عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

الإسلام دین التواصل

إن الإسلام لم یأتِ لهدمِ الإنسانیة، إنما جاء بهدف هدم الحواجز التی یمکن أن تفصل الإنسان عن أخیه فی الإنسانیة، أو أخیه فی الإیمان، مثل العصبیات بسائر أقسامها وأسمائها، والکبر والغرور والحقد والحسد وسوء الظن... هذه القائمة الطویلة السوداء من الصفات السیئة التی جاء الإسلام للقضاء علیها واجتثاثها من جذورها. وقد تتعجب من قول الرسول صلى الله علیه وآله: (إنما بعثت لأتمم مکارم الأخلاق)(1).
الإسلام دین التواصل


إن الإسلام لم یأتِ لهدمِ الإنسانیة، إنما جاء بهدف هدم الحواجز التی یمکن أن تفصل الإنسان عن أخیه فی الإنسانیة، أو أخیه فی الإیمان، مثل العصبیات بسائر أقسامها وأسمائها، والکبر والغرور والحقد والحسد وسوء الظن... هذه القائمة الطویلة السوداء من الصفات السیئة التی جاء الإسلام للقضاء علیها واجتثاثها من جذورها.
وقد تتعجب من قول الرسول صلى الله علیه وآله: (إنما بعثت لأتمم مکارم الأخلاق)(1).
ولکن المجتمع الذی لا أخلاق له، والذی یفصل بین أبنائه الحسد والبغضاء والکبر، ولا یثق المرء بأخیه، والذی لا یقوم على قاعدة الحب والإخلاص والصفاء، هذا المجتمع لا یمکن أن یرتقی أو یبنی حضارة، إن مجتمع التقاطع والحقد والحسد والبغضاء لیس مجتمعاً إسلامیاً وإن سُمّی کذلک.
إذن فالإسلام یدعو إلى مجتمع المحبة والتواصل والتعاون والإخاء والتکافل مجتمع لیس فیه الحواجز النفسیة والاجتماعیة بین أبنائه، متشابک داخلیاً، وآنئذ یستطیع هذا المجتمع أن یکون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِیعًا﴾(2).
وأن یکون: ﴿وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاکُمْ﴾(3).
وأن یکون: (مثل المؤمنین فی توادّهم وتراحمهم کمثل الجسد الواحد إن اشتکى منه عضو تداعت سائر الأعضاء بالسهر والحمى)(4)
فإذا ما تکاتف المجتمع داخلیاً، وأمِن من داخله، فحینئذ من السهولة أن ینتصر على أعدائه، أما إذا کان المجتمع مقاطعاً بعضه بعضاً، فحینئذ على هذا المجتمع السلام، ولن یستطیع أن ینتصر على أعدائه.
والتاریخ، والإسلامی منه بالخصوص، یؤکِّد لنا هذه الحقیقة، أن المسلمین تراجعوا حینما تقاطعوا، وإذا أرادوا الرجوع إلى میدان قیادة الأمم فما علیهم إلا أن یتواصلوا ویتکاتفوا.
وهذا التواصل ینبغی أن یبدأ فی الأسرة والعائلة، أی بین الأرحام، لیکون البیت الداخلی آمناً، ومن ثمّ‌َ ینجرّالکلام إلى الوحدة والتواصل الاجتماعی الإسلامی بشکل عام والإنسانی بشکل أعم.

