عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

فاروق الامة

أخرج ابن عبد البر في الاستيعاب عن أبي ليلى الغفاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فألزموا علي بن أبي طالب فأنه اول من يراني وأول من يصافحني يوم القيمة وهو الصديق الاكبر وهو فاروق هذه الامة يفرق بين الحق والباطل وهو يعسوب الدين والمال يعسوب المنافقين وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قوله النجوم امان لاهل الارض من الغرق واهل بيتي امان لامتي من الاختلاف فإذا خالفها قبيلة اختلفت فصارت حزب ابليس(1)
وأخرج ابن عساكر عن حبة قال سمعت عليا عليه السلام يقول :
نحن النجباء وأفرطنا افراط الانبياء وحزبنا حزب الله والفئة الباغية حزب ابليس ومن سوى بيننا وبين عدونا فليس منا ونقل ابن الاثير عن علي انه قال مخاطبا لاهل العراق يذكر معاوية وحزبه ويحرضهم على قتاله ما لفظه : قاتلوا من حاد الله ورسوله وحاول ان يطفئ نور الله فقاتلوا الخاطئين الضالين القاسطين الذين ليسوا بقراء قران ولا فقهاء في الدين ولا علماء في التأول ولا لهذا الامر بأهل في سابقة الاسلام والله لو ولوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرى وهرقل (انتهى بحروفه) وهاهم قد ولوا وعملوا والله بأعمال كسرى وهرقل وصدق الله رسوله وصدق المرتضى ولكن عمي البصائر غلف القلوب يصفون معاوية وأعوانه بضد ما وصفهم به أعلم خلق الله بهم وأصداقهم فيهم ويكذبون شهادة امير المؤمنين عليه السلام.
ونقل ابن الاثير أيضا عن علي عليه السلام انه قال ان معاوية وعمروا وابن أبي معيط وحبيبا وابن أبي سرح والضحاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم اطفالا ثم رجالا فكانوا شر اطفال وشر رجال. (انتهى بحروفه).
وجاء بسند فيه لين ان عليا عليه السلام قال انفروا إلى بقية الاحزاب انظروا إلى ما قال الله ورسوله أنا نقول صدق الله ورسوله ويقولون كذب الله ورسوله.
وفي نهج البلاغة من كلام الامام علي عليه السلام من كتاب إلى معاوية قوله مخاطبا له : دخلت في الاسلام كرها وخرجت منه طوعا. ونقل ابن الاثير عن الامام علي عليه السلام من كلام له «لم يرعني الا انشقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية الذي لم يجعل له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الاسلام طليق ابن طليق حزب من الاحزاب لم يزل حربا لله ولرسوله هو وابوه حتى دخلا في الاسلام كارهين».
وذكر المسعودي في مروج الذهب وغيره ان عليا عليه السلام نزل الانبار والتأمت عليه العساكر فخطب الناس وحرضهم على الجهاد وقال : سيروا إلى قتلة المهاجرين والانصار قد طالما سعوا في اطفاء نور الله وحرضوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله ومن معه الا ان رسول الله. امرني بقتال القاسطين وهم هؤلاء الذين سرنا إليهم والناكثين وهم هؤلاء الدين فرغنا منهم والمارقين ولم نلقهم بعد فسيروا إلى القاسطين فهم اهم علينا من الخوارج سيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين يتخذهم الناس أربابا ويتخذون عباد الله خولا ومالهم دولا (انتهى)
وقال : الحافظ ـ الشوكاني في نيل الاوطار لما كتب معاوية إلى الحسن بن علي يطلب منه ان يقاتل الخوارج. اجابه لو آثرت ان اقاتل
أحدا من أهل القبلة لبدأت بقتالك وقال فيه حكى في البحر عن العترة جميعا ان جهاد البغاة افضل من جهاد الكفار إذ فعلهم في دار الاسلام كفعل الفاحشة في المسجد (انتهى).
قلت يستأنس لقول العترة بما أخرجه الخطيب عن المسور بن مخرمة قال : قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما ألم يكن فيما نقرأ قاتلوا في الله في آخر مرة كما قاتلتم اول مرة قال فمتى ذلك قال إذا كانت بنو امية الامراء وبنو مخزوم الوزاء وبما أخرجه ابن جرير في تفسيره بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : وجاهدوا في الله حق جهاده كما جاهدتم اول مرة فقال عمر من الذين أمرنا بجهاده قال : قبيلتان من قريش مخزوم وعبد شمس (انتهى). وأقول أيضا يؤخذ منه ان يكون سبهم للتحذير منهم وبيان حالهم افضل من سب الكافر لان الضرر يخشى منهم اكثر والعامة إلى الاغترار بهم اقرب فينبغي اعلان حالهم لتحذير الامة من الاقتداء بهم والميل إلى اكاذيبهم وتأويلاتهم.
