عربي
Saturday 27th of April 2024
0
نفر 0

الاستناد إلى بشارات الكتب السابقة ومشكلة التحريف:

وتبقى هنا قضيتان، من الضروري التطرق لهما قبل تثبيت النتائج المتحصلة من البحث: الـقـضية الاولى هي: مناقشة السؤال التالي: كيف يمكن الاستناد إلى كتب الديانات الاخرى في اثبات قـضـيـة مـهـمـة، مثل قضية تخص هوية المصلح العالمي المنتظر, واثبات انه المهدي بن الحسن العسكري عليه السلام, واثبات صحة هذه العقيدة وانتمائها الالهي، مع اتفاق المسلمين على وقوع التحريف في هذه الكتب؟ نعتقد ان الاجابة عن هذا التساؤل ممكنة بقليل من التدبر في حيثيات الموضوع، ويمكن تلخيصها بما يلي: 1 ـ ان اثبات عقيدة اهل البيت عليهم السلام في المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف يستند إلى الكثير من البراهين العقلية والايـات القرآنية، وما اتفق عليه المسلمون من صحاح الاحاديث النبوية، والواقع التأريخي لسيرة ائمـة اهـل الـبـيت عليهم السلام, كما هو مشهود في الكتب العقائدية التي تناولت هذا الموضوع، وسنتناول الحديث عن ذلك في بحث آخر بالتفصيل ان شاء اللّه .

اما الاستناد إلى البشارات الواردة في كتب الاديان المقدسة، فهو من باب الدليل الاضافي، او الشواهد الـمـؤيدة، فلا تسقط النتيجة المتحصلة منه بسقوط او بطلان الاساس، لان هذه العقيدة قائمة على اسـس اخرى ايضا, اذن لا مجال للاعتراض على صحة هذه العقيدة، حتى مع افتراض بطلان بعض اسسها, باعتبار القول بتحريف تلك الكتب.

اجـل، ثمة ثمار مهمة لدراسة وتوثيق هذا الدليل، وهي هداية اتباع الديانات الاخرى إلى الحق وإلى المصلح الالهي الحقيقي، بالاستناد إلى كتبهم نفسها, وفي ذلك حجة كاملة عليهم، هذا اولا, وثانيا فان مـثل هذه الدراسة تؤكد الجانب العاملي في القضية المهدوية، وتوفر محورا جديدا للوفاق بين الاديان المختلفة بشأن المصلح العالمي الذي ينتظرونه جميعا.

2 ـ ليس ثمة من يقول بأن جميع ما في كتب الاديان السابقة محرف، بل ان المتفق عليه بين المسلمين وقوع التحريف في بعضها وليس في كلها. لذلك فان ما صدقته النصوص الشرعية الاسلامية ـ قرآنا وسنة ـ مما في الكتب السابقة محكوم بالصحة وعدم تطرق التحريف اليه، وهذا واضح.

الاستناد إلى ما صدقه الاسلام من البشارات:

ومـن الـثـابـت اسـلاميا ان الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد بشر بالمهدي الموعود من اهل بيته ومن ولد فـاطـمة سلام الله عليها,(12) لذلك فان البشارات الواردة في كتب الاديان السابقة من هذا النمط الذي لم تـطاله ايدي التحريف، ما دامت منسجمة مع ما صح في النصوص الشرعية الاسلامية.

اذن لا مانع من الاستناد اليه والاحتجاج به.

يضاف إلى ذلك ان القرآن الكريم نفسه قد بشر بالدولة الالهية العالمية واقامتها في آخر الزمان، كما صرحت بذلك آياته الكريمة التي دل عدد منها على المهدي الموعود,وحتمية وجوده وغيبته ـ كما سـنـوضـح ذلـك في بحث لا حق ان شأ اللّه تعالى ـ وهذا يعني تصديق ما ورد في بشارات الاديان السابقة الواردة بالمضمون نفسه، الامر الذي يعني صدورها من نفس المصدر الذي صدر منه القرآن الـكـريـم، ومـن ثـم الـحكم بصحتهاوعدم تطرق التحريف اليها, فلا مانع حينئذ من الاستناد اليها والاحتجاج بها في اطار المضامين التي صدقها القرآن الكريم.

