عربي
Wednesday 8th of May 2024
0
نفر 0

مؤتمر: الضرورات والأهداف (حوار مع سماحة حجة الإسلام والمسلمين الدكتور سيد علي زادة الموسوي، أمين عام مؤتمر)

مؤتمر: الضرورات والأهداف (حوار مع سماحة حجة الإسلام والمسلمين الدكتور سيد علي زادة الموسوي، أمين عام مؤتمر)

تعريف بالضيف

فضلاً عن تصدّي سماحة حجة الإسلام والمسلمين الدكتور سيد علي زادة الموسوي لمسؤوليّة تنظيم وترتيب شؤون المؤتمر كأمين عام له، يتولّى رئاسة مركز الدراسات والأبحاث في ممثّليّة سماحة السيّد القائد في بعثة الحجّ والزيارة بالإضافة إلى نشاطاته التدريسيّة في عدد من المراكز العلميّة- البحثيّة.

ساهم تضلّعه في هذا الحقل الذي تشهد عليه نتاجاته العلميّة لا سيّما كتابه (السلفيّة والوهّابيّة) الذي جاء في جزأَين، في توظيف الإمكانات العلميّة والتخصّصيّة في سبيل إقامة المؤتمر بمزيدٍ من الارتقاء والإتقان، ما عزّز الآمال في تنظيم تظاهرة علميّة مميّزة تليق بشأن الحوزات والمرجعيّات الدينيّة الشيعيّة.

فيما يلي مقتطفات من حوار مطوّل أُجري مع سماحته:

 

أوّل سؤال يطرح نفسه: ما هي الأرضيّات والخلفيّات والظروف الاجتماعيّة التي أدّى تحليلها إلى دفع العاملين في المؤتمر للتوجّه نحو إقامة مثل هذه التظاهرة؟ وهل يحمل اضطلاع المرجعيّة في مثل هذا البرنامج أيّ رسالة معيّنة؟

توجد نقطة هامّة ينبغي الإشارة لها في ما يخصّ التكفير وتتمثّل في أنّ هناك مجموعة من العوامل الذاتيّة الداخليّة ساهمت في توجيه ضربات قاصمة لجسد العالم الإسلاميّ، فضلاً عن العوامل الموضوعيّة الخارجيّة التي لم تسلم الأمّة من أضرارها وآثارها السلبيّة. ويبدو لي أنّ التكفير يمثّل أحد أهمّ، إن لم نقل أهمّ، تلك الآفات التي عانى، ولا يزال يعاني منها العالم الإسلاميّ.

إذ نلاحظ خلال الفترة الماضية، لا سيّما في السنوات الأخيرة، أنّ ظاهرة رمي الغير بالكفر وما يترتّب عليه من من استباحة الدماء، الأموال والأعراض تحوّلت إلى أمر رائج، تسفَك على شمّاعتها دماء كثير من المسلمين، وتدمّر تحت لوائها العديد من الآثار الإسلاميّة، وتهتك في ظلّها الأعراض وتثار بحدّها العداوات. أحياناً عندما يقال بأنّ الهندوس في ميانمار يرتكبون المجازر بحقّ المسلمين، قد لا يبدو الأمر مهمّاً من المنظور الدينيّ الداخليّ على الرغم من فداحة الخطب واستنكاره؛ لأنّ هناك أزمة عقائديّة بين الطرفَين. أمّا حينما تتهيّأ أجواء وتخلق ظروف من صمبم العالم الإسلاميّ تحت شعار الإسلام والدين لإبادة المسلمين بشكل واسع؛ من قبيل التمثيل بالجثث، وتفخيخ الطرق العامّة ومختلف الآثار الإسلاميّة التي قامت الهويّة الإسلاميّة وحضارتها عليها، فإنّ ذلك كلّه يدقّ ناقوس الخطر ويستدعي علماء الإسلام لا سيّما سماحة آية الله العظمي مكارم الشيرازي(حفظه الله) للمبادرة بالتفكير بحلول لمواجهة تلك الحركات، وفي هذا السياق أدّت المشاورات التي تمّت لتلك الغاية إلى التوصّل للنتيجة التالية المتمثّلة بضرورة إقامة مؤتمر يتصدّى لتسليط الضوء على أبعاد تلك الكارثة في عدّة محاور، تقدير الخسائر الناجمة عنها، ومن ثمّ تبيين الأسس التي جرّت إلى ظهور تلك التيّارات، وانتهاءً بالبحث عن حلول للخروج من الواقع القائم.

