عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

الفتاة والجنس

یكتنف مصطلح التربیة الجنسیة، وأسالیب تطبیقاته كثیر من الغموض والتنازع عند الباحثین التربویین، والمنشغلین بنواحي الثقافة الجنسیة؛ حیث یحتدم الصراع بینهم حول: حدود معارفها العلمیة، وأسالیب إیصالها، والسن المناسبة لعرضها، والجهةالمسؤولة عن تقدیمها، مما جعل من میدان التربیة الجنسیة ساحة خصبة لنشرالأهواء الفكریة، والشذوذات السلوكیة، التي تُذكیها النظریات الجنسیة، والأبحاثالمیدانیة، والثورات العاطفیة العارمة، التي أفقدت هذا المجال سریَّته وستره.
الفتاة والجنس

یكتنف مصطلح التربیة الجنسیة، وأسالیب تطبیقاته كثیر من الغموض والتنازع عند الباحثین التربویین، والمنشغلین بنواحي الثقافة الجنسیة؛ حیث یحتدم الصراع بینهم حول: حدود معارفها العلمیة، وأسالیب إیصالها، والسن المناسبة لعرضها، والجهةالمسؤولة عن تقدیمها، مما جعل من میدان التربیة الجنسیة ساحة خصبة لنشرالأهواء الفكریة، والشذوذات السلوكیة، التي تُذكیها النظریات الجنسیة، والأبحاثالمیدانیة، والثورات العاطفیة العارمة، التي أفقدت هذا المجال سریَّته وستره.
وهذا التَّشتُّت الفكري والسلوكي یرجع بطبیعة الحال إلى فقدان الثوابت العقدیة والسلوكیة التي یتمتع بها منهج التربیة الإسلامیة، حیث جعل من التربیة الجنسیة میداناً ضروریاً للعبادة، فربط بینها وبین الشعائر التعبدیة وبعض قضایا الأسرة برباط لا ینفصم، وألزم المربین من كل طبقات المجتمع: بإشاعة المعرفة بها، وإذاعتها كأوسع ما یكون، حتى إن الأمِّي في المجتمع المسلم لا تخفى علیه فروضها،وكثیر من سننها ومستحباتها، في الوقت الذي قد یجهل كثیر من الأوروبیین –رغم الانفلات الخلقي- العدید من معارفهم الجنسیة.
ومقصود منهج الإسلام من التربیة الجنسیة للفتاة المسلمة: تبصیرها بطبیعة وخصائص هویتها الجنسیة، ودورها في نظام التزاوج والتكاثر البشري، وما یتعلق بهذین الجانبین من أحكام العبادات والمعاملات، ومن ثمَّ ربط كل ذلك بشطري الإسلام العقدي والسلوكي، بحیث تتهذب الفتاة بآداب التربیة الجنسیة عبر مراحل طفولتها المختلفة، ومروراً بمرحلة المراهقة، ثم البلوغ والشباب، فتُعطى في كل مرحلة ما یناسبها من العلوم والمعارف الجنسیة الواجبة والمستحبة وتطبیقاتها السلوكیة، بالأسباب الصحیحة المشروعة -المباشرة منها وغیر المباشرة- الخالیة من الفحش وقبیح القول، حیث یتولى المجتمع ككل هذه المهمة التربویة، من خلال جمیع مؤسساته المختلفة، ضمن معارفها ومناشطها المتنوعة دون تخصیصها بمادة أو منهج معین، فلا یبقى للجهل بهذه المسائل الخاصة باب یدخل عن طریقه المغْرضون أو الجهلة للإفساد الخلقي بحجة التثقیف الجنسي.
ولا شك أن الخجل والحرج یكتنفان الحدیث عن مثل هذه القضایا الخاصة، فیستحوذ الحیاء على المفتي والمستفتي، الكبار والصغار، خاصة الإناث من فئات المجتمع، إلا أن كسر باب الخجل في مثل هذه الموضوعات الشرعیة أمر مهم، وتعلیم الناس ما یجب علیهم، حتى ولو صدر السؤال المُحرج عن الصغیر: فإن إعطاءه المعلومات الصحیحة، بالقدر الذي یناسب مداركه ولا یضره: أمر مطلوب، ونهج تربوي صحیح، فهذه عائشة رضي الله عنها یُواجهها ابن أختها من الرضاعة أبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن، وهوصبي لم یبلغ الحلم بعد بسؤاله عمَّا یُوجب الغسل؟ فلم تجد بُداً من إجابته، حتى ردَّت علیه، فقالت: "أتدري ما مَثلُك یا أبا سلمة؟ مثلُ الفروج یسمع الدیكة تصرخ فیصرخ معها، إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل"، وربما أخبرت رضي الله عنها فیما تحتاج الأمة ، بصراحة تامة عن أدقِّ تفصیلات حیاتها الجنسیة مع رسول الله لمعرفته.
ورغم هذا الوضوح التربوي المنضبط في تعامل منهج الإسلام مع هذه القضایا العلمیة الخاصة: فإن الواقع الاجتماعي المعاصر بمؤسساته المختلفة یشهد تخلُّفاً كبیراً في معارف الفتیات الجنسیة الضروریة، خاصة فیما یتعلق بأحكام الحیض،والعلاقات الزوجیة، حتى إنهنَّ الیوم أفقر ما كنَّ إلى هذه المعارف وتطبیقاتها السلوكیة من أي وقت مضى؛ مما أدَّى إلى ظهور مضاعفات نفسیة واجتماعیة كبیرة، تهدد الأسرة والمجتمع ككل، رغم التجاوز السلوكي المشین الذي تمارسه غالب هذه المؤسسات الاجتماعیة في الشؤون الأخلاقیة والآداب الضروریة، حتى جعلت معارف الفتیات الجنسیة أكثر جوانب حیاتهن اضطراباً وبلبلة، ودفعتهن -بالتالي- بصورة غیر مباشرة نحو المصادر المشبوهة من مثل: وسائل الإعلام،والزمیلات، والخادمات، والمنشورات للحصول على ضروریاتهن من الإرشاد العلمي لصحتهن الجنسیة.

