عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

معرفة الإمام ومنزلته

معرفة الإمام ومنزلته

لو علم ان منزلة الإمام المعصوم عند الله سبحانه وما یمتلک من صفات ومیزات وقدرات انطلاقاً من الواقع الإیمانی الذی هم علیه ومعرفتهم بالله وعبودیتهم له وطاعتهم الخالصة ... لو علمنا ذلک حقاً لهان الخطاب ولأرتفع الشک والأصبح کل ماقبل فی حقهم قلیل بعد تنزیههم عن الربوبیة والنبوة (1) .
ولمعرفة الإمام ومنزلته نذکر الخبر المروی عن عبد العزیز بن مسلم عن الرضا علیه السلام حیث قال : کنا مع الرضا علیه السلام بمرو فاجتمعنا فی الجامع یوم الجمعة فی بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذکروا کثرة اختلاف الناس فیها ، فدخلت على سیدی علیه السلام فأعلمته خوض الناس فیه ، فتبسم علیه السلام ثم قال : یا عبد العزیز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم ، إن الله عز وجل لم یقبض نبیه صلى الله علیه وآله وسلم حتى أکمل له الدین وأنزل علیه القرآن فیه تبیان کل شیء ، بین فیه الحلال والحرام ، والحدود والأحکام ، وجمیع ما یحتاج إلیه الناس کملاً ، فقال عز وجل : ( ما فرطنا فی الکتاب من شیء ) (2) وأنزل فی حجة الوداع وهی آخر حجة کانت له صلى الله علیه وآله وسلم : ( الیوم أکملت لکم دینکم وأتممت علیکم نعمتی ورضیت لکم الإسلام دیناً ) (3) وأمر الإمامة من تمام الدین ، ولم یمض صلى الله علیه وآله وسلم حتى بین لامته معالم دینهم وأوضح لهم سبیلهم وترکهم على قصد سبیل الحق وأقام لهم علیاً علیه السلام علماً وإماماً وما ترک لهم شیئاً یحتاج إلیه الا بینه ، فمن زعم أن الله عز وجل لم یکمل دینه فقد رد کتاب الله ومن رد کتاب الله فهو کافر به .
هل یعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فیجوز فیها اختیارهم ، إن الإمامة أجل قدراً وأعظم شأناً وأعلا مکاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن یبلغها الناس بعقولهم أو ینالوها بآرائهم أو یقیموا إماماً باختیارهم إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهیم الخلیل علیه السلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة ، وفضلیة شرفه بها وأشاد بها ذکره ، فقال : ( إنی جاعلک للناس إماماً ) (4) فقال الخلیل علیه السلام سروراً بها : ( ومن ذریتی ) قال الله تبارک وتعالى : ( لا ینال عهدی الظالمین ) فأبطلت هذه الآیة إمامة کل ظالم إلى یوم القیامة وصارت فی الصفوة الطاهرة فقال : ( ووهبنا له إسحاق ویعقوب نافلة وکلاً جعلنا صالحین ، وجعلناهم أئمة یهدون بأمرنا وأوحینا إلیهم فعل الخیرات وإقام الصلاة وإیتاء الزکاة وکانوا لنا عابدین ) (5) .
فلم تزل فی ذریته یرثها بعض ، قرناً فقرناً حتى ورثها الله تعالى النبی صلى الله علیه وآله وسلم فقال جل شأنه : ( إن أولى الناس بإبراهیم للذین اتبعوه وهذا النبی والذین آمنوا والله ولی المؤمنین ) (6) فکانت له خاصة فقلدها صلى الله علیه وآله وسلم علیاً علیه السلام بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله فصارت فی ذریته الأصفیاء الذین آتاهم الله العلم والإیمان بقوله تعالى : ( وقال الذین أوتوا العلم والإیمان لقد لبثتم فی کتاب الله إلى یوم البعث ) (7) فهی فی ولد علی علیه السلام خاصة إلى یوم القیامة ، إذ لا نبی بعد محمد صلى الله علیه وآله وسلم خاصة إلى یوم القیامة ، إذ لا نبی بعد محمد صلى الله علیه وآله وسلم فمن این یختار هؤلاء الجهال .
