عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

مواصلة التشيع في خراسان .

مواصلة التشيع في خراسان .

لا تـتـحـدد الـمـيـول الاسماعيلية التي كان عليها البيت الساماني في هذه الفترة الخاصة ,بينما كان الامراالسامانيون الاخرون بعيدين عن العقائد الشيعية , مصرين على التمسك بالمذهب السني لذلك لا يصح ما قاله مصطفى الحلبي : ان ((اكثر امرا هذه الدولة (السامانية ) كانوا يعرفون حق العلويين في هـذه الـولاية , و يعتنقون التشيع للائمة المستورين ((1160)) )) و ينطبق هذا القول على نصربن احـمـد فـحـسـب و على العكس ,فقد كان الامرا السامانيون يرون طاعة الحكام العباسيين من اهم الـواجـبـات [و كـان اسـماعيل بن احمد يظهر الطاعة لسلاطين بني العباس دائما, و يعد اتباعهم واجـبـامـفـروضـا عـلـيـه ((1161)) و لـم يـعـصـهـم سـاعـة واحدة في عمره , و كان ينفذ اوامـرهـم بـقوة ((1162)) ]و لكن تمسك نصر بن احمد بهذه العقيدة مؤقتا ادى الى انتشارها في ارجـا خراسان وتاثر الكثيرون بالعقائد الاسماعيلية و من الاسر التي تاثرت بهذه العقائد هي اسرة ابن سينا و نقل عن ابن سينا نفسه انه كان يقول : ((كان ابي ممن اجاب داعي المصريين و كان يعد من الاسـمـاعـيلية و يشير الى ان اخاه كان على هذه العقيدة ايضا ((1163)) و يقول الحلبي : (((ابن سينا) ابو علي الحسين , و ابوه عبداللّه , وجده الحسن , و ابو جده علي وهذا دليل واضح على تشيع هـذه الاسـرة و سنشير هنا الى تشيع ابن سينا فاننا نقرا في كتبه تعابير تدل على ميوله الشيعية و حاول البعض ان يتخذ من هذه التعابير دليلا على تشيعه الامامي و يرى علي بن فضل اللّه الجيلاني في كتاب الفه بعنوان توفيق التطبيق في اثبات ان الشيخ الرئيس من الامامية الاثني عشرية )) ان ابن سينا كان اماميا و حاول ان يدل على ذلك من خلال ذكر فقرات من كتاب الشفا و قد مر بنا ان ابن سينا نفسه اعترف ان اباه و اخاه كانا اسماعيليين حتى انه طلب منه ان يقر برائهما في النفس والعقل , لكنه لم يستجب علما ان عدم استجابته لا يعود الى تشيعه , بل يحتمل انه اشارة الى عدم قبول اقوالهما في النفس والعقل على اي حال , كان المناخ السائد في اسرته مناخا شيعيا,و قد ترك تاثيره عليه لا محالة و اذا عثرنا على امثلة في تعابيره , فلا جرم ا نها تدل على ميوله الشيعية .
و قـبل ان ننقل طرفا من عباراته , نذكر ان ابن سينا كان فيلسوفا عقليا قبل كل شي و هوالفيلسوف الـذي كـان يـهتم كثيرا بما تقرره الشريعة , و في الوقت نفسه , كان يحترم العقل احتراما بالغا على سـبـيـل الـمثال , كان يقر بالمعاد الجسماني في ضؤ الاخبار الواردة لكنه يقول بصراحة ان لا دليل عليه
((1164)) .
طـبيعيا, اننا لا نتوقع من شخص فيلسوف ان يكون له اهتمام كبير بالمسائل الجزئية للدين , او ا نه اذا عـرض بعض الارا, فلابد ان تكون ماخوذة من رؤية دينية متوكئة على الحديث بخاصة , ان ابن سـيـنـا كان قد مني بالمسائل السياسية , مما دفعه الى اخفا نزعته الدينية على الرغم من ان حضوره عند علا الدولة ـ وهو من اسرة ابن كاكويه الشيعية في اصفهان ـ يعتبر فرصة مناسبة لعزو التشيع اليه
((1165)) و لكن بغض النظر عن هذا كله , فان بعض العبارات تدل بوضوح على تطابق الافكار الشيعية و عقائد ابن سينا وان كان مؤلف توفيق التطبيق قد اتى بتاويلات و تفسيرات طويلة في هذا المجال و هي تاويلات قد تدفعنا الى عدم قبولها.
