عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

الإمام زين العابدين عليه السلام

الإمام زين العابدين عليه السلام

إنّ الإمام علي بن الحسين عليه السلام الملقّب بزين العابدين والسجّاد هو الابن الأرشد للإمام الحسين عليه السلام وأُمّه ابنة ملك الفرس يزدجر ، وهو الولد الوحيد الذي بقي من أبناء الإمام الحسين عليه السلام ثلاثة. إذ أنّ بقيّة أُخوته ـ علي الأكبر وعلي الأصغر وعبدالله الرضيع ـ قد استشهدوا يوم عاشوراء.
ولا يخفى أنّ الإمام السجّاد عليه السلام قد رافق الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء إلّا أنّ المصلحة اقتضت أن يتمرّض بشدّة حتّى كلّ وعجز عن حمل السلاح والخروج إلى ميدان الشهادة فبقي بعد أبيه يكفل الأُسارى والعيال حيث أُخذ أسيراً إلى الشام وجرى عليه ما جرى من المصائب والويلات ثمّ عاد مع قافلة الأُسارى إلى مدينة جدّه رسول الله صلى الله عليه واله.
الجدير ذكره أنّ الإمام السّجاد عليه السلام قد أُخذ أسيراً مرّة أُخرى إلى الشام في عهد الطاغية عبدالملك حيث قادوه عليه السلام مغلولاً بالقيود والحبال ثمّ رجع إلى وطن جدّه المصطفى صلى الله عليه واله وحيث إنّ الأوضاع السياسية في عهده عليه السلام كانت مضطربة وشديدة فقد وقد بلغت هذه الشهرة حدّاً أن يوجد مزار لها بالقرب من مدينة «شهر ري» في أحد الجبال يعرف بمقام السيّدة «شهر بانو».
وقد ذكر الشيخ الصدوق فقال : إنّ والدة الإمام زين العابدين عليه السلام توفّيت أثناء الوضع وقد ربّته عليه السلام أمة من اماء سيّد الشهداء عليه السلام.
وجد في ذلك فرصة سانحة للانشغال بالعبادة وطاعة الله تعالى والاقتصار على لقاء بعض الخواص من الشيعة أمثال «أبو حمزة الثمالي» و «خالد الكابلي» (١).
بطبيعة الحال فإنّ أمثال هؤلاء الخواص كانوا يتصلون بالإمام عليه السلام وينزلون إلى الميدان وينشرون معارف أهل البيت عليهم السلام وأحكامهم التي كانوا يتلقّونها من الإمام عليه السلام الأمر الذي ساهم في نشر التشيّع آنذاك كثيراً.
ولادة الإمام السجّاد عليه السلام
اختلف العلماء والمحقّقون بشدّة في تعيين تاريخ ميلاد الإمام زين العابدين عليه السلام ، فقد ذهب كلّ من الشيخ المفيد والطوسي والسيّد ابن طاووس أنّ ميلاده كان في وسط شهر جمادي الأُولى سنة ٣٦ ه بينما ذهب ابن صبّاغ المالكي في الفصول المهمّة وصاحب الدروس أنّ ميلاده كان في الخامس من شعبان سنة ٣٨ ه (٢)
وقال الطبرسي في أعلام الورى أنّ ولادته كانت من النصف من شهر جمادي الآخرة والأصحّ حسب ما أعلم هو القول الأوّل والله العالم.
وقد ولد سلام الله عليه في المدينة المنوّرة وسبق منّا أن تطرّقنا إلى اسم والدته سلام الله عليها.
آثار الإمام زين العابدين عليه السلام
من بركات الإمام زين العابدين عليه السلام التي وصلت إلى أيدينا هي رسالته المباركة المسمّاة بـ «رسالة الحقوق» وهي رسالة عظيمة عالية المضامين وحقيق بكلّ موالي ومحبّ للحقيقة أن يدقّق فيها ويتمعّن في حكمها الإلهية ومواعظها الرفيعة التي تتكفّل ببناء المجتمع الفاضل وتهذيب الأفراد كما أراد الشارع المقدّس.
كما أنّ من آثار هذا الإمام المظلوم الباقية هي الصحيفة السجّادية الحاوية لأهمّ كنوز المعارف الإلهية ولكن بأُسلوب الدعاء ومناجاة الله عزّوجلّ. وقد اشتهرت هذه الصحيفة بين العلماء والعظماء بـ «انجيل أهل البيت عليهم السلام» و «زبور آل محمّد عليهم السلام» فكما أنّ انجيل نبي الله عيسى عليه السلام وزبور نبي الله داود عليه السلام يحتويان على الحكم وكنوز المعارف الإلهية كذلك هي الصحيفة السجّادية ، فهي تضمّ بين طيّاتها للعديد من المعارف الإسلامية الكفيلة بتحقيق التوفيق والسعادة للبشرية على مرّ التاريخ.
الملفت للانتباه أنّ الكثير من العلماء الأعلام في اجازاتهم كما أشار إلى ذلك المحدّث النوري قدس سره في مستدرك الوسائل ـ يعبّرون عن الصحيفة السجّادية ـ بـ «أخت القرآن» إذ أنّ هذين الكتابين بمكانة من القداسة.