فان قال : قائل كل ما لزم معاوية في خروجه على الامام علي ومحاربته يلزم طلحة والزبير وعائشة رضوان الله عليهم وكل ما تأولتموه لهم فنحن تنأوله لمعاوية وكل جواب عنهم فهو جواب عنه. قلت اما ما لزم معاوية من كونه مخطئا وان المصيب في جميع حروبه معه ومنازعاته له هو الامام علي المرتضى فلزومه للزبير وطلحه وعائشة رضوان الله عليهم مسلم. فقد اجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي اهل الحديث والرأي ومنهم مالك والشافعي وابو حنيفة واحمد والاوزاعي والجمهور الاعظم من المتكلمين من المسلمين على ان عليا مصيب في قتاله لاهل صفين كما هو مصيب في أهل الجمل وان الذين قاتلوه بغاة ظالمون له لكن لا يكفرون بغيهم كذا ذكره الامام عبد القاهر الجرجاني في كتاب الامامة وزاد الغزالي ولم يقل بتخطئة الامام علي ذو تحصيل .
واما ما يلزم معاوية وأعوانه من الفسق ببغيهم ومحاربتهم لله ورسوله واقترافهم العظائم وجواز لعنهم ووجوب بغضهم فلا نسلم ذلك للزبير وطلحة وعائشة رضوان الله عليهم فان الشوط بين الفئتين بطين والمفرق بين الفريقين عظيم بل نقول ان الثلاثة انما خرجوا متأولين مجتهدين وهم من أهل الاجتهاد وكانوا مخطئين في اجتهادهم ولكنهم رجعوا عن ذلك حين ظهر لهم الحق وندموا على ما فعلوا ولم يصروا على ذلك كما اصر معاوية إلى آخر حياته كما يشهد به التواتر.
وقد نقل المسعودي في مروج الذهب وغيره من أهل المغازي ان عليا كرم الله وجهه خرج بنفسه حاسرا يوم الجمل على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله لا سلاح عليه فنادى يا زبير اخرج الي فخرج شاكيا في السلاح فقيل لعائشة فقالت واحرباه يا اسماء فقيل لها ان عليا حاسر فاطمأنت واعتنق كل منهما صاحبه فقال له ويحك يا زبير ما الذي اخرجك قال دم عثمان قال : قتل الله أولانا بدم عثمان اما تذكر يوم لقيت رسول الله صلى الله عليه وآله في بني بياضه وهو راكب حماره فضحك الي رسول الله صلى الله عليه وآله وضحكت انت معه فقلت أنت ما يدع ابن أبي طالب زهوة فقال لك ليس به زهوا تحبه يا زبير؟ فقلت : والله اني لاحبه فقال لك انك والله ستقاتله وانت له ظالم فقال الزبير استغفر الله لو ذكرتها ما خرجت. فقال يا زبير ارجع فقال وكيف ارجع الآن وقد التقت حلقتا البطان هذا والله العار الذي لا يغسل فقال يا زبير ارجع بالعار قبل ان تجمع العار والنار فرجع الزبير وهو يقول :
اخترت عارا على نار مؤججة / ما ان يقوم لها خلق من الطين
نادى علي بأمر لست اجهله / عار لعمرك في الدنيا وفي الدين
فقلت حسبك من عدل أبا حسن / فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني
ثم مضى منصرفا حتى اتى وادي السباع فقتله عمرو ابن جرموز في الصلاة غدرا واتي عمرو عليا بسيف الزبير وخاتمه فقال علي : سيف طالما جلى الكرب عن وجه رسول الله لكنه الحين ومصارع السوء وقاتل ابن صفية في النار ثم نادى علي طلحة رضي الله عنهما حين رجع الزبير يا أبا محمد ما الذي اخرجك قال الطلب بدم عثمان قال علي : قتل الله اولانا بدم عثمان اما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه وانت اول من بايعني ثم نكث وقد قال الله عزوجل فمن نكث فانما ينكث على نفسه فقال استغفر الله ثم رجع فقال : مروان بن الحكم رجع الزبير ويرجع طلحة ما ابالي رميت ها هنا ام هاهنا فرماه في اكحله فمر به علي بعد الوقعة فقال انا الله وانا إليه راجعون والله لكنت كارها لهذا (انتهى بحذف يسير).
