عربي
Wednesday 1st of May 2024
0
نفر 0

فی نصب الامام (للحلی)

فی نصب الامام (للحلی)

البحث الرابع في أن نصب الإمام لطف
اعلم أن الإمام الذي حددناه إذا كان منصوبا يقرب المكلف بسببه من الطاعات و يبعد عن المقبحات و إذا لم يكن كذلك كان الأمر بالعكس و هذا الحكم ظاهر لكل عاقل بالتجربة و ضروري لا يتمكن أحد من إنكاره و كل ما يقرب المكلفين إلى الطاعة و يبعدهم عن المعاصي يسمى لطفا اصطلاحا فظهر من ذلك أن كون الإمام منصوبا ممكنا لطف في التكاليف الواجبة و ما سيأتي في وجوب نصب الإمام يدل على أنه لطف أيضا
البحث الخامس
لا يقوم غير الإمامة مقامها لوجوه الوجه الأول ما ذكره القدماء و هو أن اتفاق العقلاء في كل صقع و في كل زمان على إقامة الرؤساء يدل على عدم قيام غيرها مقامها. الوجه الثاني أن الغالب على أكثر الناس القوة الشهوية و الغضبية و الوهمية بحيث يستبيح كثير من الجهال لذلك اختلال نظام النوع الإنساني في جنب‌

                         الألفين ص : 16
تحصيل غاية القوة الشهوية له أو الغضبية و يظهر لذلك التغالب و التنازع و الفساد الكلي فيحتاج إلى رادع لها و هو لطف يتوقف فعل الواجبات و ترك المحرمات عليه و هو إما داخلي أو خارجي فالأول ليس إلا القوة العقلية و إلا لكان الله تعالى مخلا بالواجب في أكثر الناس و هذا محال لأنه إن امتنع معه الفعل و كان من فعله تعالى كان إلجاء و هو ينافي التكليف و إن كان من فعل المكلف نقلنا الكلام إليه و إن كان مما يختار معه المكلف فعل الواجبات و ترك المعاصي بحيث يوجب الداعي لذلك و يوجب المصارف عن ضده و إن جاز معه الفعل بالنظر إلى القدرة لا بالنظر إلى الداعي كما في العصمة فالتقدير خلاف ذلك في الأكثر و الواقع ضد ذلك في غير المعصوم و لأن البحث على تقدير عدمه و لهذا أوجبنا الإمامة و لأنه يلزم إخلاله تعالى بالواجب و إن لم يكن كذلك لم نجد نفعا في ردعها و هو ظاهر و الواقع يدل عليه و الثاني إن كان من فعله تعالى بحيث كلما أخل المكلف بواجب أو فعل حراما أرسل الله عليه عقابا أو مانعا أو في بعض الأوقات كان إلجاء و هو باطل و إن كان من فعله تعالى الحدود و من فعل غيره كإقامتها و هو المطلوب لأن ذلك الغير يجب أن يكون معصوما مطاوعا ليتم له ذلك فلا يقوم غيره مقامه و لأنه إن وجب وصوله كل وقت يحتاج إليه لزم الجبر و إلا فإما أن يكون من فعل الله تعالى بغير وساطة أحد من