يقول ابن سينا في الفصل الاخير من كتاب الالهيات
((1166)) :.
((ثـم يجب ان يفرض السان طاعة من يخلفه , و ان لا يكون الاستخلاف الا من جهته ,او باجماع من اهل السابقة على من يصححون علانية عند الجمهور انه مستقل بالسياسة , و انه اصيل العقل , حاصل عـنـده الاخـلاق الـشرعية من الشجاعة , والعفة , وحسن التدبير, و انه عارف بالشريعة حتى لا اعـرف مـنـه , تصحيحا يظهر و يستعلن , ويتفق عليه الجمهور عند الجميع و يسن عليهم انهم اذا افـترقوا, او تنازعوا للهوى والميل ,او اجمعوا على غير من وجد الفضل فيه والاستحقاق له , فقد كفروا باللّه )).
و يـواصل كلامه فيقول : ((والاستخلاف بالنص اصوب , فان ذلك لا يؤدي الى التشعب ,والتشاغب , والاختلاف
((1167)) )).
و هـذه العبارة دعم صريح و واضح لراي الشيعة اما في العبارة الاولى من النص المتقدم ,فانه يذهب الـى ان عـلى النبي ـ صلى اللّه عليه و آله ـ ان يفرض طاعة من يخلفه و هذااسلوب يعرضه الشيخ الـرئيـس بوصفه مهمة نبوية لا مناص منها و يرى الشيخ ان الاستخلاف اما بالنص , او باجماع اهل الخبرة بالشروط التي طرحها الشيخ نفسه .
و نلحظ هنا ان ابن سينا قام بطرح فرضية عقلية و تتمثل هذه الفرضية بحصرالاستخلاف الصحيح فـي طـريقين : الاول : هو النص والثاني : هو الاجماع الذي احكم حدوده و قيوده ليدل على امكان طـرحـه بوصفه فرضية عقلية (في الدرجة الثانية طبعا)بيد انه يعرب في ختام حديثه عن افضلية الطريق الاول , وهو يعرف احسن من غيره ان على الشارع ان يختار الاصوب مع ا نه بوصفه مفكرا عـقـلـيا حرا يمكن ان يؤيدهذين الطريقين بالشروط المطروحة من الوجهة العقلية و قد فعل ذلك ايضا.
و نرى هنا ان الشيخ الرئيس عرض لنا مرة اخرى بحثا عقليا من خلال قبوله ان الاستخلاف يمكن ان يكون بالنص , مقرا با نه افضل طريق , غير ملتفت الى الاخباروالروايات الماثورة في هذا الحقل و هـذا هـو نـهجه العام بوصفه احد الفلاسفة المشائين و في الوقت نفسه , فان بلوغ هذه النتيجة لا يـمكن ان يتحقق صدفة , بل هومعلم على حسه الشيعي كما يبدو علما بان العبارة المذكورة لا تشير الـى الـطـريـق الـذي ينبغي انتهاجه من الوجهة التاريخية , و لا الى الاتجاه الذي كان يريده النبي ـ صلى اللّه عليه و آله , مع ان الاشارة الى الطريق الاصوب يمكن ان تكون معبرة عن ذلك الى حدما.
ثـم قام الشيخ بعد ذلك بذكر الخلاف بين شخصين لاحراز منصب الخلافة , و قال :((المعول عليه الاعظم العقل , و حسن الايالة فمن كان متوسطا في الباقي , و متقدما في هذين , بعد ان لا يكون غريبا فـي البواقي , و صائرا الى اضدادها, فهو اولى ممن يكون متقدما في البواقي , و لا يكون بمنزلته في هـذين فيلزم اعلمهما ان يشارك اعقلهما,و يعاضده و يلزم اعقلهما ان يعتضد به و يرجع اليه , مثل ما فعل عمر, و علي ـعليه السلام
((1168)) )).
هـذه الـعـبارة لا تحتمل التاويل , فانها تدل على ان ابن سينا يذهب الى ان عمر اعقل من علي و يكمل حـديـثـه متوكئا على العلاقات القائمة بينهما في مجال المشاركة المتبادلة
((1169)) و حينئذ لا يـتـسنى لنا ان نقبل مثل هذا التشيع الذي ذكره علي بن فضل اللّه الجيلاني بتاويلاته الكثيرة لمفهوم الـعـقـل و بـغض النظر عن هذه الاحتمالات ,فاننا نؤكد مرة اخرى على ان ابن سينا كان فيلسوفا فـحـسـب , و قد ابدى آراه المذكورة وفقا لما تمليه متطلباته العقلية في حقل الخلافة و الامامة و كـلامه قابل للنقاش من وجهة الاستدلالات التي اتى بها فقط, لا من الوجهة الروائية والحديثية , او بعبارة اخرى : الوجهة الشرعية .
