عربي
Saturday 27th of April 2024
0
نفر 0

السلام علیک یا زینب الکبری

السلام علیک یا زینب الکبری

ميلادها
كانت ولادة الميمونة الطاهرة ، والدرة الفاخرة ، في اليوم الخامس من شهر جمادى الاولى ، في السنة الخامسة - أو السادسة للهجرة - على ما حققه بعض الافاضل . وقيل في غرة شعبان في السنة السادسة .

 

وعن الحافظ جلال الدين السيوطي في رسالته الزينبية : ولدت في حياة جدها رسول الله ( ص ) وكانت لبيبة جزلة عاقلة لها قوة جنان ، فإن الحسن ( ع ) ولد قبل وفاة جده بثمان سنين ، والحسين ( ع ) بسبع سنين وزينب الكبرى بخمس سنين انتهى كلامه .

 

ولما ولدت ( ع ) : جاءت بها أمها الزهراء إلى أبيها أمير المؤمنين ( ع ) وقالت له : سم هذه المولودة ؟ فقال ( ع ) ما كنت لاسبق رسول الله ( ص ) وكان في سفر له ، ولما جاء النبي ( ص ) وسأله عن اسمها فقال : ما كنت لاسبق ربي تعالى ،

 

فهبط جبرائيل يقرأ على النبي ( ص ) السلام من الله الجليل وقال له : سم هذه المولودة ( زينب ) فقد اختار الله لها هذا الاسم ، ثم أخبره بما يجري عليها من المصائب ، فبكى النبي ( ص ) وقال : من بكى على مصاب هذه البنت كان كمن بكى على أخويها الحسن والحسين ( ع )

 

وتكنى : بأم كلثوم ، وأم الحسن

 

ألقابها (عليه السلام):

1 - عالمة غير معلمة.

2 - فهمة غير مفهمة.

3 - كعبة الرزايا.

4 - نائبة الزهراء.

5 - نائبة الحسين.

6 - مليكة الدنيا.

7 - عقيلة النساء.

8 - عديلة الخامس من أهل الكساء.

9 - شريكة الشهيد.

10 - كفيلة السجاد.

11 - ناموس رواق العظمة.

12 - سيدة العقائل.

13 - سر أبيها.

14 - سلالة الولاية.

15 - وليدة الفصاحة.

16 - شقيقة الحسن.

17 - عقيلة خدر الرسالة.

18 - رضيعة ثدي الولاية.

19 - البليغة.

20 - الفصيحة.

21 - الصديقة الصغرى.

22 - الموثقة.

23 - عقيلة الطالبيين.

24 - الفاضلة.

25 - الكاملة.

26 - عابدة آل علي.

27 - عقيلة الوحي.

28 - شمسة قلادة الجلالة.

29 - نجمة سماء النبالة.

30 - المعصومة الصغرى.

31 - قرينة النوائب.

32 - محبوبة المصطفى.

33 - قرة عين المرتضى.

34 - صابرة محتسبة.

35 - عقيلة النبوة.

36 - ربة خدر القدس.

37 - قبلة المرتضى.

38 - رضيعة الوحي.

39 - باب حطة الخطايا.

40 - حفرة علي وفاطمة.

41 - ربيبة الفضل.

42 - بطلة كربلاء.

43 - عظيمة بلواها.

44 - عقيلة القريش.

45 - الباكية.

46 - سليلة الزهراء.

47 - أمينة الله.

48 - آية من آيات الله.

49 - مظلومة وحيدة.

