عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

البيعة

البيعة

اذا كان الدين في الاسلام، هو ما يبلّغه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لانه الذي لا ينطق عن الهوى «ان هو الا وحي يوحى»، واذا كان الخليفة في الاسلام هو من يعيّنه النبي للخلافة، لانه المرجع الأعلى في الاثبات والنفي، فالحسن بن علي، هو الخليفة الشرعي، بايعه الناس أو لم يبايعوه.
ذكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله باسمه في سلسلة أسماء خلفائه الاثني عشر، كما تضافر به الحديث عنه، فيما رواه علماء السنة(1)، وفيما أجمع على روايته علماء الشيعة، وفيما اتفق عليه الفريقان، من قوله له ولاخيه الحسين: «انتما الامامان ولأُمَّكما الشفاعة(2)». وقوله وهو يشير الى الحسين: «هذا امام ابن امام أخو امام أبو أئمة تسعة(3)» - الحديث -.
وأمره أبوه أمير المؤمنين - منذ اعتل - أن يصلي(4) بالناس، وأوصى اليه عند وفاته قائلاً: «يا بنيّ أنت ولي الامر وولي الدم، وأشهد على وصيته الحسين ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ودفع اليه الكتاب والسلاح، ثم قال له: «يا بنيّ أمرني رسول اللّه أن اوصي اليك، وأن أدفع اليك كتبي وسلاحي، كما أوصى اليّ رسول اللّه ودفع اليّ
كتبه وسلاحه. وأمرني أن آمرك، اذا حضرك الموت أن تدفعها الى اخيك الحسين». ثم أقبل على الحسين فقال: « وأمرك رسول اللّه أن تدفعها الى ابنك هذا». ثم اخذ بيد علي بن الحسين وقال: «وأمرك رسول اللّه أن تدفعها الى ابنك محمد. فأقرِئه من رسول اللّه ومني السلام»(4).

* * *

صورة تحكيها كل كتب الحديث التي تعرض لهذه المواضيع، وترفعها مسندة بالطرق الصحيحة الموثقة، الى مراجعها من اهل البيت عليهم السلام وغيرهم. وهي الصورة التي تناسق الوضع المنتظر لمثل ظرفها. والا فما الذي كان ينبغي غير ذلك ؟
وهذه هي طريقة الامامية من الشيعة في اثبات الامامة.
- نصوص نبوية متواترة من طرقهم، ومروية بوضوح من طرق غيرهم، تحصر الامامة في اثني عشر اماماً كلهم من قريش(5)، وتذكر - ضمناً - أو في مناسبة اخرى، أسماءهم اماماً اماماً الى آخرهم، وهو المهدي المنتظر الذي يملأ اللّه به الارض قسطاً وعدلاً، بعد أن تكون قد امتلأت ظلماً وجوراً.
- ونصوص خاصة، من كل امام على خلفه الذي يجب أن يرجع اليه الناس.
ثم يكون من تفوّق الامام، في علمه وعمله ومكارمه وكراماته، أدلة وجدانية اخرى، هي بمثابة تأييد لتلك النصوص بنوعيها.
اما بيعة الناس فليست شرطاً في امامة الامام. وانما على الناس أن يبايعوا من أرادته النصوص النبوية. ولا تصحّح الامامية بيعة غيره. ولا تقع من أحدهم الا اضطراراً.
وقضت الظروف بدوافعها الزمنيّة، أن لا يبايع الناس من الائمة المنصوص عليهم، الا الامامين علياً والحسن عليهما السلام.

* * *

وابتدأ بعد الحسن عهد «الخلافات» الاسمية، التي ترتكز في نفوذها على السلاح، وتقوم في بيعتها على شراء الضمائر بالمال. أو كما قال الغزالي «وأفضت الخلافة الى قوم تولوها بغير استحقاق(6)».
وكان الاولى بالمسلمين، أو بمؤرخة الاسلام على الاخص، ان يغلقوا عهد «الخلافة» بنهاية عهد الحسن عليه السلام، ليشرعوا بعده عهد «الملك» بظواهره وسياسته وارتجالاته ولو فعلوا لحفظوا مثالية الاسلام مجلوّةً بما ترسَّمه خلفاؤه المثاليون من سيرة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولصانوا الاسلام عن كثير مما وصمه به هؤلاء الملوك الذين فرضوا على المسلمين خلافاتهم فرضاً، ثم جاء التاريخ فرضي أن يسميّهم «الخلفاء» من دون استحقاق لهذا الاسم، وأساء الى الاسلام من حيث أراد الاحسان.
ترى، أيصح للخليفة الذي يجب أن يكون أقرب الناس شبهاً بصاحب الرسالة في ورعه وعلمه والتزامه بحرفية الاسلام، أن يصلي «الجمعة» يوم الاربعاء، أو يصليها مرةً اخرى في ضحى النهار، أو يتطلب محرماً، أو يبيع الذهب باكثر منه وزناً، أو يلحق العهار بالنسب، أو يقتل المؤمن صبراً، أو يرد الكافر بالمال ليتجهز على اخوانه المسلمين بالحرب ؟ الى غير ذلك والى أنكى من ذلك من ظواهر الملك التي لا يجوز نسبتها الى الدين. فَلمَ لا يكون صاحبها رئيس دنيا و«ملكاً» بدل أن نسميه رئيس دينٍ و«خليفةً» ؟. وناهيك بمن جاء بعد معاوية من خلائف هذه الشجرة المنعوتة في القرآن - نعتها اللائق بها -. فماذا كان من يزيد وماذا كان من
عبد الملك ومن الوليد، ومن آخرين وآخرين.
كل ذلك كان يجب أن يستحث المسلمين الى الانتصاف للاسلام، فلا يضيفون الى مراكزه الدينية العليا، الا الاكفاء المتوفرين بتربيتهم على مثاليّته والذين هم أقرب الناس شبهاً بمصدر عظمته الاول (ص).
وعلمنا - مما تقدم - أن الحسن بن علي عليهما السلام، كان أشبه الناس برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خلقاً وخلقاً وهيأة وسؤدداً(7). وانه كان عليه سيماء الانبياء وبهاء الملوك. وعلمنا أنه كان سيد شباب أهل الجنة في الآخرة. والسيد في الآخرة هو السيد في الدنيا غير منازع. و«السيد» المطلق لقبه الشخصيّ الذي لقبه به جدّه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله).
وعلمنا أنه كان أشرف الناس نسباً، وخيرهم أباً واماً وعماً وعمة وخالاً وخالة وجداً وجدة. كما وصفه مالك بن العجلان في مجلس معاوية(8).
فلم لا يكون - على هذا - هو المرشح بالتزكية القطعية للبيعة العامة. كما كان - الى ذلك - هو الامام المقطوع على أمره بالنص. ولم لا يضاف اليه المركز الدينيّ الأعلى، وهو من عرفت مقامه وسموّه ومميزاته. واذا تعذر علينا أن نفهم الامامة والكفاءة للخلافة، من هذه القابليات الممتازة والمناقب الفضلى، فأي علامة اخرى تنوب عنها أو تكفينا فهمها.