عبادات تواصلیة

حتى العبادات الإسلامیة التی ظاهرها الفردیة، فإنّها تضمنت معان اجتماعیة، خذ مثالاً الصلاة: فعندما یصلی الإنسان المسلم بمفرده، هل یعنی ذلک أن هذه الصلاة هی صلاة فردیة؟ لا، لأن الصلاة وإن کانت إقامتها بصورة فردیة أحیاناً، إلا أن مضمونها اجتماعی.
خذ مثلاً: عندما یقرأ المصلی سورة الفاتحة، فإنه یصل إلى آیات: ﴿مَلِکِ یَوْمِ الدِّینِ * إِیَّاکَ نَعْبُدُ وإِیَّاکَ نَسْتَعِینُ﴾.
فهنا نجد أن الصیغة صیغة الجماعة، نعبد نستعین إهدنا، ولیست هی صیغة المفرد، أعبد أستعین إهدنی.
فضلاً عن أن الإسلام حثّ على إقامة الصلاة جماعة وفی المسجد، وهذا یشیر إلى أهمیّة التحرک والنشاط الاجتماعی التواصلی فی الإسلام الحکیم.
وهکذا عبادة الحج، فإن الحج صورته صورة جماعیة، فمنذ انطلاق الإنسان من بلده إلى عودته من الحج ترافقه المعانی الاجتماعیة، والإشارات التواصلیة.
وهکذا الصوم والزکاة، ترى فیهما المعانی الاجتماعیة التواصلیة فإذن الإسلام اجتماعی تواصلی، یدعو إلى المحبّة والتکاتف والتعاون.
ومن الأمور التی أکّد علیها هذا الدین العظیم صلة الرحم، وهذا ما سنتحدث عنه فی العناوین اللاحقة.

الغرب المتقاطع‌

إذا عرفت منهجیة الإسلام فی العلاقة مع الآخر، وکونه اجتماعیاً، فعرِّج بنظرک صوب الغرب لترى کیف یعیش الغرب من هذه الناحیة.
إن مراجعة دقیقة للمجتمع الغربی یؤکِّد لک، بما لیس فیه شک، إلى أنه مجتمع فردانی وأنانی الإتجاه، فإنه لا یفهم إلا من خلال مصالحه الضیقة، والفرد فیه مکلّف بتحسین حاله بمفرده، ولیس مسؤولاً عن الآخرین، وبالنتیجة فإن قیمه ومصالحه متعلقة به، ولا یخدم بها بنی الإنسان، مهما بعد منه أو قرب، حتى ولو کان ابنه من صلبه أحیاناً، ولا تعدو أن تکون القیم والمصالح آلة اقتصادیة مثلها مثل بقیة الآلات، لا دخل لمعنى الإنسان أو الإنسانیة ومصیره فیها بشی‌ء.
والمؤسف المبکی أن روحیّة الغربیین قد غزتنا، وأصبحت هویّة المسلمین وأصالتهم وروحیتهم الاجتماعیة والتواصلیة فی مهب الریاح الغربیة الفاسدة، فالهجوم الثقافی شرس واسع النطاق.
فینبغی على المسلم فی هذا الصراع إثبات الذات وصون الهویة الثقافیة والتمسک بمبادئ الإسلام الأصیلة.
وإذا أردت معرفة حقیقة المجتمع الغربی فما علیک إلا أن ترجع إلى الصحف والمجلات التی تتحدَّث عن تفکک هذا المجتمع، وبالخصوص تفکک عوائله وأسره.
أجریت دراسة على 7598 جانحاً فی الولایات المتحدة الأمیرکیة من نزلاء المؤسسات الإصلاحیة سنة 1910، أظهرت أن 50.7% أتوا من أُسر متصدِّعة.
وأن 50.5 من نزلاء المدارس الإصلاحیة فی إنکلترا، واسکتلندا أتوا من بیوت متصدعة، وأجرى باحث فرنسی عام 1942 فی مدینة باریس دراسة على الأحداث الشباب المراهقین المنحرفین، فتبین أن 88% منهم کانت أسرهم متفککة(5).
إن المجتمع الغربی مهدّد بالسقوط جرّاء تفشی وتجذّر ظاهرة الفردیة الأنانیة بین کل فئاته.
وفی رأی بعض الباحثین الاجتماعیین، أن المجتمع الأمریکی بالذات، نسی مفتّت ومن ثم فلیس له أمل یُرجى لمستقبل هذا المجتمع إذا هو لم یتدارک الأمر قبل فوات الأوان، وذلک بتصحیح وترمیم النسیج الاجتماعی ویعترف هؤلاء الباحثون: أن الوضع یحتاج إلى تغییر جذری لقیم الشعب الأمیرکی(6).