الواقع التأريخي وتصديق البشارات:

3 ـ ان بعض هذه البشارات يرتبط بواقع خارجي معاش او ثابت تأريخيا, بمعنى ان الواقع الخارجي الـثـابت جأ مصدقا لها. فمثلا البشارات التي تشير إلى ان المصلح العالمي هوالامام الثاني عشر من ذريـة اسـمـاعيل، وانه من ولد خيرة الامأ, وان ولادته تقع في ظل اوضاع سياسية خانقة ومهددة لـوجـوده، فـيـحـفـظه اللّه ويغيبه عن اعين الظالمين إلى حين موعد ظهوره وامثالها, كلها تنبأت بحوادث ثابتة تأريخيا, وهذا يضيف دليلا آخر على صحتها ما دام ان من الثابت علميا انها مدونة قبل وقوع الحوادث التي اخبرت عنها, فهي في هذه الحالة تثبت انها من انباء الغيب التي لا يمكن ان تصدر الا مـمـن له ارتباط بعلام الغيوب تبارك وتعالى.

وبذلك يمكن الحكم بصحتها وعدم تطرق التحريف اليها, ومن ثم يمكن الاستناد اليها والاحتجاج بها.(13) تأثير البشارات في صياغة العقيدة المهدوية امـا القضية الثانية، فهي ما يرتبط بالاعتراض القائل بأن الاستناد إلى هذه البشارات في اثبات عقيدة اهل البيت في المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف, يفتح باب التشكيك والادعاء بأن هذه العقيدة تسللت إلى الفكر الاسلامي من الاسرائيليات ومحرفات الاديان السابقة.

والجواب عن هذا الاعتراض واضح من الاجابة السابقة، فهو يصح اذا كانت العقيدة الامامية المهدوية تستند إلى تلك البشارات وحدها, في حين ان الامر ليس كذلك.

ولـوقـلنا بأن كل فكرة اسلامية لها نظير في الاديان السابقة هي من الافكار الداخلية في الاسلام، لادى الامر إلى اخراج الكثير من الحقائق والبديهيات الاسلامية، التي اقرها القرآن الكريم وصحاح الاحـاديث الشريفة، وهي موجودة في الاديان السابقة، وهذا واضح البطلان ولا يخفى على ذي لب.

فـالـمـعيار في تشخيص الافكار الدخيلة على الاسلام هو عرضها على القرآن والسنة، والاخذ بما وافـقهما ونبذ ما خالفهما, وليس عرضها على ما في كتب الديانات السابقة ونبذ كل ما وافقها, مع العلم بـأن فـيـهـا مـا لـم تتطرق له يد التحريف، وفيه ما ثبت صدوره عن نفس المصدر الذي صدر عنه القرآن الكريم.

يـضـاف إلى ذلك ان عقيدة الامامية في المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف تستند إلى واقع تأريخي ثابت، فكون الامـام الـمـهـدي هو الثاني عشر من ائمة اهل البيت ثابت تأريخيا, وحتى ولادته الخفية من الحسن الـعـسـكـري عليه السلام سـجـلها المؤرخون من مختلف المذاهب الاسلامية، واقرها علماء مختلف هذه الـمـذاهـب، حـتـى الـذيـن لم يذعنوا انه هو المهدي الموعود, وان كان عدد الذين صرحوا بأنه هو المهدي من علماء اهل السنة كثيرون ايضا.(14)

النتائج المتحصلة من البحث:

نصل إلى القسم الاخير من البحث، وهو تسجيل النتائج المتحصلة منه في النقاط التالية:

1 ـ ان اصل فكرة الايمان بالمصلح العالمي في آخر الزمان، واقامة الدولة العادلة التي تحقق السعادة الحقة للبشرية جمعأ, تستند إلى جذور فطرية في الانسان، تنبع من فطرة تطلعه إلى الكمال، ولذلك لاحـظنا اجماع مختلف التيارات الفكرية الانسانية ـ حتى المادية منها ـ على حتمية تحقق هذا اليوم الـمـوعـود. امـا الفكر الديني فهو مجمع عليه التواتر البشارات السماوية في كتب الاديان المختلفة بـذلـك.

فـلا يمكن قبول ما زعمه المستشرقين بأن هذه الفكرة المجمع عليها تستند إلى الخرافات والاساطير.

