الثانى: ‌ان‌ الفاعل ضمير الاكتفاء، ‌و‌ التقدير: كفى الاكتفاء بك، ‌او‌ بالله.
 
و ‌هو‌ قول ابن السراج قال ابن هشام: ‌و‌ صحه قوله موقوفه على جواز تعلق الجار بضمير المصدر، ‌و‌ ‌هو‌ قول الفارسى ‌و‌ الرمانى، اجازا: مرورى بزيد حسن ‌و‌ ‌هو‌ بعمرو قبيح.
 ‌و‌ منع جمهور البصريين اعماله مطلقا.
 ‌و‌ قال ابن الصائغ: ‌لا‌ نسلم توقف الصحه على ذلك، لجواز ‌ان‌ تكون الباء للحال، اى: كفى الاكتفاء ‌فى‌ حال كونه ملتبسا بك ‌او‌ بالله، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ محله.
 قال الدمامينى ‌فى‌ شرح التسهيل: ‌و‌ لم ار ‌من‌ افصح عن معنى كفى التى تغلب زياده الباء ‌فى‌ فاعلها، ‌و‌ ‌فى‌ كلام بعضهم ‌ما‌ يشير الى انها قاصره ‌لا‌ متعديه، ‌و‌ ‌فى‌ كلام بعضهم خلاف ذلك. انتهى.
 قلت: قال المرادى ‌فى‌ الجنى الدانى: هى بمعنى حسب، ‌و‌ فيه مسامحه ظاهره.
 ثم مقتضى كلام ابن هشام ‌فى‌ المغنى: اشتراط كونها لازمه ‌فى‌ زياده الباء،
 
حيث قال: ‌و‌ ‌لا‌ تزاد ‌فى‌ فاعل كفى التى بمعنى اجزا ‌و‌ اغنى، ‌و‌ ‌لا‌ التى بمعنى ‌و‌ فى، ‌و‌ الاولى متعديه لواحد، كقوله (قليل منك يكفينى)، ‌و‌ الثانيه متعديه لاثنين، كقوله تعالى: «و كفى الله المومنين القتال». انتهى.
 ‌و‌ صرح كل ‌من‌ مكى ‌و‌ ابى البقاء ‌فى‌ اعرابه بانها متعديه.
 قال مكى: ‌فى‌ قوله تعالى: «و كفى بالله حسيبا» اى: كفاك الله حسيبا، فالكاف المفعول محذوف، ‌و‌ الباء زائده، ‌و‌ الجار ‌و‌ المجرور ‌فى‌ موضع رفع فاعل كفى، ‌و‌ التقدير: كفاك الله حسيبا.
 ‌و‌ جعلها ابوالبقاء متعديه الى مفعولين، فانه قال: ‌و‌ كفى تتعدى الى مفعولين ‌و‌ قد حذفنا هما، ‌و‌ التقدير: ‌و‌ كفاك الله شرهم حال كونه حسيبا، ‌و‌ يجوز ذلك، ‌و‌ الدليل عليه فسيكفيكهم الله. انتهى.
 ‌و‌ على هذا فالتقدير ‌فى‌ «و كفى بك شهيدا» ‌و‌ «كفيتنى شهيدا» ‌او‌ «و كفيتنى شهاده غيرك»: حال كونك شهيدا.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون شهيدا تمييزا رافعا لاجمال النسبه.
 ‌و‌ قال ابوحيان: كفى ‌فى‌ هذا التركيب ‌فى‌ معنى فعل غير متصرف ‌و‌ ‌هو‌ فعل التعجب، فمعنى قولك: كفى بزيد ناصرا، ‌ما‌ اكفى زيدا ناصرا، ‌و‌ لذلك ‌لا‌ يجوز تقديم التمييز عليه اجماعا ‌لا‌ يقال ناصرا كفى بزيد ‌و‌ ‌لا‌ شهيدا كفى بالله. انتهى.
 
اشهاد السماء ‌و‌ الارض، اما على طريق التقدير، اى: اشهد هما ‌ان‌ كانا ممن له اهليه الاشهاد، بناء على القول بان كلا منهما جماد، ‌او‌ على سبيل التمثيل لعموم الاشهاد، بناء على ذلك ايضا.
 ‌او‌ على وجه التحقيق، اما لان الله تعالى سينطقهما فيشهدان، ‌او‌ لان لكل منهما شعورا ‌و‌ نطقا.
 اما السماء فقد تقدم ‌ان‌ الحكماء يدعون انها حيوان ناطق يتحرك بالاراده دائما طاعه لله تعالى، ‌و‌ له جسم ‌و‌ نفس ‌و‌ لنفسه عقل.
 ‌و‌ اما الارض فقال بعض اهل العرفان: للعرفاء فيها آيات خفيه يعرفونها ‌من‌ كونها ذات شعور ‌و‌ نطق ‌و‌ ذكر ‌و‌ تسبيح، ‌و‌ لها جوهر شريف عقلى نورانى، كما اشير اليه بقوله تعالى: «و اشرقت الارض بنور ربها».
 ‌و‌ ‌فى‌ بعض الاخبار: ‌ان‌ رجلا اخذ ‌فى‌ كفه حصيات، ‌و‌ قال: اشهدك ايتها الحصيات انى اشهد ‌ان‌ ‌لا‌ اله الا الله ‌و‌ ‌ان‌ محمدا رسول الله، ‌و‌ اذا كان يوم القيامه امر ‌به‌ الى النار، فتاتى تلك الحصيات فتشهد له بما اشهدها، فيومر ‌به‌ الى الجنه بشهادتها.
 قوله عليه السلام: «و سائر خلقك» اى: باقى مخلوقاتك. يروى بالجر عطفا على «ملائكتك»، ‌و‌ بالنصب عطفا على «من اسكنتهما».
 الظرف متعلق باشهدك ‌و‌ اشهد سماءك على سبيل التنازع.
 