مبادئ التربیة الجنسیة للفتاة المسلمة

یحتم المنطلق الشرعي والواقعي على المجتمع: أن یتناول بالاهتمام -عبر مؤسساته المختلفة- وضع صیاغة تربویة مشروعة لمنهج التربیة الجنسیة، یُحقق للفتاة سلامتها الخلقیة والصحیة، ویساعدها على ضبط اتزانها العاطفي والسلوكي، بحیث ینطلق
هذا المنهج من ثلاثة مبادئ رئیسة على النحو الآتي:

المبدأ الأول: أنوثة الفتاة موضع حرمة أخلاقیة:

حیث تتربى الفتاة من أول أمرهاعلى تعظیم شأن العورة، وقبیح إبدائها، وأنها في الحرمة أعظم من عورة الرجل وأغلظ، ویُعظَّم ذلك في نفسها؛ لیُسبغ على ذلك الموضع منها طابع التحریم، الذي یُمیَّز تلك الأعضاء المكنونة عن غیرها بخصوصیة لیست لشيء آخر من أعضاء بدنها، حتى یصبح مجرَّد انكشاف العورة ولو في حال الخلوة ممقوتاً في حسَّها،عن فضلاً عن العبث الجنسي، أو التفریط الخلقي، وشهوة الأنثى الجنسیة لا تقل عن شهوة الذكر، بل ربما قد تفوقها أحیاناً، فیأتي من جهتها في حال الإثارة من السلوكیات الخاطئة والمنحرفة ما یشینها، ویُوقعها تحت طائلة العقوبة .
ومنهج التربیة الجنسیة -في هذا الجانب- یتخذ من: أحكام الطهارة، وأبواب سترالعورة، وآداب الاستئذان مدخلاً مشروعاً لتأصیل هذا المبدأ التربوي،واتخاذه ركناً أساساً في صحة وسلامة الفتاة الجنسیة.

المبدأ الثاني: أنوثة الفتاة موضع فتنة اجتماعیة :