2 ـ ان الـقـول بـوجـود المهدي الموعود بالفعل وغيبته وهو الذي يؤمن به مذهب اهل البيت عليهم السلام, ويتميز به عن عقيدة اهل السنة في المهدي الموعود, هذا القول غير مستبعد, لا في الفكر الانساني الـعـام الذي يرى ان من الضروري ان يكون عمر المصلح العالمي طويلا,ولا من الفكر الديني الذي اقـتـرن ايمانه بالمصلح العالمي بالايمان بأنه يعود بعد غيبة، بل ان وقوع الغيبات في تأريخ الأنبياء عليهم السلام يدعم هذا القول ويعززه.

3 ـ ان اجـمـاع الاديان السماوية على الايمان بالمصلح العالمي وغيبته قبل الظهور والعودة اقترن بـالاخـتـلاف الشديد في تحديد هويته، وهو اختلاف ناشىء من جملة من العوامل، منها ان البشارات الـواردة فـي الكتب المقدسة بشأنه تتحدث عن قضية غيبية، والانسان بطبعه ميال لتجسيد الحقائق الغيبية في مصاديق محسوسة يعرفها, ومنها ان التعصب المذهبي والرغبة في الفوز بافتخار الانتمأ لـصـاحـب هـذا الـدور الـتـأريخي المهم،دفعت اتباع كل دين إلى تأويل تلك البشارات اوخلطها بـالبشارات الواردة بشأن نبي اووصي معين غير المصلح العالمي، او تحريفها لتطبيقها على الاقرب مـن الـمـواصـفـات التي تذكرها من زعمائهم ورموزهم الدينية.

فالاختلاف ناشئ من سوء تفسير وتطبيق البشارات السماوية، وليس من نصوص البشارات نفسها.

4 ـ ان سبيل حل الاختلاف هو تمييز البشارات الواردة بشأن المصلح العالمي عن غيرها المرتبطه بغيره من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام, ثم تحديد الصورة التي ترسمها بنفسها للمصلح العالمي، بعيدا عن التأثر بالمصاديق المفترضة سلفا.

ثـم عـرض الـمصاديق عليها لمعرفة هويته الحقيقية، استنادا إلى الواقع التأريخي القابل للاثبات، وبـعيدا عن حصر هذه المصاديق المفترضة برموز دين معين، بل عرض كل مصداق مرشح من قبل اي دين او مذهب على الصورة التي ترسمها نصوص البشارات بصورة تجريدية.

5 ـ ان تـلـك البشارات السماوية تهدي ـ على وفق هذا المنهج العلمي ـ إلى معرفة حقيقة، وهي ان الـمـصـلح العالمي الذي بشرت به هو الامام الثاني عشر من عترة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم, وهو صاحب الغيبة التي يضطر اليها بسبب تربص الظلمة به لتصفيته، اي انها تهدي إلى المهدي الامامي الذي يقول بـه مـذهـب اهـل البيت عليهم السلام, وقد حرصت تلك البشارات على الهداية اليه من خلال ذكر صفات لا تنطبق على غيره، ومن خلال ذكر خصائص فيه امتاز بها واشتهرت عنه، كما لاحظنا.

البشارات دليل اضافي على صحة العقيدة المهدوية.

6 ـ ان الاستناد إلى هذه البشارات في اثبات صحة عقيدة اهل البيت عليهم السلام في المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف يشكل دليلا اضافيا في اثبات هذه العقيدة، يضاف إلى الادلة العقلية والقرآنية، وما صح لدى المسلمين مـن الاحـاديث الشريفة، ولا مانع من الاستدلال بهذه البشارات، بعد ما ثبت ان التحريف في الديانات السابقة لم يشمل كل نصوصها الموحاة،فيمكن الاستناد إلى ما صدقته النصوص الشرعية الاسلامية مـمـا ورد في كتب الديانات السابقة، وكذلك ما صدقه الواقع التأريخي الكاشف عن صحة ما اخبرت عنه، باعتباره من انباء الغيب التي لا يعلمها سوى اللّه تعالى، ومنها اخبار المهدي عليه السلام.

