عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

فلسفة الاخلاق في الاسلام

1- ان الاسلام يمتاز بالشمولية وبالعمق, وبانه كل مترابط لا يتجزأ.. وهذا يعني: ان التعرف على رأيه في اية قضية كانت يتطلب جهداً خاصاً وكبيراً, ومزيداً من البحث والدراسة والتمحيص, ولا سيما اذا لاحظنا ان كلام الله سبحانه, وكلام النبي (ص), وكلام الأئمة عليهم السلام دقيق وعميق, يحتاج الى المزيد من الدقية في فهم معانيه ومراميه, حتى ان تغير كلمة واحدة في جملة صغيرة لربما يغير المعنى تغييراً اساسياً له اثاره على الصعيد العلمي بشكل واسع.
ولأجل ذلك.. ولاجل عوامل اخرى, لا مجال لبحثها الان, نقول: انه ليس منطقياً – اذا اردنا معرفة الاسلام في قضية ما – ان نكتفي بمراجعة بسيطة وعابرة وساذجة لاية او لحديث او اكثر ثم اصدار الاحكام واعطاء النظريات والضوابط على انها هي كل رأي الاسلام في ذلك.
فمثلاً: العفو عن الاخرين, وان كان لا ريب في رجحانه على وجه العموم.. ولكن اذا اردنا تحري التفاصيل والجزئيات فيه, فاننا نحتاج الى مزيد من البحث, والمزيد من الدقة في الايات والروايات لنستخلص ممن, وعمن يكون العفو, وما هي غايته؟ وماهي اثاره على العافي, من جهة, وعلى المعفو عنه من جهة اخرى؟ وما هي اثار العفو على صعيد الواقع العام؟ وما هي شرائطه وحدوده ؟ وما هو مدى ربطه باخلاق وخصائص الانسان ؟ وكيف ؟ وهكذا...
ولاجل كل ما تقدم: فاننا سوف نكتفي في هذه العجالة بعرض سريع لما امكن فهمه فيما يرتبط بالاخلاق في الاسلام.. مع تأكيدنا على مسيس الحاجة للتوفر على دراسة هذا الموضوع بشكل اعمق, وبصورة اتم واوفى..
2- ان الانسان في مسيرته الحياتية, وفي كل حركاته, وافعاله, ومواقفه يحتاج الى دافع ومحرك, والى هدف وغاية.. ولا بد من التعرف على كلا الامرين من وجهة نظر الاسلام اولاً..
فامل بالنسبة للهدف والغاية.. فأننا نبادر الى القول: ان هدف الاسلام هو ايصال الانسان كفرد, وكأمة الى السعادة التامة والشاملة, والحقيقية, بكل ما لهذه الكلمات من مدلول ومعنى..
وهذه السعادة لا تنتهي بانتهاء حياة الانسان في هذه الدنيا, وانما تتجاوزها, لتكون دائمة وخالدة وابدية, ليست الدنيا الا مرحلة تهيؤ واعداد لها, حيث ينتقل الانسان منها الى مرحلة اخرى, اكبر وأوسع تتجسد فيها انسانية الانسان, ليعيش واقعه واصالته, بحيوية وواقعية وعمق..
(يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحاً, فملاقيه).
نعم.. هذا هو الهدف, وهذه هي الغاية بنظر الاسلام. وادراك ذلك وادراك كثير من خصوصياته انما هو من معطيات العقل النظري ليس الا..
وواضح: ان الهدف والغاية من الفعل دوراً اساسياً في كون الفعل اخلاقياً اولا. فالعمل المعبر عن الشجاعة قد يكون لاذلال الاخرين, والتعدي عليهم, وقد يكون لاحقاق الحق, والدفع عن المستضعفين. كما ان بذل المال مثلاً, حين يقصد بها الرياء والسمعة, او اذلال الاخرين واستبعادهم او ليشوه حقيقة, او ليقتل انساناً, او شعباً – ولذلك الكثير من الشواهد التاريخية – انه حين يكون كذلك, فانه يكون عملاً منافياً للاخلاق ومضاداً لها.
واما ان كان لعاطفة جاشت بسبب رؤية عجز وحاجة وضعف الاخرين, وليس وراء ذلك اي شي اخر, فهو من قبيل عواطف الام تجاه ولدها حسبما قدمناه. اما اذا كان لله سبحانه وفي سبيله, ولمحض رضاه, فانه يكون عملاً اخلاقياً, يستحق فاعله الاجر الجميل والثواب الجزيل.. قال تعالى وهو يمدح امير المؤمنين, والزهراء, والحسنيين عليهم السلام على اطعامهم اليتيم, والمسكين والاسير, في حين انهم عليهم السلام كانوا بأمس الحاجة الى ذلك الطعام حيث انهم كانوا يصومون تلك الايام, ولايجدون الا الماء ليفطروا عليه – قال تعالى: ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً, ويتيماً واسيراً, انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكور انا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا, فةقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً, فجزاهم بما صبروا جنة وحريراً).