______________________________
(1) تجد ذلك مفصلاً في ينابيع المودة (ج 2 ص 440) فيما يرويه عن الحمويني في فرائد السمطين، وعن الموفق بن احمد الخوارزمي في مسنده. وروى ذلك ابن الخشاب في تاريخه وابن الصباغ في «الفصول المهمة»، والحافظ الكنجي في «البيان». وأسعد بن ابراهيم بن الحسن بن علي الحنبلي في «أربعينه». والحافظ البخاري (خاجه بارسا) في «فصل الخطاب».
(2) الاتحاف بحب الاشراف، للشبراوي الشافعي (ص 129 ط مصر) ونزهة المجالس. للصفوري الشافعي (ج 2 ص 184).
(3) ابن تيمية في منهاجه (ج 4 ص 210).
(4) المسعودي (هامش ابن الاثير ج 6 ص 61).
(4) اصول الكافي (ص 151) وكشف الغمة (ص 159) وغيرهما.
(5) ففي صحيح مسلم (ج 2 ص 119) في باب «الناس تبع لقريش» عن جابر بن سمرة قال: «سمعت رسول اللّه (ص) يقول: لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش». وروى نحواً منه البخاري (ج 4 ص 164) وابو داود والترمذي في جامعه والحميدي في جمعه بين الصحيحين. ورواه غيرهم. والحديث بحصره العدد في الاثني عشر من قريش، وبما يفصله صحيح مسلم من كون هذا العدد هو عدد الخلفاء الى ان تقوم الساعة، صريح بما يقوله الامامية في ائمتهم، دون ما وقع في التاريخ من أعداد الخلفاء ومختلف عناصرهم.
(6) تراجع «دائرة المعارف» لفريد وجدي مادة «حسن» (ج 3 ص 231).
(7) الارشاد (ص 167) واليعقوبي (ج 2 ص 201) وغيرهما.
(8) قال معاوية ذات يوم - وعنده اشراف الناس من قريش وغيرهم: «اخبروني بخير الناس اباً واماً وعماً وعمة خالاً وخالة وجداً وجدة»، فقام مالك بن العجلان، فأومأ الى الحسن فقال: «ها هو ذا ابوه علي بن ابي طالب، وامه فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعمه جعفر الطيار في الجنان، وعمته ام هانئ بنت ابي طالب، وخاله القاسم ابن رسول اللّه وخالته بنت رسول اللّه زينب، وجده رسول اللّه، وجدته خديجة بنت خويلد». فسكت القوم. ونهض الحسن. فاقبل عمرو بن العاص على مالك فقال: «أحب بني هاشم حملك على ان تكلمت بالباطل ؟». فقال ابن العجلان: «ما قلت الا حقاً، وما احد من الناس يطلب مرضاة مخلوق بمعصية الخالق، الا لم يعط امنيته في دنياه، وختم له بالشقاء في آخرته. بنو هاشم انضرهم عوداً، وأوراهم زنداً، كذلك يا معاوية ؟ قال: اللهم نعم». (البيهقي ج 1 ص 62).

 


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أسرة آل بُوَيه في الريّ
من هم قتلة عثمان
من الراوي في قضية ميلاد أمير المؤمنين (ع) في ...
السلاجقة والتشيع .
نصوص السماء لا من انتخاب المنتخبين فعلي ان وجد ...
ملامح عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )
ابتکار نظرية الصحابة
غزوة بدر الكبرى أسبابها وأهميتها
مناظرة أمير المؤمنين(ع) مع رجل من أهل الشام في ...
احتجاج الإمام علي(ع) بحديث الغدير

 
user comment