عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

الإمام الحسين (عليه السلام)

الاسم : الإمام الحسين (ع) اسم الأب: الإمام علي (ع) اسم الأم: فاطمة الزهراء (ع) تاريخ الولادة: 3 شعبان السنة الرابعة للهجرة
الإمام الحسين (عليه السلام)

الاسم :

الإمام الحسين (ع)
اسم الأب:

 الإمام علي (ع)
اسم الأم:

 فاطمة الزهراء (ع)
تاريخ الولادة:

 3 شعبان السنة الرابعة للهجرة
محل الولادة:

 المدينة
تاريخ الاستشهاد:

 10 محرم السنة 61 للهجرة
محل الاستشهاد:

 كربلاء
محل الدفن:

 كربلاء
الوليد المبارك :

 

في اليوم الثالث من شعبان ، من السنة الرابعة للهجرة ، رزقت فاطمة الزهراء عليها السلام وليدها الثاني العظيم . قامت « أسماء » إحدى رفيقات فاطمة عليها السلام بلفّ الوليد الصغير بقطعةٍ نظيفة من القماش الأبيض ، و تقدّمت به نحو
الرسول صلّى الله عليه وآله ، فتناوله منها و احتضنه ، و جعل يوسعه تقبيلاً ، ثمّ ضمّه إلى صدره الشريف ، و تلا في مسامعه اسم الله و كلمة لا إله إلاّ الله ، و أذّن و أقام ، ثم أسماه « حسيناً ».

طفق الرسول صلّى الله عليه و آله ، يرمق الحسين و هو على صدره ، ثمّ ضغط عليه برفق و حنان ، و شفتاه تتحرّكان بأقوال مبهمةٍ ، ثم بدأ يتحسّس أطرافه بمداراةٍ شديدةٍ ، و قد شلمه بنظرةٍ ملؤها الحزن ، ثم غلبه البكاء.

عجبت أسماء لما رأته و قالت: فداك أبي و أمّي، ممّ بكاؤك ؟

فأجابها و قد غامت عيناه: «
من ابني هذا »،

فملكتها الحيرة ، ولم تدرك مغزى قوله ، فقالت : إنّه ولد الساعة ،

فأجابها بصوتٍ متقطّع: «
تقتله الفئة الباغية بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي . . . ».

ثمّ نهض ، و هو مثقل بالهمّ و قال لها: «
لا تخبري فاطمة فإنّها حديثه عهدٍ بولادةٍ . . ».

و تولّى النبي (ص) بنفسه رعاية الحسين. و اهتمّ به اهتماماً بالغاً. وقد استشفّ صلّى الله عليه وآله من وراء الغيب كلّ ما سيجري لولده الحسين (ع) ، و عرف أنّ الله سبحانه قد اختاره ليحفظ به أنوار الإيمان مضيئةً مشعّةً ، و يطفئ به و بعائلته شعلة الكفر و النفاق. و تلك نعمة منّ الله بها على
أهل بيت نبيّه عليهم السلام ، لكنّ المنافقين لا يؤمنون.

بعد رحيل الرسول (صلّى الله عليه وآله) :
هل سمعتم ماذا فعل الظالمون بوصايا الرسول صلّى الله عليه وآله ؟ ، إنّهم بعد أن سمعوها منه ، و وعوا ما يرمي إليه منها ، و استقرّت في خواطرهم ، عميت عنها قلوبهم ، فنقضوا عهود الله و مواثيقه ، و تناسوا قدر أسرة النبيّ المطهّرة المهديّة ، فوضعوا مصير الإسلام و المسلمين بين أيدي أعداء الإسلام ، و اختاروا العمى على البصيرة ، و الظلمات على النور، « و استحبّوا العمى على الهدى ».

فلو أنّهم استجابوا إلى أوامر الله و رسوله ، إذن لفتحت لهم أبواب النعم ، و لنالوا القوّة و المعرفة . لكنّهم أبوا فظلموا أنفسهم ، و في ظلّ جهلهم و نقضهم للعهود نال الإمام العظيم عليّ عليه السلام الشهادة ، بينما تربّع معاوية على عرش الخلافة و من فوق هذا العرش ، أشهرت السيوف على رقاب المسلمين ، في مجازر شاملةٍ ، و قتل الإمام الحسن بالسّم.