وقال تعالى في موطن اخر: (الذين امنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وانفسهم اعظم درجة عند الله واولئك هم الفائزون).
وقال تعالى: (والذين امنوا وهاجروا في سبيل الله, والذين امنوا ونصروا اوئلك هم المؤمنون حقاً).
والايات والروايات التي تدخل في هذا المجال كثيرة جداً لا مجال لاحصائها.
وبالنسبة للامر الثاني, وهو الدافع والمحرك, فاننا نقول: ان من الطبيعي ان تكون اطروحة الاسلام في مجال الدفع, وتنظيم الحركة نحو ذلك الهدف منسجمة مع نظرته تلك, ومع حجم المسؤولية التي يتحتم عليه الاضطلاع بها في هذا المجال.. الامر الذي يعني: انه يقيم علاقات الانسان بالدنيا, وبكل ما يحيط به, وحتى بنفسه تقييماً صحيحاً, يعطيها حجمها الطبيعي, الذي ينسجم مع حجم الدور الذي يؤهله الله للقيام به, في مسيرته نحو هدفه الاسمى في حياته الخالدة والدائمة والباقية.
وواضح: ان الانسان تارة ينساق نحو ايجاد فعل من نوع ما في الخارج, بدافع العاطفة, كما في اندفاع الام لارضاع طفلها, واخرى ينساق الى ذلك استجابة لامور طبيعية, او غريزية كداعي غريزة الجنس, او دافع الجوع, او العطش, او نحو ذلك, فيأكل ويشرب ويمارس الجنس ... الخ وقد يكون العقل هو الذي يدرك المصلحة في عمل ما فيصدر الامر للارادة للتحرك نحو ايجاد ذلك الفعل, حتى ولو كان ذلك على خلاف المشاعر العاطفية, والمتطلبات الغريزية فعلاً.. فنجد الام تقدم على اجراء عمليات جراحية لولدها ولو ببتر احد اعضائه لتنجيه مما هو اقصى وادهى, رغم ان ذلك لا ينسجم مع انفعالاتها العاطفية, وميولها ورغباتها الطبيعية.. وكذلك فيما يرتبط بالاقدام على شرب الدواء المر من اجل الحصول على الشفاء.
وذلك لان العقل قد اوضح لها: ان الاقرب الى حفظ ولدها وسعادته وكماله هو هذا الفعل بالذات, والشواهد على ذلك كثيرة.
وعلى هذا الاساس.. فان العقل لابد وان يكون هو المهيمن على جميع القرارات والتصرفات التي يكون الدافع اليها هو الرغبات والعواطف والنزعات الغريوية والطبيعية, فهو المبدأ, واليه المنتهى, وهو صاحب القار النهائي, الذي يصدر تعليماته للارادة سلباً او ايجاباً وعليه ان يستفيد من هذا الرصيد العاطفي, والطبيعي الغريزي – كالحب والجمال, والشجاعة والجنس, وغير ذلك – في مجال تنفيذ احكامه وتطبيق قراراته التي تقوم على اساس ادراكه للواقع الموضوعي وترجيحاته فيما بين المصالح والمفاسد التي يواجهها ويوجهها بمساعدة العقل النظري نحو الهدف الاقصى, وهو المولى جل وعلا: (يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحاً فملاقيه)..
واما اذا كان لا بد من اطلاق العنان لتلك الرغبات والغرائز, والعواطف والميول, واعتبار الاعمال والمواقف التي تنشأ عنها – بمفردها – من الاخلاق..
واذن.. فقد يقتل الانسان المئات او حتى الالف والالاف من الاشخاص في ساعة واحدة, كما فعل رسول الله (ص) في بني قريظة ويكون عمله اخلاقياً.. ثم هو في نفس الوقت يذوب حناناً وعطفاً على من قتلهم بالذات, حتى ليعاتبه الله على شدة حزنه على اعدائه الذين اخرجوه, وحاربوه, ويبغون له الغوائل : فيقول: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات), ويقول: (فلعلك باخع نفسك على اثارهم, ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا)..
كذلك بالنسبة لمواقف الحسين عليه السلام, وتقديمه اصحابه, واولاده واهل بيته ونفسه ضحايا في سبيل اعزاز الدين , واعلاء كلمة الله سبحانه..

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الولاء لأهل البيت عليهم السلام
الظلم ممارسةً وتَحَمُّلاً ودولةً لها أركان
القضية الفلسطينية في كلمات الإمام الخميني ( قدس ...
لا توفيق مع الغشّ
تحرير المدينة المنورة والحجاز
من شهد واقعة الطف
آداب المعلّم والمتعلّم في درسهما
الألفاظ الدخيلة والمولَّدة
الحجّ في نهج البلاغة -4
مكانة الشهيد

 
user comment