عربي
Tuesday 14th of May 2024
0
نفر 0

صفات أعداء اللَّه تعالى

صفات أعداء اللَّه تعالى

صفات أعداء اللَّه تعالى:


فتلك جملة من خصال أولياء اللَّه و خواصهم و علاماتهم، و تعرف منها صفات أضدادهم بأضداد صفاتهم إذ الأشياء قد تعرف بأضدادها.
                         الأنوارالساطعة ج : 1  ص :  131
قيل لأمير المؤمنين عليه السّلام: صف العالم، فوصفه، فقيل: صف الجاهل، فقال فعلت.
فالمنافقون و أعداء اللَّه و أولياء الشياطين صفاتهم بعكس هذه الصفات المذكورة و أمثالها رأسا برأس، يعرفها من عرف هذه بالقياس، إلا أنه لا بأس بذكر بعضها صريحا مما قد عرّف اللَّه تعالى بها الجاحدين و المنافقين، و كشف بها عن فضائحهم و جهلهم لعباده الصالحين، و بيّن وخامة عاقبتهم و سوء حالهم يوم الدين، و لما فيها من التنفّر و التحذير عن الباطل للسالكين، و التثبت و التقرير على الحق للمطيعين إن شاء اللَّه تعالى. فمنها ما وصفهم اللَّه بإزاء العلامة الأولى التي للأولياء في قوله تعالى:
و إذا ذكر اللَّه وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة و إذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون 39: 45«»و قوله تعالى:و إذا تُتلى‌ عليهم آياتنا بيّنات تَعرِف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالّذين يتلون عليهم آياتنا 22: 72«»فإن الإعراض عن ذكر الحبيب الأول شاهد على كون المعرض عدوا للَّه وليّا لعدوه اللّعين، و هذا حال أكثر المغرورين المتجرّدين بعلم الأقضية و الفتاوى المعرضين عن علم التوحيد، المكّبين على غيره من العلوم، التي تكون منشأ الشهوة و الجاه عند الخلق. و إلى حالهم هذا يشير قوله تعالى:و أكثرهم للحقّ كارهون 23: 70«»و يشير إلى بعد هؤلاء عن الحقايق و إنكارهم لهاما ورد عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بطريق العامة و لا بأس بذكره مؤيّدا:«إنّ من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء باللَّه فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغرّة باللَّه».
و منها ما وصفهم اللَّه تعالى في قوله:و إذا قيل له اتّق اللَّه أخذته العزّة بالإثم فحسبه جهنم 2: 206«»و هذا حال أكثر الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من غير وجهه،
                         الأنوارالساطعة ج : 1  ص :  132
كما أخبر عنهم و عن حالهم قوله تعالى:أ لم تر إلى الّذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب اللَّه ليحكم بينهم ثمّ يتولّى فريق منهم و هم معرضون 3: 23«»استنكف عن النصيحة و منعته الأنفة و أخذته العزة التي زعمها ثابتة لنفسه، لأجل كونه مغرورا باللَّه تعالى معتقدا أنّه من العلماء، و أنّه اللائق بالاقتداء، و الحرّي بأن ينصب في مقام النصح و الإرشاد لغيره، لا أنّ غيره يرشده فيغتاظ من هذا، و لم يعلم أنّ ما يعلمه قد أخذه من غير الجهة التي يأخذ منها أهل الحقّ. فإنهم يأخذون علمهم عن الطريقة المستقيمة التي سلكها العلماء باللَّه و الأتقياء، و لم يعلم أنّ ما أخذه من غير طريقه ليس له طائل، و لا يؤدي إلى حاصل، بل يكون بذر النفاق و اللّداد، و منبت الكبر و العناد، و ستلعب به الشكوك حيرانا، و فات منه الكمال كلّه و استعداد تحصيله، و خسر دنياه و أخراه رأسا و يصير من‌الذين ضلّ سعيهم في الحيوة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا 18: 104«»و غرّهم في دينهم ما كانوا يفترون 3: 24«».
فكيف إذا جمعهم اللَّه ليوم لا ريب فيه، و وفّيت كلّ نفس ما كسبت من مزرعة الدنيا، إما من الدرجات العلى أو الدركات السفلى و هم لا يظلمون، بوضعهم من غير موضعهم بأن ينزل الجاهل الشرير في موضع العالم النحرير، و يسكن أهل الدركات في الدرجات، و أهل الدرجات في الدركات كما في هذه الدار، لأنّها دار اشتباه بخلاف اليوم الآخر لا ظلم اليوم، لأنه يوم الفصل باعتبار، و إن كان يوم الجمع باعتبار آخر كما حقق في محله.