لكونهن رأس الشهوات، وموضعأعظم الملذات؛ حیث تتصدر الفتنة بهن أعظم أنواع بلایا الرجال، وأشد مخاطر أول الزمان وآخره، ولیس ذلك لقوة فیهن، ولكن لضعف طباع الرجال من جهتهن؛ حیث قهرهم الله بالحاجة إلى النساء، حتى جعل المیل إلیهن كالمیل إلى الطعام والشراب؛حیث بثَّ فیهن عنصر الأنوثة الذي یلعب في كیان الذكر دور الشرارة في الوقود،حتى یسْري لهب الشهوة في بدنه كحریق النار، فینصبغ العالم من حوله بطابعالشهوة، حتى تستحوذ على زمام سلوكه، فلا یبقى له رأي ولا فهم، ولا یلتفت إلى شيء حتى یقضي وطره بصورة من الصور، فالمثیرات الجنسیة تعمل فیهم عمل المُشهیات للأطعمة، تدفعهم دفعاً نحو الجنس بإلحاح؛ ولهذا كثیراً ما یقع الشباب في عادة الاستمناء القبیحة، بصورة واسعة وكبیرة؛ یتخففون بها من شدة الإثارة الجنسیة.
إن من الحقائق التي لابد أن تعرفها الفتاة وتتیقن منها: أن المرأة الجمیلة، ولاسیما الشابة الفاتنة من النساء: تحدث اضطراباً في كیان الرجل، مهما كان مقامه، إنما یختلف الرجال في حجم ضبطهم لأنفسهم، ودرجة تحمل قلوبهم لهذا الاضطراب،وقلَّ أن ینجو الرجل بسلام من الفتنة بالحسناء حین یمكِّن نظره منها، بل ربما كان مجرد سماعه لصوتها، أو معرفته بصفات حسنها دون رؤیتها: كافیاً لتعلُّق أصحاب القلوب الضعیفة والفارغة بها، وربما وصل الحال بأحدهم إلى حدِّ العشق المُهلك، فلیس أحدٌ یموت بعشق شيء أكثر من موت الرجال في عشق النساء؛ ولهذا قدَّم الله تعالى ذكرهن على رأس الشهوات بقدر تقدمهن في قلوب الرجال، فقال (زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَاللّه عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)(1)
ومن هنا یُلْحظ عمق الصلة بین الجمال والجنس بصورة یصعب إنكارها أو إغفالها، حیث یتوقف عنف الرغبة الجنسیة واندفاعها على درجة الجمال ووفرته.
ولما كان المسلك السلبي في التحفز والانتظار والهدوء هو طابع الأنثى في سلوكها الجنسي: فإنها مقابل ذلك في غایة الإیجابیة تجاه إبراز مفاتنها، ومواقع الجمال منها،وصناعة التأنُّق والتزین بكل الوسائل الممكنة؛ وذلك بهدف رواجها عند الرجل، فهومقصودها الأول والأسمى بحسن التزیُّن والتصنع، فهي لا تتزین لتعزز إرادة نفسهاكما یفعل الرجل، وإنما لتعزز إرادة الرجل فیها، فحجم الزینة الكافیة عندها: ما یزكیها في عین الرجل، ویروِّج لمكانها عنده، ومن هنا تأتي الفتنة الاجتماعیة حینما تنطلق إحداهن - بدافع رواجها عند الرجال- إلى التعبیر بوسائل غیر لفظیة عن جمالها ومكامن مفاتنها، أو عن إعجابها ومیل نفسها؛ حیث تقوم الحركات الجسمیة، ونبرة الصوت، وطریقة الوقوف، ونوع المشْیة، ونظرة العین، ورائحة الطیب: مقام كثیر من الكلام، ففي الوقت الذي قد تعجز العبارات عن حمله من المعاني المراد إیصالها: تحمله الوسائل غیر اللفظیة، وتُوصله بصورة قد تكون أبلغ من العبارة وأقوى، وقد أشارت دراسة أجنبیة أنه في حالة "توصیل رسالة ما: تشكِّل الكلمات التي نستخدمها نسبة 7%، ونبرة الصوت 38 %، ووضعیة الجسم 55 %… وفیه یظهر بجلاء مقدار الوسائل غیر اللفظیة في عملیة التعبیر والتواصل"، وصدق الله خاصة، ونساء المؤمنین عامة في القرآن العظیم إذ یقول مؤدِّباً وموجِّهاً نساء النبي مواقفهن مع الجنس