فضلاً عن ذلك كلّه، لا بدّ أن أشير إلى أمر ساهم كثيراً في خلق دافع لدينا لاختيار ذلك التوجّه وهو ما تناقلته وسائل الإعلام من أخبار عن بعض الحوادث المستهجنة في بقاع من العالم الإسلاميّ. لقد رأيتم مشهد استخراج قلب جنديّ من صدره وأكله أمام عدسات التصوير، وهو منظر لم نجد مثيلاً له حتى في القرون الوسطى؛ أو تشاهدون مثلاً كيف يقومون بنبش قبر أحد صحابة رسول الله وانتشال جثمانه في موقف لم نعهده طوال تاريخ الإسلام؛ أو كيف يعتدون بالعصيّ على الشيخ حسن شحاتة وصحبه في محافظة الجيزة بمصر حتى يفارقوا الحياة لشدّة الضرب، ليسحلوا بعد ذلك الجثث في الطرقات، في نقض صارخ لتعاليم الإسلام الذي يحرّم ارتكاب مثل تلك الفظاعات بحقّ جسد غير المسلم. كلّ ما سبق إرهاصات لظهور نوع من المجموعات التي تعمل على إسباغ حالة التطرّف والأصوليّة على المجتمع الإسلاميّ لترسيخ مكانة تلك الزمر المتطرّفة والتكفيريّة في العالم الإسلاميّ بالتدريج. إنّ الأوضاع المضطربة الناشئة نتيجةً لذلك يمكن مشاهدتها في جوارنا بدءاً من باكستان، أفغانستان والعراق، ومروراً بالجزائر في الجهة الأخرى والشرق الأوسط وانتهاءً بمصر وباقي الدول.

يهدف المؤتمر إلى: أوّلاً. تبيين التيّارات التكفيريّة للمسلمين؛ ثانياً. فضح أهدافهم الخفيّة؛ ثالثاً. تقدير الخسائر وحجم الأضرار من خلال رصد ما ارتكبته تلك الزمر؛ رابعاً. تسليط الضوء على جذورها التاريخيّة؛ خامساً. عرض الحلول للخروج من تلك الأزمة، من خلال استعراض ما يجب عمله والآفاق المتصوّرة لذلك.

 

 نظراً للحضور القويّ لمرجعَي التقليد صاحبَي السماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي وآية الله العظمى السبحانيّ (حفظهما الله)، ما هي الرسالة التي يودّ منظّمو المؤتمر إرسالها؟

إنّ الغاية من اضطلاع المراجع العظام في معالجة موضوع التكفير بيان حقيقة أنّ الخطر لامس الخطوط الحمراء؛ وكما تعلمون فإنّ العلماء هم القائمون على شؤون العالم الإسلاميّ ويتولّون بشكل ما إدارة دفّة قيادته وتوجيهه. وفي سياق تلك الرسالة التي يحملها علماء الدين، أدرك مراجع الشيعة العظام جسامة المسؤوليّة تجاه التكفير باعتباره أحد الأخطار المهمّة التي تهدّد العالم الإسلاميّ اليوم.

لا يفوتني في هذا الإطار أن أشير إلى أنّ المرجعيّة الشيعيّة والمرجعيّة الدينيّة بشكل عامّ، لا تتدخّل يشكل مباشر في أيّ شأن أو موضوع إلا إذا أحسّت بخطر جدّيّ يهدّد الأمّة ما يستدعي اضطلاعها بدور أساسيّ ومؤثّر. لذا نشهد حضوراً مباشراً لمرجعَين كبيرَين في هذا المؤتمر. مع التذكير بأنّ أصل إقامة المؤتمر يتمّ برعاية سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي.

وبما أنّ موضوع التكفير يستلزم تبيين كافّة أبعاده، فقد كان من الضروريّ أن تتصدّى لتوجيه دفّة المؤتمر شخصيّة علميّة، متخصّصة وضليعة في حقل مواجهة التيّارات التكفيريّة أمضى عمره في هذا المجال، فتفضّل سماحة آية الله العظمى السبحانيّ (دامت بركاته) مشكوراً بالاضطلاع بهذا الدور ليتولّى أمر توجيه المؤتمر علميّاً. وقد لمسنا مبادرة هذَين المرجعَين الكبيرَين للسير في هذا الطريق، ووضع اللبنات الأولى في هذا البناء.

