عربي
Saturday 27th of April 2024
0
نفر 0

أسانيد روايات الاثني عشر عند السنة والشيعة

قوله : ان روايات حصر الأئمة باثني عشر عند السنة والشيعة أسانيد روايات الاثني عشر عند السنة والشيعة
ضعيفة السند!
أقول : البحث السندي في روايات الاثني عشر إماما عند الفريقين يكذب دعواه تلك . وان الأحاديث الشيعية في الاثني عشر كانت معروفة لدى الثقات من الشيعة قبل ولادة المهدي (عليه السلام)بل منذ القرن الثاني الهجري .


 

 

 


نص الشبهة
  «ومن هنا فقد اعترض الزيدية على الامامية وقالوا (ان الرواية التي دلت على ان الائمة اثنا عشر قول أحدثه الامامية قريبا وولدوا فيه أحاديث كاذبة (1) . وقام أصحاب النظرية (نظرية الاثني عشر) باستيراد أحاديث من (أهل السنة) مروية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تشير إلى عدد الخلفاء والامراء من بعده وتذكر رقم (اثني عشر) وأضافوا إليها أحاديث اختلقوها بعد ذلك تشير إلى حصر الامامة في (اثني عشر إماماً) فقط . . . استعار الذين قالوا بوجود المهدي محمد بن الحسن العسكري وولادته سرا في حياة أبيه بعض الاحاديث الضعيفة والمضطربة والمشوشة والغامضة من السنة والتي تذكر مجىء اثني عشر أميرا أو خليفة بعد رسول الله وهذبوها وشذبوها وطبقوها على عدد الائمة الذين كانوا قد بلغوا مع ابن الحسن المفترض وحسب العد الامامي : اثني عشر واحدا فقالوا بان الائمة اثنا عشر وعرف هؤلاء (الاثني عشر) . (ولكن عملية الاستدلال بتلك الاخبار على صحة النظرية (الاثنا عشرية) كانت تواجه ضعف سند تلك الاخبار حيث أنها ضعيفة عند السنة ولا يلتزم أحد منهم بمضمونها . كما أنها اضعف عند الشيعة (2) . ولا توجد بينها رواية واحدة صحيحة حسب مقاييس علم الرجال الشيعي» (3) .
الرد على الشبهة
  اقول ولنا على كلامه الانف الذكر تعليقتان :
الاولى :
  قوله : (أنها ضعيفة السند عند السنة ولا يلتزم أحد بمضمونه) .
 ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشورى العدد العاشر ص12 .
(2) كتابه عن المهدي (عليه السلام) .
(3) كتابه نظرية الامامة الالهية .

 
  أقول : ليت صاحب النشرة جاء بكلام واحد من علماء أهل الحديث المعتبرين عند السنة يضعِّف حديث الاثني عشر ، وأنى له بذلك وقد روى الحديث كل من البخاري ومسلم في صحيحيهما وأبو داود والترمذي في سننهما ومن قبلهم رواه احمد بن حنبل في مسنده بأسانيد صحيحةورواه آخرون أيضاً .
  روى البخاري عن جابر بن سمرة قال سمعت النبي (صلى الله عليه وآله)يقول : «يكون بعدي اثنا عشر أميرا . . . كلهم من قريش» .
  وفي رواية لمسلم «لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش» (1) .
  وفي رواية «لا تضرهم عداوة من عاداهم» (2) .
  وفي رواية «يكون لهذه الامة اثنا عشر قيِّماً لا يضرهم من خذلهم كلهم من قريش» (3) .
  وفي رواية مسروق قال : «سأل رجل عبد الله بن مسعود قال له يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله كم يملك هذه الامة من خليفة فقال عبد الله سألناه فقال : اثنا عشر عدة نقباء بني إسرائيل» (4) .
  وفي رواية أخرى «يكون بعدي من الخلفاء عدة أصحاب موسى» (5) .
  وفي رواية أخرى «كلهم تجتمع عليه الامة» (6) .
  قال ابن كثير «وقد روي مثل هذا عن عبد الله بن عمر وحذيفة وابن عباس» (7) .
  أقول : وقد روى مثله الهيثمي في مجمع الزوائد عن الطبراني في الاوسط والكبير ،
 ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جامع الاصول لابن الاثير ج4/45-46 .
(2) فتح الباري 16/338 .
(3) كنز العمال 13/27 .
(4) مسند احمد 1/398 ، 406 قال احمد شاكر في هامش الحديث الاول : (اسناده صحيح) ومستدرك الحاكم 4/501 وفتح الباري 16/339 مجمع الزوائد 5/190 ، كنز العمال 13/27 .
(5) البداية والنهاية لابن كثير 6/248 وكنز العمال 13/27 .
(6) سنن أبي داود ج2 /423 .
(7) البداية والنهاية 6/248 . وحذيفة هو حذيفة بن أسيد ممن بايع تحت الشجرة سكن الكوفة وتوفي بها ، ورواية عبد الله بن عمر رواها أبو القاسم البغوي بسند حسن كما ذكر ذلك السيوطي في تاريخ الخلفاء ص61 طبعة السعادة بمصر .

