عربي
Wednesday 8th of May 2024
0
نفر 0

الصيام في السفر والحضر

الصيام في السفر والحضر

حکم الصوم في السفر هو الإفطار والقضاء في أيّام أُخر حسب ما أفطر، فلنرجع إلى السنّة ولندرس الروايات الواردة، وسيوافيك انّها تعاضد القرآن الكريم ولا تخالفه قيد شعرة بشرط الإمعان في مضامينها وأسنادها، أمّا ما ورد عن طريق أئمّة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ فهو متضافر لا يسعنا نقلها في المقام وإنّما نتبرّك بذكر بعضها:
1. روى الكليني بسنده عن الزهري، عن علي بن الحسين عليمها السَّلام في حديث قال: «وأمّا صوم السفر والمرض فانّ العامة قد اختلفت في ذلك، فقال قوم: يصوم، وقال آخرون: لا يصوم، وقال قوم: إن شاء صام وإن شاء أفطر، وأمّا نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعاً، فإن صام في حال السفر أو في حال المرض فعليه القضاء، فانّ اللّه عزّ وجلّ يقول: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً أَوْعَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام أُخر) فهذا تفسير الصيام».(1)
2.روى الكليني بسنده عن زرارة، عن أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ قال: «سمّى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قوماً صاموا حين أفطر وقصّر: عصاة، وقال: هم العصاة إلى يوم القيامة، وانّا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا».(2)
3. روى الكليني عن عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ قول اللّه عزّ جلّ (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ) ، قال: «ما أبينها: من شهد الشهر فليصمه، وإن سافر فلا يصمه».(3)
4. روى الكليني عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ قال: سمعته يقول: قال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ :«إنّ اللّه عزّ وجلّ تصدّق على مرضى أُمّتي ومسافريها بالتقصير والإفطار، أيسرُّ أحدكم إذا تصدّق بصدقة ان ترد عليه».(4)
5. روى الكليني عن عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ قال: «إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافراً أفطر» وقال: «إنّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان ومعه الناس وفيهم المشاة، فلمّا انتهى إلى كراع الغميم دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر والعصر فشرب وأفطر ثمّ أفطر الناس معه، وثَمَّ أُناس على صومهم فسمّاهم العصاة، وإنّما يؤخذ بآخر أمر رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ».(5)
هذا بعض ما روي عن أئمّة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ ذكرناه ليكون نموذجاً لما لم نذكر، واقتصرنا بالقليل من الكثير، ومن المعلوم أنّ أئمّة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ أحد الثقلين اللّذين تركهما الرسول بين الأُمّة لصيانتها عن الضلالة فلا يعادل قولَهم قولُ الآخرين.
ومن حسن الحظ انّ روايات أهل السنّة توافق ما روي عن أئمّة أهل البيتعليهم السَّلام ، ونذكر منها ما يلي:
1. أخرج الشيخان في صحيحيهما عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، كان رسول اللّه في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظُلِّل عليه.
فقال: ماهذا؟
فقالوا: صائم.
فقال: ليس من البر الصوم في السفر.
وفي لفظ صحيح مسلم : ليس البر أن تصوموا في السفر.(6)
إنّ البر في مصطلح القرآن هو العمل الحسن الذي يقابله الإثم، يقول سبحانه: (وَتَعاوَنُوا عَلى البِرِّ وَالتَّقوى ولا تَعاوَنُوا عَلى الإِثْمِ وَالْعُدْوان) (7)فإذا لم يكن الصوم في السفر براً فهو إثم، وحكم الإثم واضح.
وقوله ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وإن ورد فيمن وقع في حرج شديد، لكن النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ضرب قاعدة كلية لمطلق الصائم في السفر، سواء أكان عليه حرج أم لا، بشهادة انّه لو كان الموضوع هو الصوم الحرجي لكان عليه التركيز عليه ويقول ليس من البر الصوم الحرجي أو يستشهد بقوله سبحانه: (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج) .
يقول ابن حزم: فإن قيل: إنّما منع ـ عليه السَّلام ـ في مثل حال ذلك الرجل.
قلنا: هذا باطل لا يجوز، لأنّ تلك الحال محرّم، البلوغُ إليها باختيار المرء للصوم في الحضر كما هو في السفر، فتخصيص النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بالمنع من الصيام في السفر إبطال لهذه الدعوى المفتراة عليه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وواجب أخذ كلامه ـ عليه السَّلام ـ على عمومه.(8)
2. أخرج مسلم عن جابر بن عبداللّه انّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس، ثمّ دعا بقدح من ماء فرفعه حتّى نظر الناس إليه ثمّ شرب، فقيل له بعد ذلك: إنّ بعض الناس قد صام؟ فقال:«أُولئك العصاة، أُولئك العصاة».(9)
والمراد من العصيان هو مخالفة أمر رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يقول سبحانه:(وَمَنْ يَعْصِ اللّه وَرَسُوله فَقَد ضَلَّ ضَلالاً مُبيناً) .(10)
والعجب ممّن يريد احياء مذهب إمامه يحمل الحديث على أنّ أمره ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ كان أمراً استحبابياً، لكنّه بمعزل من الواقع، فأين الاستحباب من قوله: «أُولئك العصاة، أُولئك العصاة»؟!
3. أخرج ابن ماجة عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ :«صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر».(11)
ودلالة الحديث على كون الإفطار عزيمة واضحة، فانّ الإفطار في السفر إذا كان إثماً وحراماً فيكون النازل منزلته أعني: الصيام في نفس هذا الشهر إثماً وحراماً.
4. أخرج ابن ماجة عن أنس بن مالك، عن رجل من بني عبد الأشهل قال: أغارت علينا خيل رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فأتيت رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وهو يتغدّى، فقال: «ادن فكل»، قلت: إنّي صائم قال: «اجلس أُحدّثك عن الصوم أو الصيام، إنّ اللّه عزّوجلّ وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع، الصوم أو الصيام». واللّه لقد قالهما النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ كلتاهما أو إحداهما، فيا لهف نفسي فهلاّ كنت طعمت من طعام رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .(12)
5.روى أبو داود انّ دحية بن خليفة خرج من قرية من دمشق إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال في رمضان، ثمّ إنّه أفطر وأفطر معه أُناس وكره آخرون أن يفطروا، فلمّا رجع إلى قريته، قال: واللّه لقد رأيت اليوم أمراً ما كنت أظن انّي أراه، انّ قوماً رغبوا عن هدى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يقول ذلك للذين صاموا ثمّ قال عند ذلك: اللّهم اقبضني إليك.(13)
هذا بعض ما يستدلّ به على كون الإفطار عزيمة، وقد تركنا البعض الآخر لما استوفينا البحث في نقل الروايات الواردة في الصحاح والسنن في كتابنا«البدعة»(14)، فمن أراد التبسط فليرجع إليه.