وقد صرّح سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازيّ (دامت بركاته) أنّه طرح على سماحة السيّد القائد فكرة العمل على إقامة مثل هذا المؤتمر، وقد لقيت الفكرة ترحيباً حارّاً من سماحته. كما تلاحظون فإنّ ظاهرة التكفير تقع في بؤرة اهتمام العالم الإسلاميّ. على سبيل المثال، نذكر شخصيّة علميّة ومناهضة للتكفير كالشيخ الدكتور (محمّد سعيد رمضان البوطيّ) من سورية؛ الذي دفع حياته ثمناً نتيجة مواقفه تلك، فتعرّض للاغتيال في بيت من بيوت الله ونال شرف الشهادة في المسجد بصورة مأساويّة. كما نشهد اصطفافاً حادّاً تجاه التكفير حتى ظهرت نزعات تكفيريّة مناهضة للوهابيّة نفسها في بلد مثل السعوديّة. يبدو التطوّرات تسير باتّجاه تبلور رأي عامّ مناهض للتكفير في العالم الإسلاميّ.

 

 هل هناك توجّه للاستفادة من الزخم العلمائيّ السنّيّ في بلوغ المؤتمر أهدافه المتوخّاة؟

إنّ موضوع التكفير، في الحقيقة، ليس شأناً خاصّاً بمذهب دون آخر في العالم الإسلاميّ؛ إذ توجد أحاديث تدلّ جميعاً على عصمة دم، مال وعرض كلّ من نطق الشهادتَين، وهو أمر يجمع عليه كافّة المسلمين. واللّافت للانتباه أنّ سليمان بن عبد الوهّاب شقيق محمّد بن عبد الوهّاب صرّح في كتاب «الصواعق الإلهيّة في الردّ على الوهّابيّة» إبّان صعود الحركة الوهّابيّة في نجد: «لا يجوز قتل من يصلي الى القبلة ويحج ويصوم».

وهو إجماع المسلمين عامّة لا يختصّ بفرقةٍ منهم دون أخرى.

سنستفيد من زخم علماء السنّة في عمليّة تنظيم المؤتمر. ونحن الآن بصدد التعرّف على الأشخاص في كلٍّ من محافظات سيستان وبلوشستان، كردستان، كلستان، هرمزكان وأذربيجان الغربيّة؛ حيث قمنا بتشكيل مجلس في كل محافظة يتولّى مهمّة تلقّي آراء علمائها. كما أنّ لجاننا التحضيريّة تضمّ في عضويّتها شخصيّات من أهل السنّة.

 

إذاً، لا يوجد بين الفرق الإسلاميّة سوى الجناح التكفيريّ للوهّابيّة الذي يحمل مثل تلك العقائد؟

بالتأكيد؛ لا يوجد غيرهم ممّن ارتكب المجازر طوال التاريخ. لا توجد فرقة إسلاميّة تتبنّى مثل تلك المعتقدات. حتى إنّ أبا الحسن الأشعريّ لمّا حضرته الوفاة أمر بجمع أصحابه، ثمّ قال: «اشهدوا على أنني لا أكفّر أحداً من أهل القبلة بذنب».

إذاً، يبدو أنّ هناك إجماعاً في هذا المجال بين المسلمين. وما يقع على عاتقنا تسليط الضوء على زوايا التكفير وأبعاده، سفك دماء المسلمين (الذي ذكر القرآن الكريم عظمة حرمته بقوله تعالى: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً)، حتى تنكشف الحقائق. وما يجدر ذكره أنّ التاريخ لم يذكر سوى الخوارج وحدهم ممّن كانوا يسفكون دماء المسلمين بتهمة الكفر، ثمّ يشملون نساءهم وأطفالهم بهذا الحكم ليقتلوهم بجريرة كفر آبائهم الذي انتقل إليهم على حدّ زعمهم. أمّا اليوم فنشهد للأسف قيام الزمر التكفيريّة بقطع رؤوس الأطفال وتفخيخ الأسواق والساحات العامّة في عمليّة إعادة تدوير للخوارج أو ما يمكن اصطلاحه بالخوارج الجدد في العالم الإسلاميّ، ومن هنا ينبع أساس المشكلة.

