عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

جعفر الكذاب

جعفر الكذاب

روي عن رسول الله ( صلى الله عليه واله ) أنه قال :

إذا ولد جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابني فسموه ( الصادق ) فإنه يولد من ولد ابنه ولد يقال له جعفر ويل له من جرأته على الله وتعديه على أخيه صاحب الحق، وإمام زمانه وأهل بيتي. فلاجل ذلك سمي الصادق([594]) .

وجعفر الكذاب هو جعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر الصادق وهو المعروف بزق خمر ([595]) .

كما أن القائم المهدي(عليه السلام) كان مبتلى بعمه «جعفر الكذاب» وإن الله تعالى دفع معرته([596]) عن المهدي(عليه السلام)، وجعل كلمته العليا، وأخافه من المهدي(عليه السلام).

فانه لما توفي الحسن العسكري(عليه السلام) اجتمع أصحابه للصلاة عليه في داره فجاء جعفر الكذاب ليصلي عليه والشيعة حضور إذا هم بفتى جاء وأخذ بذيله وأبعده من عند أبيه، وصلى عليه، وائتم الناس به، وبقي جعفر الكذاب مبهوتا متحيرا لا يتكلم، فلما فرغ من الصلاة على أبيه خرج من بين القوم وغاب، فلا يدرى من أي وجه خرج..([597]) .

ولادة الفاجرين في بيوت المؤمنين قضية عادية مثل قابيل ابن هابيل، وابن نوح، وأبي لهب، وجعفر الكذاب .

من هم الغلاة

هم الذين غلوا في حق أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخلقية وحكموا منهم بأحكام الالهية وربما شبهوا واحداً من الائمة بالإله، وربما شبهوا إلهاً بالخلق، وهم على طرفي الغلو والتقصير، فإنما نشأت شبهاتهم من مذاهب الحلولية ومذاهب التناسخية ومذاهب اليهود والنصارى، إذ اليهود شبهت الخالق بالمخلوق والنصارى شبهت المخلوق بالخالق، فسرت هذه الشبهات في أذهان الشيعة الغلاة حتى حكمت بأحكام الالهية في حق بعض الائمة، وكانت تشبيها بالاصل والوضع في الشيعة([598]) .

واراد الامام علي(عليه السلام) قتلهم فلما علموا أنه قاتلهم، قالوا :

لئن قتلتنا فأنت تحيينا، فاستتابهم فأصروا على ما هم عليه، فأمر بضرب أعناقهم، وأضرم نارا في ذلك الحفير فأحرقهم فيه، وقال صلوات الله عليه : لما رأيت الأمر أمراً منكراً أضرمت نارى ودعوت قنبراً وهذا من مشهور الأخبار عنه(صلى الله عليه وآله وسلم)([599]) .

وكان في أعصار الائمة من ولده مثل ذلك ما يطول الخبر بذكرهم، كالمغيرة بن سعيد، لعنه الله، وكان من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه ودعاته، فاستزله الشيطان فكفر وادعى النبوة، وزعم أنه يحيي الموتى، وزعم أن أبا جعفر صلوات الله عليه وآله إله، تعالى الله رب العالمين، وزعم أنه بعثه رسولا وتابعه على قوله كثير من أصحابه سموا المغيرية باسمه .

وبلغ ذلك أبا جعفر محمد بن على صلوات الله عليه ولم يكن له سلطان كما كان لعلي فيقتلهم كما قتل علي صلوات الله عليه الذين ألحدوا فيه، فلعن أبو جعفر صلوات الله عليه المغيرة وأصحابه، وتبرأ منه ومن قوله ومن أصحابه، وكتب إلى جماعة أوليائه وشيعته، وأمرهم برفضهم والبراءة إلى الله منهم، ولعنه ولعنهم، ففعلوا .

فسماهم المغيرية الرافضة لرفضهم إياه، وقبولهم ما قال المغيرة لعنه اللّه . وكانت بينه وبينهم وبين أصحابه مناظرة وخصومة واحتجاج، يطول ذكرها . واستحل المغيرة وأصحابه المحارم كلها وأباحوها وعطلوا الشرائع وتركوها، وانسلخوا من الاسلام جملة .

وبانوا من جميع شيعة الحق كافة وأتباع الائمة، وأشهر أبو جعفر محمد بن على صلوات الله عليه لعنهم والبراءة منهم .

ثم كان أبو الخطاب في عصر جعفر بن محمد صلوات الله عليه من أجل دعاته، فأصابه ما أصاب المغيرة، فكفر وادعى أيضا النبوة، وزعم أن جعفر بن محمد صلوات الله عليه إله، تعالى الله عن قوله، واستحل المحارم كلها، ورخص فيها، وكان أصحابه كلما ثقل عليهم أداء فريضة، أتوه وقالوا :

يا أبا الخطاب، خفِّف علينا، فيأمرهم بتركها، حتى تركوا جميع الفرائض، واستحلوا جميع المحارم، وارتكبوا المحظورات، وأباح لهم أن يشهد بعضهم لبعض بالزور .