و اذا تـغـاضـيـنا عن هذه الامور, فان الشيخ يعد احد وزرا البويهيين و سنتحدث عن البويهيين في الـقـسـم الاتي , و كان هؤلا من الاسر الشيعية التي حكمت في ايران ,و العراق و طبيعيا, ان وجود الشيخ بينهم وزيرا لشمس الدولة يتطلب مثل هذه النزعة وان كنا لا نستطيع البت في هذا المجال .
يقول صاحب روضات الجنات : ((كان يجري على مذاهب اهل السنة )) و دليله على ذلك قول الشيخ : انه كان يفتي في بخارى على مذهب ابي حنيفة
((1170)) بيد انه نفسه نقل عن الشوشتري انه ولد على فطرة التشيع والايمان , و كان ملازما لملوك الشيعة و لاجرم انه يشير الى وزارته للبويهيين و قـال الـمرحوم الشوشتري : كانت ملاحقة السلطان محمود لابن سينا بسبب تشيعه ((1171)) )) والـمـشـهور ان السلطان كان يتابع مهمة جمع العلما و يمكن ان يحدد لنا هروب ابن سينا الارضية لافتراقهم الفكري الى حد ماو لعل المسالة كانت سياسية ايضا.
ان النموذج الذي اشرنا اليه معلم على تغلغل التشيع في خراسان وهو التشيع الذي كان الاسماعيليون قـد مـهـدوا له من قبل و ان لم يكن اسماعيليا كله و عندما مات نوح بن نصر, خلفه نجله منصور و ذكر الخواجه ان الموجة الاسماعيلية اجتاحت ارجا البلادمرة اخرى ((و استانف الدعاة نشاطهم الاسـمـاعيلي في خراسان و بخارى , و اضلواالناس )) و اضاف ان عددا من الامرا و كبار البلاط انتموا الى الباطنية سرا, و منهم ((منصور بايقرا, و سعيد ملك , و ابو العباس جراح و ابو عبداللّه جـيـهـانـي )) و اقـبـلت الدنيا على الاسماعيليين اقبالا جعل الناس البعيدين يخالون ان بطانة الملك كـلـهـااصبحت باطنية )) و كاد الباطنيون ان يثوروا ثورة عامة من هذا المنطلق كتب الب تكين الى منصور يخبره قائلا: ((ان معظم خاصتك و اهل بلاطك و ديوانك اعتنقوا مذهب القرامطة و دخل فـيـه الـصغير و الكبير و هم يدبرون للخروج )) و بعد ذلك خرج بالطالقان قوم من القرامطة , او السبعية على حد تعبير الخواجه فعزم منصور بن نوح على قمع ذلك التحرك , و بعد مدة خلى سبيل الـوزير ابي علي البلعمي الذي كان قد سجنه باصرار باطنية البلاط و انبرى الى اخماد التحركات الباطنية بمؤازرته ثم قبض على كل من تقرمط من الخواص والكتاب , و صادر اموالهم , و قتلهم عن آخرهم , و ذلك بدعم ابي الحسن سيمجور
((1172)) )).
ان هـذه الـحـوادث الـتي نقلها الخواجه , مشوبة بالتعصب و مزيجة باخبار الخرم الدينية ,تدل على وجـود السوابق الاسماعيلية في هذه المناطق بخاصة كان الاسماعيليون دقيقين في دعوتهم و كان تعاون الدعاة و توافقهم يسهلون سبل تقدمهم جيدا, اذ نقل ان كل واحد منهم يفكر بصاحبه و كما قال الخواجه : ((كانوا يعززون معنويات الدعاة سرا, واذا كان احدهم قادرا على القيام بعمل ما, فانه لا يـكلف شخصا آخر بالقيام به و كانوايتعاضدون و يتزرون في الديوان و غيره و اذا اخطا احدهم , آزره الجميع و وقفوا الى جانبه , و صححوا له خطاه فازدادت قوتهم و عددهم على كرور الايام و اذا مـا وجـداحـدهـم فـي خـراسـان و مـاورا الـنـهـر, فالجميع يستجيبون له و يلبون دعوته , فيجهربالدعوة مستفيدا من دعمهم
((1173)) )).