50 - بالصديقة الصغرى

 

نشأتها

ولقد كانت نشأة هذه الطاهرة الكريمة وتربية تلك الدرة اليتيمة في حضن النبوة ، ودرجت في بيت الرسالة ، رضعت لبان الوحي من ثدي الزهراء البتول ، وغذيت بغداء الكرامة من كف ابن عم الرسول ( ص ) فنشأت نشأة قدسية وربيت تربية

 

روحانية متجلببة جلابيب الجلال والعظمة ، متردية رداء العفاف والحشمة ، فالخمسة أصحاب العباء ( ع ) هم الذين قاموا بتربيتها وتثقيفها وتهذيبها ، وكفى بهم مؤدبين ومعلمين . ولما غربت شمس الرسالة ، وغابت الانوار الفاطمية ، وتزوج

 

أمير المؤمنين ( ع ) بإمامة بنت أبي العاص وأمها زينب بنت رسول الله ( ص ) بوصية من الزهراء ( ع ) إذ قالت : وأوصيك أن تتزوج بأمامة بنت أختي زينب ، تكون لولدي مثلي فقامت أمامة بشؤون زينب خير قيام كما كانت تقوم بشؤون

 

بقية ولد فاطمة ( ع ) ، وكانت أمامة هذه من النساء الصالحات القانتات العابدات ، وكانت زينب ( ع ) تأخذ التربية الصالحة والتأديب القويم من والدها الكرار وأخويها الكريمين الحسن والحسين ( ع ) إلى أن بلغت من العلم والفضل والكمال مبلغا عظيما .

 

 

ولما بلغت صلوات الله عليها مبلغ النساء ، ودخلت من دور الطفولة إلى دور الشباب ، خطبها الاشراف من العرب ورؤساء القبائل ، فكان أمير المؤمنين ( ع ) يردهم ولم يجب أحدا منهم في أمر زواجها ، وممن خطبها الاشعث بن قيس وكان من

 

ملوك كندة على ما في الاصابة ، فزبره أمير المؤمنين ( ع ) وقال : يا ابن الحائك أغرك ابن قحافة زوجك أخته - والحائك هنا المحتال والكذاب - وكان أبو بكر زوج أخته أم فروة بنت أبي قحافة من الاشعث ، وذلك أن الاشعث ارتد فيمن ارتد من الكنديين وأسر ، فأحضر

 

إلى أبي بكر فأسلم وأطلقه وزوجه أخته المذكورة ، فأولدها محمد بن الاشعث وهو أحد قتلة الحسين ( ع ) ، ثم أن الذي كان يدور في خلد أمير المؤمنين ( ع ) أن يزوج بناته من أبناء إخوته ليس إلا امتثالا لقول النبي ( ص ) حين نظر إلى أولاد

 

علي ( ع ) وجعفر وقال : بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا ، ولذلك دعا بابن أخيه عبد الله بن جعفر وشرفه بتزويج تلك الحوراء الانسية إياه على صداق أمها فاطمة أربعمائة وثمانين درهما ، ووهبها إياه من خالص ماله ( ع ) .

 

 

وذكر بعض حملة الآثار أن أمير المؤمنين ( ع ) لما زوج ابنته من ابن أخيه عبد الله بن جعفر اشترط عليه في ضمن العقد أن لا يمنعها متى أرادت السفر مع أخيها الحسين ، وكان عبد الله بن جعفر أول مولود في الاسلام بأرض الحبشة ، وكان ممن صحب رسول الله ( ص ) وحفظ حديثه ثم لازم أمير المؤمنين ( ع ) والحسين ( ع ) وأخذ منهم العلم الكثير .

 

 

قال في الاستيعاب : وكان كريما ، جوادا ، ظريفا ، خليقا ، عفيفا ، سخيا ، وأخبار عبد الله بن جعفر في الكرم كثيرة ، وكان يدعوه النبي ( ص ) من أيسر بني هاشم وأغناهم ، وله في المدينة وغيرها قرى وضياع ومتاجرة عدا ما كانت تصله من

 

الخلفاء من الاموال ، وكان بيته محط آمال المحتاجين ، وكان لا يرد سائلا قصده ، وكان يبدأ الفقير بالعطاء قبل أن يسأله فسئل عن ذلك فقال : لا أحب أن يريق ماء وجهه بالسؤال ، حتى قال فقراء المدينة بعد موته : ما كنا نعرف السؤال حتى مات عبد الله بن جعفر ، فيحق له أن يتمثل بقول الشاعر :