و منها ما وصفهم اللَّه تعالى بقوله:و إذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل اللَّه قالوا بل نتّبع ما وجدنا عليه آباءَنا أ و لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير 31: 21«»فالآية تفيد
                         الأنوارالساطعة ج : 1  ص :  133
معنى عاما و هو أنه لا عبرة في أمر الدين بتقليد المشايخ السابقين و الآباء الماضين، و اتباع مذهبهم، بل الواجب على العبد إتباع ما أنزل اللَّه إليه بصدق النية في السعي و الطلب، و خلوص الطوية في الاجتهاد و العمل، و قطع النظر عن تقليد الأسلاف و اتّباع الأخلاف، فإن الإيمان نور من اللَّه يقذف في قلب المؤمن بواسطة المجاهدة و الرياضة، و يخرجه من ظلمات التقليد.
و في قوله:... أ و لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا و لا يهتدون 2: 170«»إشارة إلى أن آباءهم من أهل الأهواء و البدع، الذين لا يعقلون شيئا و لا يهتدون سبيلا، و أنهم ميتون لا يعقلون شيئا، و الميت لا يصلح للاقتداء به و الاهتداء، بل المتبع في المعارف الإلهية هو الواردات الكشفية عقيب الأعمال الفرعية الشرعية، و المجاهدات الدينية الحاصلة بنور المتابعة لروح الإنسان الكامل المحمدي، المتحد نوره بنور العالم العقلي، المصون عن الفناء و الموت، و بنور المتابعة لأرواح أوصيائه، الذين يكون نورهم و حقيقتهم من نوره صلّى اللَّه عليه و آله و حقيقته. و هذا مستفاد من فحوى الآية ففيه إشارة إلى أنّ من يكون على جادة الحقّ، و قدمه ثابت على جادة الشريعة و معرفة الطريقة و سلوك مقامات الحقيقة، فيجوز الاقتداء به إذ هو من أهل الاهتداء إلى عالم الحقيقة دون من يدعي الشيخوخة بطريق الإرث من الآباء و المشايخ، و لا حظ لهم عن طريق الاهتداء، كما تقدمت الإشارة إلى حالهم فهم لا يصلحون للاهتداء و الاقتداء بهم.
و لعمري لقد ابتلينا في زماننا بكثير من المدّعين للشيخوخة، مع أنهم ليسوا لها بأهل، و نرى أنّه إذا صادف بعضهم من عنده علم من الكتاب من العلماء الإلهيين استنكفوا عن التعلم منه، لما رأوا أنّ ما عنده مخالفا لما أخذوه من معلّميهم تقليدا أو تعصّبا، و لا يلحقهم بذلك من ذلّ التعلم و اتّضاع القدر عند العامة و المريدين، و لعلّه
                         الأنوارالساطعة ج : 1  ص :  134
إلى ردائة حالهم يشير قوله تعالى:و إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اللَّه و إلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءَنا أ و لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا و لا يهتدون 5: 104«»فما أسخف عقلهم حيث تركوا ذكر اللَّه و معارف الحقائق خوفا من اتّضاع قدرهم عند الجهلة السفلة فرجّح عندهم ارتفاع الشأن عند الناقصين من العباد على علوّ المنزلة عند اللَّه و مجاورة الملائكة المقربين.
فتبّا لجاههم الحقير و سحقا لحظّهم اليسير أ ما تلوا قوله تعالى:.. و إن كلّ ذلك لمّا متاع الحيوة الدنيا و الآخرة عند ربّك للمتقين. و من يعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين. و إنهم ليصدونهم عن السبيل و يحسبون أنهم مهتدون 43: 35 - 37«».
و الحاصل: أنّ هؤلاء لا يزالون يتبعون ظواهر الألفاظ، و لا يرون بواطن المعاني و الحقائق و لم يعلموا بعد - مع أنهم سمعوا مرارا - أن امتياز الإنسان عن سائر الحيوانات باستنباط الحقائق و المعارف، لا بتتبع الألفاظ و تصحيح العبارات، من غير انتقال عن مضيق المحسوسات و محبس الحيوانات و اصطبل الدواب إلى فسحة الأنوار الإلهية، و عالم المعارف العقلية الإلهاميّة و مستوكر الطيور السماوية.
فهم واقعون أبدا في عالم الألفاظ و الصور، و لن يقصدوا إلى معرفة النفس و ما فوقها، و لا إلى إصلاح القلب الذي هو محلّ النطق الباطني، الذي يخصّ به الإنسان من بين سائر الحيوانات، و هو منبع المكاشفات و المكالمات مع الحقّ‌كما تقدم عن أمير المؤمنين عليه السّلام‌من قوله: «و كلّمهم في ذات عقولهم»«»

