عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

الغدير في كلمات الإمام الخامنئي

الغدير في كلمات الإمام الخامنئي

حول أصل حادثة الغدير من المناسب لكل المهتمين بقضايا تاريخ الإسلام أن يعلموا أن الغدير قضية أكيدة. وليست قضية مشكوكاً فيها، ليس الشيعة فقط من يرويها، بل المحدثون السنة سواء في العصور الماضية أوفي العصور الوسيطة واللاحقة رووا هذه الحادثة، أي الحادثة التي وقعت للرسول الأكرم في غدير خم عند حجة الوداع[2]. كان البعض من المسلمين في القافلة الكبرى التي حجّت مع النبي في هذه الحجة قد تقدموا عليه. فبعث النبي رسلاً يستعيدهم ووقف ليلحق به من كانوا وراءه. فتكوّن هناك اجتماع عظيم قال البعض أن عدده بلغ تسعين ألفاً، وقال آخرون إنهم كانوا مائة ألف، وقال أناس إنهم مائة وعشرين ألفاً. في ذلك الجو الحار حيث لم يكن سكان جزيرة العرب - رغم أن الكثير منهم سكان بادية وأرياف وقد تعودوا علی الحر - يطيقون الوقوف علی الرمضاء الساخنة، لذلك كانوا يفرشون عباءاتهم تحت أقدامهم حتى يطيقوا الوقوف. وقد ذكرت هذه النقطة في رواية أهل السنة أيضاً.

في مثل هذه الظروف نهض النبي الأكرم من مكانه ورفع الإمام علياً أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام من الأرض وأوقفه أمام أنظار الناس وقال: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه». طبعاً لهذه الجمل ما قبلها وما بعدها، لكن الجزء المهم منها هو أن الرسول أثار هنا قضية الولاية - أي الحكومة الإسلامية - بشكل رسمي وصريح وطرح الإمام علياً وعيّنه كشخص. الإخوة من أهل السنة رووا هذا الشيء في كتبهم المعتبرة وليس في كتاب أو كتابين بل في عشرات الكتب المعتبرة. جمع المرحوم العلامة الأميني هذه الكتب في كتابه الغدير، وألف غيره الكثير من الكتب في هذا الشأن.
أهمية عيد الغدير

لا ريب أن لعيد الغدير أهمية بالغة. ورد في الروايات الإسلامية أن عظمة هذا اليوم أكبر حتى من يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى. وهذا لا يقلل شيئاً من أهمية ذلكم العيدين الإسلاميين العظيمين بل لأن هذا العيد يحتوي مضموناً أسمی. أهمية هذا العيد الذي هو أفضل الأعياد حسب الروايات الإسلامية تعود إلی كونه يشتمل علی موضوع الولاية. ربما أمكن القول إن الهدف من كل الجهود التي بذلها الرسول الأكرم وعظماء الدين والأنبياء الإلهيون عليهم الصلاة والسلام هو استقرار الولاية الإلهية. يظهر أنه في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) حول الغاية من الجهاد في سبيل الله ومجموعة الجهود المبذولة من أجل الدين أنه قال: «ليخرج الناس من عبادة العبيد إلی عبادة الله ومن ولاية العبيد إلی ولاية الله». الهدف هو إخراج الناس من ولاية العبيد والعباد بالمعنی الواسع للكلمة وإدخالهم في ولاية الله. ولكن في موضوع عيد الغدير توجد أيضاً نقطة تقول إنه في باب الولاية توجد مساحتان أساسيتان: إحداهما مساحة النفس الإنسانية حيث يستطيع الإنسان أن يجعل للإرادة الإلهية ولاية علی نفسه ويدخل نفسه في ولاية الله. هذه هي الخطوة الأولی والأساسية وما لم تحصل لن تتحقق الخطوة الثانية. والمساحة الثانية هي أن يدخل بيئته الحياتية في ولاية الله. بمعنی أن يتحرك المجتمع وفقاً للولاية الإلهية. ولا تستطيع أية ولاية لا ولاية المال ولا ولاية القوم والقبيلة ولا ولاية التعسف والقوة ولا ولاية التقاليد والأعراف والعادات الخاطئة أن تصد ولاية الله وتقف في وجهها.