ألقاب الإمام زين العابدين عليه السلام
إنّ أشهر كنى الإمام السجّاد عليه أفضل الصلاة والسلام هما : أبو الحسن وأبو الحسن ، أمّا ألقابه فهي كثيرة منها : زين العابدين ، سيد الساجدين والعابدين ، الزكي ، الأمين ، السجّاد ، وذوالثفنات.
وقد كان نقش خاتمه كما ورد في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام هو : «الحمد لله العلي» وفي رواية الإمام الباقر عليه السلام أنّ نقشه كان هو : «العزّة لله» و «شقي قاتل الحسين ابن علي عليهما السلام» وفي الخبر عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : كان لأبي عليه السلام في موضع سجوده آثار ناتئة وكان يقطعها في السنة مرّتين في كلّ مرّة خمس ثفنات ، فسمّي ذوالثفنات لذلك (3).
النسب الشريف
جمع الإمام السجّاد عليه السلام نجابت العرب والعجم ، فهو ابن الخيرتين أباً وأُمّاً وإلى ذلك يشير رسول الله صلى الله عليه واله قائلاً : إنّ من عباده خيرتين ، فخيرته من العرب القريش ومن العجم فارس (4) ، ولذلك لقّب عليه أفضل الصلاة والسلام باب الخيرين.
ومن نسل هذا الإمام الطاهر كانت ذرّية رسول الله صلى الله عليه واله ، ولذا كانوا يطلقون عليه بـ «آدم بني الحسين عليه السلام».
وهو أول من اختار الخلوة والعزلة والتفرّغ لله عزّوجلّ ، وأوّل من اتّخذ المسبحة والسجّادة من تربة سيّدالشهداء عليه السلام وقد كان معروفاً ببكائه حتّى سمّي برئيس البكّائين الأربعة وهم : آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، وهو بأبي وأُمّي.
أين زين العابدين؟
ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال : إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ أ ين زين العابدين؟ فكأنّي أنظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يخطر بين الصفوف (5).
وفي كشف الغمّة أنّه كان سبب لقبه بزين العابدين ، أنّه كان ليلة في محرابه قائماً في تهجّده فتمثّل له الشيطان في صورة ثعبان ليشغله عن عبادته فلم يلتفت إليه ، فجاء إلى ابهام رجله فالتقمها فلم يلتفت إليه فآلمه فلم يقطع صلاته ، فلمّا فرغ منها وقد كشف الله له فعلم أنّه الشيطان فسبّه ولطمه وقال له : اخسأ يا ملعون فذهب وقام إلى تمام ورده ، فسمع صوت قائل يقول : «أنت زين العابدين حقّاً» ثلاثاً ، فظهرت هذه الكلمة واشتهرت لقباً له (6).
الشكر على النعم
روى ابن بابوية عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : إنّ أبي علي بن الحسين عليه السلام ما ذكر نعمة الله عليه إلّا سجد ، ولا قرأ آية من كتاب الله عزّوجلّ فيها سجود إلّا سجد ، ولا دفع الله تعالى عنه سوء يخشاه أو كيد كايد إلّا سجد ، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلّا سجد ، ولا وفّق لإصلاح بين اثنين إلّا سجد ، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمّي السجّاد لذلك (7).
عبيدك ببابك
جاء في كتاب حديقة الشيعة أنّ طاووس اليماني قال : دخلت حجر إسماعيل ليلة فرأيت علي بن الحسين عليهما السلام في السجود وهو يكرّر كلاماً فأصغيت جيّداً فإذا هو يقول : إلهي عبيدك بفنائك مسكينك بفنائك فقيرك بفنائك» فما أصابني بلاء أو مرض أو ألم فصلّيت وسجدت وقلتها إلّا كشف عنّي وفرّج بي.
والفناء في اللغة فضاء البيت أي عبدك ومسكينك والمحتاج إليك واقف ببابك منتظر رحمتك ورأفتك ، فمن قالها بإخلاص رأى أثرها وقضيت حاجته (8).
حاله في عبادته
روى الشيخ الصدوق قدس سره عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : كان علي بن الحسين عليهما السلام يصلّي في اليوم والليلة الف ركعة كما كان يفعل أمير المؤمنين عليه السلام ، وكانت له خمس مائة نخلة فكان يصلّي عند كلّ نخلة ركعتين ، وكان إذا قام في صلاته عشي لونه لون آخر ، وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله عزّوجلّ ، وكان يصلّي صلاة مودّع يرى أنّه لا يصلّي بعدها أبداً (9).
أنت حرّ لوجه الله
روي أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام دعا مملوكه مرّتين فلم يجبه وأجابه في الثالثة ، فقال له : يابني أما سمعت صوتي؟ قال : بلى ، قال : فما لك لم تجبني؟ قال : أمنتك ، قال : الحمدلله الذي جعل مملوكي يأمنني (10).
وفي رواية أُخرى : أنّ الإمام عليه السلام كان عنده قوم ضيوف ، فاستعجل خادماً له بشواء كان في التنور ، فأقبل به الخادم مسرعاً فسقط السفود منه على رأس بني للإمام عليه السلام تحت الدرجة فأصاب رأسه فقتله ، فقال الإمام السجّاد عليه السلام للغلام : وقد تحيّر واضطرب : أنت حرّ فإنّك لم تتعمّده ثمّ أخذ في جهاز ابنه ودفنه (11).