وأخرج الحاكم في المستدرك عن ثور بن جزاءة قال مررت بطلحة بن عبيدالله يوم الجمل وهو صريع في آخر رمق فوقفت عليه فرفع رأسه فقال اني لارى وجه رجل كأنه القمر فمن انت قلت من اصحاب امير المؤمنين علي فقال ابسط يدك ابايعك له فبسطت يدي فبايعني وفاضت نفسه فأتيت عليا فأخبرته بقول طلحة فقال الله اكبر الله اكبر صدق رسول الله صلى الله عليه وآله ابى الله ان يدخل طلحة الجنة الا وبيعتي في عنقه وذكر المسعودي ان عائشة رضي الله عنها حين رجعت إلى المدينة قالت وددت اني لم اخرج وان اصابني كيت وكيت من أمور ذكرتها وانما قيل لي تخرجين فتصلحين بين الناس فكان ما كان ونقل ابن الاثير انها قالت يوم الجمل والله لوددت اني مت قبل اليوم بعشرين سنة ونقل الملا علي القاري في شرح الفقه الاكبر انها كانت تبكي ندما حتى تبل خمارها وقال ابن عبد البر في الاستيعاب روى اسمعيل بن علية عن أبي سفيان ابن العلاء عن أبي عتيق قال : قالت عائشة إذا مر ابن عمر فأرونيه فلما مر ابن عمر قالوا هذا ابن عمر فقالت يا أبا عبدالرحمن ما منعك ان تنهاني عن مسيري قال : رأيت رجلا قد غلب عليك وظننت لا تخالفينه يعني ابن الزبير قالت :
اما انك نهيتني ما خرجت.
وعن جميع بن عمير رضي الله عنه قال : دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت : من كان أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت : فاطمة فقلت : انما سألتك عن الرجال قالت : زوجها وما يمنعه فوالله انه كان لصواما قواما وقد سالت نفس محمد في يده فردها إلى فيه قلت : فما حملك على ما جرى فأرخت خمارها على وجهها وبكت وقالت : امر قضي علي. وجاء بسند رجاله ثقات الا واحدا فضعيف ومع ذلك يكتب حديثه انه ذكر لعائشة يوم الجمل فقالت والناس يقولون يوم الجمل قال نعم قالت : وددت اني كنت جلست كما جلسن صواحبي فكان احب الي من ان اكون ولدت من رسول الله صلى الله عليه وآله بضعة عشر ولدا كلهم مثل عبدالرحمن بن الحرث بن هشام أو مثل عبدالله بن الزبير.
وفي ربيع الابرار للزمخشري رحمه الله قال : جزعت عائشة حين احتضرت فقيل لها فقالت : اعترض في حلقي يوم الجمل (انتهى) وقد أخرج ابن أبي شيبة بسنده ابن عليا كرم الله وجهه سئل : يوم الجمل الجمل عن أهل الجمل المقاتلين له أمشركون هم؟ قال : من الشرك فروا فقيل أمنا فقون هم؟ قال : ان المنافقين لا يذكرون الله الا قليلا فقيل فماهم قال : اخواننا بغوا علينا (انتهى) ولم يقل هذا لاهل صفين وقد اختلف فعله كرم الله وجهه في الواقعتين قانه يوم الجمل لم يتبع موليا ولم يجهز على جريح ولم يطلب مدبرا ومن القى سلاحه أو دخل داره كان امنا وأستغفر لطلحة والزبير وعائشة وترحم عليهم وارضى عائشة وابلغها إلى المدينة مأمنها وقد قتلهم في صفين مقبلين ومدبرين واجهز على جرحاهم لان لهم رئيسا باغيا يرجعون إليه وهم مصرون على فعلهم وعصيانهم فلعن رئيسهم وأعوانه ودعا عليهم فلقد عامل كرم الله وجهه كلا بما يستحق.