الحسين (عليه السلام) و بيعة يزيد :
أمّا الحسين عليه السلام ، فقد احترم الذي رضيه أخوه ، فلم يشهر سيفاً في وجه معاوية طيلة حياته ، لكنّ معاوية نقض العهد و الميثاق و سلّم خلافة الإسلام و المسلمين إلى ابنه الفاجر ، الذي ما إن مات أبوه حتّى أصدر أوامره إلى الوليد ، عامله على المدينة ، كي يأخذ البيعة له من الإمام الحسين ، و يدعوه إلى تقديم فروض الطّاعة .

دعا الوليد الإمام في منتصف تلك الليلة و قال له : يا حسين آجرك الله في معاوية ، و ليس هناك اليوم من أبناء رسول الله غيرك ، و لست تجهل مقامك بين الناس ، فعليك أن تبايع يزيد قبل الجميع ، و تسلك مسلك الوفاء ، فتكون قدوةً للغير ، فأنت ابن بنت رسول هذه الأمّة ، و عليك أن تسعى لما فيه خير و صلاح المسلمين .

استمع الحسين (ع) إلى الوليد ، و سرح في بحر من التفكير و القلق ، و أدرك أنّ كلّ شيءٍ قد انتهى ، و أنّ يزيد قد صمّم على الشرّ. لقد صمت الحسين عشر سنواتٍ من حكم معاوية . فلم يحرّك ساكناً ، أسوةً بأخيه الشهيد ، ولكن ... هل بمقدوره الصمت و السكوت على أعمال يزيد ؟ ، و هل يستطيع أن يبقى متفرّجاً على ظلمه و طغيانه ، فيجيز بذلك أعماله و شروره ؟ ، في حين يدرك عليه السلام ، أنّ الأمّة الإسلامية ، كانت ترقب ما سيفعله مع يزيد ، لأنّ في مبايعته له إقراراً بما كان يرتكبه من منكرٍ. كان عليه السلام يدرك هذا ، و أكثر منه .. فالتفت إلى عامل يزيد ، و قال : «
إنّ مثلي لا يبايع سرّاً .. فإذا خرجت إلى الناس ، و دعوتهم للبيعة ، دعوتنا معهم ... ».

كان الوليد - كما يقال - ميّالاً للمسالمة ، فوافق على تأجيل الأمر إلى الصّباح ، غير أن مروان بن الحكم - و كان حاضراً مجلسهما - صاح بالوليد : لئن فارقك الساعة و لم يبايع ، لا قدرت منه على مثلها أبداً .. احبسه ، فإن بايع ، و إلاّ ضربت عنقه.

فوثب إليه الإمام عليه السلام قائلاً : «
يابن الزرقاء،  أأنت تقتلني أم هو ؟ ، كذبت و الله و لؤمت ».

ثم التفت إلى الوليد فأخبره عن عزمه على رفض البيعة ليزيد قائلاً : «
أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النبوّة ، و معدن الرسالة ، و مختلف الملائكة ، و محلّ الرحمة ، بنا فتح الله و بنا ختم ، و يزيد رجل فاسق ، شارب خم ر، قاتل النفس المحرّمة ، معلن بالفسق ، و مثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح و تصبحون ، و نرى و ترون ».

- التوجه إلى مكّة :
في تلك الليلة عزم الحسين على مغادرة المدينة إلى مكّة ، و نفّذ ما عزم عليه دون إبطاء ، يرافقه أهله و أصحابه الأقربون ، و ابتعدوا عن المدينة ما أمكنهم ليكونوا في مأمن من مطاردة أعوان يزيد ، في هذا السّفر المحفوف بالمخاطر. أمّا أهل المدينة ، و الذين كانوا قد عاهدوا الحسين على النصرة و الحماية ، فلم يبدر عنهم أيّ تحرّكٍ في هذا الاتّجاه ، بل لجأ أكثرهم إلى بيوتهم من الخوف.

وصلت قافلة الإمام إلى مكّة ، حيث الأمان أكثر ، لأنّ مكّة بيت الله ، و أرضها حرم الله ؛ و العرب يحترمون بيت الله ، و يقدّسونه منذ القدم ، فلا يقتلون لاجئاً إلى الحرم ، و يمتنعون فيه عن الحرب و الخصام . لم يمض وقت طويل على وصول الإمام إلى مكّة ، حتّى وصلها جواسيس يزيد ، و كانت خطّتهم التخلّص من الإمام خفيةً ، ثمّ الادّعاء بأنّه قتل في نزاعٍ محلّيّ بسيط.