العلاقات الاجتماعیة فی المجتمع الإسلامی‌

إن المجتمعات الإسلامیة رغم عدم التزامها بالإسلام التزاماً تاماً، إلا أنه لا تزال الروح الاجتماعیة موجودة فیها.
فحسب دراسات أجریت على المجتمعات العربیة وهی جزء من الأمة الإسلامیة أنه لا تزال فی المجتمعات العربیة روح العاطفیة والترابط، وحب المعاشرة، وهی قیم تعکس أهمیّة الجماعة لدى الفرد... ولیس الامتثال لرغبات الأسرة والخوف من کلام الناس، والاهتمام بالمحافظة على السمعة، والمکانة العالیة التی تحتلها المجاملات الاجتماعیة العربیة إلا تأکیداً، لأهمیة الجماعة لدى الفرد.
وقد لاحظ أحد الباحثین أن العرب على خلاف الأوروبیین والأمیرکیین، عادة ما یفضلون الوقوف والجلوس على مقربة شدیدة من بعضهم البعض فی الأماکن العامة(7).

أسباب القطیعة

بعد أن قارنّا بین المجتمع الإسلامی وقیمه من حیث الاتجاه الجماعی، وبین المجتمع الغربی من حیث أنانیته، یحسن بنا أن نعرف الأسباب التی تدعو إلى تقاطع الناس وتنافرهم،
وهذه الأسباب تجری على قطع الرحم أیضاً.
1- سیطرة روح المادّیة على المجتمع والأفراد، مما یسبِّب تمحور کل إنسان حول ذاته، بالشکل الذی یؤدی إلى عدم الاهتمام بالآخرین. وهذا ما نراه فی المجتمعات الغربیة التی لا تقیس علاقاتها مع الآخرین إلا بالقیاس المادّی، ویختصرون علاقاتهم بقیاس الجیب وما یحویه من المال.
وهذه الروح المادّیة رفضها الإسلام العزیز، داعیاً إلى عدم الاستغراق فی حبّ‌ِ الدنیا، وحبّ‌ِ المال، المؤدِّیان إلى کثیر من المساوئ، ومنها قطع الرحم.
إننا نرى کثیراً من الأغنیاء المنکبین على جمع المال، لا یتواصلون مع أقاربهم، وما ذلک إلا لأنّهم فقراء، لا یستفیدون منهم شیئاً، بمقیاس الجیب والمصالح المادّیة.
2- التکبُّر: وسیطرة الروح المادّیة، تؤدی بالإنسان الذی تغلبت علیه هذه الروح، إلى التکبُّر على الآخرین واحتقارهم وقد قال رسول اللَّه صلى الله علیه وآله:
(لا یدخل الجنة من کان فی قلبه مثقال حبة من کبر)(8)
وإذا کان التکبُّر مذموماً فی الإسلام، فإن التکبُّر على ذی الرحم أشدُّ قبحاً، فکم نرى غنیاً، أو ذا جاه، لا یصل رحمه الفقیر أو الذی لا جاه له، ولا یعرف له قرابته ویتکبَّر علیه، أما إذا رأى رحمه الغنی الوجیه احترمه،
وهذا فی الحقیقة لیس صلة للرحم، بل اعتناء بالمال والمصالح الضیقة، لا بشخص الرحم، فهذا احترم المال ولم یحترم قریبه، ألا یعلم هذا المتکبِّر أن اللَّه. ﴿لَا یُحِبُّ کُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾(9)
3- سوء الظن: وهو مسبِّب للکثیر من العداوات والأحقاد، وکم من أخوین تقاطعا لأنهما أساءا الظن، وکم من عائلات وأسر تفککت بسبب هذه الخصلة المدمِّرة.ولذلک حذّرنا اللَّه من هذه الرذیلة. ﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا کَثِیرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾(10).
وکثیر من الأحادیث ذکرت حول هذا الموضوع، یقول أبو عبد اللَّه علیه السلام، قال: أمیر المؤمنین علیه السلام:
(ضع أمر أخیک على أحسنه حتى یأتیک ما یغلبک منه ولا تظنن بکلمة خرجت من أخیک سوءاً وأنت تجد لها فی الخیر محملاً(11).
4- الحسد: وهو أیضاً ماح أو حال للدِّین، ومقطِّع أوصال الأحبّة والمؤمنین، ولقد حذّرتنا الشریعة الإسلامیة من هذه الخصلة.
﴿أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾(12)
﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾(13)
وقال رسول اللَّه لأصحابه:
(ألا إنه قد دبّ إلیکم داءُ الأمم من قبلکم وهو الحسد لیس بحالق الشعر لکنه حالق الدین)(14).
ألم یکن الحسد سبباً لقتل قابیل لأخیه هابیل، قال الإمام الصادق علیه السلام:
(والحسد أصله من عمى القلب... وبالحسد وقع ابن آدم فی حسرة الأبد وهلک مهلکاً لا ینجو منه أبداً...)(15).
والنبی یوسف علیه السلام ألم یحاول إخوته قتله انطلاقاً من صفة الحسد، وقصته معروفة.
5- الغیبة: وهی أیضاً مسبّبة لتفکک العوائل، فی حین أن اللَّه تعالى ینهانا عنها لمصلحتنا.
﴿... وَلَا یَغْتَب بَّعْضُکُم بَعْضًا أَیُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَن یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتًا فَکَرِهْتُمُوهُ﴾(16).
6- النمیمة، وفحش الکلام، وعدم وجود الاحترام المتبادل، والعقد النفسیة خجل، حیاء، فضلاً عن الغزو الثقافی الغربی لنا، بحیث نکاد نصیر کالغرب فی أخلاقه وقیمه وتوجهاته.
هذه الأسباب لم نفصِّل فیها، حتى لا یطول المقام، ویحسن مراجعة الکتب الأخلاقیة، التی تتحدَّث عن هذه المواضیع بإسهاب، وتعطی العلاج لهذه الرذائل، فبعلاجها یعالج موضوع قطیعة الرحم، وکثیر من العداوات والأحقاد فی المجتمع ککل.
المصادر :
1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسی، ج 16، ص210.
2- 2- سورة آل عمران، الآیة: 103.
3- سورة الحجرات، الآیة: 13.
4- میزان الحکمة، الشیخ محمد الریشهری، ج4، ص2837.
5- کتاب الأحداث المنحرفون، د. علی محمد جعفر، ص5. ط المؤسسة الجامعیة للدراسات والنشر والتوزیع ـ بیروت 1984.
6- مجلة الفکر العربی، عدد 54، ص233.
7- مجلة الفکر العربی، عدد 54، ص17.
8- بحار الأنوار، م. س، ج 2، ص 143.
9- سورة لقمان، الآیة: 18.
10- سورة الحجرات، الآیة: 12.
11- أصول الکافی، الشیخ الکلینی، ج2، ص 362.
12- سورة النساء، الآیة: 54.
13- سورة الفلق، الآیة: 5.
14- الوسائل، الحر العاملی، ج 15، ص 368.
15- مستدرک الوسائل، المیرزا النوری، ج 12، ص 18.
16- سورة الحجرات، الآیة:


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

التجلي لموسى عليه السلام
تربية الأطفال بين الهدف والوسيلة
الملل و الحياة الزوجية
المرأة بنظر القرآن
الوهابية ومجزرة الحرم الشريف
السيد أبو الحسن جلوة الزواري
الاسرة والغزو الثقافي
هل يمكن أن نكون سعداء في حياتنا؟
الإمام الصادق عليه السلام والتفسير العرفاني
تكوين الأسرة المسلمة

 
user comment