 

 ما هي الآفاق والتصوّرات المتوخّاة من نتائج هذا المؤتمر؟ وما هو الهدف الذي من المقرّر بلوغه من هذا المؤتمر؟

في الحقيقة تقدّم فكرة مجابهة التكفير حول العالم بصورة فرديّة. نحن نعمل على بلورة إجماع بين علماء الإسلام ومفكّريه إزاء مناهضة التكفير؛ لذا ركّزنا على التوصية بطلب مقالات وأوراق من علماء الشيعة والسنّة على حدٍّ سواء. نحن نتابع بشكل حثيث لبلوغ ذلك الهدف ونأمل إن شاء الله أن نبلور إجماعاً عامّاً مناهضاً للتكفير في العالم الإسلاميّ بعد انتهاء المؤتمر بالاستناد إلى النتائج المتحقّقة في قالب مقالات رصينة ومتعدّدة الأبعاد وشاملة لا تنحصر بالشيعة فحسب، بل تشمل الحضور السنّيّ أيضاً.

 

 هل ستستفيدون من مساهمات منظّمات كالتعاون الإسلاميّ و أمثالها أيضاً؛ بحيث تنشر نتائج المؤتمر بشكل بيان رسميّ من قبلها؟

بكلّ تأكيد؛ لقد سعينا إلى العمل مع منظّمة التعاون الإسلاميّ بجدّة في هذا الخصوص وأجرينا مشاورات معها ومنظّمة التعاون لدول الخليج الفارسيّ. ونعمل على استصدار بيانات من قبل جمعية علماء الإسلام في الهند وباكستان أيضاً في هذا الإطار؛ ومع ذلك كلّه ينبغي الانتظار حتى انجلاء الأوضاع السياسيّة التي ستحدّد مدى استثمارنا لتلك الإمكانات. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ صاحبَي السماحة المرجعَين أكّدا على إضفاء الطابع الحوزويّ على المؤتمر وعدم التطرّق للمسائل السياسيّة.

 

 يبدو أنّه تقرّر عقد مجموعة من الجلسات التحضيريّة للمؤتمر. السؤال الأوّل: إلى أيّ مرحلة وصلت تلك الجلسات؟ السؤال الثاني: ما هي الأهداف المتوخّاة من تلك الجلسات التحضيريّة؟

لقد توصّلنا إلى النتيجة التالية: لكي يبلغ المؤتمر أهدافه بالتدريج، من الأفضل إقامة الجلسات العلميّة في إطار محدود من خلال استعراض أهمّ المحاور فيها؛ بحيث يتمّ توجيه الدعوة لعدد محدود من العلماء تقع على عاتقهم مسؤوليّة إعداد أبعاد ومقدّمات المؤتمر النهائيّة. بناءً عليه، تقرّر تنظيم تلك الجلسات التحضيريّة، ولم يحدّد حتى الآن أماكن إقامتها. ويبدو أنّه قد وضعت اللّمسات النهائيّة تقريباً لعقد جلستَين تحضيريّتَين منها؛ إحداهما ستعقد في سورية والأخرى في العراق.

 

هل تمّ تحديد تاريخ انعقاد تلك الجلسات؟

لا، لم يحدّد لحدّ الآن تاريخ معيّن لذلك؛ بانتظار الانتهاء من المشاورات النهائيّة، وكيفيّة ترتيب برامجها.

 

 في ما يخصّ الهيكل التنفيذيّ للمؤتمر، لا شكّ في أنّكم قمتم بتحديد بعض الأقسام واللّجان. حبّذا لو توضّحون لنا حول محتوى ورسالة كلٍّ منها.

نعم؛ فيما يتعلّق بالحقل العلميّ جعلنا نصب أعيننا المحافظة على الشموليّة العلميّة والمحتوى العلميّ للمقالات، فقمنا بتقسيم كافّة المواضيع ذات الصلة بالتكفير على أربعة محاور:

المحور الأوّل والأساسيّ: تركّز على موضوع «الخلفيّات والجذور» من خلال العمل على استقصاء منشأ التكفير وجذوره في العالم الإسلاميّ واستخراجها؛ وقد حدّدت العناوين وشكّلت اللّجان العلميّة لتلك الغاية. وقمنا بتعيين أفراد ضليعين لهذه اللّجنة مهمّتهم صياغة العناوين ودراسة وتقييم المقالات.