و اسماء الاشاره صفات بتاويل الحاضر ‌و‌ الحاضره.
 ‌و‌ المستقر: مكان الاستقرار.
 ‌و‌ الاشاره الى الليله باعتبار حضورها ‌فى‌ الذهن، ‌ان‌ كان الدعاء مخصوصا بالصباح ‌او‌ قرى فيه، ‌و‌ ‌ان‌ قرى بالمساء فالاشاره الى اليوم باعتبار حضوره ‌فى‌ الذهن.
 ‌و‌ فائده هذا القيد التنصيص على انشاء الاشهاد للمبالغه، مع ‌ما‌ فيه ‌من‌ بسط الكلام حيث الاصغاء مطلوب.
 اى: على انى اشهد بانك، ‌و‌ حذف الجار يكثر ‌و‌ يطرد مع ‌ان‌ ‌و‌ ان.
 ‌و‌ اختار الجمله الفعليه لافاده التجدد، ‌و‌ المضارع لافاده الاستمرار، ‌و‌ اختار صيغه المتكلم اظهارا للتوحيد ‌و‌ اهتماما بشانه.
 ‌و‌ الشهاده: هى الاخبار بصحه الشى ء الناشى عن العلم، ‌و‌ هى اخص ‌من‌ العلم ‌و‌ الاقرار، اذ العلم قد يخلو عن الاقرار ‌و‌ الاقرار عن العلم، ‌و‌ الشهاده جامعه لهما.
 ‌و‌ انت: ضمير فصل يفصل بين الخبر ‌و‌ التابع بالاعلام ‌من‌ اول الامر بان ‌ما‌ بعده خبر ‌لا‌ تابع، ‌و‌ لهذا سمى فصلا، ‌و‌ يوكد النسبه ‌و‌ يفيد اختصاص المسند بالمسند اليه، ‌و‌ ‌هو‌ حرف على الاصح ‌لا‌ محل له ‌من‌ الاعراب.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ اسم ‌لا‌ محل له.
 ‌و‌ قيل: محله بحسب ‌ما‌ قبله، ‌و‌ قيل: بحسب ‌ما‌ بعده.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون توكيدا، ‌و‌ ‌ان‌ يكون مبتدا خبره اسم الجلاله، ‌و‌ الجمله خبر ان.
 
و قوله: «الا انت» حمل على المعنى ايثارا للخطاب على الغيبه، ‌و‌ لو حمل على اللفظ لقال: الا هو، ‌و‌ هذا ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌هو‌ الغالب ‌فى‌ الاستعمال، الا انه لما كان ‌ما‌ قبله خطابا، ‌و‌ الداعى ‌فى‌ مقام الحضور ‌و‌ الشهود، طوى عن الغيبه كشحا، ‌و‌ اجرى الكلام على سنن واحد استلذاذا بالخطاب.
 قال النحويون: اذا كان الموصول ‌او‌ موصوفه خبرا عن متكلم ‌او‌ مخاطب جاز ‌ان‌ يكون العائد اليه غائبا، ‌و‌ ‌هو‌ الاكثر، لان المظهرات كلها غيب، نحو: انا الذى قال كذا، ‌و‌ انت الرجل الذى فعل كذا، ‌و‌ جاز ‌ان‌ يكون متكلما ‌او‌ مخاطبا، نحو: انا الذى قلت كذا، ‌و‌ انت الرجل الذى فعلت كذا.
 ‌و‌ عليه قول اميرالمومنين عليه السلام:
 انا الذى سمتنى امى حيدره
 
 تنبيه
 
 ينبغى ‌ان‌ يراد بالاله المنفى ‌فى‌ كلمه التوحيد المعبود بالحق، اى: ‌لا‌ معبود بالحق الا الله ‌او‌ الا انت، اذ لو اريد ‌به‌ مطلق المعبود لزم الكذب، لكثره المعبودات الباطله.
 فان قلت: ‌ما‌ اعراب الا انت ‌او‌ الا الله؟
 قلت: زعم الاكثرون ‌ان‌ المرتفع بعد «الا» ‌فى‌ ذلك بدل ‌من‌ محل اسم لا،
 
كما ‌فى‌ قولك: ‌ما‌ جاءنى ‌من‌ احد الا زيد، ‌و‌ استشكل بان البدل ‌لا‌ يصلح هنا لحلول محل الاول.
 ‌و‌ قال ابن هشام: ‌و‌ قد يجاب بانه بدل ‌من‌ الاسم مع لا، فانهما كالشى ء الواحد، ‌و‌ يصح ‌ان‌ يخلفهما، ولكن يذكر الخبر حينئذ فيقال: الله موجود.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ بدل ‌من‌ ضمير الخبر المحذوف.
 ‌ها‌ هنا سوال مشهور، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ قدر الخبر المحذوف «موجود» لم يلزم نفى امكان اله معبود بالحق غير الله تعالى، غايته نفى وجود اله كذلك، ‌و‌ ‌ان‌ قدر ممكن لم يلزم الا اثبات امكان الوجود له تعالى ‌لا‌ اثبات وجوده، تعالى الله عن ذلك.
 قال بعض المحققين: ‌و‌ تحقيق الجواب على التقديرين ‌ان‌ المعبود بالحق ‌لا‌ يكون الا واجب الوجود، ‌و‌ محال ‌ان‌ يبقى واجب الوجود ‌فى‌ عالم الامكان.
 فان قلنا: ‌لا‌ اله موجود الا الله لزم نفى امكان اله غيره.
 ‌و‌ ‌ان‌ قلنا: ‌لا‌ اله ممكن الا الله لزم وجود الله تعالى، لاستحاله بقاء واجب الوجود ‌فى‌ رتبه الامكان، ‌و‌ ‌هو‌ دقيق لطيف جدا. انتهى.
 ‌و‌ قال بعض العلماء: الحق ‌ان‌ كل تقدير يقدر هاهنا فهو مخرج لهذه الكلمه مما يفيده اطلاقها، ‌و‌ يفيدها تخصيصا لم يكن، ‌و‌ ‌هو‌ مما يجده الانسان ‌من‌ نفسه عند الاعتبار، فالاولى ‌ان‌ يكون خبر «لا» ‌هو‌ قولنا: الا الله، ‌و‌ حينئذ ‌لا‌ حاجه الى امر زائد. انتهى.
 ‌و‌ كانه اراد انه خبر ل«لا» مع اسمها، فانهما ‌فى‌ موضع رفع عند سيبويه
 