 
والبزار ، عن أبي جحيفة (1) .
  ويتبين من ذلك ان حديث الاثني عشر عند السنة لا تنحصر روايته بالصحابي جابر بن سمرة بل يرويه صحابة آخرون ذكرت الكتب السنية الميسرة فعلا أربعة منهم الى جنب جابر بن سمرة .
  لقد ظن علماء الحديث من أهل السنة ان المراد بهؤلاء الاثني عشر هم الحكام الذين جاءوا بعد الرسول واتفقوا على تسمية الاربعة الاوائل منهم وحاروا في تكملة العدد ، فمنهم من عد معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك ثم يزيد بن عبد الملك ثم هشام بن عبد الملك وبين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك) وقد رجح هذا القول ابن حجر (2) ومنهم من قال ان هؤلاء الاثني عشر مفرقين في الامة إلى آخر الدنيا (3) .
  وهذا التفسير بعيد عن الصحة تماماً وذلك لان تشبيه النبي (صلى الله عليه وآله) لهؤلاء الاثني عشر بأصحاب موسى ونقباء بني إسرائيل يفيد انهم من سنخهم وقد أخبرنا الله تعالىعن نقباء بني إسرائيل بقوله (وَلَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ نَقِيبًا)المائدة/12-13 .
وقال تعالى (وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ، وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا)الاعراف/159-160 .
  وقد كان أول هؤلاء الاثني عشر بعد موسى هو يوشع بن نون وكان آخرهم داود ، وكان ما بينهم النبي إشموئيل وطالوت ولم يكن نبياً بل كان عالماً اصطفاه الله ونص عليه بواسطة نبيه إشموئيل ، وكانت تكملة الاثني عشر من آل هارون ولم يكونوا انبياء
 ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع الزوائد ج 5 ص190 وأبو جحيفة هو وهب بن عبد الله السوائي كان من صغار الصحابة ، نزل الكوفة ، وكان علي (عليه السلام) قد جعله على بيت المال بالكوفة وشهد معه مشاهده كلها (الاستيعاب ج4 ص1619) .
(2) فتح الباري 16/341 .
(3) انظر كتاب معالم المدرستين للعلامة العسكري ج1/541-547حيث اورد كلمات علماء السنة التي تكشف عن اضطرابهم وحيرتهم في تفسير الحديث .

 
أيضا بل كانوا علماء اصطفاهم الله وطهرهم ونص عليهم بواسطة نبيه موسى وقد ذُكِروا في القرآن كعنوان للنقباء بعد موسى وقبل النبي إشموئيل ولم يدخل في تفاصيلهم (1) .
  وهم المشار إليهم في قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَة مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)السجدة/23-24 .
  وكذلك الامر في الائمة الاثني عشر بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) هم أئمة هدى لا يصلح الحكم إلا لهم في زمانهم ولا تتأثر منزلتهم من الله ورسوله سواء أقبل الناس عليهم أم أعرضوا عنهم .
  ويؤيد ذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله) عنهم انهم «لا تضرهم عداوة من عاداهم» «لا يضرهم من خذلهم» لان ولايتهم لا تستند إلى الناس بل إلى الله تعالى ، هذا بخلاف ولاية الحاكم التي تتضرر بخذلان من يخذل لان قوته وسلطته تستند إلى الناس .
  ويؤيد ذلك أيضاً ما ورد عن علي (عليه السلام) قوله أين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا ان رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى ان الائمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم (2) .
  فهو (عليه السلام) هنا يتحدث عن أئمة هدى بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) لهم منزلة الرسول في الهداية وفي اختصاص الحكم في زمانهم بهم وكونهم منحصرين في بني هاشم ، ومما لاشك فيه انه ليس كل بني هاشم لهم هذه الخصوصية بل هم علي (عليه السلام) والاحد عشر من ولده من فاطمة (عليها السلام) . ومن الواضح ان كلامه (عليه السلام) يشير إلى حديث النبي (صلى الله عليه وآله) «الائمة من بعدي اثنا عشرفهم إذن نظراء أئمة الهدى من بني إسرائيل الذين جعلهم الله تعالى بعد موسى وجعلهم اثني عشرة أسباطا أي أحفاداً (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض) آل عمران /32 ».
  وفي ضوء ذلك يحمل قوله (صلى الله عليه وآله) : «كلهم تجتمع عليه الامة» أي كلهم ينبغي أن
 ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الايات 246 - 248 من سورة البقرة .
(2) نهج البلاغة خ 144 .