ثم ان سوابق هؤلاء في الاسلام ونصحهم لله ورسوله وفقههم في الدين وحسن بلائهم في الجهاد مع نبي الله وشهادته لهم بالجنة تدل دلالة قوية على سلامة مقصدهم واشتباه الامر عليهم حتى إذا أتضح رجعوا إليه وتابوا واستغفروا والله غفور رحيم وليس كذلك معاوية وأعوانه في صفين وغيرها فأنهم خرجوا أشرا وبطرا وطعما في الدنيا وفيما لاحق لهم فيه من الخلافة متسترين بالطلب بدم عثمان على ان سوابقهم في الاسلام سوابق سوء تشهد بها الاخبار والسيرومع ذلك فقد أصروا على بغيهم وعنادهم وحينئذ فلا يلزم الزبير وطلحة وعائشة ما يلزم معاوية مما جوزه أهل الحق من لعنه ووجوب بغضه لاجعلنا الله من انصاره ولا من المشوهين وجه الدين بالمغالطة في شأنه آمين.
ولعلك تقول متجاسرا كما ان طلحة والزبير وعائشة رضوان الله عليهم مجتهدون في اعمالهم ولهم أجر من اجتهد فأخطأ فكذلك معاوية فنقول : هذه مقالة قد سبقك بها كثير من انصاره وقد نفخت بها ابواق ودقت بها طبول ولكن الحق فيها ابلج واضح اما كونه من أهل الاجتهاد فمسلم لان له من الذكاء والدهاء والحذق والعلم بالعربية واساليب الكلام مالا يدانيه فيه كثير من المجتهدين ولكنه مجتهد عرف ان الحق من كل الوجوه مع علي عليه السلام ثم خالفه عنادا وبغيا وحبا للجاه والمال ولو كان خروجه لرسيس من شبهة أو وميض من طلب حق لما أصر على بغيه بعد قتل عمارو لرجع كمن رجعوا.
وان مما يقرب من المستحيل ان يؤديه ذكاؤه الخارق ودهاؤه العظيم وحذقه الثاقب إلى أعتقاد انه احق شئ من الامر من علي كرم الله وجهه وممن مع علي من المهاجرين ذوي السوابق الحسنة كيف وقد اجمع على تخطئته فيما فعل الخاص والعام من المسلمين اللهم الا نفرا استغواهم هو نفسه بالمال والخداع فهل يعرف الكل خطأه ولا يعرفه داهية العرب وكسرها؟ بل اضله لله على علم وذهب به البغي كل مذهب وليس الا الوزر لا الاجر ولا تغني عنه بيوت العنكبوت التي بناها له أنصاره كالشيخ ابن حجر الهيثمي من عذاب الله شيئا.
جاء الشيخ ابن حجر رحمه الله في كتابيه الصواعق المحرقة وتطهير الجنان بما يضحك الثكلي ويأسف له الحكيم من التحملات الفاسدة والتأويلات البعيدة والتعسفات المتناقضة وروائح النصب تفوح من صفحات ذينك الكتابين ولا غرو ان اغتر بشئ منهما بعض قاصري النظر فقد جمع جواد قلمه بما تقشعر منه الجلود وترجف منه القلوب فزعا وهو لعنه في ذينك الكتابين كل من سب معاوية ولعنه. كأنه لم يقف على لعن النبي عليه السلام القائد والسائق ومعاوية احدهما وكأنه لم يبلغه ما بلغ كل الناس تواترا ان عليا عليه السلام كان يقنت ويلعن معاوية واصحابه ويسبهم وقد فعل فعله كثير من الصحابة والتابعين وجحاجحة اهل البيت النبوي فما أدري اجهل هذا الشيخ أم تجاهل واني والله مشفق عليه ان يعاتبه الله ورسوله على ذلك. قلت يعاتبه ولم أقل يعاقبه لاني أرجو ان يسامحه الله عن صنيعه فان الشيخ من أهل الفقة في الدين وسلامة المقصد الا ان تقليده وتعصبه لمن تقدمه ونظره إلى القضية من وجهة واحدة هما اللذان اقحماه هذا المجال المخيف هو يظن انه احسن صنعا )جاء في فتاويه الحديثية سئل فيمن قال صاحب العباب حاطب ليل هل يكفر إذ يفهم منه انه مستهزء به فأجاب به فأجاب بقوله لاكفر ثم قال وانما الذي يلحقه الذم الشديد والوصف المشعر بأنه جبار عنيد أو شيطان مريد انتهى) فليته قال في اعداء علي السابين له باشد مما قيل في صاحب العباب في السؤال نحو قوله في الجواب. (
والعجب كل العجب ان هؤلاء المتمحلين قائلون بكفر الذين حاربوا الصديق رضى الله عنه جازمون بحل سبي نسائهم وذراريهم واغتنام أموالهم على ان طوائف منهم كما لك بن نويرة وقومه بني يربوع وغيرهم من قبائل العرب لم يحكم بردتهم الا لانهم امتنعوا عن اداء الزكاة إلى الخليفة وقالوا زكاة اغنيائنا نردها على فقرائنا ولم يجحدوا وجوبها وكانوا يقيمون الصلاة فحق عليهم ما حق بذلك الامتناع ولم يلتمس أحد لهم تأويلا بأنهم ربما كانوا ظانين جواز ذلك لدليل قام عندهم أو لاجتهاد منهم وهذا معاوية لم يمنع الزكاة فقط عن تسليمها إلى الخليفة كما فعلوا بل استولى على أموال بيت مال المسلمين كلها من زكاة وغيرها واصطفى بيضاءها وصفراءها ثم فعل كبائر الافاعيل المنهى عنها وعثا في الارض فسادا ثم تجدهم مع هذا كله يتمحلون له بأنه مجتهد وانه مثاب ايضا قل ابالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن ما ضربوه لك الا جدلا بل هم قوم خصمون رب احكم بيننا وبين قومنا بالحق.