ثمرة عرض دليل البشارات السماوية:

7 ـ ان فـي الاسـتناد إلى بشارات الاديان السابقة في اثبات صحة عقيدة اهل البيت عليهم السلام في المهدي الـمـوعود, واضافة إلى الادلة الشرعية والعقلية الاخرى، ثمار عديدة منها: الكشف عن اهمية هذه العقيدة، وترسيخ الايمان بها لدى اتباعها, ومنها اعانة اتباع الديانات والمذاهب الاخرى على الاهتداء لـمـعرفة هوية المصلح العالمي، الذي بشرت به نصوص كتبهم المقدسة، ودعوتهم إلى الاسلام من هـذا الـطريق، والاحتجاج عليهم بالنصوص المعتبرة عندهم، وهو احتجاج ابلغ في الدلالة، ومنها: ايـجاد محور توحيدي لدعاة الاصلاح الديني من اتباع مختلف الديانات يعزز جهودهم وينسقها, يقوم عـلـى اسـاس الايـمـان بـهـذا الـمصلح العالمي ووجوده فعلا, ورعايته لجهود الممهدين لظهوره طـبـقا للعقيدة الاسلامية الاوسع شمولية، وتفصيلا في عرض هذه الفكرة العريقة في الفكر الديني والانساني.

يـقـول الـعلامة الشهيد آية اللّه العظمى السيد محمد باقر الصدر: واذا كانت فكرة المهدي اقدم من الاسلام واوسع منه، فان معالمها التفصيلية التي حددها الاسلام جاء اكثر اشباعا لكل الطموحات التي انـشـدت إلى هذه الفكرة منذ فجر التأريخ الديني، واغنى عطاء واقوى اثارة لأحاسيس المظلومين والـمـعـذبـين على مر التأريخ.

وذلك لان الاسلام حول الفكرة من غيب إلى واقع، ومن مستقبل إلى حـاضـر, ومن التطلع إلى منقذ تتمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول، إلى الايمان بوجود الـمـنـقـذ فـعـلا, وتطلعه مع المتطلعين إلى اليوم الموعود إلى اكتمال كل الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم.

فـلـم يـعـد المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف فكرة تنتظر ولادتها, ونبوءة نتطلع إلى مصداقها, بل واقعا قائما ننتظر فـاعـلـيـتـه، وانسانا معينا يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويرانا, ويعيش آمالنا وآلامنا,ويشاركنا احـزانـنا وافراحنا, ويشهد كل ما تزخر به الساحة على وجه الارض من عذاب المعذبين، وبؤس البائسين، وظلم الظالمين، ويكتوي بذلك من قريب او بعيد, وينتظر بلهفة اللحظة التي يتاح له فيها ان يمد يده إلى كل مظلوم وكل محروم وكل بائس، ويقطع دابر الظالمين.

وقـد قدر لهذا القائد ان لا يعلن عن نفسه ولا يكشف للاخرين حياته، على الرغم من انه يعيش معهم انتظارا للحظة الموعودة.

ومـن الواضح ان الفكرة بهذه المعالم الاسلامية تقرب الهوية الغيبية بين المظلومين، كل المظلومين، وبين المنقذ المنتظر, وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعورهم النفسي قصيرا مهما طال الانتظار.

ونـحـن حـينما يراد منا ان نؤمن بفكرة المهدي بوصفها تعبيرا عن انسان حي محدد يعيش فعلا كما نعيش، ويترقب كما نترقب، يراد الايحاء الينا بأن فكرة الرفض المطلق لكل ظلم وجور التي يمثلها المهدي، تجسدت فعلا في القائد الرافض المنتظر, الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم، كما في الحديث (الشريف ), وان الايمان به ايمان بهذا الرفض الحي القائم فعلا, ومواكبة له...(15).

عـن مـجـلة الفكر الاسلامي / العددان: 18 و19 / السنة الخامسة / ربيع الثاني / رمضان1418 هـ / بتصرف

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإمام الباقر ( عليه السلام ) مع نافع مولى عمر
حبيب بن مظاهر الاسدي ومكانته عند الحسين (ع)
الهيـبَة في خِـلافَة عُـثمان
الإمام السجاد (عليه السلام) ومحمّد بن الحنفية
زياد ابن أبيه.. أحد رمـــوز الإرهاب الأموي
الأجل والأجل المسمى
مناشدة الإمام علي (ع) يوم الشورى
أو الافطحية وهم الذين يقولون بانتقال الامامة من ...
من خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ...
المدن الشيعيّة في شبه القارّة الهنديّة

 
user comment