ونقل صاحب المناقب عن المدائني : أنّه لمّا انتسب الإمام السجّاد عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه واله قال يزيد لأحد جلاوزته : أدخله في هذا البستان واقتله وادفنه فيه ، فأدخله البستان وجعل يحفر القبر والإمام السجّاد عليه السلام يصلّي ، فلمّا همّ بقتله ضربته يد من الهواء فخرّ لوجهه وشهق ودهش ، فرآه خالد بن يزيد ، فانقلب إلى أبيه فقصّ عليه الخبر ، فأمر يزيد بدفن الرجل في الحفرة ، قال المدائني : وموضع حبس زين العابدين عليه السلام هو اليوم مسجد (12).
وصيّة الإمام السجّاد عليه السلام
روي الإمام الباقر عليه السلام قال : أوصاني أبي فقال : يا بني لا تصحبنّ خمسة ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق ، فقلت : جعلت فداك يا أبة وما دونها؟ قال : يطمع فيها ثمّ لا ينالها ، قال : قلت : يا أبة ومن الثاني؟ قال : لا تصحبنّ البخيل فإنّه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه ، قال : فقلت : ومن الثالث؟ قال : لا تصحبنّ كذّاباً فإنّه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرّب منك البعيد ، قال : قلت : ومن الرابع؟
قال : لا تصحبنّ أحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك ، قال : قلت : يا أبة من الخامس؟ قال : لا تصحبنّ قاطع رحم فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله ثلاثة مواضع (13).
وقال عليه السلام لرجل شكى إليه حاله : مسكين ابن آدم في له كلّ يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهنّ ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا.
فأمّا المصيبة الأُولى فاليوم الذي ينقص من عمره ، قال : وإن ناله نقصان في ماله اغتمّ به ، والدرهم يخلف عنه والعمر لا يردّه شيء.
والثانية : أنّه يستوفي رزقه فإن كان حلالاً حوسب عليه وإن كان حراماً عوقب عليه ، قال : والثالثة أعظم من ذلك ، قيل : وماهي؟ قال : ما من يوم يمسي إلّا وقد دنى من الآخرة مرحلة لا يدري على الجنّة أم على النار (14).
أبناء الإمام السجّاد عليه السلام
قال الشيخ المفيد وصاحب الفصول المهمّة : أنّ ولد الإمام علي بن الحسين عليهما السلام خمسة عشر ولداً وهم : محمّد المكنّى بأبي جعفر الباقر عليه السلام أُمّه أُمّ عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، عبدالله ، الحسن ، الحسين ، وأُمّهم أُمّ ولد ، زيد ، عمر ، وهما لأُمّ ولد ، الحسين الأصغر ، عبدالرحمن ، سليمان ، لأمّ ولد ، علي وكان أصغر ولد الإمام السجّاد ، خديجة وأُمّها أُمّ ولد ، محمّد الأصغر ، وأُمّه أُمّ ولد ، فاطمة ، عليّة ، أُمّ كلثوم وأُمّهنّ أُمّ ولد (15).
وقد نقل المحدّث القمّي رحمه الله حول عليّة فقال : أنّ عليّة هي التي ذكر اسمها في كتب علماء الرجال ، وقالوا أنّها جمعت كتاباً ينقل زرارة عنه (16).
الشهادة المؤلمة
اعلم أنّه وقع اختلاف كبير بين العلماء في وفاة الإمام السجّاد عليه السلام والمشهور أنّه استشهد في أحد الأيّام الثلاثة التالية وهي : إمّا الثاني عشر من محرّم أو الثامن عشر أو الخامش والعشرون منه في السنة الخامسة والتسعين أو الرابعة والتسعين للهجرة ، وسمّيت سنة وفاته عليه السلام بـ «سنة الفقهاء» لكثرة موت الفقهاء والعلماء فيها.
وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : لمّا كان الليلة التي وعدها علي ابن الحسين عليهما السلام قال لمحمّد : يا بني أبغي وضوءاً ، قال : فقمت فجئت بوضوء ، قال : لا ينبغي هذا فإنّ فيه شيئاً ميّتاً ، قال : فخرجت بالمصباح فإذا فيه فأرة ميتة ، فجئته بوضوء غيره.
قال : فقال : يا بني هذه الليلة التي وعدتها (17).
وعن الإمام الرضا عليه السلام قال : لمّا حضر علي بن الحسين عليه السلام الوفاة أُغمي عليه ثلاث مرّات فقال في المرّة الأخيرة : الحمدلله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنّة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ، وفي الكافي أضاف على الخبر أنّه عليه السلام قرأ سورة الواقعة وسورة الفتح ثمّ تلا الآية الكريمة (18).
ونقل أنّه عليه السلام في ساعات الاحتضار دعا الإمام الباقر عليه السلام وضمّه إلى صدره وأوصاه بوصيّه أبيه الحسين عليه السلام فقال : إيّاك وظلم من لا ناصر له سوى الله (19).