و الا لزم عمل «لا» ‌فى‌ غير نكره منفيه، ‌و‌ ‌هو‌ غير صحيح.
 ‌و‌ نعم ‌ما‌ قال بعضهم: ‌ان‌ كلمه الشهاده تامه ‌فى‌ اداء معنى التوحيد، الذى ‌هو‌ نفى امكان الوجود عما سوى الله تعالى ‌من‌ الالهه، ‌و‌ اثبات الوجود له تعالى، لانها صارت عليه علما شرعا ‌من‌ غير نظر الى المعنى اللغوى.
 
 هدايه  
 
 اعلم ‌ان‌ كلمه الشهاده اشرف كلمه تنطبق على معنى التوحيد، لما تضمنه تركيبها ‌من‌ حسن الوضع المودى للمقصود التام منها.
 ‌و‌ بيان ذلك: انه قد ثبت ‌فى‌ علم السلوك الى الله تعالى ‌ان‌ التوحيد المحقق ‌و‌ الاخلاص المطلق ‌لا‌ يتقرر الا بنفض كل ‌ما‌ عداه عنه، ‌و‌ تنزيهه عن كل ‌لا‌ ‌حق‌ له، ‌و‌ طرحه عن درجه الاعتبار، ‌و‌ ‌هو‌ المسمى ‌فى‌ عرف اهل العرفان بمقام التخليه ‌و‌ النفض ‌و‌ التفريق، ‌و‌ ‌ما‌ ‌لا‌ يتحقق الشى ء الا ‌به‌ كان اعتباره مقدما على اعتباره، ‌و‌ قولنا: ‌لا‌ اله الا الله مشتمل على هذا الترتيب، اذ كان الجزء الاول منها مشتملا على سلب كل ماعدا الحق سبحانه، مستلزما لغسل درن كل شبهه لخاطر سواه، ‌و‌ ‌هو‌ مقام التنزيه ‌و‌ التخليه، حتى اذا انزاح كل ثان عن محل عرفانه استعد بجوده للتحليه بنور وجوده، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ اشتمل عليه الجزء الثانى ‌من‌ هذه الكلمه، فكانت اجل كلمه نطق بها ‌فى‌ التوحيد.
 
القسط بالكسر: اسم ‌من‌ اقسط بالالف بمعنى عدل.
 ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون قائم بالقسط ‌و‌ ‌ما‌ بعده اخبارا مترادفه بعد خبر ان. ‌و‌ اخلاها عن العاطف ‌لا‌ يرادها على طريق التعديد، ‌و‌ ‌ان‌ يكون اخبارا لمبتدا محذوف، اى: انت قائم بالقسط الى آخره.
 ‌و‌ لك جعلها ابدالا ‌من‌ اسم الجلاله، ك«احد» ‌من‌ «قل ‌هو‌ الله احد».
 ‌و‌ معنى قائم بالقسط: قائم بالعدل، كما يقال: فلان قائم بالتدبير، اى: يجريه على سنن الاستقامه، ‌او‌ مقيما للعدل فيما يقسم ‌من‌ الارزاق ‌و‌ الاجال، ‌و‌ يثيب ‌و‌ يعاقب، ‌و‌ فيما يامر ‌به‌ عباده ‌من‌ انصاف بعضهم لبعض، ‌و‌ العمل على السويه فيما بينهم.
 اذا عرفت ذلك فقوله «عدل ‌فى‌ الحكم» كالمفسر له، اذ العدل ‌هو‌ الذى ‌لا‌ يجور ‌فى‌ الحكم، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ الاصل مصدر سمى ‌به‌ فوضع موضع العادل، ‌و‌ ‌هو‌ ابلغ منه، لانه جعل المسمى نفسه عدلا، ‌و‌ قد يخص قيامه بالقسط بعدله ‌فى‌ افعاله تعالى، ‌و‌ عدله ‌فى‌ الحكم بعدله ‌فى‌ اوامره ‌و‌ نواهيه.
 قال بعض العلماء: اعلم ‌ان‌ واجب الوجود يلزمه الغنى المطلق، ‌و‌ العلم التام، ‌و‌ الفيض العام، ‌و‌ الحكمه الكامله، ‌و‌ الرحمه الشامله، ‌و‌ عدم الانقسام بجهه ‌من‌ الجهات، ‌و‌ عدم الافتقار بوجه ‌من‌ الوجوه الى شى ء ‌من‌ الاشياء، ‌و‌ عدم النقص ‌فى‌ شى ء ‌من‌ الافعال ‌و‌ الاحكام، الى غير ذلك ‌من‌ الاسماء الحسنى ‌و‌ الصفات العليا، ‌و‌ مركوز ‌فى‌ العقل السليم ‌ان‌ ‌من‌ هذا شانه ‌لا‌ يصدر منه شى ء الا على وفق العداله، ‌و‌ قضيه السويه، ‌و‌ رعايه الاصلح عموما ‌او‌ خصوصا، فكل ‌ما‌ يخيل الى المكلف انه خارج عن قانون العداله ‌او‌ يشبه الجور ‌او‌ القبيح وجب ‌ان‌ ينسب ذلك الى قصور
 