 
تجتمع عليهم أمتي الى آخر الدنيا يأخذون بقولهم وفعلهم وتقريرهم .

الثانية :
  قوله : (انها عند الشيعة اضعف) وقوله (أنها مختلقة في عصر الغيبة) .
  أقول : ليس الامر كما قال . .
  إذ الروايات التي أوردها الكليني والصدوق توجد فيها روايات صحيحة السند واشهرها الروايات التي تنتهي إلى سليم بن قيس وقد مضى الحديث عنها في الفصل السابع ، وقد قلنا هناك : بان الطرق إلى كتاب سليم وروايته في الاثني عشر لم تنحصر بالعبرتائي وابي سمينة .
  ولا يضر رواية سليم اختلاف علماء الشيعة في وثاقة أبان بن أبي عياش الراوي عن سليم لان المطلوب في أحاديث الاثني عشر وذكر أسماء الائمة (عليهم السلام) من أجل رد شبهة المستشكل هو إثبات وجودها عند الشيعة قبل الغيبة الصغرى .
  وليس من شك ان طائفة من أسانيد الكليني والصدوق إلى أبان بن أبي عياش (ت128هـ) صحيحة ويرويها عن أبان كل من محمد بن أبي عمير (ت217هـ) وحماد بن عيسى (ت209هـ) .
  أما ابن ابي عمير فيرويها عن عمر بن أذينة (ت168هـ) .
  وأما حمّاد فيرويها عن عمر بن أذينة وإبراهيم بن عمر اليماني المعاصر لابن إذينة .
  ومعنى ذلك ان أحاديث الاثني عشر التي تنتهي إلى سليم بن قيس كانت معروفة عند ثقاة الشيعة في القرن الثاني الهجري .
  ويضاف إلى ذلك :
  الحديث المعروف بحديث اللوح (1) الذي رواه الكليني في باب ما جاء في الاثني
 ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ونصه : قال جابر دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح فيه اسماء الاوصياء من ولدها فعددت اثني عشر اخرهم القائم ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي (ومراده بقوله ثلاثة منهم على أي ثلاثة من الاولاد) إذن مجموع من اسمه علي من الائمة الاثني عشر هم اربعة علي (عليه السلام) وثلاثة من ولده . وقد رواه الشيخ
 
عشر إماماً عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن ابن محبوب عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) فان سند الكليني إلى الحسن بن محبوب السراد المتوفى سنة (224 هـ) صحيح .
  ويضاف إليه أيضا الحديث الاول والثاني عند الكليني في الباب نفسه إذ لا غبار على سندهما في مقياس علم الرجال عند الشيعة .
  يضاف إلى ذلك أيضا : الرواية رقم (20) من الباب نفسه في الكافي رواها عن محمد بن يحيى واحمد بن محمد عن محمد بن الحسين عن أبي طالب عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران قال كنت أنا وأبو بصير ومحمد بن عمران مولى أبي جعفر (عليه السلام) في منزله بمكة فقال محمد بن عمران سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول «نحن اثنا عشر محدَّثاً فقال له أبو بصير سمعت من أبي عبد الله (عليه السلام) فحلفته مرة أو مرتين انه سمعه فقال أبو بصير لكني سمعته من أبي جعفر (عليه السلام) ورجال السند ثقاة ، ولا يضره واقفية عثمان بن عيسى لانه رجع وتاب عنها» .
  وقد رواها الشيخ الصدوق في اكمال الدين ص335 عن محمد بن علي بن ماجيلوية ومحمد بن موسى بن المتوكل قال حدثنا محمد بن يحيى العطار عن محمد بن الحسن الصفار عن أبي طالب عبد الله ابن الصلت القمي عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران ورواها أيضا عن محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أبي طالب ، وفيها لفظ (مهديا) بدلاً من (محدثاً) .
  وأيضاً الرواية رقم (15) من الباب نفسه في الكافي رواها عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن سعيد بن غزوان عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال «يكون تسعة أئمة من ذرية الحسين بن علي تاسعهم قائمهم» والسند صحيح .