بقي الحسين (ع) في مكة ما أمكنه ذلك ، يحذّر الناس و ينبّههم إلى الخطر الذي يشكّله حكم يزيد على الإسلام ، كما بعث برسائل إلى رؤساء القبائل يدعوهم إلى الجهاد و النصرة . حتى إذا أحسّ بأعوان يزيد يضيّقون عليه الخناق ، اضطرّ للتفكير بتدبير آخر.

- الكوفة مركز الأحداث :
كانت الكوفة في ذلك الوقت ، منطقةً آهلةً بالسّكّان ، و كان أهلها ممّن عايشوا علياً عليه السلام زمناً ليس بالقصير ، و عرفوا قدره و مكانته ، و كانت كوفة تلك الأيام أفضل أرض يراعى فيها الإسلام ، كما كان أهلها على دراية و اطلاع ، فهم يعرفون أهل البيت و فضلهم ، في حين كان غيرهم لا يعرفون إلاّ حاكم مدينتهم أو خطيب مسجدها ، و الأمر لديهم سيّان : حكم عليّ أم حكم معاوية ، نصروا الحسين أم نصروا يزيد.

في ضوء هذا كلّ ه، أرسل الإمام ابن عمه
« مسلم بن عقيل » إلى الكوفة ، ليعمل على تحضير أصحابه و شيعة أبيه للعمل و الجهاد ، سيّما و أنّ أهل الكوفة كانوا قد بعثوا برسائل كثيرةٍ ، يطلبون منه القيام ، كما يطلبون منه قيادتهم للجهاد. و كان الإمام حينها ينتظر موت معاوية ، حتى يتوجّه إلى الكوفة ، و يعلن من هناك إقامة الخلافة الإسلامية.

شعر يزيد بالخطر حين سمع بالتفاف أهل الكوفة حول مسلم رسول الحسين ، فعيّن الطاغية ابن زياد لحكم الكوفة ، و أوصاه بالبطش و الشدّة ، و هو ابن لامرأةٍ معروفة بسوء السمعة تدعى مرجانة . كان ابن زياد رجلاً قاسياً متحجّر القلب . كما كان داهيةً صاحب حيلةٍ و مكر ، ورث عن أبيه عداوته و بغضاءه لأهل بيت الرسول ، إلى جانب و ضاعة منبته و سوء خلقه.

خطّط أهل الكوفة يوماً لقتل ابن زيادٍ ، فدعاه أحد أعيان المدينة لزيارته في بيته.  و كان قد اتّفق مع «مسلم بن عقيل» على أن يخرج فجأةً إلى ابن زياد فينقضّ عليه و يقتله ، لكنّ مسلماً لم يفعل ، كي لا يعطي ليزيد عذراً ، فيحتجّ بأنّ أنصار الحسين هم الذين بدأوا القتال . أمّا ابن زيادٍ فقد أحسّ بالخطر خلال وجوده في هذا البيت ، و بعد خروجه أصدر أمراً بالقبض على مسلم و أصحابه ، فسجن بعضهم ، و قتل مسلماً مع صاحب البيت
هانئ بن عروة ، ثم أمر بإغلاق مداخل المدينة لا يتسرّب منها أيّ خبرٍ ، و كي لا يعلم الحسين بقتل مسلمٍ.

- نحو العراق :
و لنعد الآن إلى مكّة ، حيث تركنا الإمام الحسين يتدبّر أموره ، لنستمع إلى ما جرى هناك . فبعد أن أوفد الإمام رسوله مسلماً إلى الكوفة ، استعدّ للحاق به ، كي يستكمل من هناك ما عزم عليه ، ذلك في حين حاول جماعة من كبار أهل مكة ، أن يقنعوه بعدم الخروج ، قائلين له : أنت تعرف أهل الكوفة جيّداً ، و أنّهم خذلوا أباك ، كما خذلوا أخاك ، و سيخذلونك أنت أيضاً ، إنّهم قوم ضعاف النفوس و الإيمان ، و لئن كانت ألسنتهم معك ، فإنّ سيوفهم ستكون عليك . و من الأفضل أن تصرف النظر عن سفرك هذا . لكنّ الإمام لم يستجب لأقوالهم . بل أصرّ على الخروج . إصرار صاحب الرسالة على أداء رسالته ، ولو كان فيها الموت ، ألا إنّه الموت في سبيل الله و الحق.