 

[ نحن أناس نوالهم خضل * يرتع فيه الرجاء والامل ]

[ تجود قبل السؤال أنفسنا * خوفا على ماء وجه من يسل ]

 

 

ولا زالت الصديقة زينب الكبرى سلام الله عليها في بيت زوجها عبد الله بن جعفر الجواد ، وهو من علمت ثروته ، ويساره ، وكثرة أمواله ،

 

وخدمه ، وحشمه يوم ذاك كانت تخدمها العبيد والاماء والاحرار ، ويطوف حول بيتها الهلاك من ذوي الحوائج وطالبي الاستجداء ، وكان بيتها الرفيع وحرمها المنيع لا يضاهيه في العز والشرف وبعد الصيت إلا بيوت الخلفاء والملوك .

 

وقد ولدت لعبدالله بن جعفر كما في الجزء الثاني من تاريخ الخميس عليا وعونا الاكبر وعباسا وأم كلثوم ، وذكر النوري في تهذيب الاسماء واللغات جعفرا الاكبر ، وذكر السبط بن الجوزي في تذكرة الخواص محمدا ، فأما العباس وجعفر ومحمد فلم

 

نقف لهم على أثر ولا ذكرهم النسابة من المعقبين ، وأما علي وهو المعروف بالزينبي ففيه الكثرة والعدد ، وفي ذريته الذيل الطويل والسلالة الباقية . وأما عون الاكبر فهو من شهداء الطف ، قتل في جملة آل أبي طالب ، وهو مدفون مع آل أبي

 

طالب في الحفيرة مما يلي رجلي الحسين ( ع ) ،

 

وتوفي عبد الله بن جعفر رضي الله عنه في المدينة المنورة سنة ثمانين من الهجرة النبوية عام الحجاف - وهو سيل كان ببطن مكة حجف بالناس فذهب بالحاج والجمال بأحمالها وذلك في خلافة عبد الله بن عبد الملك بن مروان - وصلى عليه السجاد

 

أو الباقر ( ع ) كان أمير المدينة يومئذ أبان بن عثمان ، وخرجت الولائد خلف سريره قد شققن الجيوب والناس يزدحمون على سريره ، وممن حمل السرير أبان بن عثمان وما فارقه حتى وضعه بالبقيع ودموعه تسيل وهو يقول : كنت والله شريفا واصلا برا ،

 

قال هشام المخزومي : أجمع أهل الحجاز وأهل البصرة وأهل الكوفة على أنهم لم يسمعوا ببيتين أحسن من بيتين رأوهما على قبر عبد الله بن جعفر وهما :

[ مقيم إلى أن يبعث الله خلقه * لقاؤك لا يرجى وأنت قريب ]

[ تزيد بلى في كل يوم وليلة * وتنسى كما تبلى وأنت حبيب ]

 

ذريتها

لما نشأت زينب (عليها السلام) زوجها أبوها من ابن أخيه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فولدت له محمدا المكنى جعفرا الأكبر على ما ذكره مصعب وابن قتيبة وغيرهما (انقرض) وعونا الأكبر (مات في حياة أبيه) وكان يجد وجدا شديداً وحزن عليه حزناً عرق فيه. ثم استبصر بعد ورجع. وعلياً الأكبر (وفيه البيت والعدد) وأم كلثوم زوجها الحسن بن علي بن ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر فولدت له بنتا اسمها فاطمة ثم مات القاسم عن أم كلثوم فتزوجها الحجاج بن يوسف الثقفي وهو يومئذ أمير على مكة والمدينة فكتب إليه عبد الملك بن مروان بأن يفارقها فطلقها فتزوجها أبان بن عثمان (وأم عبد الله) لم تتزوج هذا قول مصعب في ولد عبد الله بن جعفر من السيدة زينب صاحبة الترجمة. زاد السيوطي في رسالته عباسا تبعا لابن قتيبة وأسقط أم عبد الله وأبدل بمحمد جعفرا فلعله ذكره باسمه ولم يذكره بكنيته.