                         الألفين ص : 17
البشر بأن ينزل به عذابا إذا فعل أو آية عند عزمه و التقدير عدمه أو بتوسط البشر فهو مطلوبنا. الوجه الثالث أن تحصيل الأحكام الشرعية في جميع الوقائع من الكتاب و السنة و حفظها لا بد له من نفس قدسية تكون العلوم الكسبية بالنسبة إليها كفطرية القياس معصومة من الخطإ و لا يقوم غيرها مقامها في ذلك إذ الوقائع غير متناهية و الكتاب و السنة متناهيان و لا يمكن أن تكون هذه النفس لسائر الناس فتعين أن تكون لبعضهم و هو الإمام فلا يقوم غيره مقامه الوجه الرابع المطلوب من الرئيس أشياء 1-  جمع الآراء على الأمور الاجتماعية التي مناط تكليف الشارع فيها الاجتماع كالحروب و الجماعات فإنه من المستبعد بل المحال أن يجتمع آراء الخلق الكثير على أمر واحد و على مصلحة واحدة و أن يعرف الكل تلك المصلحة و يتفقوا عليها و أن تجتمعوا من البلاد المتباعدة و أن تتفق دواعيهم على الحرب و مدته و جهته و المهانات و المصلحة في جميع الأوقات فإن الاتفاقي لا يكون دائما و لا أكثريا و لا يقوم غير الرئيس في ذلك مقام الرئيس و هو ظاهر. 2-  التقريب المتقدم فيما يحتاج فيه إلى الاجتماع فإن الناس لا يتفقون على مقدم فيؤدي إلى الاختلاف و هو نقض للغرض فلا بد أن يتميز بآية من الله تعالى و يكون منزها من كل عيب و يكون معصوما لئلا تنفر الطباع عنه. 3-  حفظ نظام النوع عن الاختلال لأن الإنسان مدني بالطبع لا يمكن أن يستقل وحده بأمور معاشه لاحتياجه للغذاء و الملبوس و المسكن و غير ذلك‌

                         الألفين ص : 18
من ضرورياته التي تخصه و يشاركه غيره من أتباعه فيها و هي صناعة لا يمكن أن يعيش الإنسان مدة بصنعها فلا بد من الاجتماع بحيث يحصل المعاون الموجب لتسهيل الفعل فيكون كل واحد يفعل لهم عملا يستفيض منه أجرا لا يمكن النظام إلا بذلك و قد يمتنع المجتمعون من بعضها فلا بد من قاهر يكون التخصيص منوطا بنظره لاستحالة الترجيح من غير مرجح و لأنه يؤدي إلى التنازع. 4-  الطباع البشرية مجبولة على الشهوة و الغضب و التحاسد و التنازع و الاجتماع مظنة ذلك فيقع بسبب الاجتماع الهرج و المرج و يختل أمر النظام فلا بد من رئيس يقهر الظالم و ينصر المظلوم و يمنع عن التعدي و القهر و يستحيل عليه الميل و الحيف و إنما قصده الإنصاف و يخاف من عقوبته العاجلة فإن أكثر الناس أطوع لها من الآجلة لأنا نبحث على هذا التقدير بحيث يقاوم خوفه شهوته و غضبه و حسده و غير الرئيس لا يقوم مقامه في ذلك لما تقدم و أيضا فإنه معلوم بالضرورة. 5-  الحدود لطف أمر الشارع بها فلا بد لها من مقيم و غير الرئيس يؤدي إلى الهرج و المرج و الترجيح بلا مرجح فلا يقوم غيره مقامه في ذلك. 6-  الوقائع غير محصورة و الحوادث غير مضبوطة و الكتاب و السنة لا يفيان بها فلا بد من إمام منصوب من قبل الله تعالى معصوم من الزلل و الخطإ يعرفنا الأحكام و يحفظ الشرع لئلا يترك بعض الأحكام أو يزيد فيها عمدا أو سهوا أو يبدلها و ظاهر أن غير المعصوم لا يقوم مقامه في ذلك. 7-  تولية القضاء الذين يجب العمل بحكمهم في الدماء و الأموال و الفروج و سعاة الزكوات الأمناء على أموال الفقراء و أمراء الجيوش