أحرم الإمام عليه السلام للعمرة فطاف و سعى و قصّر ، و طاف طواف النساء و أحلّ من عمرته ، دون أن يتمّ حجّه ، كي لا يعطي لأعوان يزيد فرصةً لانتهاك حرمة المسجد الحرام ، بسفك دمه الطاهر فيه.

ثمّ توجّه عليه السلام نحو العراق ، قاصداً الكوفة مع أهله و إخوانه و نفر من أصحابه . خرج دون أن يصله أيّ خبر من الكوفة ، لأنّ ابن زياد حال - كما نعلم - دون تسرّب الأخبار منها ، كما أنّه زرع جواسيسه في كلّ مكانٍ على طول الطريق ، كي ينبئوه مسبقاً بقدوم الحسين.

- أرض الكرب و البلاء :
اقترب الإمام من الكوفة ، لكنّ أعوان ابن زيادٍ بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحيّ منعوه من التقدّم ، و اضطرّوه للنزول في أرض جافّة محرقة تدعى كربلاء ، و حين سمع باسمها سرح في تفكير عميق ثم قال: « هذا موضع كرب و بلاءٍ ، هاهنا مناخ ركابنا ، و محطّ رحالنا ، و سفك دمائنا .. »  . ثمّ أمر بنصب الخيام .

حين علم ابن زياد بنزول الحسين عليه السلام في أرض كربلاء ؛ شرع في تنفيذ خطّةٍ لئيمةٍ ماكرةٍ ؛ جمع الناس في مسجد الكوفة الأعظم ، و قام فيهم خطيباً ، فعدّد لهم « حسنات » حكم يزيد ، و أنّه أمره بتوفير الأموال و الأرزاق لهم ، إن هم خرجوا إلى قتال الحسين ، ولم ينس أن يتوعّد من لا يستجيبون له ، و يهدّدهم بأنّ أنفسهم و أموالهم و عيالهم سيكونون في خطر. و هكذا بين وعدٍ و وعيدٍ استمال الكثيرين منهم ، و زجّهم لقتال ابن بنت رسول الله . إنّهم حقاً ضعاف النفوس و الإيمان ، يتقبّلون أكاذيب ابن زياد ، و يخرجون لقتال إمامهم حفيد نبيّهم . إنّه ذاك الطراز من التفكير ، تفكير أناس خيّروا بين الحقّ و الباطل ، فاختاروا الباطل على الحقّ .

- الليلة الأخيرة :
و أخيراً ، حلّت الليلة الأخيرة ، ليلة العاشر من المحرّم ، و حين طوت الظلمة كلّ شيءٍ جمع الإمام أصحابه و أهل بيته ، و قال بعد أن حمد الله و أثنى عليه : « أمّا بعد ، فإنّني لا أعلم أصحاباً أوفى و لا خيراً من أصحابي ، فجزاكم الله جميعاً عنّي خيراً. ألا وإنّي لأظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً ، و إنّي قد أذنت لكم جميعاً ، فانطلقوا في حلّ ليس عليكم مني ذمام ، و هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً .. فإنّ القوم إنّما يطلبونني ، ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري ».

يا لروعة الكرامة الإنسانية لقد أوضح الإمام لهم كلّ شيءٍ ، و حدّد لهم مصيرهم و هو القتل ، ليكونوا على بيّنة من أمرهم ، و رغب أن ينصرفوا تحت جنح الظلام ، فيكون لهم ستاراً ، كما أنّ الظلام يخفي خجلهم إن هم رغبوا في فراقه.

لكنّه لم يكد يفرغ من كلام ه، حتى هبّت الصفوة الطيبة من أهل بيته يتقدّمهم أخوه
العباس قائلين : « لم نفعل ذلك ؟ ، لنبقى بعدك ؟ ، لا أرانا الله ذلك أبداً ».

و تبعهم خيرة أصحاب الحسين ، أمثال حبيب بن مظاهر ، و مسلم بن عوسجة ، و زهير بن القين و غيرهم ، و أعلنوا ترحيبهم بالموت في سبيله. و حين أكّد لهم أنّهم سيلاقون حتفهم هتفوا جميعاً : «
الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك ، و شرّفنا بالقتل معك. لقد أشرقت نفوسهم بنور الإيمان ، و كانوا من خيرة الرجال صدقاً و وفاءً » .