إن الإمامة هی منزلة الأنبیاء وإرث الأوصیاء ، إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول صلى الله علیه وآله وسلم ومقام أمیر المؤمنین علیه السلام ومیراث الحسن والحسین علیهم السلام .
إن الآمامة زمام الدین ونظام المسلمین وصلاح الدنیا وعز المؤمنین ، إن الإمامة الإسلام النامی وفرعه السامی ، بالإمامة تمام الصلاة والزکاة والصیام والحج والجهاد ، وتوفیر الفیء والصدقات ، وإمضاء الحدود والأحکام ومنع الثغور والأطراف .
الإمام یحل حلال الله ویحرم حرام الله ، ویقیم حدود الله ، ویذب عن دین الله ویدعوا إلى سبیل ربه بالحکمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة ، الإمام کالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهی فی الأفق بحیث لا تنالها الأیدی والأبصار .
الإمام البدر المنیر والسراج الزاهر والنوور الساطع ، والنجم الهادی فی غیاهب الدجى وأجواز البلدان والقفار ، ولجج البحار ، الإمام الماء العذب على الظلماء والدال فی المهالک ، من فارقه فهالک ، الإمام السحاب الماطر ، والغیث الهاطل والشمس المضیئة ، والسماء الظلیلة والارض البسیطة ، والعین الغریرة والروضة .
الإمام الأنیس الرفیق والوالد الشفیق ، والأخ الشقیق ، والأم البرة بالولد الصغیر ومفرع العباد فی الداهیة النآد ، الإمام أمین الله فی خلقه ، وحجته على عباده وخلیفته فی بلاده ، والداعی إلى الله ، والذاب عن حرم الله .
الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ عن العیوب ، والمخصوص بالعلم ، الموسوم بالحلم ، نظام الدین وعز المسلمین وغیظ المنافقین وبوار الکافرین .
الإمام واحد دهره ، لا یدانیه ، ولا یعادله عالم ، ولا یوجد منه بدل ولا له مثیل ولا نظیر ، مخصوص بالفضل کله من غیر طلب منه له ولا اکتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهاب .
فمن ذا الذی یبلغ معرفة الإمام . أو یمکنه اختیاره ، هیهات هیهات ضلت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسئت العیون ، وتصارغت العظماء وتجبرت الحکماء ، وتقاصرت الحکماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألباء ، وکلت الشعراء وعجزت الأدباء ، وعییت البلغاء ، عن وصف شأن من شأنه ، أو فضیلة من فضائله وأقرت بالعجز والتقصیر ، وکیف یو صف بکله أو ینعت بکنهه ، أو یفهم شیء من أمره أو یوجد من یقوم مقامه ویغنی غناه لا کیف وأنى ؟ هو بحیث النجم من ید المتناولین ووصف ا لواصفین ، فأین الاختیار من هذا ؟ وأین العقول عن هذا ؟ وأین یوجد مثل هذا ؟!
أتظنون أن ذلک یوجد فی غیر آل محمد صلى الله علیه وآله وسلم کذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الأباطیل فارتقوا مرتقاً صعباً دحضاً ، تزل عنده إلى الحضیض أقدامهم راموا إقامة الإمام بعقول حائرة ناقصة ، وآراء مضلة ، فلم یزدادوا منه إلا بعداً ( قاتلهم الله أنى یؤفکون ) ولقد راموا صعباً ، وقالوا إفکاً وضلوا ضلالاً بعیداً ، ووقعوا فی الحیرة ، إذ ترکوا الإمام عن بصیرة ، وزین لهم الشیطان أعمالهم فصدهم عن السبیل وکانوا مبصرین .
