عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

أكل هذا الحزن في عينيك يا غروب ؟!

أكلُّ هذا الحزن في عينيك يا غروب ؟! ( من كتاب ضفة النور) للشيخ عبد المجيد فرج الله على امتداد الطريق الموحش ، في الزمن الموحش ، كانت يتامى تبكي ، وأرامل تُعول ، ورجال انقطع عنهم فيض زين العابدين المتواصل ... مَن ينسى المَجَل / ذلك اللحم الأسود الميّ
أكل هذا الحزن في عينيك يا غروب ؟!

 أكلُّ هذا الحزن في عينيك يا غروب ؟!
( من كتاب ضفة النور) للشيخ عبد المجيد فرج الله


على امتداد الطريق الموحش ، في الزمن الموحش ، كانت يتامى تبكي ، وأرامل تُعول ، ورجال انقطع عنهم فيض زين العابدين المتواصل ...
مَن ينسى المَجَل / ذلك اللحم الأسود الميّت / الذي يكسو ظهر ابن الحسين ؟
أجل ، يا مجل ؛ كان في كلّ ليلة يحمل الطعام والحُبّ للفقراء ، حتى أثّر هذا في ظهره ، فأحناه وأمات لحمه .. وأثر ذلك في قلبه ، فأرواه وأحيا نبضه ...
أجل أيها المجل الأسود ، أنت الراية الخضراء التي تعشب في جدب الزمان . وأنت الضمير الأبيض الذي يحيي الإنسانَ بالحب والحنان .
وأنت الصرخة الإيمانية في وجوه المتاجرين بالدّين ، الذين اشتروا بعلمهم وزيّهم ثمناً قليلاً ، لا يلبثون إلا برهة ، فيُحمى عليه من نار جهنم ، فتُكوى به جباههم وجنوبهم ...
أنت الصرخة التي تفضحهم في كلّ زمان ومكان ..

للّه درّك يا ابن سيّد شباب أهل الجنة ..
هذا ابن عمّ لك يا زين العابدين ، كنتَ تأتيه في الليل متلثّماً ، فتُناوله ما يسدّ حاجته من الصلة ، فيقول لك وهو لا يعرفك : ( لكنّ علي بن الحسين لا يواصلني ، لا جزاه اللّه عنّي خيرا ) ... وأنت في كل مرة تسمع سوء أدبه ، فلا يزيدك ذلك إلاّ إصراراً على المواصلة الحانية ، ها هو قد عرف بعد فوات الأوان ، أنّ الملثّم الليلي هو نفسه الذي كان يدعو عليه بمرأى منه ومسمع !
والتفتَ إلى الوراء ، فإذا الشمس قد غربت تماماً ، وليس سوى بقايا شفق حزين ..
آه ، ما أعظمك يا ذا الثفنات ؟ ..
يتابع سيره ، وهو يسمع من الناس الباكين أحاديثَ لم يكن سمعها عنك يا ابن الحسين ، ومعاجزَ لم تطرق عقله ، وأشعاراً ما رواها أحد قبل اليوم ، وحكايا دافئة عنك أيها العملاق المعجزة ...
يبقى يتلفّتُ إلى الوراء ، لكنّه لا يرى غير أصيل منتحر ، وظلام مطبق ، إلاّ صفحة من السماء ، كانت تبدو متلألئةً من وراء بحر الليل اللجيّ ، كأنّها ضفة نور ..
يا ترى أهذا كلّ شيء ؟
وتذكر الذين كانوا يودعون زين العابدين ، كيف أنه أخذ بيد أكبر أبنائه ، وراح يتكلم آخر الكلمات بصوت مهيب :
(( يا بنيّ ؛ أخذ بيدي جدّي وقال : يا بني ؛ افعل الخير إلى كل من طلبه منك ، فإن كان أهله أصبتَ موضعه ، وإن لم يكن أهله ، كنتَ أهله ، وإن شتمك رجل وتحوّل إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل منه .
يا بني ؛ خمسة لا تصاحبهم ، ولا توافقهم ، ولا تحادثهم  :
وإياك ومصاحبة الكذّاب ؛ فإنه بمنـزلة السراب ، يقرّب لك البعيد ، ويبعّد لك القريب .
وإياك ومصاحبة الفاسق ؛ فإنه بائعك بأكلة أو أقل منها .
وإياك ومصاحبة البخيل ؛ فإنه يخذلك فيما تكون إليه أحوج .
وإياك ومصاحبة الأحمق ؛ فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك .
وإياك ومصاحبة قاطع رحمه ؛ فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع .
يا بني ؛ اصبر على النوائب ، ولا تتعرّض للحقوق ، ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرّته عليك أكثر من منفعتك له )) .
(( أُوصيك بما أوصاني به أبي : اصبر على الحقّ وإن كان مرّاً ، وافعل الخير إلى كلّ من طلبه منك ، واشكر الله فيما أنعم عليك ، وأنعم على مَن شكرك ، فإنه لا زوال لنعمة إذا شُكرتْ ، ولا بقاء لها إذا كُفِرتْ . والشاكر بشكره أسعد منه بالنعمة التي وجب عليه الشكر لها ، ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ) )) [إبراهيم : 7] .
(( يا بني ؛ العقل رائد الروح ، والعلم رائد العقل ، والعقل ترجمان العلم ... واعلم أنّ العلم أبقى ، واللسان أكثر هذراً ، وأنّ صلاح الدنيا بحذافيرها في كلمتين ، بهما إصلاح شأن المعايش ؛ ملء مكتال ، ثلثاه فطنة ، وثلثه تغافل ؛ لأن الإنسان لا يتغافل عن شيء قد عرفه ففطن له ... واعلم أنّ الساعات تُذهب عمرك ، وأنك لا تنال نعمة إلاّ بفراق أُخرى ... وإيّاك والأمل الطويل ، فكم من مؤمّلٍ أملاً لا يبلغه ، وجامعِ مالٍ لا يأكله ، ومانعٍ ما سوف يتركه ، ولعلّه من باطلٍ جمعَهُ ، ومن حقّ منعَهُ .. وأصابه حراماً وورّثه ، واحتمل إصره ، وباء بوزره ، ( ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) )) [الحج : 11] .