وقال : من عرف الامام فقد حل له كل شيء كان حرم عليه، فبلغ أمره جعفر بن محمد(عليه السلام) فلم يقدر عليه بأكثر من أن لعنه وتبرأ منه، وجمع أصحابه فعرفهم ذلك وكتب إلى البلدان بالبراءة منه وباللعنة عليه، وكان ذلك أكثر ما أمكنه فيه، وعظم ذلك على أبى عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه واستفظعه واستهاله ([600]). قال المفضل بن عمرو : دخلت يوما على أبى عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه فرأيته مقاربا منقبضا مستعبرا، فقلت له : مالك، جعلت فداك؟

فقال : سبحان الله وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، أي مفضل، زعم هذا الكذاب الكافر أنى أنا الله، فسبحان الله، ولا إله إلا هو ربى ورب آبائى، هو الذي خلقنا وأعطانا، وخولنا، فنحن أعلام الهدى والحجة العظمى .

أخرج إلى هؤلاء، يعنى أصحاب أبى الخطاب، فقل لهم إنا مخلوقون وعباد مربوبون ولكن لنا من ربنا منزلة لم ينزلها أحد غيرنا، ولا تصلح إلا لنا، ونحن نور من نور الله، وشيعتنا منا، وسائر من خالفنا من الخلق فهو في النار، نحن جيران الله غدا في داره، فمن قبل منا وأطاعنا فهو في الجنة، ومن أطاع الكافر الكذاب فهو في النار .

و عن جعفر بن محمد صلوات الله عليه أن سديرا الصيرفى سأله فقال له : جعلت فداك، إن شيعتكم اختلفت فيكم فأكثرت، حتى قال بعضهم : إن الامام ينكت في أذنه .

وقال آخرون : يوحى إليه . وقال آخرون : يقذف في قلبه، وقال آخرون : يرى في منامه، وقال آخرون : إنما يفتى بكتب آبائه، فبأى قولهم آخذ جعلت فداك ؟

فقال : لا تأخذ بشيء من قولهم يا سدير، نحن حجة الله وأمناؤه على خلقه، حلالنا من كتاب الله، وحرامنا منه ([601]).

وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): صنفان من أمتي لا نصيب لهما في الاسلام : الغلاة والقدرية([602]) .

وقال(عليه السلام): لعن الله الغلاة والمفوضة فانهم صغروا عصيان الله وكفروا به وأشركوا وضلواو أضلوا قرار من إقامة الفرايض واداء الحقوق([603]) .

فو الله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عز وجل بالقلب والجوارح مع محبتنا لظهور أن معنى التشيع هو المتابعة لهم قولا وفعلا ولا يتحقق هذا المفهوم إلا لمن أطاع الله كما أطاعوه([604]) .

( وإنما شيعة علي (عليه السلام) من صدق قوله فعله ) بالعمل بسيرته ليتحقق معنى التشيع والمتابعة ويبعد عن شبه الاستهزاء وسيجئ عن علي بن الحسين (عليهما السلام): «إن أبغض الناس إلى الله من يقتدي بسنة إمام ولا يقتدي بأعماله»([605]) .

وقال الصادق(عليه السلام) : احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدونهم، فإن الغلاة شر خلق الله، يصغرون عظمة الله، ويدَّعون الربوبية لعباد الله، والله إن الغلاة شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا([606]) .

والغلاة هم الذين غلوا في حق النبي وآله حتى أخرجوهم من حدود الخليقة، والخطابية والمغيرية من هذه الصنوف غير أن كثرة ورودهم في ألسن الائمة وفي طيات الاحاديث صارت سببا لعنوانهم مستقلين وإن كان الكل داخلا تحت هذا العنوان ( الغلاة ) .

ثم إن الغلاة صنوف قد عدهم الشهرستاني أحد عشر صنفا منهم :

السبائية، الكاملية، العليائية، المغيرية، المنصورية، الخطابية، الكيالية الهشامية، النعمانية،اليونسية، والنصيرية ( الاسحاقية ) ثم ذكر آراءهم وعقائدهم([607]) .

وكان الشهرستانى قد جد واجتهد للنيل من شيعة آل محمد بكل الصور الممكنة وسعى لرفع لواء رجال الحزب القرشي وأتباعهم، فحاول الشهرستانى التشكيك في تبعية الشيعة للائمة المعصومين، وزاد في اختلافاتهم وصنوفهم .

وحاول اظهارهم بصورة مُشكك فيها وانهم بعيدون عن الدين رغبة منه للانتصار لمذهبه السني فخرج عن الانصاف والعدالة .

وكانت اختلافات السنة أكثر من ذلك فستر عليها الشهرستانى وباقى مؤرخى السنة .

وكان طبيعياً في تلك العصور ظهور مجموعات متناحرة ومختلفة في المذهب الواحد .

وما ذكره الشهرستانى من الصنوف وما نسب إلى الشيعة من الآراء السخيفة غير ثابت جدا، خصوصا ما زعم من الفرقة السبائية التي أصبحت اسطورة تاريخية اختلقها بعض المؤرخين ونقلها الطبري بلا تحقيق وأخذ عنه الآخرون وهكذا ساق واحد بعد واحد([608]) .