 

شرفها، وعلمها ، وعبادتها ، وزهدها

 

أما شرفها ( ع ) : فهو الشرف الباذخ الذي لا يفوقه شرف ، فإنها من ذرية سيد الكائنات وأشرف المخلوقات محمد بن عبد الله ( ص ) ، قال رسول الله ( ص ) : كل بني أم ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم ،

 

وعنه ( ص ) : أن الله عزوجل جعل ذرية كل نبي في صلبه ، وأن الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب ( ع ) . فهذا الشرف الحاصل لزينب ( ع ) شرف لا مزيد عليه ، فإذا ضممنا إلى ذلك أن أباها علي المرتضى وأمها فاطمة

 

الزهراء ، وجدتها خديجة الكبرى ، وعمها جعفر الطيار في الجنة وعمتها أم هانئ بنت أبي طالب ، وأخواها سيدا شباب أهل الجنة ، وأخوالها وخالاتها أبناء رسول الله ( ص ) وبناته ، فماذا يكون هذا الشرف وإلى أين ينتهي شأوه ويبلغ مداه ، وإذا

 

ضممنا إلى ذلك أيضا علمها وفضلها وتقواها وكمالها وزهدها وورعها وكثرة عبادتها ومعرفتها بالله تعالى ، كان شرفها شرفا خاصا بها وبأمثالها من أهل بيتها ومما زاد في شرفها ومجدها أن الخمسة الاطهار أهل العباء ( ع ) كانوا يحبونها حبا شديدا .

 

 

وحدث يحيى المازني قال : كنت في جوار أمير المؤمنين في المدينة مدة مديدة ، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته ، فلا والله ما رأيت لها

 

شخصا ولا سمعت لها صوتا ، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله تخرج ليلا والحسن عن يمينها والحسين عن شمالها وأمير المؤمنين ( ع ) أمامها ، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين ( ع ) فأخمد ضوء القناديل ، فسأله الحسن ( ع ) مرة عن ذلك فقال ( ع ) : أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب .

 

وورد عن بعض المطلعين أن الحسن ( ع ) لما وضع الطشت بين يديه وصار يقذف كبده وسمع بأن أخته زينب تريد الدخول عليه أمر وهو في تلك الحال برفع الطشت إشفاقا عليها ، وجاء في بعض الاخبار أن الحسين ( ع ) كان إذا زارته زينب يقوم إجلالا لها وكان يجلسها في مكانه ، ولعمري إن هذه منزلة عظيمة لزينب ( ع ) وأخيها الحسين ( ع ) .

 

 

كما أنها كانت أمينة أبيها على الهدايا الالهية . ففي حديث مقتل أمير المؤمنين ( ع ) الذي نقله المجلسي في تاسع البحار نادى الحسن ( ع ) أخته زينب أم كلثوم : هلمي بحنوط جدي رسول الله ( ص ) فبادرت زينب مسرعة حتى أتت به ، فلما فتحته فاحت الدار وجميع الكوفة وشوارعها لشدة رائحة ذلك الطيب ،

 

وقال الفاضل الاديب حسن قاسم في كتابه ( السيدة زينب السيدة الماهرة الزكية ) ، زينب بنت الامام علي بن أبي طالب ( ع ) ابن عم الرسول ( ص ) وشقيقة ريحانتيه لها أشرف نسب وأجل حسب وأكمل نفس وأطهر قلب ، فكأنها صيغت في

 

قالب ضمخ بعطر الفضائل ، فالمستجلي آثارها يتمثل أمام عينيه رمز الحق رمز الفضيلة رمز الشجاعة رمز المروءة ، فصاحة اللسان قوة الجنان مثال الزهد والورع ، مثال العفاف والشهامة ان في ذلك لعبرة .