فهمه، ‌و‌ عدم احاطته التامه بسلسله الاسباب ‌و‌ المسببات ‌و‌ المبادى ‌و‌ الغايات، فانظر ‌فى‌ كيفيه خلقه اعضاء الانسان حتى تعرف عدل الله ‌و‌ حكمته فيها، ثم انظر الى اختلاف احوال الخلق ‌فى‌ الحسن ‌و‌ القبح ‌و‌ الغنا ‌و‌ الفقر ‌و‌ الصحه ‌و‌ السقم ‌و‌ طول العمر ‌و‌ قصره ‌و‌ اللذه ‌و‌ الالم، ‌و‌ اقطع بان كل ذلك عدل ‌و‌ صواب، ثم انظر الى كيفيه خلقه العناصر ‌و‌ اجرام الافلاك ‌و‌ الكواكب، ‌و‌ تقدير كل منها بقدر معين ‌و‌ خاصيه معينه، فكلها حكمه ‌و‌ عدل، ‌و‌ انظر الى تفاوت الخلائق ‌فى‌ العلم ‌و‌ الجهل ‌و‌ الفطانه ‌و‌ البلاده، ‌و‌ اقطع بان كل ذلك عدل ‌و‌ قسط، فان الانسان بل كل ‌ما‌ سوى الله تعالى لم يخلق مستعدا لادراك تفاصيل كلمات الله، فالخوض ‌فى‌ ذلك خوض فيما ‌لا‌ يعنيه بل ‌لا‌ يسعه، ‌و‌ ‌لا‌ ينفعه الا العلم الاجمالى بانه تعالى واحد ‌فى‌ ملكه، ‌و‌ ملكه ‌لا‌ منازع له ‌و‌ ‌لا‌ مضاد ‌و‌ ‌لا‌ مانع لقضائه ‌و‌ ‌لا‌ راد، ‌و‌ ‌فى‌ كل واحد ‌من‌ مصنوعاته، ‌و‌ لكل شى ء ‌من‌ افعاله حكم ‌و‌ مصالح، ‌لا‌ يحيط بذلك علما الا موجده ‌و‌ خالقه، يفعل ‌ما‌ يشاء ‌و‌ يحكم ‌ما‌ يريد قسطا ‌و‌ عدلا، هذا ‌هو‌ الدين القويم ‌و‌ الاعتقاد المستقيم، ‌و‌ العدول عنه مراء، ‌و‌ الجدال فيه هراء، فمن نسبه سبحانه الى الجور ‌فى‌ فعل ‌من‌ الافعال فهو الجائر لاعلى غيره بل على نفسه، اذ ‌لا‌ يعترف بجهله ‌و‌ قصوره، ولكن ينسب ذلك الى علام الغيوب، العالم بالخفيات، ‌و‌ المطلع على الكليات ‌و‌ الجزئيات، ‌من‌ ازل الازال الى ابد الاباد.
 ‌و‌ الى ذلك يشير قول اميرالمومنين صلوات الله عليه: التوحيد ‌ان‌ ‌لا‌ تتوهمه، ‌و‌ العدل ‌ان‌ ‌لا‌ تتهمه.
 
تنبيه
 
 ‌فى‌ قوله عليه السلام: «انى اشهد انك انت الله الذى ‌لا‌ اله الا انت قائم بالقسط» تلميح الى قوله تعالى: «شهد الله انه ‌لا‌ اله الا ‌هو‌ ‌و‌ الملائكه ‌و‌ اولوا العلم قائما بالقسط»، فكانه عليه السلام قال: انى اشهد بما شهدت ‌به‌ على نفسك ‌و‌ ‌ما‌ شهد ‌به‌ ملائكتك ‌و‌ اولوا العلم ‌من‌ عبادك.
 روى الشيخ الجليل ابوعلى الطبرسى ‌فى‌ تفسيره الكبير عن غالب القطان، قال: اتيت الكوفه ‌فى‌ تجاره فنزلت قريبا ‌من‌ الاعمش، فكنت اختلف اليه، فلما كنت ذات ليله اردت ‌ان‌ انحدر الى البصره قام ‌من‌ الليل يتهجد، فمر بهذه الايه «شهد الله انه ‌لا‌ اله الا هو» الايه، ثم قال الاعمش: ‌و‌ انا اشهد بما شهد الله به، ‌و‌ استودع الله هذه الشهاده، ‌و‌ هى لى عند الله وديعه، قالها مرارا. قلت: لقد سمع فيها شيئا، فصليت معه ‌و‌ ودعته، ثم قلت: آيه سمعتك ترددها، قال: ‌لا‌ احدثك بها الى سنه، فكنت على بابه ذلك اليوم ‌و‌ اقمت سنه، فلما مضت السنه قلت: ‌يا‌ ابامحمد قد مضت السنه، فقال: حدثنى ابن وائل عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: يجاء بصاحبها يوم القيامه، فيقول الله: ‌ان‌ لعبدى هذا عهدا عندى ‌و‌ انا احق ‌من‌ ‌و‌ ‌فى‌ بالعهد، ادخلوا عبدى هذا الجنه.
 قوله عليه السلام: «رووف بالعباد» الرافه اقوى ‌فى‌ الكيفيه ‌من‌ الرحمه، لانها
 