الآخر: (….. إِنِ اتَّقَیْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِه مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا* وَقَرْنَ فِي بُیُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهلِیَّةِ الأُولَى …)، إلى أن قال جلَّ وعلا: (…. وَإِذَا سَأَلْتُمُوهنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهنَّ …) (2) وإلى أن قال: {یَاأَیُّها النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِینَ یُدْنِینَ عَلَیْهنَّ مِن جَلَابِیبِهنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن یُعْرَفْنَ فَلَا یُؤْذَیْنَ وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَّحِیمًا) (3)وقال جلَّ شأنه في
موضع آخر: (…. وَلَا یَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهنَّ لِیُعْلَمَ مَا یُخْفِینَ مِن زِینَتِهنَّ …)(4)
ولعل ما یغفل عنه كثیر من النساء، أو یتهاونَّ فیه: إمكانیة التواصل بین الجنسین بواسطة الرائحة الزكیة؛ حیث تقوم الرائحة من خلال حاسة الشم بأدوار مهمة في حیاتي الإنسان والحیوان الجنسیتین، فهي بجانب أنها وسیلة كثیر من الحیوانات للتعرف على أفراد أجناسها، فإنها إضافة إلى ذلك وسیلتها للتجاذب بین ذكورها وإناثها للتناسل والتكاثر، وهي في عالم الإنسان: لغة صامتة لا تقل عن الكلام وغیره من أدوات البیان، فالإنسان كما یتواصل باللفظ فإنه یتواصل أیضاً بالشم، ویعبِّر بالرائحة كما یعبِّر بالكلام، ویستطیع أن یصل بالرائحة إلى أغوار لا یقوى غیرهاعلیها، ولا یمكن الوصول إلیها بغیرها من الحواس؛ ولهذا ارتبطت لغة الحب بین العشاق والمتحابین بحاسة الشم ارتباطاً في غایة القوة، وقد استغل تجار العطور في الترویج لبضائعهم هذه الخاصیة الفطریة، وهذا ما یُلحظ من الدعایة على علب العطور وأسمائها، مما یشیر بوضوح إلى العلاقة الخاصة بین الجنسین، ولهذا تقول السیدة حفصة رضي الله عنها : "إنما الطیب للفراش"، بمعنى أنه مجال للاستمتاع والإثارة بین الزوجین، فلا یصلح خارج ذلك.
وبسبب هذه الخاصیة العجیبة لدور حاسة الشم في عملیة التواصل بین الجنسین: نبه النساء، وحذرهن من الخروج بین الرجال الأجانب بالطیب، وعلی الفتاة المسلمة أن تراي الغریزة المُسْتحكمة في طبیعة سلوك الذكور الجنسي لا بد أن تكون موضع اهتمام الفتاة المسلمة ورعایتها، فإن حدود حریتها السلوكیة كعنصر فتنة: تنتهي عند نظر أو سمع أو علم الأجانب من الرجال، فلا یصحُّ أن یصدر عنها أمامهم أو بمسمع منهم -ولو بصورة عفویة- ما یكون سبباً في إثارتهم، وتحریك غرائزهم، من خلال:
لباسها الفاضح، أو حركتها المقصودة، أو صوتها العذب، أو رائحتها العطرة، أوخلْوتها بغیر محرم، بحیث تستفرغ جهدها في حمایتهم -كإخوة لها في الله- من كل مثیر یضرهم ویُخرجهم عن سكون طبیعتهم، بحیث تتكلف ذلك تكلفاً، حتى ولو أدى ذلك إلى أن تحجب شخصها، وخبر وصْفها عنهم بالكلیة، فلا یصل إلیهم من فتنتها .
وفي هذا الجانب یجد منهج التربیة الجنسیة أوفر مادته الشرعیة للدخول إلى هذا المبدأ التربوي المهم من خلال: أحكام الحدود الشرعیة، وآداب اللباس والزینة، إلى جانب القصص القرآني والنبوي المتضمن لمثل هذه الموضوعات في العلاقة بین الجنسین.