ويتلخص من ذلك :
  ان الذي رواه الكليني والصدوق والطوسي والنعماني باسانيدهما الصحيحة إلى
 ــــــــــــــــــــــــــــ
الصدوق في الخصال عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب السراد عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) .

 
سماعة بن مهران وابن أبي عمير وحماد بن عيسى وعمر بن أذينة وإبراهيم بن عمر اليماني والحسن بن محبوب السراد و عبد الله بن الصلت القمي وأبي هاشم داود بن القاسم الجعفري تفيد ان احاديث الاثني عشر إماما كانت معروفة لدى الثقاة من الشيعة قبل ولادة المهدي (عليه السلام) بل منذ القرن الثاني الهجري .
  وهي كذلك عند السنة اذ رواها أحمد بن حنبل في مسنده وقد توفي سنة 240هـ أي قبل ولادة المهدي (عليه السلام) بخمسة عشر عاما .
  ولسنا بحاجة لابطال مقولة صاحب النشرة ومقولة الزيدية من قبل من أنَّ أحاديث الاثني عشر عند الامامية مختلقة في القرن الرابع الهجري إلى اكثر من اثبات وجودها في كتبهم أو عند وجوه رواتهم في القرن الثاني للهجرة او قبل ولادة المهدي (عليه السلام) .

 

 

 

 

الحلقة الأولى

الفصل التاسع
الاستدلال على إمامة أهل البيت (عليهم السلام) بنصوص التوراة

قوله : يلاحظ اعتماد بعض الكتاب المتأخرين على التوراة والإنجيل لتعزيز نظرية الإمامة ونظرية الاثني عشرية . . . وربما كان عبد الله بن سبأ على فرض وجوده قد أساء إلى الشيعة والتشيع بمقارنته المشهورة بين وصية النبي موسى (عليه السلام)ليوشع بن نون ووصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب حيث قدم بهذه المقارنة مادة لاتهام الشيعة باستيراد نظرياتهم من الإسرائيليات .
اقول : ان الاستدلال بالتوراة على مسألة إمامة أهل البيت (عليهم السلام) لم تكن من ابتداع المتأخرين بل هو استدلال قديم دأب علماء الشيعة على ذكره ضمن الأدلة الأخرى على الإمامة . . . وقد اخذ الشيعة الأوائل هذا المنهج عن أئمتهم (عليهم السلام)ومنهج أهل البيت (عليهم السلام) هو منهج القرآن نفسه حيث كان يستدل على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) بأدلة متنوعة منها وجود خبر بعثته في التوراة . . ثم ان المؤسس للمقارنة هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله (يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي) وقوله (الخلفاء بعدي اثنا عشر عدتهم كنقباء بني إسرائيل) .


 

 

 