عباره عن ايصال النعم الصافيه عن الالام، ‌و‌ الرحمه ايصال النعمه مطلقا، ‌و‌ قد تكون مع الالم كالضرب للتاديب، قال الله تعالى: «و الله رووف بالعباد».
 قال بعضهم: ‌من‌ كمال رافته تعالى ‌و‌ رحمته بالعباد ‌ان‌ بعث اليهم مائه ‌و‌ اربعه ‌و‌ عشرين الف نبى، ليدلوهم على الطريق الموصل الى السعاده الابديه، ‌و‌ يصرفوهم عن السبيل المودى الى الشقاوه السرمديه، ‌و‌ قد تمدح سبحانه بهذا الارسال بقوله: «هو الذى بعث ‌فى‌ الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ‌و‌ يزكيهم ‌و‌ يعلمهم الكتاب ‌و‌ الحكمه ‌و‌ ‌ان‌ كانوا ‌من‌ قبل لفى ضلال مبين».
 قوله عليه السلام: «مالك الملك» اى: مالك جنس الملك فيتصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكون.
 قيل: المراد ‌به‌ كل ملك ‌و‌ ملك، فكل مالك دونه هالك، ‌و‌ كل ملك دونه يهلك.
 ‌و‌ قيل: ‌اى‌ مالك العباد ‌و‌ ‌ما‌ ملكوا.
 ‌و‌ قيل: مالك امر الدنيا ‌و‌ الاخره.
 قال بعض ارباب القلوب: ‌ان‌ العبد اذا تحقق ‌ان‌ الملك لله، ‌و‌ ‌هو‌ مالك كل شى ء، تنكب عن وصف الدعوى، ‌و‌ تبرا ‌من‌ الحول ‌و‌ القوى، فسلم الامر لمالكه، ‌و‌ لم يفزع الى احتياله عند طلب الخلاص ‌من‌ مهالكه، فلا يقول: بى، ‌و‌ ‌لا‌ يقول: لى، ‌و‌ ‌لا‌ يقول: منى.
 ‌و‌ لهذا قال بعضهم: التوحيد اسقاط الياءات.
 قوله عليه السلام: «رحيم بالخلق». الرحيم: صفه مشبهه ‌من‌ رحم بالكسر بعد
 
نقله الى رحم بالضم، لان الصفه المشبهه ‌لا‌ تشتق ‌من‌ المتعدى الا بعد جعله لازما. بمنزله الغرائز، فتنقل الى فعل بضم العين فتشتق منه الصفه المشبهه، ‌و‌ هذا مطرد ‌فى‌ باب المدح ‌و‌ الذم، نص عليه السكاكى ‌فى‌ تصريف المفتاح، ‌و‌ جار الله ‌فى‌ الفائق.
 ‌و‌ قيل: الرحيم ليس بصفه مشبهه، بل هى صيغه مبالغه، نص عليه سيبويه ‌فى‌ قولهم: ‌هو‌ رحيم فلانا.
 ‌و‌ عداه بالباء لتضمينه معنى الرافه.
 ‌و‌ رحمته تعالى بالخلق ‌ان‌ كل نعمه ‌او‌ نقمه، دنيويه ‌او‌ اخرويه، فانما تصل الى العبد ‌او‌ تندفع عنه برحمته سبحانه ‌و‌ فضله، ‌من‌ غير شائبه غرض ‌و‌ ‌لا‌ ضميمه عله، لانه الجواد المطلق ‌و‌ الغنى الذى ‌لا‌ يفتقر، فينبغى ‌ان‌ ‌لا‌ يرجى الا رحمته ‌و‌ ‌لا‌ يخشى الا نقمته.
 
جمع بينهما ليدفع الافراط ‌و‌ التفريط الذى وقع ‌فى‌ شان عيسى عليه السلام، ‌و‌ قدم العبد ترقيا ‌من‌ الادنى الى الاعلى.
 ‌و‌ ‌فى‌ كلام ارباب العرفان انه ‌لا‌ مقام اشرف ‌من‌ العبوديه، اذبها ينصرف ‌من‌ الخلق الى الحق، ‌و‌ ينعزل عن التصرفات، ‌و‌ بالرساله ‌من‌ الحق الى الخلق، ‌و‌ يقبل على التصرفات ‌و‌ لذا قال: «سبحان الذى اسرى بعبده» ‌و‌ لم يقل: برسوله، فلا يكون ترقيا، ‌و‌ العبد الحقيقى ‌من‌ يكون حرا عن الكونين، ‌و‌ ‌هو‌ نبينا صلى الله عليه ‌و‌ آله، اذ
 