المبدأ الثالث: أنوثة الفتاة موضع متعة زوجیة:

بحیث لا تستنكف أن تكون موضع استمتاع للزوج في بدنها وبضْعها، ومكاناً لقضاء وطره، ومنْبت ولده، فإن الفتاة الحرة في الأصل ممنوعة ومحفوظة من كل الرجال مطلقاً، إلا من أجنبي عنها بنكاح صحیح؛ إذ الحكمة تقتضي ذلك، بحیث یبلغ التجاذب بینهما مداه الأقصى، حتى یستمر للبشریة أسباب بقائها ضمن منظومة التزاوج التي بُنِيَ على أساسها مبدأ تكاثر الأحیاء وتناسلها، فهذا الموضع من الإناث، الذي هو منبت الولد إنما خُلق للأزواج، الرجال أن ذلك الموضع خُلق منهن للرجال، فعلیها بذله في كل وقت "فأعلم الله یدعوها الزوج، فإن منعته فهي ظالمة، وفي حرج عظیم"، ومن هنا تدرك الفتاة الحكمة من جعلها موضع استمتاع للزوج، ومدى الخدمة الإنسانیة التي تقدمها للبشریة باستمرار النوع، وتكثیر سواد المسلمین، كما أنها أیضاً - وللوهلة الأولى- تلْحظ من نفسها، أو من زوجها بوادر الانحراف الجنسي عندما یروم أحدهما أوكلاهما مُتْعته بهدر الماء في غیر ذلك الموضع منها؛ فإن الفتاة الساذجة قد تعیش دهراً مع زوج شاذ، فلا تتنبَّه لذلك منه حتى یفتضح بین الناس، أو یطلبها للوصال من غیر ذلك الموضع، فتأبى علیه -كما هو واجب المؤمنة- ولا تُمكِّنه من نیل قبیح مُراده.
ویمكن لمنهج التربیة الجنسیة أن یدخل إلى هذا المبدأ الأصیل من خلال أحكام الأسرة في الإسلام، وما یتعلق بها من أحكام النكاح، والعشرة، والفراق، والعدة، ونحوها من شؤون وقضایا الأسرة المتعلقة بهذا الجانب من العلاقات الزوجیة الخاصة.
ومن خلال هذه المبادئ الثلاثة یمكن للمنهج التربوي أن ینطلق في تربیة الفتاة من الناحیة الجنسیة عبر نظام الإسلام، وشرائعه المختلفة التي كلف الله تعالى بها الناس، بعیداً عن أسلوب التفحُّش، والانحراف الخلقي الذي تتعاطاه المصادر الجنسیة المشبوهة تحت ستار الثقافة الجنسیة.

أهداف تربیة الفتاة الجنسیة وخصائصها التربویة

أهم خصائص الفتاة الجنسیة:
-1 اختصاصها بالحیض والحمل والنفاس والإرضاع، وما یرافق هذه الأحوال من المعاناة التي تتطلب الإعداد الصحي جسمیاً ونفسیاً، حتى تتمكن من التغلب علیها، وتقبلها بصورة أكثر إیجابیة.
-2 اختصاصها بغشاء البكارة، والخفض السُّني، ودرجة كبیرة من الحیاء الفطري، وهذا یتطلب التأكید على منهج التربیة أن یستغل هذه الأحوال باعتبارها وسائل معینةعلى الاستعفاف.
-3 اختصاصها بالقدرة الفطریة على الفتنة الاجتماعیة مما قد یجعلها موقعاً لصورة من صور انتهاك العرض، وهذا یتطلب قدراً من الحمایة الأسریة والتربیة السلوكیة؛لضمان حفظها من مخاطر الانحرافات الجنسیة التي كثرت في هذا العصر.

أهداف تربیة الفتاة الجنسیة:

1- تعلیم الفتاة سبل العنایة بصحتها الجنسیة في ضوء أحكام الفقه الإسلامي.
2- فَهم الفتاة لطبیعة سلوك الإنسان الجنسي بین حدَّي المباح المشروع والمحرم الممنوع.
-3 توجیه الفتاة إلى الوسائل التربویة المشروعة المعینة لها على ضبط شهواتها الجنسیة.
-4 تقبُّل الفتاة للعادة الشهریة وتحمل تأثیراتها المزعجة مع تفهمها لأهمیتها الشرعیة والصحیة.
-5 حمایة الفتاة بالوسائل المشروعة من أسباب الانحرافات الجنسیة.
-4 طبیعة نمو الفتاة الجنسي
لا تقل أهمیة صحة الفتاة الجنسیة عن صحتها النفسیة، أو الجسمیة، أو العقلیة، فإن لكل جانب من هذه الجوانب أهمیَّته في بناء واتزان شخصیة الفتاة المسلمة؛ إذ "إن الحیاة الجنسیة ظاهرة أساسیة في حیاة الأفراد والشعوب، وقد بدت أهمیتها في شتى الأزمات، كما تشهد على ذلك الدیانات كلها".
ویتلخص نمو الفتیات الجنسي في كونهن یُراهقن البلوغ قبل الذكور بعام أو عامین، حیث تبدأ عندهن إرهاصات النضج الجنسي، وهرموناته الخاصة قبل البلوغ الفعلي بخمس سنوات تقریباً، بحیث یكمل لهن تمام النضج بصورة تدریجیة متتابعة: في الثانیة عشرة غالباً، وربما تقدَّم عند بعضهن -ضمن الحد الطبیعي- إلى الثامنة، أو ربما إلى السادسة، وهذا نادر وشاذ، أو تأخر إلى السابعة عشر كحد أقصى لحصول البلوغ؛ حیث تقوم كل من: الجذور الوراثیة، والقیمة الغذائیة، والطبیعة المناخیة، ونوع التربیة الأخلاقیة: بأدوار مهمة في التأثیر على سرعة وبطء عملیة النضج الجنسي، فتنتقل الفتاة بذلك من مرحلة الطفولة والمراهقة إلى مرحلة الشباب، وسن التكلیف؛ إذ البلوغ هو همزة الوصل بین المرحلتین، ومفهوم المراهقة في التصور الإسلامي لا یعني البلوغ، وإنما یعني مقاربة البلوغ، ویكفي شرعاً ثبوت البلوغ بتصریح الشخص، وتعبیره عن نفسه؛ لأنه أمر لا یُعرف إلا من جهته.
وفورة البلوغ تسهم في إطلاق ملكات الفتاة الطبیعیة ، وكافة میولها ورغباتها الفطریة الكامنة في ذاتها، وتتفجر في أعماقها المیول الغریزیة، وتنبعث في نفسها العوامل المعنویة والأخلاقیة، فالتحولات المتعلقة بالبلوغ لا تقتصر على الناحیة الجسمیة فحسب، وإنما تشمل جمیع نواحي الشخصیة بما فیها الناحیتین الروحیة والنفسیة؛ وذلك للترابط الوثیق بین النفس والجسم في طبیعة النمو الإنساني.
ورغم أن البلوغ غالباً ما یكون في الثانیة عشرة عند الفتیات إلا أن قدرتهن على الممارسة الجنسیة، ومقدِّماتها، وشيء من التلذذ الشَّهوي: یسبق ذلك بزمن؛ فإن النشاط الجنسي یتقدم حُصُوله على اكتمال القدرة التناسلیة فلا ارتباط بینهما من هذه الجهة، إلا أنه كثیراً ما یبقى في صورة اتجاهات وأشواق ناقصة، غیر مكتملة؛ لأن حدَّ الشهوة الجنسیة عند الفتاة في الحادیة عشرة تقریباً -حاضت أو لم تحض- وبدایة 18سنة، وقمة لیاقتها الجنسیة في أكمل صورها یتأخر - كمالها الشهوي ما بین 16حتى السادس والعشرین تقریباً، وربما تأخر إلى الخامسة والثلاثین، مع كل هذا فإن مجرَّد بلوغ الفتاة المحیض یُعتبر مؤشراً كافیاً على قدرتها الطبیعیة على الاتصال الجنسي، ومن ثمَّ استعدادها للحمل والإنجاب بصورة طبیعیة، بل إن قدرتها على الحمل قد تسبق في بعض الحالات النادرة نزول الحیض، ولهذا تقول السیدة عائشة: "إذا بلغت الجاریة تسع سنین فهي امرأة"، ولعلها بهذا التصریح وهي في التاسعة من عمرها، ومع كل تحكي تجربتها حین أدخلت على رسول الله الأحوال فإن البلوغ عادة لا یتأخر عن خمس عشرة سنة، فلو قُدَّر أن تأخر لآفة في الخلْقة، فإن الآفة في الخلْقة لا توجب بالضرورة آفة في العقل، فإذا كان العقل قائماً بلا آفة: وجب اعتباره، وإلزام بنت الخامسة عشرة بالأحكام الشرعیة باعتبارها بالغة، وفي هذا المعنى یقول الإمام الترمذي حاكیاً عن جمع من العلماء: "الغلام إذا استكمل خمس عشرة سنة فحكمه حكم الرجال، وإن احتلم قبل خمس عشرة فحكمه حكم الرجال"، فمدار التكلیف قبل سن الخامسة عشرة على البلوغ، وبعدها على السن.
وهذا الفهم لطبیعة نمو الفتاة الجنسي وارتباطه بالتكالیف الشرعیة یُحتِّم على منهج التربیة الصحیة مراعاة ذلك منها منذ فترة الطفولة المتأخرة، ومروراً بمرحلة المراهقة، ثم العنایة الكاملة في أوسع صورها في مرحلة الشباب، حتى تبلغ الفتاة بدایة ذروة النشاط الجنسي، وتصبح قادرة على التناسل.