رغبوا عن اختیار الله واختیار رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وأهل بیته إلى اختیارهم والقرآن ینادیهم : ( وربک یخلق ما یشاء ویختار ما کان لهم الخیرة سبحان الله وتعالى عما یشرکون ) (8) وقال عز وجل : ( وما کان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن یکون لهم الخیرة من أمرهم ) (9) وقال : ( ما لکم کیف تحکمون ، أم لکم کتاب فیه تدرسون . إن لکم فه لما تخیرون . أم لکم إیمان علینا بالغة إلى یوم القیامة إن لکم لما تحکمون . سلهم ایهم بذلک زعیم ، أم لهم شرکاء فلیأتوا بشرکائهم إن کانوا صادقین ) (10) وقال عز وجل : ( أفلا یتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) (11) أم (وطبع الله على قلوبهم فهم لا یفقهون ) (12) أم ( قالوا سمعنا وهم لا یسمعون إن شر الدواب عند الله الصم البکم الذین لا یعقلون ولو علم الله فیهم خیراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ) (13) أم ( قالوا سمعنا وعصینا ) (14) بل هو فضل الله یؤتیه من یشاء والله ذو الفضل العظیم .
فکیف لهم باختیار الإمام ؟! والإمام عالم لا یجهل ، وراع لا ینکل ، معدن القدس والطهارة ، والنسک والزهادة ، لا مغمز فیه فی نسب ، ولا یدانیه ذو حسب ، فی البیت من قریش والذروة من هاشم ، والعترة من الرسول صلى الله علیه وآله وسلم والرضا من الله عز وجل شرف الأشراف ، والفرع من عبد مناف ، نامی العلم کامل الحلم ، مضطلع بالإمامة عالم بالسیاسة ، ومفروض الطاعة ، قائم بأمر الله عز وجل ، ناصح لعباد الله حافظ لدین الله .
إن الانبیاء والأئمة صلوات الله علیهم یوفقهم الله ویؤتیهم من مخزون علمه وحکمته ما لا یأتیه غیرهم ، فیکون علمهم فوق علم أهل الزمان فی قوله تعالى : ( أفمن یهدی إلى الحق أحق أن یتبع أمن لا یهدی إلا أن یهدى فما لکم کیف تحکمون ) (15) وقوله فی طالوت : ( إن الله اصطفاه علیکم وزاده بسطة فی العلم والجسم والله یؤتی ملکه من یشاء والله واسع علیم ) (16) وقال لنبیه صلى الله علیه وآله وسلم : ( أنزل علیک الکتاب والحکمة وعلمک ما لم تکن تعلم وکان فضل الله علیک عظیماً ) (17) وقال فی الائمة من أهل بیت نبیه وعترته وذریته صلوات الله علیهم ( أم یحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتینا آل إبراهیم الکتاب والحکمة وآتیناهم ملکاً عظیماً فمنهم من آمن ومنهم من صد عنه وکفى بجهنم سعیراً ) (18) .
إن العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده ، شرح صدره لذلک ، وأودع قلبه ینابیع الحکمة وألهمه العلم إلهاماً ، فلم یع عبده بجواب ، ولا یحید فیه عن الصواب ، فهو معصوم ، مؤید ، موفق مسدد ، قد أمن من الخطایا والزلل والعثار یخصه الله بذلک لیکون حجته على عباده ، وشاهده على خلقه ، وذلک فضل الله یؤتیه من یشاء ذو الفضل العظیم .
فهل یقدرون على مثل هذا فیختارونه أو یکون مختارهم بهذه الصفة فیقدمونه تعدوا ـ وبیت الله ـ الحق ونبذوا کتاب الله وراء ظهورهم فذمهم الله ومقتهم وأتعسهم فقال جل وعلا : ( ومن أضل ممن اتبع هواه بغیر هدى من الله إن الله لا یهدی القوم الظالمین ) (19) وقال : ( کبر مقتاً عند الله وعند الذین آمنوا کذلک یطبع الله على کل قلب متکبر جبار ) (20) وصلى الله على النبی محمد وآله وسلم تسلمیاً کثیراً (21) .
الحدیث الشریف المتقدم عن الإمام الرضا علیه السلام یحتوی على مضامین عالیة واستدلالات قویة ، وبراهین قاطعة وحجج متینة کلها مستمدة من القرآن الکریم ونستطیع أن نقف ع لى أهم النقاط التی ذکرها الإمام سلام الله علیه فی معرض حدیثه مع عبد العزیز بن مسلم ، منها أنه تطرق علیه السلام إلى :
1 ـ بیان جهل الناس فی أمر الإمامة .