 
يقول: امتى امتى ‌و‌ كل نبى يقول: نفسى نفسى، ‌و‌ لانه ‌هو‌ الذى صحح نسبه العبوديه كما ينبغى، فاطلق عليه اسم العبد ‌فى‌ القرآن، ‌و‌ قيد لسائر الانبياء.
 ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ قولهم طريق معبد، اى: مذلل بكثره الوطء، فسمى ‌به‌ لذلته ‌و‌ انقياده.
 ‌و‌ انما قرنت هذه الكلمه بكلمه التوحيد لان كلمه التوحيد يعتبر فيها الاخلاص، ‌و‌ ‌لا‌ يحصل الاخلاص الا بسلوك مراتبه ‌و‌ درجاته، ‌و‌ لن يحصل ذلك الا بمعرفه كيفيه السلوك، ‌و‌ ‌لا‌ تحصل تلك المعرفه الا بالبيان النبوى القائم بتعريف كيفيه السلوك ‌فى‌ درجات الاخلاص، فكانت الشهاده ‌و‌ الاقرار بصدق المبين اجل كلمه بعد كلمه الاخلاص، لانها بمنزله الباب لها، فلاجل ذلك قرنت بها ‌و‌ صارتا كلمتين متقارنتين ‌لا‌ يصح انفكاك احدهما عن الاخرى.
 الخيره بكسر الخاء المعجمه ‌و‌ سكون الياء المثناه ‌من‌ تحت: اسم ‌من‌ الاختيار، مثل الفديه ‌من‌ الافتداء، ‌و‌ بكسر الخاء ‌و‌ فتح الياء بمعنى: الخيار ‌و‌ ‌هو‌ الاختيار.
 ‌و‌ يقال: هى اسم ‌من‌ تخيرت الشى ء، مثل الطيره اسم ‌من‌ تطير.
 ‌و‌ يقال: هما بمعنى واحد، ‌و‌ الخيره بالكسر ‌و‌ السكون: ‌ما‌ يختار ايضا.
 قال ‌فى‌ البارع: خرت الرجل على صاحبه- ‌من‌ باب باع- اخير خيرا وزان عنب ‌و‌ خيرا ‌و‌ خيره: اذا فضلته عليه، ‌و‌ هذه خيرتى بالسكون ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يختار انتهى.
 ‌و‌ محمد رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله خيره الله ‌من‌ خلقه، يروى بالكسر ‌و‌ بفتح الياء ‌و‌ سكونها، اما ‌من‌ باب اطلاق المصدر على المفعول مبالغه، كالرضا بمعنى المرضى، ‌او‌ بمعنى مختاره، ‌و‌ اختيار الله سبحانه له عليه السلام يعود الى اكرامه باعداد
 
نفسه الشريفه لقبول انوار النبوه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث عنه صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌ان‌ الله اختار خلقه فاختار منهم بنى آدم، ثم اختار بنى آدم فاختار منهم العرب، ثم اختار العرب فاختار منهم قريشا، ثم اختار قريشا فاختار منهم بنى هاشم، ثم اختار بنى هاشم فاختارنى منهم، فلم ازل خيارا ‌من‌ خيار.
 ‌و‌ عن المطلب ‌بن‌ ابى وداعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: انا محمد ابن عبدالله ‌بن‌ عبدالمطلب، ‌ان‌ الله خلق الخلق فجعلنى ‌فى‌ خيرهم، ثم جعلهم فرقتين فجعلنى ‌فى‌ خيرهم، ثم جعلهم قبائل فجعلنى ‌فى‌ خيرهم، ثم جعلهم بيوتا فجعلنى ‌فى‌ خيرهم، فانا خيركم بيتا ‌و‌ خيركم نفسا.
 جمله استئنافيه. ‌و‌ الرساله: لغه بالكسر: اسم ‌من‌ الارسال بمعنى التوجيه، ‌و‌ عرفا: امر الله تعالى بعض عباده، بواسطه ملك يظهر له عيانا ‌و‌ يخاطبه شفاها، بدعوه الخلق اليه ‌و‌ تبليغهم احكامه، ‌و‌ هى ارفع درجه ‌من‌ النبوه، كما يظهر ‌من‌ الاحاديث الوارده عن اهل البيت عليهم السلام ‌فى‌ الفرق بين الرسول ‌و‌ النبى.
 ‌و‌ عبر عن تكليفه بها بالتحميل لتحقيق معنى الصعوبه المعتبره فيها، بجعلها ‌من‌ قبيل الاجسام الثقيله التى تستعمل فيها القوى الجسمانيه التى اشدها ‌و‌ اعظمها ‌ما‌ فيهن ‌من‌ القوه ‌و‌ الشده.
 ‌و‌ التاديه: الايصال، اى: فاوصلها الى المرسل اليهم، بمعنى تاديه مقتضاها ‌من‌
 
الشرائع ‌و‌ الاحكام.
 ‌و‌ قد يراد بالرساله نفس المرسل به، كما ‌فى‌ قوله تعالى: «يا ايها الرسول بلغ ‌ما‌ انزل اليك ‌من‌ ربك ‌و‌ ‌ان‌ لم تفعل فما بلغت رسالته».
 ‌و‌ على هذا فالمراد بتاديتها: تبليغها بنفسها.
 نصحت لزيد انصح- ‌من‌ باب منع- نصحا بالضم ‌و‌ نصيحه: هذه اللغه الفصيحه، ‌و‌ عليها قوله تعالى: «ان اردت ‌ان‌ انصح لكم» ‌و‌ ‌فى‌ لغه يتعدى بنفسه، فيقال: نصحته.
 ‌و‌ النصيحه: كلمه جامعه، ‌و‌ معناها الدعاء الى ‌ما‌ فيه الصلاح ‌و‌ النهى عما فيه الفساد.
 ‌و‌ المراد ب«امته» هنا: امه الدعوه، ‌و‌ ‌هم‌ ‌من‌ بعث اليهم ‌من‌ مسلم ‌و‌ كافر، ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ انه صلى الله عليه ‌و‌ آله امر بالنصح لهم عامه فنصح بل بالغ ‌فى‌ النصيحه لهم، اذ امرهم بالمعروف، ونهاهم عن المنكر، ‌و‌ دفع عنهم الضر، ‌و‌ احسن لهم الخلق، ‌و‌ دعا لهم بالمغفره على جهلهم، ‌و‌ بذل لهم المعروف، فقبل نصيحته ‌من‌ قبل، ‌و‌ ‌صد‌ عنها ‌من‌ خذل.
 
الفاء: فصيحه كما مر مرارا، اى: اذا كان الامر كذلك فصل عليه، لانه جهه استحقاق، ‌و‌ لما كان الجزاء ‌من‌ الحكيم العدل ينبغى ‌ان‌ يكون مناسبا للفعل المجزى عنه طلب ‌ما‌ يناسبه ‌من‌ الجزاء.
 