وعن الراوندي أنّ علي بن الحسين عليهما السلام كان يقول عند الموت : اللهمّ ارحمني فإنّك كريم ، اللهمّ ارحمني فإنّك رحيم ، فلم يزل يردّدها حتّى توفّي عليه السلام (20).
وبعد أن توفّي الإمام عليه السلام حضر الجميع جنازته ما عدا «سعيد بن المسيّب»
فشيّعوا جثمانه إلى البقيع ودفنوه إلى جوار جدّه المظلوم الإمام الحسن المجتبى عليه السلام.
وفي الخبر أنّه عليه السلام لمّا وضع على المغتسل نظروا إلى ظهره وعليه مثل ركب الإبل ممّا كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء والمساكين.
وكان له عليه السلام ناقبة ذهب بها إلى الحجّ ٢٢ عاماً ومع ذلك لم يضربها سوطاً واحداً ، ولمّا دفن عليه السلام جاءت الناقة إلى قبره الشريف وجلست عنده وأخذت تحنّ وتأنّ وتبكي.
وفي بعض الأخبار أنّ الإمام الباقر عليه السلام أتى إليها وقال لها : اسكتي وارجعي بارك الله فيك ، فعادت إلّا أنّها عادت من بعد مدّة من الزمن وأخذت تبكي وتنوح إلى ثلاثة أيّام وفي اليوم الثالث ماتت (21).
وكما يستفاد من الأخبار الكثيرة أنّ سبب وفاة الإمام عليه السلام كانت لسقيه السمّ الفتّاك ، فقد ذهب ابن بابوية وجمع آخر أنّ الوليد بن عبدالملك هو الذي دسّ السم إليه ، وقيل هشام بن عبدالملك (22).
وقد اختلف في مدّة حياته إلّا أنّ أكثرهم قالوا أنّه عمره المبارك حين وفاته كان ٥٧ سنة (23).
ونقل الكليني قدس سره بسند معتبر عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : قبض علي بن الحسين عليهما السلام وهو ابن سبع وخمسين سنة ، في عام خمس وتسعين للهجرة ، وقد عاش بعد الإمام الحسين عليه السلام خمساً وثلاثين سنة (24).
وقد نسب للإمام عليه السلام بعض الأبيات منها قوله أيّام أسره :
أُقاد ذليلاً في دمشق كأنّني / من الزنج عبد غاب عنه نصيره
وجدّي رسول الله في كلّ موطن / وشيخي أمير المؤمنين وزيره
کلید : السجاد , عظماء , کربلاء , اهل البيت
إنّ الإمام علي بن الحسين عليه السلام الملقّب بزين العابدين والسجّاد هو الابن الأرشد للإمام الحسين عليه السلام وأُمّه ابنة ملك الفرس يزدجر ، وهو الولد الوحيد الذي بقي من أبناء الإمام الحسين عليه السلام ثلاثة. إذ أنّ بقيّة أُخوته ـ علي الأكبر وعلي الأصغر وعبدالله الرضيع ـ قد استشهدوا يوم عاشوراء.
ولا يخفى أنّ الإمام السجّاد عليه السلام قد رافق الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء إلّا أنّ المصلحة اقتضت أن يتمرّض بشدّة حتّى كلّ وعجز عن حمل السلاح والخروج إلى ميدان الشهادة فبقي بعد أبيه يكفل الأُسارى والعيال حيث أُخذ أسيراً إلى الشام وجرى عليه ما جرى من المصائب والويلات ثمّ عاد مع قافلة الأُسارى إلى مدينة جدّه رسول الله صلى الله عليه واله.
الجدير ذكره أنّ الإمام السّجاد عليه السلام قد أُخذ أسيراً مرّة أُخرى إلى الشام في عهد الطاغية عبدالملك حيث قادوه عليه السلام مغلولاً بالقيود والحبال ثمّ رجع إلى وطن جدّه المصطفى صلى الله عليه واله وحيث إنّ الأوضاع السياسية في عهده عليه السلام كانت مضطربة وشديدة فقد وقد بلغت هذه الشهرة حدّاً أن يوجد مزار لها بالقرب من مدينة «شهر ري» في أحد الجبال يعرف بمقام السيّدة «شهر بانو».
وقد ذكر الشيخ الصدوق فقال : إنّ والدة الإمام زين العابدين عليه السلام توفّيت أثناء الوضع وقد ربّته عليه السلام أمة من اماء سيّد الشهداء عليه السلام.
وجد في ذلك فرصة سانحة للانشغال بالعبادة وطاعة الله تعالى والاقتصار على لقاء بعض الخواص من الشيعة أمثال «أبو حمزة الثمالي» و «خالد الكابلي» (١).
بطبيعة الحال فإنّ أمثال هؤلاء الخواص كانوا يتصلون بالإمام عليه السلام وينزلون إلى الميدان وينشرون معارف أهل البيت عليهم السلام وأحكامهم التي كانوا يتلقّونها من الإمام عليه السلام الأمر الذي ساهم في نشر التشيّع آنذاك كثيراً.