المحور الثاني: «المباني الكلاميّة»؛ حيث تستدعي دراسة آراء التكفيريّين العقديّة فيما خصّ التكفير بهدف تحديدها؛ واستعراض تلك الآراء التي دفعت لخلق مثل تلك الأجواء، ونقاط انحرافهم عن العقائد الإسلاميّة؛ وقد شكّلت لجنة لتلك الغاية.

أمّا اللّجنة الثالثة، فتتصدّى لموضوع «السياسة والمواضيع التكفيريّة»؛ بمعنى دراسة الجذور السياسيّة للتكفير ووأوضاع التكفيريّين السياسيّة. إذ نفترض بأنّ منبع التيّارات التكفيريّة يقع خارج العالم الإسلاميّ وينبغي البحث عن جذورها هناك وفي الدعم الأجنبيّ.

وأخيراً، المحور الرابع بعنوان «سبل الخروج من هذه الأزمة». من خلال استعراض الحلول والاستراتيجيّات بهدف الخروج من هذه الأزمة الحقيقيّة. وقد قمنا باستخراج ثمانية وخمسين عنواناً من تلك المحاور الأربعة ومن المقرّر أن تبدأ اللّجان عملها في أسرع وقت إن شاء الله.

 

 

 كما تعلمون بأنّ مبدأنا الأساسيّ قي التعامل مع أهل السنّة يقوم على أصل التقريب؛ فما هي التدابير التي ينبغي اتّخاذها في مثل هذه المؤتمرات منعاً لبروز أيّ تعرّض لمبدأ التقريب؟

بالمناسبة، تقوم وجهة نظرنا على أنّ إحدى السبل والاستراتيجيّات لبلوغ التقريب تقوم على مواجهة التكفير. وأيّ فرصة أفضل لتحقيق التقريب وتعزيزه من الظروف التي يرفض فيها المسلمون التكفير ويستهجنونه، لذا نعتبر ذلك الأمر أرضيّة مناسبة للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة.

عندما يمتنع مذهب ما من تكفير أتباع مذهب آخر، تتهيّأ الشروط المناسبة للتقارب؛ أمّا حين يبرز التكفير بين أبناء الأمّة تتفاقم الأخطار. وهنا لا بدّ من التذكير بنقطة هامّة: تلاحظون أنّ بعض الشخصيّات التي لم يكن أحد يتوقّع منها أن تتّخذ منحىً تكفيريّاً، إذا بها تقع في ذلك الفخّ، منها الشيخ يوسف القرضاويّ الذي يتمتّع بماضٍ مشرق إلا أنّه تنكّر لتاريخه وصار اليوم يحمل لواء الجهاد ضدّ الشيعة والجيش السوريّ! حتى إنّ كتّاباً مصريّين يتبنّون الرأي القائل بأنّ أولى نتائج مواقفه المتطرّفة والحادّة تجلّت في الأوضاع الكارثيّة الحاليّة، بل إنّ أولئك الكتّاب أنفسهم كتبوا في جريدة الأهرام مخاطبين إيّاه: لا ريب، أيّها الشيخ القرضاويّ، أنّ الدور سيأتي على صوفيّة مصر بعد الشيعة، وسيتبعهم أهل السنّة بمصر. ما يدلّ على على حالة من التبصّر ووضوح الرؤية تسود المجتمع الإسلاميّ.

إنّ الحقيقة التي يجب التنبّه لها تتمثّل في أنّ هدم مقام الإمامَين العسكريّين اليوم من قبل التكفيريّين يفضح نيّاتهم المريضة في هدم قبور الإمام البخاريّ وأبي حنيفة والإمام الشافعيّ لو سنحت لهم الفرصة لذلك. لم يكن حجر بن عديّ شخصيّة خاصّة بالشيعة، بل كان شخصيّة عابرة للمذاهب وصحابيّاً جليلاً، ومع ذلك لم يكتفوا بتخريب قبره فحسب، بل نبشوه وأخرجوا جثمانه الطاهر لينقلوه إلى مكان آخر. كلّ تلك الوقائع تعكس حقيقة عدم استهداف التكفير للشيعة فقط، بل يمثّل خطراً يهدّد العالم الإسلاميّ أجمع؛ إذ كان أكثر ضحايا التكفير خلال القرنَين والثلاثة الأخيرة من أهل السنّة والحنابلة. وفي هذا السياق يكتب حامد إلكار: طوال القرون الثلاثة الماضية، حصد التيّار التكفيريّ أرواح أربعمئة وخمسين ألفاً من المسلمين. وينبغي تحليل تلك الأرقام وفرز نسبة الكفّار الحربيّين (اليهود والمسيحيّين) من بينهم (مع التسليم بعدم جواز قتلهم)، ونسبة الشيعة من الضحايا، ليتبيّن أنّ ضآلة حجمهم بالمقارنة مع أهل السنّة. بناءً عليه، يبدو أنّ ذلك التيّار يزحف متقدّماً ببطء؛ وفق جدول أعمال يقوم على ترتيب أولوّيات ضحاياه ليسود العالم الإسلاميّ كلّه في النهاية.