و على الرغم من وجود هذه البيوتات الشيعية و الدعايات الاسماعيلية , فقد مهدالسامانيون الارضية لاضعاف التشيع في خراسان منذ النصف الثاني من القرن الثالث (261 هـ) حتى اواخر القرن الرابع (389 هـ ), و ذلـك بسبب اصرارهم على المذهب السني بيد اننا نستثني منهم نصر بن احمد الذي حكم ثلاثين سنة (301 ـ 331).
و كـتب ابوبكر الخوارزمي الشيعي المتوفى سنة 383 ه في رسالته المعروفة الى شيعة نيسابور قـائلا : ((فـان كـسـد الـتـشـيـع بـخراسان , فقد نفق بالحجاز, والحرمين , والشام ,والجزيرة , والجبل
((1174)) )) و نلحظه في موضع آخر من هذه الرسالة يستعيذ باللّه من بعض الطوسيين و الـشـاشيين (الشاش منطقة في شمال شرقي ايران ((152))) وابوبكر الخوارزمي هذا من شيعة خراسان المعروفين و اشتهر بتشيعه و التزامه يقول في شعر له :.
بمل مولدي و بنو جرير ـــــ فاخوالي و يحكي المر خاله .
فمن يك رافضيا عن تراث ـــــ فاني رافضي عن كلاله
((1176)) .
و يـبدو من هذين البيتين ا نه ينسب نفسه الى محمد بن جرير الطبري صاحب تاريخ ‌الامم و الملوك ونـحـن نـعـلم ان الطبري كان سنيا, و لو فرضنا وجود نزعة شيعية عنده ,فقد كانت محدودة , و متاخرة
((1177)) .
و انـتـهـى الـحـكـم الساماني في خراسان بنهاية القرن الرابع , و استولى الغزنويون على المنطقة الـخـاضـعـة للنفوذ الساماني و نقرا ان الب تكين احد امرا الحرس الساماني , لم يلق عطفا و ودا من الامرا السامانيين , لذلك توجه تلقا الهند و سيطر عليها بعد مدة من القتال و كان سبكتكين نائبه في تلك الـبـلاد و هـذا الـشخص هو مؤسس الحكومة الغزنوية و خلفه على العرش نجله السلطان محمود الـغزنوي الذي هاجم المناطق التي كان يحكمها السامانيون , و قضى على السامانيين , ثم اصبح حاكم خـراسـان الـمـطـلـق بعدمنحه لقب يمين الدولة من قبل الحكام العباسيين و سنرى بعد ان سياسة الغزنويين كانت سياسة متشددة ضد الشيعة , مع اصرار على المذهب السني , و بذلك كانواكالسامانيين حجر عثرة في طريق التشيع من التغلغل في المناطق الشمالية الشرقية من ايران .
و كـانـت المنطقة الواقعة في شمال غرب ايران من المناطق التي مارس الاسماعيليون فيها نشاطهم ابان القرن الرابع .
قال استرن في ضؤ بعض الاخبار التاريخية و النقود: كان محمد بن مسافر حاكما على تارم (طرم ) و قـلـعـة شـمـيـران في مستهل القرن الرابع الهجري و كان له ولدان : احدهمامرزبان الذي غزا آذربايجان والثاني وهسودان و كلاهما اسماعيلي .
و نص ابن مسكويه على ان مرزبان و وزيره اسماعيليان اما اخوه فينبغي الالماع الى عملة سكها في جلال آباد سنة 344 ه , و كتب عليها: لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه علي خليفة اللّه ثم ذكر اسما الائمة ـ عليهم السلام ـ حتى الامام الصادق ـ عليه السلام و اعقبه باسم اسماعيل , و ولده محمد, مما يدل على مذهبه الاسماعيلي و قال استرن : ((ان عدم الاشارة الى اسم المعز معلم على انفصالهم عن الفاطميين في مصر كما ينبئ ايضاعن ثبات عقيدتهم في مهدوية اسماعيل بن جعفر
((1178)) )).

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

من الراوي في قضية ميلاد أمير المؤمنين (ع) في ...
السلاجقة والتشيع .
نصوص السماء لا من انتخاب المنتخبين فعلي ان وجد ...
ملامح عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )
ابتکار نظرية الصحابة
غزوة بدر الكبرى أسبابها وأهميتها
مناظرة أمير المؤمنين(ع) مع رجل من أهل الشام في ...
احتجاج الإمام علي(ع) بحديث الغدير
الاسرة والحقوق الزوجية
الملهوف على قَتلى الطفوف

 
user comment