نص الشبهة
  كتب صاحب النشرة مقالا يستنكر فيه الاستدلال بالتوراة على إمامة أهل البيت (عليهم السلام) وعنون المقال بمانشيت عريض يقول فيه (المنهج السبئي في البناء الفكري) ومما جاء في مقاله هذا قوله :
«يلاحظ اعتماد بعض الكتاب المتأخرين على التوراة والانجيل لتعزيز نظرية الامامة ونظرية الاثني عشرية . وقد نقل السيد مرتضى العسكري في كتاب : (معالم المدرستين) الجزء الاول ص 539 فقرة من سفر التكوين ، الاصحاح 17 ، الرقم 2018 تقول : (وإسماعيل أباركه وأثمره وأكثره جدا جدا ، اثنا عشر إماما يلد واجعله أمة كبيرة) وعلق عليها قائلا : (يتضح من هذه الفقرة ان التكثير والمباركة إنما هما في صلب إسماعيل (عليه السلام) مما يجعل القصد واضحا في الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)باعتبارهم امتدادا لنسل إسماعيل) . كما استشهد بتلك الفقرة كاتب هو : تامر مير مصطفى في كتاب له صدر تحت عنوان : (بشائر الاسفار بمحمد وآله الاطهار) عن دار التوحيد بقم سنة 1414 . وفسر الكاتب (الاثني عشر رئيسا) الذين وعد الله في التوراة إسماعيل بولادتهم منه بأن المقصود منها ليس هم أبناؤه الاثني عشر المذكورة أسماؤهم في التوراة (سفر التكوين 25 ، 13 ، 16) وإنما المقصود هم الائمة الاثنا عشر من ذرية الرسول ، وذلك بعد حساب كلمة (كثيرا جدا) بحساب الجمل واثبات ان مجموعها يعادل رقم 92 وهو مجموع كلمة (محمد) ، وقال : كما أثبتنا ان مباركة الله الاولى لاسماعيل قد تحققت بمحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فان المباركة الثانية قد تحققت بظهور اثني عشر إماما مباركا جعلهم الله خلفاء لرسوله وامتدادا طبيعيا لدعوته المباركة (المصدر ص 62) . ولا نريد هنا ان نناقش الكاتبين في مدى دلالة الفقرة الاسرائيلية على المطلوب ، أو صراحتها ، وهل تشمل (الاثنا عشر) لا تحتاج إلى كل هذا التكلف
 
والمقارنة والاستعانة بالمصادر الاسرائيلية ، ويكفي ان يتم بحثها وإثباتها عن طريق القرآن الكريم والاحاديث النبوية وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) إذا ثبتت فبها ونعمت ، وإذا لم تثبت بعض معانيها وتفاصليها فلا بد ان نقتصر على الاحاديث الصحيحة . وربما كان عبد الله بن سبأ على فرض وجوده قد أساء إلى الشيعة والتشيع بمقارنته المشهورة بين وصية النبي موسى (عليه السلام)ليوشع بن نون ووصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب حيث قدم بهذه المقارنة مادة لاتهام الشيعة باستيراد نظرياتهم من الاسرائيليات» (1) .

الرد على الشبهة
  اقول ويؤاخذ على كلامه الآنف الذكر :
أولا :
  ان الاستدلال بالتوراة على مسألة إمامة أهل البيت (عليهم السلام) لم تكن من ابتداع المتأخرين بل هو استدلال قديم دأب علماء الشيعة على ذكره ضمن الادلة الاخرى على الامامة وقد مر في الشبهة الاولى ان اقدم كتاب كلامي عند الشيعة هو ياقوت الكلام لابراهيم بن نوبخت قد ذكر ذلك كما ذكره أيضا النعماني (ت361هـ) في كتابه الغيبة وفيما يلي نص كلامه :
  قال النعماني رحمه الله «ويزيد بإذن الله تعالى هذا الباب دلالة وبرهانا وتوكيدا تجب به الحجة على كل مخالف . . ما ثبت في التوراة مما يدل على الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) ما ذكره في السفر الاول فيها من قصة إسماعيل قوله عز وجل (وقد أجبت دعاءك في إسماعيل وقد سمعتك ما باركته وسأكثره جدا جدا وسيلد اثني عشر عظيما اجعلهم أئمة كشعب عظيم) أقرأني عبد الحليم بن الحسين السمري رحمه الله ما أملاه عليه رجل من اليهود ، ثم أورد النص العبري وهو (وليشمعيل شمعتيخا هني برختي اوتو وهفرتي اوتو وهربيتي اوتو بمئد مئد شنيم عاسار نسيئم يولد ونتتيوا لغوي غادول » ، ثم فسره بما ذكره في أول كلامه .
 ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشورى العدد الثالث ص6 .