ولادة الإمام السجّاد عليه السلام
اختلف العلماء والمحقّقون بشدّة في تعيين تاريخ ميلاد الإمام زين العابدين عليه السلام ، فقد ذهب كلّ من الشيخ المفيد والطوسي والسيّد ابن طاووس أنّ ميلاده كان في وسط شهر جمادي الأُولى سنة ٣٦ ه بينما ذهب ابن صبّاغ المالكي في الفصول المهمّة وصاحب الدروس أنّ ميلاده كان في الخامس من شعبان سنة ٣٨ ه (٢)
وقال الطبرسي في أعلام الورى أنّ ولادته كانت من النصف من شهر جمادي الآخرة والأصحّ حسب ما أعلم هو القول الأوّل والله العالم.
وقد ولد سلام الله عليه في المدينة المنوّرة وسبق منّا أن تطرّقنا إلى اسم والدته سلام الله عليها.
آثار الإمام زين العابدين عليه السلام
من بركات الإمام زين العابدين عليه السلام التي وصلت إلى أيدينا هي رسالته المباركة المسمّاة بـ «رسالة الحقوق» وهي رسالة عظيمة عالية المضامين وحقيق بكلّ موالي ومحبّ للحقيقة أن يدقّق فيها ويتمعّن في حكمها الإلهية ومواعظها الرفيعة التي تتكفّل ببناء المجتمع الفاضل وتهذيب الأفراد كما أراد الشارع المقدّس.
كما أنّ من آثار هذا الإمام المظلوم الباقية هي الصحيفة السجّادية الحاوية لأهمّ كنوز المعارف الإلهية ولكن بأُسلوب الدعاء ومناجاة الله عزّوجلّ. وقد اشتهرت هذه الصحيفة بين العلماء والعظماء بـ «انجيل أهل البيت عليهم السلام» و «زبور آل محمّد عليهم السلام» فكما أنّ انجيل نبي الله عيسى عليه السلام وزبور نبي الله داود عليه السلام يحتويان على الحكم وكنوز المعارف الإلهية كذلك هي الصحيفة السجّادية ، فهي تضمّ بين طيّاتها للعديد من المعارف الإسلامية الكفيلة بتحقيق التوفيق والسعادة للبشرية على مرّ التاريخ.
الملفت للانتباه أنّ الكثير من العلماء الأعلام في اجازاتهم كما أشار إلى ذلك المحدّث النوري قدس سره في مستدرك الوسائل ـ يعبّرون عن الصحيفة السجّادية ـ بـ «أخت القرآن» إذ أنّ هذين الكتابين بمكانة من القداسة.
ألقاب الإمام زين العابدين عليه السلام
إنّ أشهر كنى الإمام السجّاد عليه أفضل الصلاة والسلام هما : أبو الحسن وأبو الحسن ، أمّا ألقابه فهي كثيرة منها : زين العابدين ، سيد الساجدين والعابدين ، الزكي ، الأمين ، السجّاد ، وذوالثفنات.
وقد كان نقش خاتمه كما ورد في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام هو : «الحمد لله العلي» وفي رواية الإمام الباقر عليه السلام أنّ نقشه كان هو : «العزّة لله» و «شقي قاتل الحسين ابن علي عليهما السلام» وفي الخبر عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : كان لأبي عليه السلام في موضع سجوده آثار ناتئة وكان يقطعها في السنة مرّتين في كلّ مرّة خمس ثفنات ، فسمّي ذوالثفنات لذلك (3).
النسب الشريف
جمع الإمام السجّاد عليه السلام نجابت العرب والعجم ، فهو ابن الخيرتين أباً وأُمّاً وإلى ذلك يشير رسول الله صلى الله عليه واله قائلاً : إنّ من عباده خيرتين ، فخيرته من العرب القريش ومن العجم فارس (4) ، ولذلك لقّب عليه أفضل الصلاة والسلام باب الخيرين.
ومن نسل هذا الإمام الطاهر كانت ذرّية رسول الله صلى الله عليه واله ، ولذا كانوا يطلقون عليه بـ «آدم بني الحسين عليه السلام».
وهو أول من اختار الخلوة والعزلة والتفرّغ لله عزّوجلّ ، وأوّل من اتّخذ المسبحة والسجّادة من تربة سيّدالشهداء عليه السلام وقد كان معروفاً ببكائه حتّى سمّي برئيس البكّائين الأربعة وهم : آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، وهو بأبي وأُمّي.
أين زين العابدين؟
ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال : إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ أ ين زين العابدين؟ فكأنّي أنظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يخطر بين الصفوف (5).
وفي كشف الغمّة أنّه كان سبب لقبه بزين العابدين ، أنّه كان ليلة في محرابه قائماً في تهجّده فتمثّل له الشيطان في صورة ثعبان ليشغله عن عبادته فلم يلتفت إليه ، فجاء إلى ابهام رجله فالتقمها فلم يلتفت إليه فآلمه فلم يقطع صلاته ، فلمّا فرغ منها وقد كشف الله له فعلم أنّه الشيطان فسبّه ولطمه وقال له : اخسأ يا ملعون فذهب وقام إلى تمام ورده ، فسمع صوت قائل يقول : «أنت زين العابدين حقّاً» ثلاثاً ، فظهرت هذه الكلمة واشتهرت لقباً له (6).