الشخص الذي تم تعريفه في هذا اليوم أعني الوجود المقدس للإمام علي أمير المؤمنين ومولی المتقين سلام الله عليه هو رمز وشخصية ممتازة في كلا مساحتي الولاية. في الولاية علی النفس واحتوائها وهذا هو الجانب الرئيسي، وفي النموذج الذي عرضه وكرسه للحكومة الإسلامية والولاية الإلهية يعد أيضاً النموذج الأتم في التاريخ والذي يعود إليه كل من يريد أن يعرف الولاية الإلهية.
أهمية الإدارة المنشودة

مسألة الغدير وتعيين أمير المؤمنين (عليه السلام) كولي لأمر الأمة الإسلامية من قبل رسول الإسلام المكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) حادثة جد كبيرة وعميقة المعاني. إنها في الحقيقة تدخل النبي في شأن إدارة المجتمع. معنی هذه الخطوة التي وقعت في يوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشرة هجرية هو أن الإسلام ينظر لقضية إدارة المجتمع بعين الأهمية، إذ ليس أمر الإدارة في النظام الإسلامي والمجتمع الإسلامي متروك لحاله. والسبب هو أن إدارة المجتمع من أكثر قضايا المجتمع تأثيراً. تعيين الإمام علي - مظهر التقوى والعلم والشجاعة والتضحية والعدل بين صحابة النبي - شيء يوضح أبعاد هذه الإدارة. يتجلی علی أساس هذا التعيين أن المهم لإدارة المجتمع من وجهة نظر الإسلام هو هذه الأمور. حتى الذين لا يذهبون إلی خلافة الإمام علي المباشرة لا يشكون في علمه وزهده وتقواه وشجاعته وتضحيته في سبيل الحق والعدل. هذا موضع اتفاق كل المسلمين وجميع من يعرفون الإمام علياً (عليه السلام). هذا شيء يدل علی ما يجب أن تكون عليه زعامة المجتمع الإسلامي وإدارته وحكومته من وجهة نظر الإسلام والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
حقائق الغدير الظاهرة والخفية

هناك الكثير من الحقائق الكامنة في حادثة الغدير. ظاهر القضية هو أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) عالج في ذلك اليوم للمجتمع الإسلامي الفتي - حيث كان قد مضی حينها علی انتصار الإسلام وتأسيس ذلك المجتمع حوالي عشرة أعوام - موضوع الحكومة والإمامة بمعناه الواسع فنصّب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) خليفة له في غدير خم عند عودته من الحج. ظاهر القضية هذا علی جانب كبير من الأهمية طبعاً، وبالنسبة للباحثين في قضايا المجتمع الثوري يعد تدبيراً إلهياً. ولكن فوق هذا الظاهر هناك حقائق كبری إذا تفطنت لها الأمة والمجتمع الإسلامي فسوف يتضح لها طريق الحياة. في قضية الغدير إذا ركز عموم المسلمين - سواء الشيعة الذين يعدون هذه القضية قضية إمامة وولاية، أو غير الشيعة الذين يوافقون أصل القضية لكن قراءتهم لها ليست قراءة إمامة وولاية - اليوم علی النقاط الموجودة في قضية الغدير فسيحقق ذلك مكاسب عديدة لهم.

من هذه النقاط المهمة أنه في تنصيب الإمام علي (عليه السلام) للحكومة تم الإعلان عن معايير الحكومة وقيمها. أوقف الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في قضية الغدير شخصاً أمام أعين المسلمين وأنظار التاريخ كان يتحلی بكل القيم الإسلامية. شخص مؤمن له أعلی درجات التقوى والورع والتضحية في سبيل الدين وعدم الرغبة في المطامع الدنيوية.. شخص خرج من الاختبارات والتجارب مرفوع الرأس في كل الميادين الإسلامية.. ميادين الخطر وميادين العلم والمعرفة. وميادين القضاء وغيرها. أي بتنصيب الإمام علي (عليه السلام) كحاكم وإمام وولي إسلامي كان يجب علی جميع المسلمين طوال التاريخ أن يعلموا أن الحاكم الإسلامي يجب أن يكون شخصاً سائراً في هذا الاتجاه وبهذه المواصفات وقريباً من هذا النموذج والمثال.

إذن الذين لا نصيب لهم من القيم ومن الفهم الإسلامي ومن العمل الإسلامي ومن الجهاد الإسلامي ومن الإنفاق والتضحية ومن التواضع مقابل عباد الله ومن سائر الخصوصيات التي كانت للإمام علي (عليه السلام) ليسوا جديرين بتولي الحكم في المجتمعات الإسلامية. لقد وضع الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا المعيار أمام المسلمين وهذا بحد ذاته درس لا ينسی.

النقطة الأخرى التي يمكن فهمها من حادثة الغدير هي أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في الأعوام التي تولی فيها الخلافة والحكومة أثبت أن الأولوية من وجهة نظره هي تكريس العدل الإلهي الإسلامي. أي تأمين الهدف الذي يقرر القرآن الكريم أن إرسال الرسل وإنزال الكتب والشرائع السماوية كان من أجل بيانه: «ليقوم الناس بالقسط». القسط والعدل بحسب الدساتير التي عيّنها الإسلام أفضل ضمانة للعدالة. هذه هي الأولوية الأولی عند الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).
مفهوم الولاية في حادثة الغدير