 
  ثم قال (رحمه الله) بعد ذلك : «فما بعد شهادة كتاب الله عز وجل ورواية الشيعة عن نبيِّها وأئمتها ورواية العامة من طرقها عن رجالها وشهادة الكتب المتقدمة وأهلها بصحة أمر الائمة الاثني عشر لمسترشد مرتاد طالب أو معاند جاحد من حجة تجب وبرهان يظهر وحق يلزم ان في هذا كفاية ومقنعا ومعتبرا ودليلا وبرهانا لمن هداه الله إلى نوره» (1) .
  وقد اخذ الشيعة الاوائل هذا المنهج عن أئمتهم (عليهم السلام) حين كانوا يحاجُّون أهل الكتاب ويدلونهم على مواضع ذكرهم مع الرسول (صلى الله عليه وآله) في التوراة والانجيل .
  ففي حوار الجاثليق مع الرضا (عليه السلام) : قال الرضا (عليه السلام) لنسطاس الرومي : كيف حفظك للسفر الثالث من الانجيل قال ما احفظني له ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال أتقرأ الانجيل قال : بلى لعمري ، قال فخذ على السفر الثالث فان كان فيه ذكر محمد وأهل بيته وأمته فاشهدوا لي وان لم يكن ذكره فلا تشهدوا (2)  . . .
  ومنهج أهل البيت (عليهم السلام) هو منهج القرآن نفسه حيث كان يستدل على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) بأدلة متنوعة منها وجود خبر بعثته في التوراة كقوله تعالى (أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) وقوله (يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَ الاِنْجِيلِ)وقد اجمع علماء الاسلام على الاستدلال بالتوراة والانجيل على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) في مقام الاحتجاج على أهل الكتاب وكتبوا بذلك عشرات الكتب .
  وإذا كان الله تعالى قد أكرم أهل البيت (عليهم السلام) بان ذكرهم في كتبه الاولى جنباً إلى جنب مع رسوله المكي الموعود فما وجه الغرابة ان يستدل بذلك على إمامتهم ؟
  والذي ينعم النظر في عدد من نصوص البشارة بمحمد (صلى الله عليه وآله) في الكتب السابقة يجد فيها النبي مقرونا بأهل بيته وليس من شك ان الفقرة (20) من الاصحاح (17) من سفر التكوين (3) هي اشهر نص وأوضحه في الحديث عن النبي وأهل بيته وعددهم ، وكان يدركها علماء اليهود بوضوح وكانوا حين ينشرح صدرهم للاسلام يختارون الائتمام بأهل البيت (عليهم السلام) سواء في زمانهم أو في عصر الغيبة .
 ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الغيبة للنعماني /109-110 .
(2) كتاب التوحيد للصدوق /314 .
(3) بحثنا هذا النص بشكل مفصل في مقال نشر في مجلة ميقات الحج العدد الاول .

 
  قال ابن تيمية في تعليقه على حديث الاثني عشر : «وهؤلاء المبشر بهم في حديث جابر بن سمرة وقرر انهم يكونون مفرقين في الامة ولا تقوم الساعة حتى يوجدوا ، و (قد) غلط كثير ممن تشرف بالاسلام من اليهود فظنوا انهم الذين تدعوا إليهم فرقة الرافضة فاتبعوهم» (1) .
  وكلامه وان كان سلبياً من ناحية تطبيق النص على أهل البيت (عليهم السلام) ولكنه من ناحية أخرى يؤكد ما ذكره النعماني وما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) من وجود نصوص في أمر أهل البيت (عليهم السلام) كما هو الحال في خاتم الانبياء (صلى الله عليه وآله) .
  وقد فات ابن تيمية ونظراءه ان علماء اليهود الذين أسلموا وتشيعوا لاهل البيت (عليهم السلام) كانوا قد وجدوا أنفسهم أمام ظاهرة من النصوص التوراتية بعضها يعضد بعضاً باتجاه أهل البيت (عليهم السلام) دون غيرهم (2) .