الشكر على النعم
روى ابن بابوية عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : إنّ أبي علي بن الحسين عليه السلام ما ذكر نعمة الله عليه إلّا سجد ، ولا قرأ آية من كتاب الله عزّوجلّ فيها سجود إلّا سجد ، ولا دفع الله تعالى عنه سوء يخشاه أو كيد كايد إلّا سجد ، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلّا سجد ، ولا وفّق لإصلاح بين اثنين إلّا سجد ، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمّي السجّاد لذلك (7).
عبيدك ببابك
جاء في كتاب حديقة الشيعة أنّ طاووس اليماني قال : دخلت حجر إسماعيل ليلة فرأيت علي بن الحسين عليهما السلام في السجود وهو يكرّر كلاماً فأصغيت جيّداً فإذا هو يقول : إلهي عبيدك بفنائك مسكينك بفنائك فقيرك بفنائك» فما أصابني بلاء أو مرض أو ألم فصلّيت وسجدت وقلتها إلّا كشف عنّي وفرّج بي.
والفناء في اللغة فضاء البيت أي عبدك ومسكينك والمحتاج إليك واقف ببابك منتظر رحمتك ورأفتك ، فمن قالها بإخلاص رأى أثرها وقضيت حاجته (8).
حاله في عبادته
روى الشيخ الصدوق قدس سره عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : كان علي بن الحسين عليهما السلام يصلّي في اليوم والليلة الف ركعة كما كان يفعل أمير المؤمنين عليه السلام ، وكانت له خمس مائة نخلة فكان يصلّي عند كلّ نخلة ركعتين ، وكان إذا قام في صلاته عشي لونه لون آخر ، وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله عزّوجلّ ، وكان يصلّي صلاة مودّع يرى أنّه لا يصلّي بعدها أبداً (9).
أنت حرّ لوجه الله
روي أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام دعا مملوكه مرّتين فلم يجبه وأجابه في الثالثة ، فقال له : يابني أما سمعت صوتي؟ قال : بلى ، قال : فما لك لم تجبني؟ قال : أمنتك ، قال : الحمدلله الذي جعل مملوكي يأمنني (10).
وفي رواية أُخرى : أنّ الإمام عليه السلام كان عنده قوم ضيوف ، فاستعجل خادماً له بشواء كان في التنور ، فأقبل به الخادم مسرعاً فسقط السفود منه على رأس بني للإمام عليه السلام تحت الدرجة فأصاب رأسه فقتله ، فقال الإمام السجّاد عليه السلام للغلام : وقد تحيّر واضطرب : أنت حرّ فإنّك لم تتعمّده ثمّ أخذ في جهاز ابنه ودفنه (11).
ونقل صاحب المناقب عن المدائني : أنّه لمّا انتسب الإمام السجّاد عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه واله قال يزيد لأحد جلاوزته : أدخله في هذا البستان واقتله وادفنه فيه ، فأدخله البستان وجعل يحفر القبر والإمام السجّاد عليه السلام يصلّي ، فلمّا همّ بقتله ضربته يد من الهواء فخرّ لوجهه وشهق ودهش ، فرآه خالد بن يزيد ، فانقلب إلى أبيه فقصّ عليه الخبر ، فأمر يزيد بدفن الرجل في الحفرة ، قال المدائني : وموضع حبس زين العابدين عليه السلام هو اليوم مسجد (12).
وصيّة الإمام السجّاد عليه السلام
روي الإمام الباقر عليه السلام قال : أوصاني أبي فقال : يا بني لا تصحبنّ خمسة ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق ، فقلت : جعلت فداك يا أبة وما دونها؟ قال : يطمع فيها ثمّ لا ينالها ، قال : قلت : يا أبة ومن الثاني؟ قال : لا تصحبنّ البخيل فإنّه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه ، قال : فقلت : ومن الثالث؟ قال : لا تصحبنّ كذّاباً فإنّه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرّب منك البعيد ، قال : قلت : ومن الرابع؟
قال : لا تصحبنّ أحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك ، قال : قلت : يا أبة من الخامس؟ قال : لا تصحبنّ قاطع رحم فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله ثلاثة مواضع (13).
وقال عليه السلام لرجل شكى إليه حاله : مسكين ابن آدم في له كلّ يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهنّ ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا.
فأمّا المصيبة الأُولى فاليوم الذي ينقص من عمره ، قال : وإن ناله نقصان في ماله اغتمّ به ، والدرهم يخلف عنه والعمر لا يردّه شيء.
والثانية : أنّه يستوفي رزقه فإن كان حلالاً حوسب عليه وإن كان حراماً عوقب عليه ، قال : والثالثة أعظم من ذلك ، قيل : وماهي؟ قال : ما من يوم يمسي إلّا وقد دنى من الآخرة مرحلة لا يدري على الجنّة أم على النار (14). أبناء الإمام السجّاد عليه السلام
قال الشيخ المفيد وصاحب الفصول المهمّة : أنّ ولد الإمام علي بن الحسين عليهما السلام خمسة عشر ولداً وهم : محمّد المكنّى بأبي جعفر الباقر عليه السلام أُمّه أُمّ عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، عبدالله ، الحسن ، الحسين ، وأُمّهم أُمّ ولد ، زيد ، عمر ، وهما لأُمّ ولد ، الحسين الأصغر ، عبدالرحمن ، سليمان ، لأمّ ولد ، علي وكان أصغر ولد الإمام السجّاد ، خديجة وأُمّها أُمّ ولد ، محمّد الأصغر ، وأُمّه أُمّ ولد ، فاطمة ، عليّة ، أُمّ كلثوم وأُمّهنّ أُمّ ولد (15).
