عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

القسم بلفظ الجلالة

القسم بلفظ الجلالة
 

حلف سبحانه تبارک و تعالى بلفظ الجلالة مرّتین ضمن آیتین من سورة النحل، وهو أعظم قسم ورد فی القرآن الکریم.
قال سبحانه:
(وَیَجْعَلُونَ لِمَا لَا یَعْلَمُونَ نَصِیبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا کُنتُمْ تَفْتَرُونَ).(1)
(تَاللّهِ لَقَدْأَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِکَ فَزیَّنَ لَهُمُ الشَّیطانُ أَعْمالُهُمْ فَهُوَ وَلیُّهُمُ الْیَومَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلیمٌ)(2).
دلّت الآیة الاَولى على جهل المشرکین، حیث کانوا یجعلون نصیباً مما رزقوا للاَصنام التی لا تضر ولا تنفع ویتقربون بذلک إلیهم، وقال سبحانه: (وَیَجْعَلُونَ لما لا یَعْلَمونَ نَصیباً مِمّا رَزَقْناهُمْ تَاللّهِ لتسئلنَّ عَمّا کُنْتُمْ تفتَرون).
وقد حکى سبحانه عملهم هذا فی سورة الاَنعام، وقال: (وَجَعَلُوا للّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالاَنْعامِ نَصِیباً فَقالُوا هذا للّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَکائِنا فَما کانَ لِشُرَکائِهِمْ فَلا یَصِلُ إِلى اللّهِ وَما کانَ للّهِ فَهُو یَصِلُ إِلى شُرکائِهِمْ ساءَ ما یَحْکُمُون).(3)
فالکفار لاَجل جهلهم بمبدأ الفیض کانوا یتقرّبون إلى الآلهة الکاذبة - أعنی: الاَصنام والاَوثان- بتخصیص شیء مما رزقوا لها، مع أنّه سبحانه هو الاَولى بالتقرّب لا غیر، لاَنّه مبدأ الفیض و ما سواه ممکن محتاج فی وجوده وفعله، فکیف یتقربون إلیه؟!
والعجب أنّهم یجعلون نصیباً للّه ونصیباً لشرکائه، فما کان للّه فهو یصل إلى شرکائهم، وما کان لشرکائهم لا یصل إلى اللّه سبحانه، وقد حکاه سبحانه فی سورة الاَنعام، وقال: (وَجَعَلُوا للّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالاَنْعامِ نَصِیباً فَقالُوا هذا للّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَکائِنا فَما کانَ لِشُرَکائِهِمْ فَلا یَصِلُ إِلى اللّهِ وَما کانَ للّه فَهُو یَصِلُ إِلى شُرکائِهِمْ ساءَ ما یَحْکُمُون).(4)
وحاصل الآیة: أنّهم کانوا یجعلون من الزرع والمواشی حظاً للّه وحظاً للاَوثان، وقد أسماها سبحانه (شرکائهم)، لاَنّهم جعلوا الاَوثان شرکاءهم، حیث جعلوا لها نصیباً من أموالهم ینفقونه علیها فشارکوها فی نعمهم.
وقد ذکر المفسرون فی تفسیر قوله تعالى (فَما کانَ لِشُرَکائِهِمْ فَلا یَصِلُ إِلى اللّهِ وَما کانَ للّه فَهُو یَصِلُ إِلى شُرکائِهِم) وجوهاً:(5)
أوّلها: انّهم کانوا یزرعون للّه زرعاً وللاَصنام زرعاً، فکان إذا زکا الزرع الذی زرعوه للّه ولم یزک الزرع الذی زرعوه للاَصنام جعلوا بعضه للاَصنام وصرفوه إلیها، ویقولون إنّ اللّه غنیّ والاَصنام أحوج؛ وإن زکا الزرع الذی جعلوه للاَصنام ولم یزک الزرع الذی زرعوه للّه لم یجعلوا منه شیئاً للّه، وقالوا: هو غنی؛ وکانوا یقسمون النعم فیجعلون بعضه للّه وبعضه للاَصنام فما کان للّه أطعموه الضیفان، وما کان للصنم أنفقوه على الصنم، وهذا هو المرویّ عن الزجاج وغیره.
ثانیها: انّه کان إذا اختلط ما جُعل للاَصنام بما جُعل للّه تعالى ردّوه، وإذا اختلط ما جعل للّه بما جُعل للاَصنام ترکوه، وقالوا:اللّه أغنى، وإذا تخرق الماء من الذی للّه فی الذی للاَصنام لم یسدُّوه، وإذا تخرق من الذی للاَصنام فی الذی للّه سدّوه، وقالوا: اللّه أغنى. عن ابن عباس وقتادة، وهو المروی عن أئمتنا "علیهم السلام".
وثالثها: انّه کان إذا هلک ما جعل للاَصنام بدَّلوه مما جعل للّه، وإذا هلک ما جعل للّه لم یبدّلوه مما جعل للاَصنام. عن الحسن والسدی.(6)