 

 

وقال أيضا فإن عد في النساء الشهيرات فالسيدة أولاهن وإذا عدت الفضائل فضيلة فضيلة من وفاء وسخاء وصدق وصفاء وشجاعة وإباء وعلم وعبادة وعفة وزهادة فزينب أقوى مثال للفضيلة بكل مظاهرها .

 

 

وقال العلامة السيد جعفر آل بحر العلوم الطباطبائي في كتابه ( تحفة العالم )

 

المطبوع بالنجف زينب الكبرى زوجة عبد الله بن جعفر تكنى أم الحسن ، ويكفي في جلالة قدرها ونبالة شأنها ما ورد في بعض الاخبار من أنها دخلت على الحسين ( ع ) وكان يقرأ القرآن ، فوضع القرآن على الارض وقام إجلالا لها .

 

وقال محمد علي المصري في رسالته التي طبعها بمصر السيدة زينب رضي الله عنها : هي بنت سيدي الامام علي كرم الله وجهه ، وبنت السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله ( ص ) ، وهي من أجل أهل البيت حسبا وأعلاهم نسبا ، خيرة السيدات

 

الطاهرات ، ومن فضيلات النساء وجليلات العقائل التي فاقت الفوارس في الشجاعة ، واتخذت طول حياتها تقوى الله بضاعة ، وكان لسانها الرطب بذكر الله على الظالمين غصبا ولاهل الحق عينا معينا ، كريمة الدارين وشقيقة الحسنين ، بنت البتول

 

الزهراء التي فضلها الله على النساء ، وجعلها عند أهل العزم أم العزائم وعند أهل الجود والكرم أم هاشم ، إلى أن قال ولدت رضي الله عنها سنة خمس من الهجرة النبوية قبل وفاة جدها ( ص ) بخمس سنين فسر بمولدها أهل بيت النبوة أجمعون ،

 

ونشأت نشأة حسنة كاملة فاضلة عالمة ، من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وكانت على جانب عظيم من الحلم والعلم ومكارم الاخلاق ، ذات فصاحة وبلاغة تفيض من يدها عيون الجود والكرم . وقد جمعت بين جمال الطلعة وجمال

 

الطوية حتى أنها اشتهرت في بيت النبوة ولقبت بصاحبة الشورى ، وكفاها فخرا أنها فرع من شجرة أهل بيت النبوة الذين مدحهم الله تعالى في كتابه العزيز .

 

علمها

 

وأما علمها ( ع ) ، فهو البحر لا ينزف فإنها سلام الله عليها هي المترباة في مدينة العلم النبوي ، المعتكفة بعده ببابها العلوي ، المتغداة بلبانه من أمها الصديقة الطاهرة سلام الله عليها ، وقد طوت عمرا من الدهر مع الامامين السبطين يزقانها العلم زقا فهي [ اغترفت ] من عباب علم

 

آل محمد ( ع ) وعباب فضائلهم الذي اعترف [ به ] عدوهم الالد يزيد الطاغية بقوله في الامام السجاد ( ع ) : أنه من أهل بيت زقوا العلم زقا ،

 

وقد نص لها بهذه الكلمة ابن أخيها علي بن الحسين ( ع ) : أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة ، يريد ( ع ) أن مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرفيع أفيض عليها إلهاما لا يتخرج على أستاذ أو أخذ عن مشيخة ، وإن كان

 

الحصول على تلك القوة الربانية بسبب تهذيبات جدها وأبيها وأمها وأخويها أو لمحض انتمائها ( ع ) إليهم واتحادها معهم في الطينة المكهربين لذاتها القدسية ، فازيحت عنها بذلك الموانع المادية وبقي مقتضى اللطف الفياض وحده وإذ كان لا يتطرقه

 

البخل بتمام معانيه عادت العلة لافاضة العلم كله عليها بقدر استعدادها تامة فافيض عليها بأجمعه إلا ما اختص به ائمة الدين ( ع ) من العلم المخصوص بمقامهم الاسمى ، على أن هناك مرتبة سامية لا ينالها إلا ذو حظ عظيم وهي الرتبة الحاصلة

 

من الرياضات الشرعية والعبادات الجامعة لشرائط الحقيقة لا محض الظاهر الموفي لمقام الصحة والاجزاء ، فإن لها من الآثار الكشفية ما لا نهاية لامدها ،

 

 

وفي الحديث : من أخلص لله تعالى أربعين صباحا انفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ، ولا شك أن زينب الطاهرة قد أخلصت لله كل عمرها فماذا تحسب أن يكون المنفجر من قلبها على لسانها من ينابيع الحكمة .