وقد نقل المحدّث القمّي رحمه الله حول عليّة فقال : أنّ عليّة هي التي ذكر اسمها في كتب علماء الرجال ، وقالوا أنّها جمعت كتاباً ينقل زرارة عنه (16).
الشهادة المؤلمة
اعلم أنّه وقع اختلاف كبير بين العلماء في وفاة الإمام السجّاد عليه السلام والمشهور أنّه استشهد في أحد الأيّام الثلاثة التالية وهي : إمّا الثاني عشر من محرّم أو الثامن عشر أو الخامش والعشرون منه في السنة الخامسة والتسعين أو الرابعة والتسعين للهجرة ، وسمّيت سنة وفاته عليه السلام بـ «سنة الفقهاء» لكثرة موت الفقهاء والعلماء فيها.
وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : لمّا كان الليلة التي وعدها علي ابن الحسين عليهما السلام قال لمحمّد : يا بني أبغي وضوءاً ، قال : فقمت فجئت بوضوء ، قال : لا ينبغي هذا فإنّ فيه شيئاً ميّتاً ، قال : فخرجت بالمصباح فإذا فيه فأرة ميتة ، فجئته بوضوء غيره.
قال : فقال : يا بني هذه الليلة التي وعدتها (17).
وعن الإمام الرضا عليه السلام قال : لمّا حضر علي بن الحسين عليه السلام الوفاة أُغمي عليه ثلاث مرّات فقال في المرّة الأخيرة : الحمدلله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنّة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ، وفي الكافي أضاف على الخبر أنّه عليه السلام قرأ سورة الواقعة وسورة الفتح ثمّ تلا الآية الكريمة (18).
ونقل أنّه عليه السلام في ساعات الاحتضار دعا الإمام الباقر عليه السلام وضمّه إلى صدره وأوصاه بوصيّه أبيه الحسين عليه السلام فقال : إيّاك وظلم من لا ناصر له سوى الله (19).
وعن الراوندي أنّ علي بن الحسين عليهما السلام كان يقول عند الموت : اللهمّ ارحمني فإنّك كريم ، اللهمّ ارحمني فإنّك رحيم ، فلم يزل يردّدها حتّى توفّي عليه السلام (20).
وبعد أن توفّي الإمام عليه السلام حضر الجميع جنازته ما عدا «سعيد بن المسيّب»
فشيّعوا جثمانه إلى البقيع ودفنوه إلى جوار جدّه المظلوم الإمام الحسن المجتبى عليه السلام.
وفي الخبر أنّه عليه السلام لمّا وضع على المغتسل نظروا إلى ظهره وعليه مثل ركب الإبل ممّا كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء والمساكين.
وكان له عليه السلام ناقبة ذهب بها إلى الحجّ ٢٢ عاماً ومع ذلك لم يضربها سوطاً واحداً ، ولمّا دفن عليه السلام جاءت الناقة إلى قبره الشريف وجلست عنده وأخذت تحنّ وتأنّ وتبكي.
وفي بعض الأخبار أنّ الإمام الباقر عليه السلام أتى إليها وقال لها : اسكتي وارجعي بارك الله فيك ، فعادت إلّا أنّها عادت من بعد مدّة من الزمن وأخذت تبكي وتنوح إلى ثلاثة أيّام وفي اليوم الثالث ماتت (21).
وكما يستفاد من الأخبار الكثيرة أنّ سبب وفاة الإمام عليه السلام كانت لسقيه السمّ الفتّاك ، فقد ذهب ابن بابوية وجمع آخر أنّ الوليد بن عبدالملك هو الذي دسّ السم إليه ، وقيل هشام بن عبدالملك (22).
وقد اختلف في مدّة حياته إلّا أنّ أكثرهم قالوا أنّه عمره المبارك حين وفاته كان ٥٧ سنة (23).
ونقل الكليني قدس سره بسند معتبر عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : قبض علي بن الحسين عليهما السلام وهو ابن سبع وخمسين سنة ، في عام خمس وتسعين للهجرة ، وقد عاش بعد الإمام الحسين عليه السلام خمساً وثلاثين سنة (24).