و اكثر: نائب عن المصدر ‌فى‌ الانتصاب على المفعول المطلق.
 ‌و‌ ما: مصدريه، ‌و‌ الاصل: فصل عليه صلاه مثل اكثر صلاتك على احد ‌من‌ خلقك، فحذف الموصوف ‌و‌ ‌هو‌ صلاه، ثم المضاف ‌و‌ ‌هو‌ مثل، ‌و‌ صح وقوعه نعتا للنكره ‌و‌ ‌ان‌ اضيف لمعرفه، لانه لم يكتسب التعريف لتوغله ‌فى‌ الابهام.
 آتيته مالا بالمد: ‌اى‌ اعطيته، ‌و‌ منه «و الذين يوتون ‌ما‌ اتوا ‌و‌ قلوبهم ‌و‌ جله»، اى: يعطون ‌ما‌ اعطوا.
 ‌و‌ افضل: منصوب على المفعول به، ‌و‌ الاصل ‌و‌ آته مثل افضل ‌ما‌ آتيت، فحذف المضاف ‌و‌ اقام المضاف اليه مقامه.
 ‌و‌ ما: موصوله ‌او‌ موصوفه، ‌و‌ مفعول آتيت محذوف، اى: افضل الذى آتيته، ‌او‌ افضل شى ء آتيته.
 ‌و‌ احدا: اصله وحدا، فابدلت الواو همزه، ‌و‌ يقع على الذكر ‌و‌ الانثى، ‌و‌ ‌فى‌ التنزيل «يا نساء النبى لستن كاحد ‌من‌ النساء».
 جزاه الله خيرا: ‌اى‌ اعطاه جزاء ‌ما‌ اسلف ‌من‌ طاعته، ‌و‌ جزيته على فعله: اذا فعلت معه ‌ما‌ يقابل فعله.
 ‌و‌ عن: ‌فى‌ الموضعين للبدليه، اى: بدلنا ‌و‌ بدل امته، مثلها ‌فى‌ قوله تعالى:
 
«لا تجزى نفس عن نفس» اى: بدل نفس.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: صومى عن امك، اى: بدلها.
 ‌و‌ لما كان احسان الرسول صلى الله عليه ‌و‌ آله على امته عظيما، ‌و‌ كان جزاء الاحسان احسانا بنص «هل جزاء الاحسان الا الاحسان»، ‌و‌ كانت الامه عاجزه عن جزاء احسانه العظيم، ‌لا‌ جرم انها فزعت بالتوسل الى ‌من‌ ‌هو‌ على كل شى ء قدير ‌فى‌ طلب جزائه عنها.
 ‌و‌ المراد ‌من‌ اكثر صلاته ‌و‌ افضل ماتيه ‌و‌ اكرم جزائه: ‌ما‌ ‌جل‌ ‌و‌ عظم ‌من‌ رحمته، ‌و‌ كمال جوده على النفوس المستعده لذلك.
 ثم هذه الاعتبارات ‌و‌ ‌ان‌ اختلفت مفهوماتها ترجع الى مطلوب واحد، ‌و‌ ‌هو‌ طلب زياده كماله عليه السلام ‌و‌ قربه ‌من‌ الله تعالى، اذ مراتب استحقاق نعم الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ غير متناهيه.
 
المنان: ‌من‌ ابنيه المبالغه كالوهاب ‌و‌ الغفار، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ المن بمعنى العطاء ‌و‌ الانعام، ‌لا‌ ‌من‌ المنه بمعنى الاعتداد بالصنيعه.
 قال ‌فى‌ النهايه: كثيرا ‌ما‌ يرد المن ‌فى‌ كلامهم بمعنى الاحسان الى ‌من‌ ‌لا‌ يستئيبه ‌و‌ ‌لا‌ يطلب الجزاء عليه.
 ‌و‌ الجسيم: صفه مشبهه ‌من‌ جسم بالضم بمعنى عظم جسمه، ثم استعمل ‌فى‌ كل عظيم مجازا.
 
قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز امر جسيم ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ جسيمات الخطوب.
 ‌و‌ الغافر: ‌من‌ الغفر بمعنى الستر، ثم اطلق على الصفح عن الذنب، يقال: غفر الله له غفرا- ‌من‌ باب ضرب- ‌و‌ غفرانا: صفح عنه، ‌و‌ المغفره اسم منه.
 ‌و‌ موصوفا الجسيم ‌و‌ العظيم محذوفان، اى: المنان بالعطاء الجسيم ‌و‌ الغافر للذنب العظيم.
 ‌و‌ انت: ضمير فصل، اتى ‌به‌ للتخصيص، اى: ‌ان‌ كثره المنه بالجسيم ‌و‌ الغفران للعظيم مقصوران عليك ‌لا‌ يتجاوزانك الى غيرك، ‌و‌ هذا تعليل لطلب الاكثر ‌من‌ الصلاه، ‌و‌ الافضل ‌من‌ الايتاء، ‌و‌ الاكرم ‌من‌ الجزاء، اذ كان تعالى بالغا غايه المن ‌و‌ الاحسان ‌لا‌ يتكاده عظيم انعام ‌و‌ امتنان، ‌و‌ ‌ان‌ منع ‌من‌ اجابه هذا الدعاء ‌و‌ نجاح هذا المطلب ‌و‌ قبول هذا التوسل عظيم ذنب، فهو الغافر للعظيم ‌من‌ الذنوب ‌و‌ ‌ان‌ كان فظيعا، بنص «ان الله يغفر الذنوب جميعا».
 استعطاف ‌و‌ ترقب للرحمه بقبول الدعاء، اذ خوان مغفرته مبسوط للمذنبين، ‌و‌ فيض رحمته معد للعالمين، فلا تبلغ اعظم رحمه ‌من‌ غيره ادنى رحمه منه، كيف ‌و‌ ‌هو‌ الذى سبقت رحمته غضبه، ‌و‌ برحمته نال كل طالب طلبه؟.
 اعاد طلب الصلاه عليه صلى الله عليه ‌و‌ آله لقصد الاهتمام بشانه، ‌و‌ المبالغه
 