وتساءل بعضهم حين أُغمي عليه : ترى في أي عالَم ملكوتي كانت تسبح روحه ؟ ...
وانفتحت الآمال من جديد ، حين فتح عينيه وقرأ سورة الواقعة ، وسورة الفتح ، ثمّ قال : (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ )) [الزمر : 74] .

وانتصر أخيراً على سُمّ الطواغيت ...

وانفجروا بالبكاء ، وهم لا يدرون أن الأيام المتكتّمة على كنوز علي بن الحسين (عليهما السلام) ، سوف تدور ، وتدور ... حتى يظهر بعض من هذا المخفيّ .

وستبهرهم تلك المنظومة المتكاملة في كلّ شؤون الحياة ، حيث امتدت بموازاة القرآن ونهج البلاغة ، لتفتح الطريق معهما أمام مَن يريد أن يعرف إسلامه كاملاً دون نقص أو تشويش أو تحريف .
آثار مباركة ، وكنوز لا تقدّر بأي ثمن ، تُفدى لها الأرواح ... تداولت بعضَها الأجيالُ آناً بعد آن ، وهي هي على سحرها وهيبتها ونفاذها اللذيذ في القلوب . وترسّخت كلمةً حبيبة نفض عنها الإمام زين العابدين (عليه السلام) غبار تعدّيات الأيام ، ووشوشات السياط اللاهبة ، وحسيس فري الأوداج البريئة .. وانتشرت بين الأرجاء أوراق من ذلك الكنـز الإنساني . وظلّت الأرواح المتألّقة تقرأ في غلَس الليالي كلام الإمام السجّاد المنقوش بالنور


source : alhassanain
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)
معاجـز الإمـام الکاظم وعلمــه
أوَلَسنا على الحق
التفسير المأثور عن الامام الرضا عليه السلام
الزيارة الجامعة الكبيرة
استجابة دعاء الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام )
السيد علي بن الامام الباقر عليه السلام
الحديث الفني
قالت السيدة الزهراء (س) في الخطبة الفدكية: "طاعتنا ...
ما الذي قاله الإمام الباقر عليه السلام حول صفات ...

 
user comment