وقد نسب للإمام عليه السلام بعض الأبيات منها قوله أيّام أسره :
أُقاد ذليلاً في دمشق كأنّني / من الزنج عبد غاب عنه نصيره
وجدّي رسول الله في كلّ موطن / وشيخي أمير المؤمنين وزيره
أبيات الفرزدق
لعلّ خير ما قيل في الإمام زين العابدين عليه السلام هو ما أنشده الفرزدق عندما تساءل هشام عن الإمام عليه السلام فأجابه الفرزدق قائلاً :
يا سائلي أين حلّ الجود والكرم / عندي بيان إذا طلّابه قدموا
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته / والبيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن الخير عباد الله كلّهم / هذا التقيّ النقيّ الطاهر العَلَم
هذا الذي أحمد المختار والده / صلّى عليه إلهي ما جرى القلم
لو يعلم الركن مَن قد جاء يلثمه / لخرّ يلثم منه ما وطى القَدَم
هذا علي رسول الله والده / أمست بنور هداه تهتدي الأُمم
هذا الذي عمّه الطيّار جعفر وا / لمقتول حمزة ليث حبّه قسم
هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة / وابن الوصي الذي في سيفه نَقَم
إذا رأته قريش قال قائلها / إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته / ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
وليس قولك من هذا بضائره / العرب تعرف من أنكرت والعجم
ينمى إلى ذروة العزّ التي قصرت / عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يغضي حياء ويغضى ن مهابته / فما يكلّم إلّا حين يبتسم
ينجاب نور الدجى عن نور غرّته / كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم
بكفّه خيزران ريحه عبق / من كفّ أروع في عرنينه شمم
ما قال لا قطّ إلّا في تشهّده / لولا التشهّد كانت لاءه نعم
مشتقّة من رسول الله نبعته / طابت عناصره والخيم والشيم
حمّال أثقال أقوام إذا قدحوا / حلو الشمائل تحلو عنده نعم
إن قال قال بما يهوى جميعهم / وإن تكلّم يوماً زانه الكلم
هذا ابن فاطمة إن كانت جاهله / بجدّه أنبياء الله قد ختموا
الله فضله قدماً وشرفه / جرى بذلك له في لوحه القلم
من جدّه دان فضل الأنبياء له / وفضل أُمّته دانت له الأُمم
عمّ البرية بالإحسان وانقشعت / عنها العماية والإملاق والظلم
كلتا يديه غياث عمّ نفعهما / تستوكفان ولا يعروهما عدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره / يزيّنه خصلتان الحلم والكرم
لا يخلف الوعد ميموناً نقيبته / رحب الفناء أريب حين يعترم
من معشر حبّهم دين وبغضهم / كفر وقربهم منجى ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبّهم / ويستزاد به الإحسان والنعم
مقدّم بعد ذكر الله ذكرهم / في كلّ فرض ومختوم به الكلم
إن عدّ أهل التقى كانوا أئمّتهم / أو قيل مَن خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم / ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمه أزمت / والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
يأبى لهم أن يحلّ الذمّ ساحتهم / خيم كريم وأيد بالندى هضم
لا يقبض العسر بسطاً من أكفّهم / سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا
إنّ القبائل ليست في رقابهم / لأوّلية هذا أوّله نعم
من يعرف الله يعرف أوّلية ذا / فالدين من بيت هذا ناله الأُمم
بيوتهم في قريش يستضاء بها / في النائبات وعند الحلم إن حلموا
فجدّه من قريش في أزمتها / محمّد وعلي بعده عَلَم
بدر له شاهد والشعب من أحد / والخندقان ويوم الفتح قد علموا
وخيبر وحنين يشهدان له / وفي قريضة يوم صيلم قتم
مواطن قد علت في كلّ نائبة / وعلى الصحابة لم أكتم كما كتموا
المصادر :
1- تذكرة الخواص ص ٣٢٤ ، إثبات الهداة ج ٥ ص ٢٤٢.
2- الفصول المهمّة ص ٢١٢.
3- علل الشرائع ص ٢٣٢ ح ١ ، بحار الأنوار ج ٤٦ ص ٦ ح ١٠.
4- بحار الأنوار ج ٤٦ ص ٤.
5- علل الشرائع ص ٢٣٠ ، بحار الأنوار ج ٤٦ ص ٢.
6- كشف الغمّة ج ٢ ص ٢٨٦.
7- علل الشرائع ص ٢٣٢ باب ١٦٦ ح ١.
8- منتهى الآمال ج ٢ ص ٢٠.
9- منتهى الآمال ج ٢ ص ١٣ ـ ١٤.
10- كشف الغمّة ج ٢ ص ٢٩٩.
11- كشف الغمّة ج ص ٢٩٣.
12- المناقب ج ٤ ص ١٧٣.
13- كشف الغمّة ج ٢ ص ٢٩٣.
14- بحار الأنوار ج ٧٨ ص ١٦٠.
15- الإرشاد ص ٢٦١.
16- منتهى الآمال ج ٢ ص ٦٥.
17- منتهى الآمال ج ٢ ص ٥٩ ـ ٦٠.
18- جلاء العيون ص ٥٠٠.
19- الكافي ج ٢ ص ٢٤٩.
20- دعوات الراوندي ص ٢٥٠ ح ٧٠٤.
21- منتهى الآمال ج ٢ ص ٦٠.
22- منتهى الآمال ج ٢ ص ٥٧.
23- منتهى الآمال ج ٢ ص ٥٧.
24- الكافي ج ١ ص ٣٦٠..

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الأحاديث الشريفة في المهدي المنتظر (عجّل الله ...
فی من نسی صلاة اللیل
رأس الـحسين (عليه السلام)
مرقد السيدة زينب الكبرى (س)
أقوال المعصومين في القرآن
تتمّة فيها فوائد مهمّة-2
السياسة عند الامام الحسن عليه السلام
اهمية البناء التبربوي للطفل في الاسلام
فيما نذكره عند المسير من القول و حسن التدبير
الحرية بين النخبة والأمة

 
user comment