حتى فيما يخصّ هدم الآثار الإسلاميّة من قبل التكفيريّين، فإنّ الأمر لا يتوقّف عند نبش القبور فحسب. انظروا إلى ما يجري في مكّة والمدينة؛ إذا لم يتنبّه العالم الإسلاميّ لما يحدث هناك، فلن يطول الزمن إلا وقد تغيّرت معالم مكّة حتى لينكر الحاجّ أنّه داخل في تلك البقعة؛ لما محيت من آثاره الإسلاميّة. لن تتمكّنوا من تعقّب آثار الرسول (ص) في مكّة والمدينة؛ إذ حلّت محلّها ناطحات السحاب والفنادق الفاخرة التي لن تجدوا نظيراً لها إلا في سان فرانسيسكو وواشنطن؛ وليس ذلك بغريب على العدوّ الذي يسعى إلى طمس تلك المعالم.

 

 سؤالي الأخير: إلى أيّ حدّ يحظى التيّار التكفيريّ بدعم وقاعدة شعبيّة؟

في الحقيقة من ميزات التيّار التكفيريّ اللّعب بعواطف الناس وأحاسيسهم؛ فهو يمارس نشاطه عن طريق إثارة العواطف والأحاسيس لافتقاره إلى مضامين دينيّة متقنة. وكلّما كانت الكلمة للعواطف والأحاسيس يستثار سواد الناس وعامّتهم. لذا يتّخذ التكفيريّون من عوامّ الناس قاعدة لهم، ويتّبعون الأسلوب الشعبويّ في النشاط. نحن لا نخشى من إمكانيّة تأسيس التيّارات التكفيريّة مباني لهم على غرار باقي المذاهب، لأنّهم غير قادرين على ذلك؛ فمنذ القرن السابع الهجريّ عندما دشّن قائد النزعات التكفيريّة تلك الأيديولوجيّة، ظلّ مهمّشاً، ولكنّنا نخشى أن يؤسّسوا قواعد لهم بين عامّة الناس.

إذ عندما تستثار عواطف العامّة، تتحوّل إلى ما يشبه النار في الهشيم ينتشر لهيبه بسرعة. استناداً إلى هذه الحقيقة، يبدو أنّ التيّارات التكفيريّة اختارت لها أوساط عامّة الناس مهداً فهي في حال تبديل دام لمواقعها؛ فتارةً نراها في أفغانستان، وتارةً في باكستان وأخرى في الجزار. وبما أنّ التيّارات التكفيريّة تستمدّ جذورها السياسيّة من خارج العالم الإسلاميّ، فيما ترتبط ماليّاً ببعض الجهات في العالم الإسلاميّ، فإنّ تلك الإمكانات الماليّة وأشكال الدعم السياسيّ تؤدّي إلى تعزيز وجودها، وامتلاك القنوات التلفزيونيّة، وإطلاق المواقع الإلكترونيّة، ما يخلقون مزيداً من المشاكل.

 

 في الختام، نشكركم على إتاحة هذه الفرصة للحوار معكم.

 


source : www.makhateraltakfir.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ ...
آية الله التسخيري يطالب بردالفعل القوي إزاء ...
ملتقى التقريب بين المذاهب الإسلامية في لندن يدعم ...
حزب الله ينفي مزاعم تورطه بقتل جنود سوريين
مسلسل "الحسن والحسين(ع)" رد فعل على الأفلام ...
البابا شنودة يهنئ المسلمين بعيد الفطر
عدوّنا الحقيقي هو تمسك الايرانيين بمعتقداتهم ...
إفتتاح قنصلية كرواتيا في النجف الأشرف
سيدة بلغارية تتشرف باعتناق الإسلام
آية الله العظمى المظاهري قد أحيا مادة الأخلاق في ...

 
user comment