هذا و قد ذمّ اللَّه تعالى الناقصين الذين ليس لهم درجة المكالمة الباطنية مع الحقّ، لكونهم في مرتبة الحيوان الأعجمي بقوله:و لا يكلّمهم اللَّه و لا ينظر إليهم يوم القيمة 3: 77«».و مدح
                         الأنوارالساطعة ج : 1  ص :  135
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله خواص أمته و أوليائها و حكمائها بأنهم محدثون مكلّمون كما ستأتي أحاديثه في الشرح.
و ليس المراد من هذا التكلم و التحدث هو ما يكون بالحديث الظاهري و الكلام الحسّي، الذي آلته جرم أحمر لحمي مركب من الأخلاط فإنه من الدنيا، و لا يكون شي‌ء من الدنيا ممدوحا و لا محبوبا إلا بقدر ما يعبّر به و يجعل الزاد للآخرة فإنها طريق الآخرة،كما ورد:«الدنيا دنياءان، دنيا ملعونة و دنيا بلاغ»
فالممدوح منها هو البلاغ، و أما غيرها فهي و ما فيها مبغوضة ممقوتة ملعونة عند اللَّه و عند أوليائه‌كما روي عنه صلّى اللَّه عليه و آله:«الدنيا ملعونة و ملعون ما فيها»،
و قوله صلّى اللَّه عليه و آله:«حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة»،
فهي مبغوضة عند من يريد الكمال و المعارف الحقّة الإلهية.
ففي السفينة، عن الكافي:سئل علي بن الحسين عليه السّلام: «أيّ الأعمال أفضل عند اللَّه؟ قال: ما من عمل بعد معرفة اللَّه و معرفة رسوله أفضل من بغض الدنيا.»
و إنما المراد من المكالمة في قوله تعالى:لا يكلّمهم اللَّه 3: 77و في قوله صلّى اللَّه عليه و آله:«إنهم محدّثون مكلّمون»
المكالمة الحقيقية بين اللَّه و بين خواصّ عباده، و هي الإفاضات العلمية المتواردة من الحقّ في المقاصد الربوبية، عقيب التأمّلات القدسية الاستعدادية من العبد في المطالب الحكمية الإيمانية بتوسط بعض ملائكة اللَّه العقلية، إما صريحا مشاهدا في عالم المشاهدة البصرية و السمعية كما للأنبياء، أولا، كما لغيرهم، هذا للخواص.
و أمّا المحجوبون بأقسامهم فإنهم لما تعلقت أرواحهم بالأجساد، و تكدّرت لكدورات الحواس و القوى النفسانية، و أظلمت بظلمات الصفات الحيوانية، و ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون من التمتعات البهيميّة و الحركات السبعية، و الأخلاق الشيطانية و اللذات الجسمانية، فأوجبت هذه أن تعمى قلوبهم التي في الصدور، فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور فأصمّهم اللَّه و أعمى
                         الأنوارالساطعة ج : 1  ص :  136
أبصارهم فهم الآن صمّ عن استماع دعوة الأنبياء بسمع القبول، بكم عن قول الحقّ، و الإقرار بالتوحيد و المعارف اليقينية، عمي عن رؤية الآيات و المعجزات الباطنية فهم لا يعقلون، و لا يعقلون أنهم صمّ بكم لا يعقلون. إذ لم يتصوروا من الصمّ إلا ما يعرض القوة السمعية الحيوانية، و لا عن العمى إلا ما يعرض للقوة العينية الحيوانية، و لا من العقل إلا ما للعوام من تدبير المعاش بالحيل الشيطانية النكرائية كما كانت في معاوية (عليه الهاوية) فمن كان هذا حاله فأنّى له الترقي إلى ما وراء عالم الملك و المحسوسات؟ بل لا يكاد يعلم إلا الظاهر، قال تعالى:يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا و هم عن الآخرة هم غافلون 30: 7«».


source : دار العرفان / الأنوارالساطعة
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أفضلية فاطمة الزهراء عليها السلام في کتب أهل ...
التباكي على سيِّد الشهداء (عليه السلام)
الصراع على السلطة بين الأصهب والأبقع
الخصوصية الصوفية للنظرية المهدوية
أسرار الشفاء بالصيام
الزواج والعلاقات الزوجیة
عصمة الزهراء البتول (عليها السلام)
أحوال العارفين عند ابن سينا
مِن فضائل زیارة الحسین علیه السلام
موارد جواز التظلم

 
user comment