فى الدعاء له، ‌و‌ التعظيم لجنابه صلى الله عليه ‌و‌ آله، ‌و‌ لتكون الصلاه عليه ‌و‌ على آله ختاما للدعاء فيكون ختامه مسكا، ‌و‌ لاشراك آله ‌فى‌ الصلاه عليه، اذ كانت الصلاه الاولى مخصوصه ‌به‌ صلى الله عليه ‌و‌ آله، ‌و‌ فيه تعليم انه ينبغى ذكر آله معه ‌فى‌ الصلاه، بل ورد ‌فى‌ بعض الاخبار ‌ما‌ يدل على وجوب ذلك.
 ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده الى ابى عبدالله عليه السلام، قال: سمع ابى رجلا متعلقا بالبيت ‌و‌ ‌هو‌ يقول: اللهم صل على محمد، فقال له ابى: ‌لا‌ تبترها ‌لا‌ تظلمنا حقنا، قل: اللهم صل على محمد ‌و‌ اهل بيته. فنهى فيه عن البتر، ‌و‌ ‌هو‌ قطع الشى ء قبل تمامه، ‌و‌ عد ذلك ظلما، ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌فى‌ ‌ان‌ ظلم اهل البيت عليهم السلام حرام، ‌و‌ نهج الاحتياط ظاهر.
 ‌و‌ طاب الشى ء يطيب: اذا لذ للحاسه ‌و‌ النفس، فاصل الطيب ‌ما‌ تستلذه الحواس ‌و‌ النفوس، ‌و‌ الطيب ‌من‌ الناس ‌من‌ تزكى عن نجاسه الجهل ‌و‌ الفسق، ‌و‌ تحلى بزينه العلم ‌و‌ محاسن الافعال.
 ‌و‌ الطهاره: النقاء ‌من‌ الدنس ‌و‌ النجس، ‌و‌ الطاهر: النقى منهما.
 ‌و‌ ‌فى‌ اصطلاح ارباب العرفان الطاهر: ‌من‌ عصمه الله عن المخالفات ‌و‌ ‌هو‌ ينقسم الى: طاهر الظاهر ‌و‌ هو: ‌من‌ عصمه الله عن المعاصى، ‌و‌ الى طاهر الباطن ‌و‌ هو: ‌من‌ عصمه عن الوسواس ‌و‌ الهواجس، ‌و‌ طاهر السر ‌و‌ هو: ‌من‌ ‌لا‌ يزيغ
 
عن الله تعالى طرفه عين، ‌و‌ طاهر السر ‌و‌ العلانيه ‌و‌ هو: ‌من‌ قام بتوفيه حقوق الحق ‌و‌ الخلق جميعا لسعته برعايه حقوق الجانبين.
 ‌و‌ ‌لا‌ خفاء ‌فى‌ ‌ان‌ المراد ‌به‌ هنا ‌ما‌ يعم جميع هذه الاقسام.
 ‌و‌ الاخيار: جمع خير مخففا كعين ‌و‌ اعيان، ‌او‌ جمع خير مشددا ككيس ‌و‌ اكياس، ‌و‌ هما بمعنى واحد، اى: كثير الخير.
 ‌و‌ قيل: المخفف ‌فى‌ الجمال ‌و‌ الميسم، ‌و‌ المشدد ‌فى‌ الدين ‌و‌ الصلاح، ‌و‌ الاول ‌هو‌ الاشهر.
 قال الجوهرى: رجل خير ‌و‌ خير مشدد ‌و‌ مخفف.
 ‌و‌ الانجبين: جمع انجب اسم تفضيل ‌من‌ نجب بالضم نجابه اذا صار نجيبا، اى: كريما فاضلا ‌فى‌ الحسب.
 ‌و‌ هذه النعوت لهم عليهم السلام عين الحق ‌و‌ نفس الواقع، كيف ‌لا‌ ‌و‌ ‌هم‌ الذين قال الله تعالى ‌فى‌ شانهم: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ‌و‌ يطهركم تطهيرا»؟
 ‌و‌ ‌ما‌ احسن ‌و‌ اصدق ‌ما‌ قال الجاحظ فيهم: ‌هم‌ سنام العالم، ‌و‌ صفوه الامم، ‌و‌ غره العرب، ‌و‌ لباب البشر، ‌و‌ مصاص بنى آدم، ‌و‌ زينه الدنيا، ‌و‌ حليه الدهر، ‌و‌ الطينه البيضاء، ‌و‌ المغرس المبارك، ‌و‌ النصاب الوثيق، ‌و‌ معدن المكارم، ‌و‌ ينبوع الفضائل، ‌و‌ اعلام العلم، ‌و‌ ايمان الايمان، صلوات الله عليهم اجمعين. ‌و‌ الحمد لله
 
رب العالمين.
 قال مولفه عفى الله عنه: هذا آخر الروضه السادسه ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيد العابدين، وفق الله لاتمامه، ‌و‌ شفع حسن ابتدائه بحسن ختامه. ‌و‌ قد وافق الفراغ ‌من‌ تبييضه قبل الزوال ‌من‌ يوم الاثنين لعشر خلون ‌من‌ شهر رمضان المعظم، احد شهور سنه ثمان ‌و‌ تسعين ‌و‌ الف ‌و‌ لله الحمد.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5
اسناد الصحیفه السجادیه- 1
الدعاء 1- 3
الدعاء 3- 1
الدعاء 31- 2
الدعاء 48- 2
الدعاء 6- 2
الدعاء 4

بیشترین بازدید این مجموعه


 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^