لعمر الله ان الحيرة لتغلب على رأي الحكيم في افعال هؤلاء القوم وما ينسبون معاوية إليه من صلاح النية والاجتهاد والطلب بدم عثمان ونحو ذلك حتى ان العاقل ليسئ بهم الظن مغلوبا على أمره لا يجد من ذلك مخرجا كيف يتصور صلاح النية وهو يقاتل المهاجرين والانصار وانى يصح الاجتهاد في مقابلة النص على بغيه بقتل عمار واين الطلب بدم عثمان من الفساد في الارض وارسال السرايا والبعوث إلى كل ناحية للقتل والنهب وقتل الاطفال والضعفاء والنساء وارتكاب العظائم مما لم يجوزه النبي صلى الله عليه وآله حتى مع المشركين.
نقل أبو الفرج الاصفهاني بسنده وغيره ان معاوية بن أبي سفيان بعث بسر بن ارطاة بعد تحكيم الحكمين وعلي بن أبي طالب عليه السلام يومئذ حي وبعث معه جيشا ووجه الضحاك بن قيس الفهري في جيش آخر وضم جيشا آخر إلى رجل من غامد وأمرهم ان يسيروا في البلاد فيقتلوا كل من وجدوه من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام واصحابه وان يغيروا على سائر اعماله ويقتلوا اصحابه ولا يكفوا ايديهم عن النساء والصبيان فمر بسر لذلك على وجهه حتى انتهى إلى المدينة فقتل بها اناسا من أصحاب علي عليه السلام وأهل هواه وهدم بها دورا ومضى إلى مكة وقتل نفرا من آل المهلب ثم إلى السراة فقتل بها من وجد من أصحابه واتى نجران وقتل عبدالله بن عبدالمدان الحارث وابنه وكانا من اصهار ابن العباس عامل علي عليه السلام ثم اتى اليمن وعليها عبيدلله ابن العباس رضى الله عنهما عامل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وكان غائبا فلم يصادفه بسر ووجد ابنين له صبيين فأخذهما بسر لعنه الله وذبحهما بيده بمدية كانت معه ثم انكفأ راجعا إلى معاوية وفعل مثل ذلك سائر من بعثه معاوية فقصد الغامدي الانبار فقتل ابن حسان البكري وقتل رجالا كثيرين ونساء من الشيعة (انتهى)
قلت : اين يفلت معاوية وبسر كلاهما بعد ان فعلا بالمدينة ما فعلا من الوعيد الشديد الذي جاء عن الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وآله في حق من كاد أهل المدينة أو أرادهم بسوء أو ظلمهم أو اخافهم وانى ينجوان من ذلك وبم يستجنان من غضب الله ولعنته وبأي تأويل يحاول انصارهما تبريرهما من ذلك فقد روي في الصحيحين وغيرهما عن سعد رضى الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول لا يكيد أهل المدينة أحد الا انماع كما ينماع الملح في الماء زاد مسلم ولا يريد أحد اهل المدينة بسوء الا إذا به الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء وروى النسائي والطبراني عن السائب بن خلاد رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال : اللهم من ظلم اهل المدينة وأخافهم فاخفه وعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وفي رواية للطبراني قال من اخاف اهل المدينة اخافه الله يوم القيامة وغضب عليه ولم يقبل منه صرفا ولا عدلا وما فعله بسر في المدينة حال كونه عامل معاوية من القتل والتهديد والحلف على المنبر انه لو لم يمنع لما ترك بالمدينة محتلما» مشهورا مذكور لانطيل به وروى أهل السير ومنهم ابن الاثير ان عمارا قال لعمرو بن العاص يا عمرو لقد بعت دينك بمصر فقال لا ولكن اطلب بدم عثمان فال انا أشهد على علمي فيك انك لا تطلب بشئ من فعلك وجه الله (وأنا اشهد ان أبا اليقظان صادق ولعنة الله على الكاذب) وانك ان لم تقتل اليوم تمت غدا فأنظر إذا اعطي الناس على قدر نياتهم مانيتك لقد قاتلت صاحب هذه الراية (يعني عليا) ثلاثا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهذه الرابعة (انتهى).