طبیعة سلوك الأنثى الجنسي

رغم الغموض الشدید الذي یكتنف طبیعة الحیاة الجنسیة عند أنثى الإنسان، وإجماع الباحثین على الحیرة في تحدید جوانب ملامحها بدقة: فإن الثابت یقیناً أن لها نشاطها الجنسي الخاص، الذي یختلف اختلافاً كبیراً عن نوع نشاط الذكور الجنسي في جوانب متعددة، إلا أنه مع ذلك یتحد معه بصورة عامة في مبدأ التلذذ والاستمتاع، فمع كون الأنثى تتأثر -كما یتأثر الذكور- بإفرازات الغدد للهرمونات الجنسیة الخاصة؛ فإنها مع هذا تختلف في طابع سلوكها الجنسي عن طابع سلوك الذكور في جوانب متعددة.
منها: السلبیة في السلوك الجنسي بما تحمله من مظاهر الانتظار والتحفُّز، وما یقابلها في سلوك الذكور الجنسي من مظاهر العدوان والمبادأة، حتى إن المطاوعة منهن لزوجها في الجماع في نهار رمضان لا تُلزم بالكفارة عند بعض الفقهاء، كما لا یصح منها الظهار فتمتنع عن تمكین زوجها من نفسها، كما أن الفتاة المُغْتصبة قد تُعذر إن خشیت الهلاك، في حین قد لا یُعذر الرجل إذا أجبر على الفاحشة.
اختلاف طبیعة سلوك الرجل الجنسي عن طبیعته عند الأنثى؛ فلو أراد الرجل المرأة أكرهها، أما إن أرادته هي دون رغبته عجزت عن إكراهه؛ ولهذا لجأت امرأة العزیز إلى تهدیده بالسجن والعقوبة، فالأنثى بطبیعتها الفطریة "أقل اندفاعاً في حیاتها الجنسیة من الذكر، كما أنها أقل تهوراً، واندفاعاتها الجنسیة هي أكثر تعبیراً عن عواطفها منها عن حاجتها الجنسیة"، وهذا المسلك السلبي فطري الطبیعة، لا یشین المرأة في شيء فهو عام في الطبیعة الأنثویة حتى على مستوى الخلایا الجنسیة، فالخلیة "المذكَّرة نشطة متحركة، تجدُّ في طلب الخلیة المؤنثة، أما البییضة فثابتة وسلبیة"، وأعجب من هذا وأغرب في طبائع بعض الإناث: ما أشارت إلیه بعض الدراسات من تلذذ المرأة المغتصبة في بعض حالات الاغتصاب الجنسي، رغم شدة الموقف وقسوته -كما هو مفروض- وما ذلك إلا لهذا المعنى السلبي في مسلك الأنثى الجنسي، ففي الوقت الذي یتضرر فیه الذكر غایة الضرر إذا فُعلت به فاحشة اللواط من حیث إذلاله، وذهاب شهامته: فإن شیئاً من ذلك لا یكون بین الرجل وزوجته لتوافق وتكامل الطبیعتین الإیجابیة والسلبیة بینهما، ولهذا لما سُئل عبد الله بن المبارك عن الغلام إذا أراده بعض الفسقة للفاحشة قال: "یمتنع ویذب عن نفسه، قال: أرأیت إن علم أنه لا ینجیه إلا بالقتل، قال: أیقتل حتى ینجو؟ قال: نعم"، فالضررالواقع على الذكر من وطء الذكر ولو بالتراضي أشد وأخبث من ضرر الاغتصاب الواقع على الأنثى من الذكر، ولهذا جاءت عقوبة اللواط عند السلف أشد وأعنف من عقوبة الزنا، لمخالفتها لأصل الفطرة.
ومنها: تحمُّل ترك الجماع مع القدرة علیه: عبادة، أو اختیاراً مباحاً لفترات طویلة قد تصل إلى أشهر، أو سنوات، أو ربما ترْكه بالكلیة لمصلحة معتبرة شرعاً، في حین یندر هذا المسلك في أكثر الرجال، ویُستْغرب منهم، في الوقت الذي لا یُستغرب إذا جاء من جهة النساء، ولهذا لُوحظ أن حالات النفور من الجنس والممارسات الجنسیة أكثر في الإناث منها في الذكور، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن نسبة النفور من الجنس وممارساته تصل عند الإناث إلى 35 %، وعند الذكور 15 % كما أن انشغال أذهان الشباب بالقضیة الجنسیة أكثر من إنشغال الفتیات، وهذا كله في الجملة یدل على اختلاف طبیعة السلوك الجنسي بین الجنسین.