ويتلوه في البطلان ما نسبه إلى هشام بن حكم من الآراء الكاذبة كالتشبيه وغيره، فإن هذه الآراء مما يستحيل أن ينتحل بها تلميذ الامام الصادق(عليه السلام)الذي تربى في أحضانه، ومن الممكن جدا، بل هو الواقع أن رمي هشام بهذه الآراء إنما جاء من جانب المخالفين والحاسدين له والمنكرين لفضل بحثه، فلم يجدوا مخلصا إلا تشويه سمعته بنسبة الاقاويل الباطلة إليه([609]) .

ومثله ما نسبه إلى محمد بن نعمان أبي جعفر الاحول الملقب بمؤمن الطاق وإن لقبه مخالفوه بشيطان الطاق عصيانا لقوله سبحانه :

(ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق)([610]).

هذه ليست أول قارورة كسرت في التاريخ، بل لها نظائر وأماثل كثيرة، فكم من رجال صالحين شوه التاريخ سمعتهم، وكم من أشخاص طالحين قد وزن لهم التاريخ بصاع كبير، وعلى أي تقدير فلا نجد لاكثر هذه الفرق بل جميعها مصداقا في أديم الارض، ولو وجد من الغلاة من الطراز الذي ذكره الشهرستاني في الجوامع الاسلامية، فإنما هي فرقة العلياوية وهم الذين يقولون بربوبية علي بن أبي طالب(عليه السلام) وربما يفسر النصيرية أيضا بهذا المعنى([611]) .

قال الكشي :

«وقالت فرقة بنبوة محمد بن نصير الفهري النميري، وذلك أنه ادعى أنه نبي رسول، وأن علي بن محمد العسكري أرسله، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن الهادي(عليه السلام) ويقول فيه بالربوبية إلى آخر ما قاله»([612]) .

وقال النوبختي : «فرقة من القائلين بامامة علي بن محمد في حياته قالت بنوة رجل يقال له محمد بن نصير النميري، وكان يدعي أنه نبي بعثه أبو الحسن العسكري، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن الهادي، ويقول فيه بالربوبية ويقول بالاباحة للمحارم»([613]) .

وعلى كل تقدير، فلا جدوى في البحث عن الغلاة على النحو الذي ذكره الشهرستاني وغيره في كتابه، فان الرواة الواردين في أسناد الروايات، منزهون عن الغلو بهذا المعنى الذي يوجب الخروج عن التوحيد والاسلام، ويلحق الرجل بالكفار والمشركين، كالقول بالربوبية ورسالة غير نبينا أو غير ذلك . نعم وصف عدة من الرواة بالغلو ووقعوا في أسناد الروايات، فيجب البحث عن هذا الطراز من الغلو لان وضع كتابنا لا يقتضي إلا البحث فيما يرجع إلى الرواة والرجال الذين جاءت أسماؤهم في أسناد الروايات .

التفويض ومعانيه إن الفرقة المعروفة بالغلو هي فرقة المفوضة، غير أنه يجب تحقيق معناها حتى يتبين الصحيح عن الزائف فنقول : إن التفويض يفسر بوجوه : الاول : تفويض خلقة العالم إلى النبي والائمة(عليهم السلام) وأنهم هم الخالقون والرازقون والمدبرون للعالم([614]) .

وغير خفي أن التفويض بهذا المعنى شرك على وجه، وباطل على وجه آخر . فلو قالوا بأن الله سبحانه فوض أمر الخلق والتدبير إليهم(عليهم السلام) واعتزل هو عن كل شئ، فهذا هو الشرك والكفر، يخالفه العقل والبرهان، ويضاده صريح الآيات . قال سبحانه:

(بديع السموات والارض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم * ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل ([615]).

وقال سبحانه :

(إن ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الامر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون)([616]).

ولو زعموا أن النبي والائمة من جملة الاسباب لخلق العالم وتدبيره، وأن الفاعل الحقيقي والسبب الواقعي هو الله سبحانه، وهو لم يعتزل بعد، وإنما جعلهم في مرتبة الاسباب والعلل، فهذا القول وإن كان لا يوجب الشرك، لكنه غير صحيح، فان النبي والائمة(عليهم السلام) ليسوا من أسباب الخلقة، بل هم يستفيدون من تلك الاسباب الطبيعية وتتوقف حياتهم على وجود العلل والاسباب المادية، فكيف يكونون في مرتبة العلل والاسباب ؟

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أسرة آل بُوَيه في الريّ
من هم قتلة عثمان
من الراوي في قضية ميلاد أمير المؤمنين (ع) في ...
السلاجقة والتشيع .
نصوص السماء لا من انتخاب المنتخبين فعلي ان وجد ...
ملامح عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )
ابتکار نظرية الصحابة
غزوة بدر الكبرى أسبابها وأهميتها
مناظرة أمير المؤمنين(ع) مع رجل من أهل الشام في ...
احتجاج الإمام علي(ع) بحديث الغدير

 
user comment