وما لزم عمروا من كلام عمار فهو لمعاوية الزم لانه شر منه وهو الراشي له بوعده تولية مصر والمستعين به في الحيل على الله وعلى المؤمنين فقوم هذا حالهم وهذا كلام عمار وامثاله فيهم يقال عنهم انهم مجتهدون لا والله ثم لا والله ليسوا بطالبي حق بل لم يزل أمرهم على ما كانوا عليه في الجاهلية من محادتهم لله ورسوله لا يحبهم من خامر الايمان قلبه ولا يناضل عنهم من أخلص لله تعالى اسلامه لانهم خانوا الله ورسوله والمؤمنين ولا تكن للخائنين خصيما اخرج البزار بسند معتمد عن زيد بن وهب قال : كناعند حذيفة رضى الله عنه كيف انتم وقد خرج اهل دينكم يضرب بعضهم رقاب بعض قالوا فما تأمرنا قال : انظروا الفرقة التي تدعوا إلى أمر علي فألزموها فانها على الحق. (ولابن أبي شيبة) بسند صحيح على شرط الائمة الستة عن أبي الرضى سمعت عمارا يوم صفين يقول من سره ان تكتنفه الحور العين فليتقدم بين الصفين محتسبا. وله بسند معتمد انه كان يقول بين الصفين باعلى صوته روحوا إلى الجنة قد تزينت الحور العين فأني لارى صفا ليضربنكم ضربا يرتاب منه المبطلون والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفنا أنا على الحق وهم على الضلال وقد روى ابن الاثير حديث «عمار تقتله الفئة الباغية»
وزاد فيه ما لفظه : الناكبة عن الحق (انتهى)
وقال : ولما روى عمرو بن العاص هذا الحديث لذى الكلاع قال ذو الكلاع ماهذا ويحك (وكان ذو الكلاع وعامة اهل الشام قد غرهم معاوية ووزراؤه وكذبوا عليهم واستغووهم) فيقول عمرو أنه سيرجع الينا فقتل ذو الكلاع قبل عمار (مع الفئة الباغية) وقتل عمار رحمه الله بعد. قال ابن الاثير فقال عمرو لمعاوية ما أدري بقتل أيهما انا أشد فرحا بقتل عمار أو بقتل ذي الكلاع والله لو بقى ذو الكلاع بعد قتل عمار لمال بعامة أهل الشام إلى علي (انتهى بحروفه).
فأنظر ايها المنصف إلى هؤلاء المدلسين المغررين الفرحين بما يسئ رسول الله صلى الله عليه وآله ويسئ كل صادق في ايمانه فقد فرحوا قدما بقتل عبيدة وحمزة ثم بقتل عمار وانصار اهل البيت والدين وسمموا الحسن بن علي عليهما السلام وكبروا شماتة لموته وهكذا اعمالهم فحالتهم في الجاهلية والاسلام متشابهة ولاقوة الا بالله لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا وواعجبا من أقوام بين ظهرانينا الآن يدخلون المساءة على النبي صلى الله عليه وآله وعلى أهل بيته وصالحي امته في قبورهم بمدح من يلعنهم ويوصل إليهم كل اذى ويشاركون بذلك معاوية في قبائحه التي يتمنى هو الخروج منها مع انهم لا ينالون الآن من معاوية وذويه ذرة من دنياه هذا والله هو الخسران المبين أنها لاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ولكنه استحكم فيهم داء التقليد المحض وحسن الظن الظار ففترت حواسهم واصابهم تخدير مهلك فهم لا يحسون ولا يشعرون وإذا ذكروا لا يذكرون ويعتقدون أن كل ما خالف ما جمدا عليه باطل فهان عليهم مشاركة طاغية هذه الامة بنصرهم له ومدحه وتعظيمه وتسويده وستر فواقره يكابرون في الحق ويصمون اسماعهم عنه ويعرضون عن الحجج الواضحة ان دعوتهم إلى سماع ادلة كلام الله ورسوله لا يسمعون اما قراؤا قول الله تعالى : انهم الفوا آبائهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون.