2 ـ بیان إکمال الدین وتبیان کل شیء ، وإن الله لم یقبض رسوله صلى الله علیه وآله وسلم إلا بعدما أنجز کل ما یحتاجه المسلمون من تشریع .
3 ـ بیان دور الرسول فی توضیح الرسالة ، ولم یرحل من هذه الدنیا حتى وضح للمسلمین ما غمض علیهم والتبس ...
4 ـ إن الإمامة منصب إلهی وتخصیص من الله لذوات معنیة .
5 ـ إن الظالم لا ینال منصب الإمامة .
6 ـ إن الإمامة فی ذریة إبراهیم یتوارثونها ، وقد ورثها الرسول صلى الله علیه وآله وسلم من آبائه وأجداده من إبراهیم .
7 ـ إن الإمامة انتقلت إلى أمیر المؤمنین علیه السلام ثم صارت فی ولده .
8 ـ تعریف الإمامة وإنها امتداد لخلافة الأنبیاء .
9 ـ مهمة الإمام ودوره فی الحافظ على ما شرعه الله من الحلال والحرام .
10 ـ صفة الإمام .
11 ـ الشروط اللازمة توفرها فی الإمام .
12 ـ إن الناس لا یمکن لهم الإحاطة بکل ما لدى الإمام .
13 ـ الإمامة اودعت فی آل الرسول وهم من صلب علی وفاطمة ، ومن ادعاها لنفسه من دونهم فهو کاذب .
14 ـ سوء اختیار القوم ، عندما رغبوا عن اختیار الله وما اختاره الرسول صلى الله علیه وآله وسلم لهم .
15 ـ الموازنة بین الإمام المنصوب من قبل الله سبحانه وبین غیره .
16 ـ بیان تصور الناس وعجزهم عن الاتیان بمثل تلک الصفات المودعة فی الإمام من قبل الله ، وإن ما تتحلى به شخصیاتهم علیهم السلام من الحلم والأخلاق والشجاعة والجود والسؤدد والطاعة الکاملة للمولى ... الخ إنما هی صفات خاصة مودعة فی ذوات معینین ، قد نصبهم الله أمناء وخلفاء على العباد .
المصادر :
1- کما ورد عن أمیر المؤمنین ( ع ) أنه قال : إیاکم والغلو فینا ، قولوا إنا عبید مربوبون وقولوا فی فضلنا ما شئتم
2- سورة الأنعام ، الآیة : 38 .
3- سورة المائدة ، الآیة : 3 .
4- سورة البقرة ، الآیة : 124 .
5- سورة الانبیاء ، الآیة : 72 و 73 .
6- سورة آل عمران ، الآیة : 68 .
7- سورة الروم ، الآیة : 56 .
8- سورة القصص ، الآیة : 68 .
9- سورة الأحزاب ، الآیة : 36 .
10- سورة القلم ، الآیة : 36 ، 41 .
11- سورة محمد ( ص ) ، الآیة : 24 .
12- سورة التوبه ، الآیة : 87 .
13- سورة الأنفال ، الآیة : 21 ـ 23 .
14- سورة البقرة : الآیة : 93 .
15- سورة یونس ، الآیة : 35 .
16- سورة البقرة ، الآیة : 247 .
17- سورة النساء ، الآیة : 133 .
18- سورة النساء ، الآیة : 53 و 54 .
19- سورة القصص ، الآیة : 50 .
20- سورة غافر ، الآیة : 35 .
21- أصول الکافی 1 / 198 ـ 303 .


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

موقف الامام الرضا عليه السلام من الحكم
من الغالب الحسين عليه السلام ، أم يزيد ؟
صور التقية في كتب العامة
وصايا الإمام الحسن المجتبى(ع)
مع الثورة الحسينية
وصاياالامام علي بن الحسين زين العابدين عليه ...
استهداف نبي الرحمة (ص) من الراهب بحيرى حتى براءة ...
كرامات السيدة المعصومة (عليها السلام)
من هو نفس الرسول
بناء الأمّة الصالحة

 
user comment