ومنها: اختلاف أسالیب الحوافز الجنسیة بین التلقائیة السریعة والمْوضعیة البدنیة المحدودة عند الذكور، وبین التعقید والبطء في عمل هذه الحوافز، وتنوعها،وانتشارها البدني عند الإناث؛ وذلك لتناسب طبیعتهن الساكنة المستترة؛ ولهذا تفتقرالمرأة إلى زوجها لإثارتها أكثر من افتقاره هو إلیها في إثارته؛ وذلك بناء على اختلاف أسالیب عمل الحوافز الجنسیة بینهما.
ومنها: ارتباط النشاط الجنسي عند الأنثى بالجانب النفسي كأبلغ ما یكون، في حین یمارسه الرجل غالباً كوظیفة بیولوجیة معتادة، فمع أن الحیاة الجنسیة عند الإنسان بصفة عامة مرتبطة بجانبه النفسي إلى حد كبیر: فإن السلوك الجنسي عند الإناث ظاهرة نفسیة أكثر بكثیر من كونه وظیفة بیولوجیة معتادة، ففي الوقت الذي یكون فیه الجنس عند الرجال ممارسات متفرقة: ینغمس النساء فیه بعمق، ولیس ذلك لكونهن أرغب من الرجال في الممارسات الجنسیة وكثرة الوقاع، وإنما للارتباط العمیق عندهن بین الناحیتین الجنسیة والنفسیة، فالمرأة: قد تمتنع عن الجماع، وتصبر على ذلك، ولكن یعز علیها ویصعب أن لا تكون موضوعاً جنسیاً مُستحسناً، فهي مفتقرة إلى إعجاب الآخرین، وظامئة لاستحسانهم؛ ولهذا كثیراً ما تتبرج المرأة، وتظهر بعض مفاتنها، ولیس ذلك رغبة في الفاحشة، وإنما لمجرد إثارة الآخرین، حتى تُعزِّزبذلك جنسها، وما هي به أنثى، في حین لا تُعرف مثل هذه المسالك الجنسیة عند الرجال، بل قد تنفصل عندهم -في بعض الأحیان- الممارسة الجنسیة عن الواقع .
ومنها: امتزاج الحیاة الجنسیة عند الأنثى بالحب والتوحُّد في الطرف الآخر، بحیث یضعف نشاطها، أو یضْمحل مع غیر المرضي عندها من الأزواج، في حین لا یدخل الحب كعنصر رئیس في نشاط الذكور الجنسي، كما أن التعدد للزوجات عندهم –في حد ذاته- من العناصر المنشطة، والمرغوب فیها.
ومنها: ارتباط نشاط الإناث الجنسي بالمعاناة والألم؛ وذلك لارتباطه بالتناسل ومكابدة آلام الحمل والولادة والرعایة ونحوها، في حین لا یعدو نصیب الرجل من هذه المعاناة النسائیة إلا صَفْوَ لذَّتها، كما هو في غالب طوائف الحیوانات، ولهذا لاحظ بعض الباحثین زیادة میل النساء في هذا العصر - بصورة خاصة- نحو الجنس بعد ظهور حبوب منع الحمل التي حققت للنساء المتعة الجنسیة دون الارتباط بمعاناة الحمل، وما یلحق به من رعایة النسل، ففرَّقت موانع الحمل الحدیثة بین الجنس بهدف التكاثر، والجنس بهدف المتعة.
ومن خلال هذه النقاط المتعددة تظهر الفروق الجوهریة- التي یحاول بعضهم إنكارها- بین سلوك الذكور الجنسي وسلوك الإناث، التي تفرض على منهج التربیة مراعاة هذه الطبائع الأصلیة في كیان الجنسین، والعمل على ثباتها، كل حسب طبیعته، ودوره كنوع إنساني متفرّد.
المصادر :
1- آل عمران: 14
2- الأحزاب: 53
3- الأحزاب: 59
4- النور: 31


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

القدرية
محكمة خليفية تقضي بإعدام حسين مرزوق وسجن آخرين ...
الوعد والوعيد
شاهد عیان یتکلم عن کارثة منی 2015/ لقد رأينا ...
العلاقة الزوجية بين الرومانسية والجنس
الإعراض عن اللغو
من هم الشیعة ومن أین ؟؟
نص رسالة "محمد رسول الله" لـ"المقوقس" ...
الحياة مع زوج شكاك.. جحيم لا يطاق!
التجلي لموسى عليه السلام

 
user comment