ما اتّخذ ذريعة لجواز الصوم في السفر
إنّ هنا روايات يتمسّك بها على أنّ الإفطار رخصة وانّ المكلّف مخيّر بينه وبين الصيام وقبل الخوض في المقام نلفت نظر القارئ إلى أُمور ثلاثة يظهر بالإمعان فيها حال بعض ما روي في المقام.
1. انّ البحث مركّز على حكم صيام شهر رمضان في السفر، وانّ الإفطار عزيمة أو رخصة وامّا صيام غيره في السفر فخارج عن موضوع البحث.
2. انّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أمر بالإفطار في عام الفتح(السنة الثامنة من الهجرة) وكان الحكم قبله على الجواز، فلو دلّ حديث عليه فإنّما يصحّ الاستدلال به إذا ورد بعد عام الفتح، وإلاّ فالجواز قبل الفتح ليس مورداً للنقاش.
3. لو افترضنا دلالة الروايات على التخيير فتقع المعارضة بين الآمرة بالإفطار والحاكمة على التخيير، فلابدّ من الرجوع إلى المرجّحات فما وافق الكتاب فهو الحجّة دونما خالف.
وعلى ضوء هذه الأُمور ندرس الروايات المجوّزة ونقول: إنّ الروايات المجوّزة على أصناف:

أ. ما ليس صريحاً في شهر رمضان
1. أخرج البخاري عن عائشة انّ حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : أصوم في السفر ـ و كان كثير الصيام ـ فقال: «إن شئت فصم، وإن شئت فافطر».(15)
إنّ قوله: «وكان كثير السفر» يصلح أن يكون قرينة على أنّ السؤال كان عن الصوم المندوب، ولو لم يكن قرينة فالحديث ليس صريحاً في صيام شهر رمضان، وما لم يكن كذلك لا يحتجّ به.
2. ما أخرجه البخاري بسنده عن أبي الدرداء قال: خرجنا مع النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في بعض أسفاره في يوم حار حتّى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحرّ وما فينا صائم إلاّ ما كان من النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وابن رواحة.(16)
يلاحظ عليه: بما ذكرناه في الرواية السابقة من عدم ظهور الرواية في صوم شهر رمضان، ومعه لا يحتجّ به، مع أنّه يحتمل أن يكون صومه قبل عام الفتح.
3. أخرج البخاري عن أنس بن مالك قال: كنّا نسافر مع النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.(17)
يلاحظ عليه: بأنّه ليس صريحاً في شهر رمضان ـ مضافاً ـ إلى سكوت الصحابة ليس حجّة شرعية وليس بعد نبوة النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ نبوة تشريعية حتّى يكون تقريرهم حجّة.
على أنّه يحتمل أن يكون ذلك قبل يوم الفتح، وقد عرفت أنّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ندّد بمن لم يُفطر في ذلك اليوم وقال: «أُولئك العصاة، أُولئك العصاة».
4. أخرج مسلم بسنده عن طاووس، عن ابن عباس، قال: لا تعب على من صام ولا على من أفطر، فقد صام رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في السفر وأفطر.(18)
وليس الحديث صريحاً في شهر رمضان ولا ظاهراً فيه، على أنّه يمكن أن يكون قبل الفتح، ومنه يظهر ما نقله مسلم في صحيحه(19) وما ذكره ابن حزم في «المحلّى» عن علي.(20)