 في هذه الليلة ، و في قلب كربلاء ؛ في الخيام التي تسمع منها همسات الشوق إلى الشهادة ، وقف الإمام الحسين عليه السلام بين صفوة أهله و خيرة أصحابه ، يحدّثهم فيحسّون بالسّكينة تتنزّل على قلوبهم ، و يشعرون بنفوسهم خفيفةً شفّافةً ، تكاد تطير شوقاً إلى الشهادة ، و بقلوبهم تهفو إلى لقاء ربّهم ، فيبثّون إليه نجواهم و بوح قلوبهم . و يتوجّهون إليه بالتماس العفو و الغفران يقولون : «
ربّنا اغفر لنا ، و تجاوز عن خطيئاتنا ، و اجعل لنا مكاناً في جنّتك و احشرنا مع الطّيّبين الطاهرين من صفوة خلقك . ربّنا و تفضّل بقبول هذه القرابين من أهل بيت نبيك ، ربّنا و أسمع صوتنا و نداءنا إلى خلقك ، ربّنا و اجعل من موطن قرباننا هذا ميعاداً لعبيدك ، ربّنا و أرنا مناسكنا و تب علينا يا ربّ العالمين ».

أمّا في المعسكر الآخر ، فكانت أصوات الطّبول و المزامير تمزّق بصخبها سكون الليل و هدوءه ، بينما انصرف اليزيديون إلى الأكل  والشرب كالبهائم يغمرهم فرح يزيدي أثيم.

- يوم عاشوراء و المودة في القربى :

و أطلّت شمس عاشوراء برأسها من وراء الأفق ، و وقف جيش الحقّ في مواجهة جيش الباطل ، و أعطى عمر بن سعدٍ أوامره لجنوده ، فرموا ابن رسول الله بسهامهم و نبالهم. ألم يصدر قاضي المدينة حكمه و يقول : هذا الحسين قد خرج من أرضه ، يتدخل في الأمور السياسية ، و يفرّق بين المسلمين ، فيجب أن يقتل بسيف الإسلام ، حتى يخلص منه الإسلام ؟ ، عجباً : كيف طوّعت له نفسه قتل أخيه ، و قتل الحسين ، و قتل أهل بيته ، و قتل أصحابه ، و ديست أجسادهم الكريمة بحوافر الخيل ، و بأمرٍ من ابن سعدٍ ، و قيل : تدخّلوا في الأمور السياسيّة لا ، غير صحيح ،

إنّها العداوة المكشوفة لله و لرسوله و للإسلام و للقرآن ، إنّه الحقد الكامن في النفوس السوداء

و بعد ..

ففي الوقت الذي تركن فيه المخلوقات إلى بيوتها و أوكارها تنشد الرّاحة ، كان أهل بيت الرسول ، نساؤه و أطفاله ، يرسفون بالأغلال ، و يطاف بهم من مكانٍ إلى آخر. و في الوقت الذي كان اسم الله وا سم رسوله يرتفع فوق المآذن ، كان أهل بيت الرسول يقاسون الأذى و المذلّة و الهوان .. أهذه هي المودّة في القربى؟ ، إنّا لله و إنّا إليه راجعون.

راح جنود ابن سعد يدوسون الأجساد الطاهرة بسنابك الخيل ، حتى شفوا غليلهم و نفثوا سموم حقدهم ، ثم التفتوا إلى نساء الحسين و أطفاله ، يسوقونهم أسرى مكبّلين إلى الكوفة. و الكوفة كانت مقرّ عليّ أميرالمؤمنين . و الكلّ يعرف ابنته
العقيلة زينب ، لكم رأوها في بيت أبيها ، و لكم حضرت نساء الكوفة مجالسها و استمعن إلى مواعظها ، و ها هي الآن أمامهم تتقدّم الأسيرات من النساء و الأطفال ، فأين يوارون خجلهم ؟ ، إنّ أصواتهم التي اختنقت بالبكاء. و ألسنتهم التي لهجت باللّعن على ابن سعدٍ ، لن تكفي لغسل ذنوبهم ، و لن تغفر لهم تقاعسهم ، و هذه كلمات العقيلة تتساقط كالسّياط على جلودهم علّها توقظ القلوب النّائمة ، و تحرّك النفوس الغافلة.