في قضية الغدير أدی رسول الإسلام الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أحد أسمی الواجبات عملاً بأمر الله والآيات القرآنية الصريحة: « وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ».. قضية نصب الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) للولاية والخلافة مهمة إلی درجة أنك إذا لم تقم بها فمعنی ذلك أنك لم تبلغ رسالة ربك. المراد إما أنك لم تبلغ الرسالة في هذه القضية بالذات لأن الله تعالی أمر أن تفعل ذلك، أو فوق ذلك، إذا لم تقم بهذا الفعل فسوف يتعرض أساس رسالة الرسول للخطر وتتزلزل أسسها. هذا أيضاً محتمل. وكأن أصل الرسالة لم يجر تبليغها. من المحتمل أن يكون هذا هو المراد وعندها تكتسب القضية أهمية قصوى. بمعنی أن موضوع تشكيل الحكومة وأمر الولاية وإدارة البلاد من متون الدين الرئيسية والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بكل عظمته يهتم ويؤدي رسالته هذه مقابل أنظار كل الناس بطريقة ربما لم يؤد بها أي واجب آخر من الواجبات. لا الصلاة ولا الزكاة ولا الصيام ولا الجهاد. جمع الناس من مختلف الطبقات والقبائل والمناطق في مفترق الطرق بين مكة والمدينة لتنفيذ أمر مهم. ثم أبلغ مثل هذه الرسالة التي انتشرت في العالم الإسلامي.
مفهوم الإمامة في الغدير

الإمامة تعني ذروة المعنی المراد من إدارة المجتمع مقابل شتی أنواع الإدارات النابعة من الضعف والشهوات والنخوات والجشع الإنساني. قدم الإسلام أسلوباً ووصفة للإمامة للبشرية كلها. أي أن تكون الإمامة لإنسان طافح الفؤاد بفيض الهداية الإلهية ويكون عارفاً بعلوم الدين وفاهماً لها - أي قادراً علی تشخيص الطريق الصحيح - وقادراً أيضاً علی العمل «يا يحيی خذ الكتاب بقوة» ولا تكون روحه وإرادته وحياته الشخصية مهمة بالنسبة له، بينما أرواح الناس وحياتهم وسعادتهم هي كل شيء عنده. وقد أثبت الإمام أمير المؤمنين خلال أقل من خمسة أعوام كل هذا عملياً. تلاحظون أن فترة الأقل من الخمسة أعوام لحكومة الإمام علي وهي فترة قصيرة بقيت متألقة علی مدی القرون كنموذج ومثال وشيء لن تنساه الإنسانية أبداً. هذه هي نتيجة دروس حادثة الغدير ومعناها وتفسيرها.
الغدير ووحدة الأمة الإسلامية

قضية الغدير يمكن أن تكون سبباً في الوحدة، وقد يبدو هذا أمراً عجيباً، لكن هذه هي حقيقة المسألة. في قضية الغدير نفسها وما عدا الجانب العقيدي فيها بالنسبة للشيعة - أي حكومة الإمام علي المنصوبة من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بوضوح في حديث الغدير - طرح أساس مسألة الولاية. وليس في هذه المسألة شيعي وسني. إذا رفع مسلمو العالم والشعوب في البلدان المسلمة اليوم شعار الولاية الإسلامية فسوف تنفتح الكثير من السبل غير المسبوقة والعقد غير المحلولة للأمة الإسلامية وسوف تقترب معضلات البلاد المسلمة من العلاج.

ــــــــــــــــــــ

[1] غدير خم اسم منطقة بين مكة والمدينة علی طريق الحجاج. وبسبب وجود بركة تجتمع فيها مياه المطر هناك فقد عرفت باسم (غدير خم). في الحجة الأخيرة التي حجها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي طريق عودته إلی‌ المدينة، جمع (صلى الله عليه وآله وسلم) كل المسلمين المشاركين في هذه الحجة في غدير خم ونصب الإمام علي بن أبي طالب وصياً وأخاً وخليفة له معيناً من قبل الله تعالی. العبارة المشهورة «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» جزء من خطبة الغدير الطويلة التي يقبلها الشيعة والسنة.

[2] منذ بداية ذي القعدة للسنة العاشرة للهجرة وهي السنة الأخيرة من عمر الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث أنباء لكل المناطق التي يسكنها المسلمون والقبائل والطوائف المسلمة في شبه جزيرة العرب يخبرهم فيها أنه سوف يتوجه إلی مكة المكرمة هذه السنة ويؤدي مراسم العمرة وحج التمتع، وهكذا تكوّن أعظم تجمع للمسلمين يعرف بحجة الوداع.

 


source : www.almonji.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

القضية الفلسطينية في كلمات الإمام الخميني ( قدس ...
لا توفيق مع الغشّ
تحرير المدينة المنورة والحجاز
من شهد واقعة الطف
آداب المعلّم والمتعلّم في درسهما
الألفاظ الدخيلة والمولَّدة
الحجّ في نهج البلاغة -4
مكانة الشهيد
المجالس والبعد السياسي
المهدي المنتظر يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ...

 
user comment