ب: ما هو صريح في شهر رمضان وليس صريحاً في ما بعد الفتح
5. أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد ـ رضي اللّه عنه ـ قال: كنّا نسافر مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ رمضان فما يعاب على الصائم صومه ولا على المفطر إفطاره.(21)
6. وأخرج عن أنس ـ رضي اللّه عنه ـ عن صوم رمضان في السفر فقال: سافرنا مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.(22)
يلاحظ عليه: قد سافر رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ مرّة في شهر رمضان في غزوة بدر، وأُخرى في عام الفتح، فلعلّ الحديثين ناظران إلى سفره ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في شهر رمضان في غزوة بدر، وإلاّ فهو ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قد ندّد بمن تخلّف وصام في رمضان عام الفتح وسمّاهم عصاة، والحديثان شاهدان على أنّ ما دلّ على الجواز، فإنّما يرجع إلى ما قبل الفتح لا فيه ولا بعده.
ج: ما هو ضعيف سنداً لا يحتجّ به وهناك روايات ضعاف لا يحتج بها، نذكر منها نموذجين:
1. ما روي عن العطريف بن هارون مرسلاً: انّ رجلين سافرا فصام أحدهما وأفطر الآخر، فذكرا ذلك لرسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قال: كلاكما أصاب.(23)
2. ما روي مرسلاً عن أبي عياض: انّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أمر أن ينادى في الناس من شاء صام ومن شاء أفطر.(24)

والرواية مرسلة لا يحتجّ بها.(25)
كما أنّ ما رواه ابن حزم عن عائشة(26) «انّها كانت تصوم في السفر وتتم الصلاة» اجتهاد منها لا يحتجّ به إذا صامت في شهر رمضان بعد الفتح.
وحاصل الكلام: انّ هذه الروايات بين ما هي غير صريحة في كون الصيام كان صيام شهر رمضان أو صريح في كونه في شهر رمضان لكن ليس صريحاً فيما بعد الفتح وبين ما هي ضعيفة سنداً لا يحتج بها.
ولو افترضنا دلالة هذه الروايات على الرخصة فتقع المعارضة بينها و بين ما دلّت بصراحتها على أنّ الإفطار عزيمة وعندئذ يقع التعارض بينهما فتصل النوبة إلى المرجّحات، وأُولى المرجّحات هو موافقة الكتاب، ومن المعلوم انّ الطائفة الأُولى توافق الكتاب وقد عرفت دلالة الكتاب على أنّ الإفطار عزيمة.
المصادر :
1- الكافي:4/83، باب وجوه الصوم.
2- الكافي:4/127، باب كراهية الصوم في السفر، الحديث6.
3- المصدر نفسه، الحديث1.
4- المصدر نفسه، الحديث2.
5- المصدر نفسه، الحديث 5. وقد ورد هذا المضمون في غير واحد من روايات أهل السنّة روى مسلم في رواية خرج رسول اللّه عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثمّ أفطر وكان صحابة رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره(شرح صحيح مسلم للنووي:7/229).
6- صحيح البخاري:3/44; صحيح مسلم:7/233.
7- المائدة:2.
8- المحلّى:6/254.
9- شرح صحيح مسلم للنووي:7/232.
10- الأحزاب:36.
11- سنن ابن ماجة:1/532، رقم الحديث1666; سنن أبي داود:2/217 رقم 2407.
12- سنن ابن ماجة:1/533 برقم 1667.
13- سنن أبي داود:2/319، الحديث2413.
14- البدعة:283ـ 287.
15- صحيح البخاري:3/43.
16- صحيح البخاري:3/43.
17- صحيح البخاري:3/44.
18- صحيح مسلم:3/143، باب جواز الصوم والفطر.
19- صحيح مسلم:3/143.
20- المحلى:6/247.
21- صحيح مسلم:3/143، باب جواز الصوم والفطر.
22- صحيح مسلم:3/143، باب جواز الصوم والفطر.
23- المحلى:6/247.
24- المحلى:6/248.
25- المحلى:6/247.
26- المحلى:6/247.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

تحديث البنية الثقافية كمدخل للتنمية
معنى التحريف وانواعه
أقسام التفسير
ولادة الإمام الحسين(عليه السلام)
باب من اشترى هديا، واشترى وهلك، ومن ضل هديه، ...
الامبريالية والبعث الإسلامي والأصولية الإسلامية
باب في غيبة إبراهيم عليه السلام
ظاهرة الزيارة في ديوان الشعر الحُسينيّ :
التخطيط السياسي في السيرة النبوية
المدرسة السجادية

 
user comment