ثانيا :
  قوله : (وربما كان ابن سبأ على فرض وجوده قد أساء إلى التشيع بمقارنته بين وصية النبي موسى ليوشع ووصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله) لعلي) ...
  أقول :
  ان المؤسس للمقارنة بين الوصيتين هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله «يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي» وهو حديث صحيح مروي في الكتب المعتبرة عند السنة فضلاً عن الشيعة (3) .
  و بقوله (صلى الله عليه وآله) لسلمان لما سأله يا رسول الله لكل نبي وصي فمن وصيك فسكت عنه ثم بعد ذلك دعاه فقال ياسلمان تعلم من وصي موسى قال سلمان قلت نعم يوشع بن نون ، قال ولم قلت لانه كان أعلمهم ، قال : «فان وصيي وموضع سري وخير من اترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن ابي طالب» (4) .
 ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البداية والنهاية ج6/250 .
(2) وقد قمنا بدراسة تفصيلية لهذه النصوص نرجوا ان نوفق لنشرهافي فرصة قريبة .
(3) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما واحمد بن حنبل في مسنده وغيرهم .
(4) المعجم الكبير للطبراني ج6/221/رقم 6063 . قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا ابراهيم بن
 
  وبقوله (صلى الله عليه وآله) : الخلفاء بعدي اثنا عشر عدتهم كنقباء بني إسرائيل .
وكذلك قوله (صلى الله عليه وآله) في الحسن والحسين إني سميتهما باسم شبر وشبير ولدي هارون .
  فهل يقال في حق النبي (صلى الله عليه وآله) انه قدَّم مادة لاتهام الاسلام باستيراد نظرياته من الاسرائيليات ؟
  وقبل ذلك فان القرآن الكريم هو المؤسس لهذه المقارنة وغارس بذرتها ، حين ضرب الامثال للاخِرين بما جرى على الاولين ، وقد عني عناية خاصة بقصص بني إسرائيل للتشابه الكبير بينها وبين نظيراتها في بني إسماعيل بعد بعثة محمد (صلى الله عليه وآله) إلى آخر الدنيا . وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) : كل ما كان في الامم السالفة فإنه يكون في هذه الامة مثله حذو النعل بالنعل والقُذَّة بالقذة (1) وفي رواية «لتركبن سنن من كان قبلكم حلوَها ومرَّها» (2) .
 ــــــــــــــــــــــــــــ
الحسن الثعلبي حدثنا يحيى بن يعلى عن ناصح بن عبد الله عن سماك بن حرب عن ابي سعيد الخدري عن سلمان . وقد علق الطبراني على الحديث بقوله (قوله وصيي يعني انه اوصاه في اهله لا بالخلافة وقوله خير من اترك بعدي يعني من اهل بيته (ص» وجاء بهامشه كلام محقق الكتاب حمدي السلفي يخاطب الطبراني (من اين لك هذا يا ابا القاسم (يريد الطبراني) والحديث ليس بصحيح ولو كان صحيحا لم يقبل التأويل وهو بمعنى الخلافة لا كما قلت انت ، قال ابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد وفي اسناده ناصح بن عبد الله وهو متروك) . أقول : انما تركوا حديث ناصح لاجل حديثه الانف الذكر لما علموا من دلالته الصريحة ولما رواه اسماعيل بن ابان عنه عن سماك عن جابر قال قالوا يا رسول الله من يحمل رايتك يوم القيامة قال من عسى ان يحملها الا من حملها في الدنيا . (رواه الذهبي في ميزان الاعتدال بترجمة ناصح) . وقد قال عنه الذهبي في ترجمته انه كان من العابدين ذكره الحسن بن صالح فقال رجل صالح نعم الرجل . وقد روى حديث سلمان هذا ايضا سبط بن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص ورواه أيضا المحب الطبري في الرياض النضرة ج2/178 .
(1) اكمال الدين للصدوق /576 (والقذة ريش السهم) .
(2) فتح الباري 17/64 ، مسند احمد 3/94 ، ج2/327 ، 367 ، 450 ، 511 ، 527 ، ج3/94ج4/125 ، ج5/218 ، 340 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السؤال: أُريد ترجمة المغيرة بن شعبة مع المصادر .
السؤال: نشكركم على جهودكم في إفادة الناس ...
سؤال: لماذا يستخدم القرآن الكريم في بعض الآيات ...
ما معنى « كلمة اللّه‏ » في قوله تعالى : « ...
هل يشترط اتّحاد الاُفق؟
السؤال : ما معنى : " علي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر ...
السؤال : يقول مخالفوا أهل البيت : بأنّ الشيعة ...
السؤال : سادتي الأفاضل كيف يمكننا الجمع بين ما ...
السؤال: ما الفرق بين الأُصول والعقيدة والشريعة
السؤال : ما الأدلّة على عصمة أهل البيت (عليهم ...

 
user comment