وهناك طوائف من علماء السوء يغتافلون عن اظهار الحق وهم يعرفونه قيموهون ويغالطون ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيمة ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم الاساء ما يزرون كل ذلك خوفا من ان ينبزهم المقلدون بأنهم شيعة أو رافضة حرصا على جاه موهوم زائل كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه قال ابن القيم في اعلام الموقعين نقلا عن شيخه شيخ الاسلام بن تيمية من له خبرة بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وآله وبما كان عليه هو واصحابه رأى ان اكثر من يشار إليهم بالدين هم أقل الناس دينا والله المستعان (انتهى بالحروف) ان معاوية وعمرو ومن شاكلهما يقرون ويعترفون في كثير من المواطن بأنهم على غير حق وانهم انما يقاتلون للدنيا ولكن أنصارهم يأبون الا نسبتهم إلى الحق وتزكية اعمالهم بادعاء الاجتهاد لهم وأثابتهم من الله على بغيهم وعنادهم روى المسعودي رحمه الله عندما ذكر قصة قتل اللخميين اللذين اطمعهما معاوية بالمال ان قتلا العباس بن ربيعة الهاشمي في يوم من أيام صفين فخرجا فقتلهما الامام علي عليه السلام
قال : رحمه الله ونما الخبر إلى معاوية فقال قبح الله اللجاج انه لعقور ما ركبته قط الا خذلت فقال عمرو بن العاص المخذول والله اللخميان والمغرور من غررته لا أنت المخذول قال اسكت ايها الرجال فليس هذا من شأنك قال : وان لم يكن رحم الله اللخميين ولا أراه يفعل قال ذلك والله اضيق لحجتك واخسر لصفقتك قال قد علمت ذلك ولو لا مصروو ولايتها لركبت المنجاة منها فأني اعلم ان علي بن أبي طالب على الحق واننا على ضده فقال معاوية مصر والله اعمتك ولولا مصر لالفيتك بصيرا ثم ضحك معاوية ضحكا ذهب به كل مذهب قال : مم تضحك يا امير المؤمنين اضحك الله سنك قال اضحك من حضور ذهنك يوم بارزت عليا وابدائك سوأتك أما والله يا عمرو لقد واقعت المنايا ورأيت الموت عيانا ولو شاء لقتلك ولكن ابي ابن أبي طالب في قتلك الا تكرما فقال. عمر واما والله اني لعن يمينك حين دعاك إلى البراز فأحولت عيناك وبدأ سحرك وبدأ منك ما اكره ذكره لك من نفسك فاضحك اودع (انتهى بالحرف) وذكره البيهقي بنحو هذا في المحاسن والمساوي وذكر أهل السيران عمروا قال لابنه عبدالله يوم صفين أي عبدالله انظر أين ترى عليا قال أراه في تلك الكتيبة القتماء قال الله در ابن عمر وابن مالك فقال له أي ابت فما يمنعك إذ غبطتهم ان اترجع فقال يا بني انا أبو عبد الله إذا حككت قرحة ادميتها.
المصدر :
1- كتاب ليالي بيشاور للسيد محمد الموسوي الشيرازي (ص 520 - ص 550)

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مرقد السيدة زينب الكبرى (س)
أقوال المعصومين في القرآن
تتمّة فيها فوائد مهمّة-2
السياسة عند الامام الحسن عليه السلام
اهمية البناء التبربوي للطفل في الاسلام
فيما نذكره عند المسير من القول و حسن التدبير
الحرية بين النخبة والأمة
المکاره في الاسلام
أدلة وجود الإمام المهدي عليه السلام
حب علي (ع) و بغضه

 
user comment