وفی الحقیقة انّهذا النوع من العمل، أی توزیع القربان بین اللّه والآلهة، کان تزییناً من شرکائهم وهم الشیاطین أو سدنة الاَصنام حیث زینوا لهم هذا العمل وغیره من الاَعمال القبیحة، قال تعالى: (وَکَذلِکَ زُیِّنَ لِکَثیرٍ مِنَ الْمُشْرِکینَ قَتْلَ أَولادِهِمْ شُرکاوَهم لِیُرْدُوهُمْ (أی لیهلکوهم بالاِغواء)وَلِیَلْبِسُوا عَلَیْهِمْ دِینَهُمْ وَلَو شاءَ اللّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ ما یَفْتَرُونَ).(7)
یقول سبحانه: (تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِکَ فَزیّنَ لَهُمُ الشَّیطان أَعمالَهُمْ) فهوَلاء کفروا وضلّوا وکذّبوا الرسل وقد زیّن الشیطان أعمالهم (فهو ولیّهم الیوم) أی الشیطان الذی زین لهم أعمالهم فهو أیضاً یقوم بنفس هذا العمل فالولی واحد وإن کان المتولى علیه مختلفاً، وبالتالی انّ الشیطان ولیهم الیوم فی الدنیا یتولونه ویتبعون إغواءه ( ولهم عذاب ألیم).
إلى هنا انتهینا من تفسیر الآیتین، فلنذکر المقسم به، وجواب القسم، وما هی الصلة بینهما.
المقسم به فی الآیتین هو لفظ الجلالة الذی جاء ذکره فی القرآن الکریم حوالی 980 مرة.
وقد ذهب غیر واحد من أصحاب المعاجم إلى أنّ أصله، إله، فحذفت همزته وأدخل علیه الاَلف واللام فخص بالباری تعالى، قال تعالى: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادتِهِ هَلْتَعْلَمُ لَهُ سَمِیّاً).(8)
سیوافیک بأنّ الاِله لیس بمعنى المعبود، وأنّمن فسره به فقد فسره بلازم المعنى، وعلى فرض ثبوته فلفظ الجلالة علم بالغلبة ولیس فیه إشارة إلى هذه المعانی من العبادة والتحیّر، وقد کان مستعملاً دائراً على الاَلسن قبل نزول القرآن تعرفه العرب فی العصر الجاهلی، یقول سبحانه: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَیَقُولُنَّ اللّه).(9) فقد أشار بلفظ الجلالة إلى خالق السماوات والاَرض دون تبادر مفهوم العبادة أو التحیر منه.
وممّا یدل على کونه علماً انّه یوصف بالاَسماء الحسنى وسائر أفعاله المأخوذة من تلک الاَسماء من دون عکس، فیقال اللّه الرحمن الرحیم، أو یقال علم اللّه ورزق اللّه، ولا یقع لفظ الجلالة صفة لشیء منها، ولا یوَخذ منه ما یوصف به شیء منها، وهذا یدل على أنّه علم ولیس بوصف، فیکون اسماً للذات الواجبة الوجود المستجمعة لجمیع صفات الکمال، ولهذا اللفظ فی جمیع الاَلسنة معادل کلفظة "خدا" فی لغة الفرس و"حراً" فی لغة الافرنج و "تاری" فی لغة الترک.(10)
أمّا جواب القسم فی الآیة الاَولى، فهو عبارة عن قوله: (لتسئلن عمّا کنتم تفترون).
کما أنّجوابه فی الآیة الثانیة، هو قوله: (لَقَدْأرْسلنا إِلى أُمم من قَبْلک).
فقد أقسم سبحانه فی هاتین الآیتین بلفظ الجلالة لغایة التأکید على أمرین:
الاول: انّهم مسوَولون یوم القیامة عن افترائهم الکذب.
الثانی: انّه سبحانه لم یترک الخلق سدى بل أرسل إلیهم رسلاً، لکن الشیطان حال بینهم و بین أُممهم، وتشهد على ذلک سیرة عاد و ثمود بل الیهود والنصارى.
المصادر :
1- النحل:56.
2- النحل:63.
3- الاَنعام:136.
4- الاَنعام:136.
5- مجمع البیان: 2/370.
6- مجمع البیان: 2/370.
7- الاَنعام:137.
8- مریم:65.
9- الزخرف:87.
10- المیزان: 1/18.

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

من شهد واقعة الطف
آداب المعلّم والمتعلّم في درسهما
الألفاظ الدخيلة والمولَّدة
الحجّ في نهج البلاغة -4
مكانة الشهيد
المجالس والبعد السياسي
المهدي المنتظر يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ...
المدلول الاجتماعي واللفظي للنص
﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُُ﴾ ليس دليلاً على ان ...
الأحاديث الشريفة في المهدي المنتظر (عجّل الله ...

 
user comment