                         الألفين ص : 19
الواجبي الطاعة في الحروب و بذل النفس و القتل و الولاة أمر ضروري لنظام النوع و لا بد أن يكون منوطا بنظر واحد لاستحالة الترجيح من غير مرجح و الواقع اختلاف الآراء و تضاد الأهواء و غلبة الشهوات و تغاير المرادات و اتفاق الخلق من أنفسهم ابتداء على واحد في هذه المناصب متعسر بل متعذر و في كل زمان على شخص واحد بالشرائط التي يستحق معها ذلك ممتنع فإن الاتفاقي يستحيل أن يكون أكثريا أو دائميا فذلك الواحد الذي يناط تولية هؤلاء بنظره لا بد أن يكون واجب الطاعة من قبل الله تعالى و يستحيل من الحكيم إيجاب طاعة غير المعصوم في مثل هذه الأمور الكلية التي بها نظام النوع و عدم اختلاله و ظاهر أن غيره لا يقوم مقامه على التقادير التي يبحث عنها. 8-  الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لطف لا يقوم غيره مقامه لوجوبه من غير بدل فالأمر لطف واجب لا يقوم غيره مقامه لامتناع تحقق الإضافة بدون تحقق المضافين و لا بد أن ينتهي إلى معصوم لا يجوز عليه الخطأ بوجه من الوجوه و لا السهو و إلا لجاز أمره بالمنكر و نهيه عن المعروف فلم يبق وثوق بقوله فانتفت فائدة التكليف به و لأنه إما أن يكون كل واحد من الخلق مأمورا بأمر الآخر و نهيه من غير أن يكون هناك رئيس يأمر الكل و ينهاهم أو مع رئيس و الأول باطل و إلا لوقع الهرج و المرج و لانتفى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إذ الغالب أن يرضى الواحد بترك تأليم غيره ليترك تأليمه لأنا نبحث على تقدير غلبة القوة الشهوية و الغضبية على القوة العقلية في أكثر الناس الذين يحصل بسبب تخليتهم على قواهم الشهوية و الغضبية المفتضية لعدم التفاتهم إلى الشرائع اختلال نظام النوع فتعين الثاني فلا يقوم غير الرئيس في ذلك مقامه و لا بد أن يكون ذلك الرئيس من قبل الله تعالى بحيث تجب طاعته وجوبا عاما و لا بد أن يكون معصوما. 9-  العلم بالأحكام يقينا لا ظنا بالاجتهاد لأن المصيب واحد على ما بيناه في كتبنا الأصولية و قد تتعارض الأدلة و تتساوى الأمارات و يستحيل الترجيح بلا مرجح و تتساوى أحوال العلماء بالنسبة إلى المقلدين فلا بد من‌

                         الألفين ص : 20
عالم بالأحكام يقينا لا ظنا بالأمارة ليرجع إليه من يطلب العلم و يطلب الصواب يقينا. الوجه الخامس أن نظام النوع لا يحصل إلا بحفظ النفس و العقل و الدين و النسب و المال فشرع للأول القصاص و أشار إليه بقوله تعالى وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ و للثاني تحريم المسكر و الحد عليه و للثالث قتل المرتد و الجهاد و للرابع تحريم الزنا و الحد عليه و للخامس قطع السارق و ضمان المال و هذه أمور مهمة يجب حكمها في كل شريعة في كل زمان و لا يتم إلا بمثول لذلك يكون عارفا بكيفية إيجابها و كمية الواجب و محله و شرائطه و لا يقوم غيره مقامه في ذلك و لا بد أن يمتاز عن بني نوعه بنص إلهي و معجز ظاهر لاستحالة الترجيح من غير مرجح و لجواز اجتماع جميع الآراء على غيره لاختلاف الأهواء و لأنه لو لا ذلك لأدى إلى الهرج و المرج. الوجه السادس أن قيام البدل مقامه لا يتصور إلا في حال عدمه و قد تقرر حصول العلم الضروري أن التقريب و التبعيد عند عدم نصب الإمام أو تمكينه على عكس ما ينبغي فيستحيل أن يكون له بدل

                         الألفين ص : 21


source : دارالعرفان/الالفین للحلی
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مصحف الإمام علي(عليه السلام)
للرجعة احکام
الأديان وتطور الوعي
زينب في الشام
أهمية التربية في الإسلام
الرمز في القرآن الكريم وتفسيره
الدفن في البقيع
عليّ عليه السلام الإنسان الكامل
الميزان
الحجّ في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)

 
user comment