عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

أهذا هو العبّاس "عليه السلام"-2

ثم إن فراق الأحبّة -على كل حال- اصعب ما يكون بين قلبين، لم يفصل بينهما إلا الجسد.

 

فقال الحسين: "أخي أنت صاحب لوائي، وأنت العلامة من عسكري، فإذا غدوت يؤل جمعنا إلى الشتات، وتنبعث عمارتنا إلى الخراب".

 

لكن العبّاس، من جهته، كان يريد أنّ يقتل ليس قبل الحسين فحسب، بل دونه أيضاً، أي في الدفاع عنه، و عن قضيته.

 

و كان ذلك هو قمة الإيثار..

 

فأن تعطي مالك للفقير مع احتياجك إليه إيثار..

 

و ان تعطي وقتك لمساعدة محتاج، و أنت في عجلة من أمرك إيثار ايضاً.

 

و ان تعطي طعامك و شرابك لغيرك، و أنت في أمسّ الحاجة إليهما إيثار كذلك.

 

و كل ذلك من صفات المؤمنين، يقول تعالى:

 

{و الذين تبّوأوا الدار و الإيمان من قبلهم، يحبّون من هاجر إليهم، و لا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة}.

 

و لقد كان المؤمنون الأوائل يتصفون بهذا النوع من الإيثار.. كما فعل أولئك النفر الذين سقطوا جرحى في أحد المعارك، و كان بهم بعض الرمق، فجاء الساقي الى أحدهم بالماء فقال له: "أخى اضمأ منّي".. فحوّله الى الثاني، و هو بدوره حوّله الى الثالث، الذي وجده الساقي قد اسلم الروح، فعاد الى الثاني، و كان قد مات، فأسرع الى الأول - فوجده ميّتاً أيضاً.

 

ذلك من إيثار الحاجات، لكن الذي اتصف به العبّاس كان نوعاً اخر من الإيثار و هو إيثار النفس.

 

لقد كان ببساطة يريد ان يموت دون الحسين.

 

ومن جهة أخرى فقد زاد، مع رحيل اخوته واصحابه، شوقه الى لقاء الله، فقال للحسين: "فداك روح أخيك، لقد ضاق صدري وسئمت من الحياة، وأريد أن آخذ الثأر من هؤلاء المنافقين"

 

كان قد ضاق صدره من العيش تحت سماءٍ واحدة مع المنافقين، من أمثال "عمر بن سعد" و "شمر بن ذي الجوشن"، أولئك الأجلاف الذين باعوا كل شرفهم لبطونهم التي ملئت من الحرام، و أيديهم التي تعودت على إراقة الدم الحرام، و فروجهم التي تعبت من ارتكاب الذنب الحرام.

 

اعاد العبّاس طلبه، ثم أطرق بوجهه إلى الأرض..

 

كان يخشى أن لا يسمح له الحسين، وكان الحسين يخشى أن لا يستجيب للطلب الوحيد، الذي كان يطلبه منه في ذلك اليوم.

 

..مرّت لحظات من الصمت الثقيل، فقد شعر كلاهما بقرب الفراق، إلا أن الحسين كان يستشعر بالإضافة الى ذلك بوحشة الوحدة..

 

فقال لأخيه: "إن كان ولا بد، فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء".

 

كان العبّاس من ذي قبل هو الذي يتصدى للمفاوضات مع العدوّ في مختلف الشئون، وهاهو الحسين ينتدبه للمرة الأخيرة للدخول في المفاوضاتِ معهم من أجل الحصول على الماء "بقوة المنطق".

 

أن الحسين لم يكن، بالطبع، طالب حرب.. بل كان طالب حق، وهو كان يريد الاصلاح في أمة جدّه.. كان يريد ان يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر.. والذي أخرجه من مكة باتجاه الكوفة لم يكن تنافساً في سلطان، ولا التماس شيء من الحطام، ولكن ليأمن المظلومون من عباد الله، ولتقام المعطلة من حدوده، وهو لذلك لم يترك مناسبة إلا و طرح بديلاً عن الحرب، و أتم حجته على العدوّ، لكي لا تكون لهم الحجة عليه فيما يفعل، و يفعلون..

 

أما أولئك القساة فكانوا لا يريدون إلا الحرب، كانوا يريدون القتل اللئيم، بكلّ ما في الكلمة من دلالات ،وبكل ما في نزعة الشرّ من أساليب، لكن إتمام الحجة من جانب الحسين -ع- وأصحابه كان ضرورياً للمرحلة القادمة بعد هذه الحياة، في المحاكمة التي ستجرى يوم القيامة، بين يدي جبار السموات والأرض، من هنا فقد أرسل أخاه ليكلّم القوم في مسألة الماء..

 

وهكذا جاء العبّاس و وقف في وسط الميدان ونادى بأعلى صوته:

 

"يا عمر بن سعد.. هذا الحسين، ابن بنت رسول الله يقول لكم أنكم قتلتم أصحابه وأخوته وبني عمه، وبقي فريداً مع أولاده وعياله وهم عطاشى، قد أحرق الظمأ قلوبهم، فاسقوهم شربة من الماء، لأن أولاده وأطفاله قد وصلوا إلى الهلاك، وهو مع ذلك يقول: دعوني أذهب إلى الروم أو الهند، وأخلي لكم الحجاز والعراق"..

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الخلفاء بالحق واسطة الفيض‏
مناظرات الامام الصادق علیه السلام
علمية وأخلاقية المبلغ
حرم السیدة فاطمة المعصومة
من فضائل الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم
المعرفة التاريخية لها عليها السلام
أهل البيت^ وأمور المعاش والمعاد
مقام الإمام المهدي عليه السلام في محافظة ...
شجاعة الإمام الحسين عليه السلام
خطبة السيدة زينب في الكوفة

 
user comment