- في الشام :

سيق الأسرى بعد أيام إلى الشام ، و الشام كانت في عيدٍ ، أليست تحتفل بانتصار يزيد ؟ ، ها هو يستقبل رأس عدوّه ؛ رأس الحسين حفيد رسول الله ، يغمره الفرح . و يملأ الفخر أعطافه ، راح يسترجع أمجاد آبائه و مآثرهم ، و يزهو بها ثم يقول:

لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل !!

إنّها آداب اليزيديّين

و في الشام ، استطاع
الإمام زين العابدين (ع) أن يتحدّث إلى الناس ، و يوقظهم من غفلتهم ، و يبسط لهم الحقائق ، فهو و أبوه الإمام الشهيد و أهله ليسوا من الخوارج العصاة كما قيل للناس ، و هم ليسوا من أعداء الإسلام و القرآن كما اتّهموا زوراً و بهتان اً، و كان ممّا قاله عليه السلام : «.. فمن عرفني فقد عرفني ، و من لم يعرفني أنبأته بحسبي و نسبي .. أنا ابن محمد المصطفى .. أنا ابن عليّ المرتضى .. أنا ابن فاطمة الزّهراء ، أنا ابن سيّدة النساء .. أنا ابن المزّمل بالدماء .. أنا ابن ذبيح كربلا .. » ،

و لم يزل يقول أنا ، حتّى ضجّ الناس بالبكاء. و تركت صرخة الإمام المدوّية ، أهل الشام في ذهولٍ ، إذن فهؤلاء أهل بيت النبي ؟ ، و قامت في الشام بوادر ثورة هوجاء ، بعد أن عرف الناس الحقيقة. ثورة تداركها يزيد بإبعاد الأسرى و الرؤوس عن الشام. ثم حظر على الناس مجرّد التّفوّه باسم الحسين ، و كل من أتى على ذكر الحسين كان مصيره السجن أو القتل.

- الشهادة و الثورة :
كان أوّل من أتى على ذكر الحسين (ع) هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري ، فقد زار قبر سيّد الشهداء ، و هناك ذرف دموعاً سخينةً صادقةً . و انقلبت تلك الدموع عاصفةً على مرّ التاريخ . كان الذين يجهلون قدر هذه الدموع ، يردّدون أقوال اليزيديّين ، في ذمّها و ذمّ صاحبها.

ولكن .. في آتي الأيّام ، سيتّجه عشّاق درب الحسين نحو كربلا ، حيث يذرفون الدموع ، و يؤدّون مناسك الشهادة ، و يصونون دم الحسين حيّاً مشتعلاً بالثورة ، و يصونون درس الشهادة ناطقاً للأجيال القادمة ، فلا ينسى الناس ثورة أبي الثوار الحسين عليه السلام ، على الظلم و الظالمين ..

لهذا ، و لهذا وحده كان بنو أميّة و بنو العباس ، يحظرون زيارة قبر الحسين (ع) و قبور الشهداء الآخرين . ولكن .. فرغماً عن سعي الأعداء و الأجراء ، فقد ارتفع على أرض كربلاء صرح عظيم ، و أقيمت على تربة الشهداء بيوت خالدة للعبادة ، و بقي نور الشهادة مشعّاً على مدى الأزمان ، و بقي عهد الشهادة نشيداً يتردّد في الأسماع.
- و في الختام :

فقد علّمنا الحسين أنّ الدم يقهر السيف بإرادة الشهادة ، حين استشهد في سبيل الله و الإسلام .

و علّمنا أنّ الحياة بالقهر  والذلّ هي الموت بعينه ، حين أبى أن يعطي بيده إعطاء الذليل .

و علّمنا كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله ، حين غلب بمواقفه و مبادئه جموع الطغاة .

فالحسين مدرسة لكلّ المستضعفين في ثورتهم على المستكبرين .

و الحسين إمام لكلّ العاملين على إقامة حكم الحقّ و الإسلام .

و الحسين هو من قال عنه جدّه رسول الله : «
سيّد شباب أهل الجنة ».

و صدق رسول الله


source : tebyan
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)
معاجـز الإمـام الکاظم وعلمــه
أوَلَسنا على الحق
التفسير المأثور عن الامام الرضا عليه السلام
الزيارة الجامعة الكبيرة
استجابة دعاء الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام )
السيد علي بن الامام الباقر عليه السلام
الحديث الفني
قالت السيدة الزهراء (س) في الخطبة الفدكية: "طاعتنا ...
ما الذي قاله الإمام الباقر عليه السلام حول صفات ...

 
user comment