 

 

ويظهر من الفاضل الدربندي وغيره أنها ( ع ) كانت تعلم علم المنايا والبلايا ، كجملة من أصحاب أمير المؤمنين ( ع ) ، منهم ميثم التمار ورشيد الهجري وغيرهما ، بل جزم في أسراره أنها صلوات الله عليها أفضل من مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وغيرهما من فضليات النساء ،

 

وذكر ( قدس سره ) عند كلام السجاد ( ع ) لها : يا عمة أنت بحمد الله عالمة غير معلمة ، وفهمة غير مفهمة . إن هذا الكلام حجة على أن زينب بنت أمير المؤمنين ( ع ) كانت محدثة أي ملهمة ، وأن علمها كان من العلوم اللدنية والآثار الباطنية .

 

ومن نظر في كتاب أسرار الشهادة رأى فيه من الادلة والتحقيقات في حق زينب ( صلوات الله عليها ) ما هو أكثر مما ذكرناه .

 

وفي ( الطراز المذهب ) أن شؤنات زينب الباطنية ومقاماتها المعنوية كما قيل فيها أن فضائلها وفواضلها ، وخصالها ، وجلالها ، وعلمها ، وعملها ، وعصمتها ، وعفتها ، ونورها ، وضياءها ، وشرفها ، وبهاءها ، تالية أمها وثانيتها ،

 

 

وقال ابن عنبة في ( أنساب الطالبين ) زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ( ع ) كنيتها أم الحسن ، تروي عن أمها فاطمة الزهراء بنت رسول الله ( ص ) وقد أمتازت بمحاسنها الكثيرة وأوصافها الجليلة وخصالها الحميدة وشيمها السعيدة ومفاخرها البارزة وفضائلها الطاهرة .

 

 

وقال العلامة الفاضل السيد نور الدين الجزائري في كتابه الفارسي المسمى ب‍ ( الخصائص الزينبية ) ما ترجمته عن بعض الكتب : أن زينب كان لها مجلس في بيتها أيام إقامة أبيها ( ع ) في الكوفة ، وكانت تفسر القرآن للنساء ، ففي بعض الايام

 

كانت تفسر ( كهيعص ) للنساء إذ دخل أمير المؤمنين ( ع ) ، فقال لها : يا نور عيني سمعتك تفسيرين ( كهيعص ) للنساء ، فقالت : نعم فقال ( ع ) : هذا رمز لمصيبة تصيبكم عترة رسول الله ( ص ) ثم شرح لها المصائب فبكت بكاء عاليا صلوات

 

الله عليها . وفي كتاب ( بلاغات النساء ) لابي الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور قال : حدثني أحمد بن جعفر سليمان الهاشمي قال : كانت زينب بنت علي ( ع ) تقول : من أراد أن لا يكون الخلق شفعاؤه إلى الله فليحمده ، ألم تسمع إلى قولهم

 

سمع الله لمن حمده فخف الله لقدرته عليك واستح منه لقربه منك . وقال الطبرسي أن زينب روت أخبارا كثيرة عن أمها الزهراء ( ع ) . وعن عماد المحدثين أن زينب الكبرى كانت تروي عن أمها وأبيها

 

وأخويها وعن أم مسلمة وأم هانئ وغيرهما من النساء ، وممن روى عنها ابن عباس وعلي بن الحسين ( ع ) وعبد الله بن جعفر وفاطمة بنت الحسين ( ع ) الصغرى وغيرهم .

 

 

وفي ( مقاتل الطالبيين ) لابي الفرج الاصبهاني : زينب العقيلة بنت علي بن أبي طالب ( ع ) وأمها فاطمة بنت رسول الله ( ص ) ، والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة ( ع ) في فدك فقال : حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي ( ع ) .

 

وقال الفاضل العلامة الاجل المولى محمد حسن القزويني في كتابه المسمى ب‍ ( رياض الاحزان وحدائق الاشجان ) : يستفاد من آثار أهل البيت جلالة شأن زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ( ع ) ووقارها وقرارها بما لا مزيد عليه ، حتى أوصى

 

إليها أخوها ما أوصى قبل شهادته ، وأنها من كمال معرفتها ووفور علمها وحسن أعراقها وطيب أخلاقها كانت تشبه أمها سيدة النساء فاطمة الزهراء في جميع ذلك والخفارة والحياء ، وأباها ( ع ) في قوة القلب في الشدة والثبات عند النائبات

 

والصبر على الملمات والشجاعة الموروثة من صفاتها والمهابة المأثورة من سماتها ، وقد يستند في جميع ما ذكرناه إلى ما رواه في ( كامل الزيارات ) من موعظتها لابن أخيها الامام السجاد زين العابدين ( ع ) حين المرور بمصارع الشهداء ،

 

ثم ساق حديث أم أيمن الآتي ذكره ، وعن الصدوق محمد بن بابويه طاب ثراه : كانت زينب ( ع ) لها نيابة خاصة عن الحسين ( ع ) وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدين ( ع ) من مرضه .

 

عبادتها

 

فهي تالية أمها الزهراء ( ع ) وكانت تقضي عامة لياليها بالتهجد وتلاوة القرآن ، ففي ( مثير الاحزان ) للعلامة الشيخ شريف الجواهري ( قدس سره ) : قالت فاطمة بنت الحسين ( ع ) وأما عمتي زينب فإنها لم تزل قائمة في تلك الليلة أي العاشرة من المحرم في محرابها ، تستغيث إلى ربها ،

 

فما هدأت لنا عين ولا سكنت لنا رنة .

 

وعن الفاضل النائيني البرجردي : أن الحسين لما ودع أخته زينب وداعه الاخير قال لها : يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل ، وهذا الخبر رواه هذا الفاضل عن بعض المقاتل المعتبرة .

 

 

وقال بعض ذوي الفضل : أنها ( صلوات الله عليها ) ما تركت تهجدها لله تعالى طول دهرها حتى ليلة الحادي عشر من المحرم .

 

وروي عن زين العابدين ( ع ) أنه قال : رأيتها تلك الليلة تصلي من جلوس ،

 

وروى بعض المتبقين عن الامام زين العابدين ( ع ) أنه قال : إن عمتي زينب كانت تؤدي صلواتها من الفرائض والنوافل عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام من قيام ، وفي بعض المنازل كانت تصلي من جلوس فسألتها عن سبب ذلك فقالت :

 

أصلي من جلوس لشدة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال ، لانها كانت تقسم ما يصيبها من الطعام على الاطفال لان القوم كانوا يدفعون لكل واحد منا رغيفا واحدا من الخبز في اليوم والليلة .

 

 

وعن الفاضل النائيني البرجردي المتقدم ذكره عن بعض المقاتل المعتبرة عن مولانا السجاد ( ع ) أنه قال : إن عمتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تركت [ تهجدها ] لليلة انتهى كلامه .

 

 

فإذا تأمل المتأمل إلى ما كانت عليه هذه الطاهرة من العبادة لله تعالى والانقطاع إليه، يكاد يتيقن بعصمتها ( صلوات الله عليها ) وأنها كانت من القانتات اللواتي وقفن حركاتهن وسكناتهن وأنفاسهن للباري تعالى ، وبذلك حصلن على المنازل الرفيعة

 

والدرجات العالية التي حكت رفعتها منازل المرسلين ودرجات الاوصياء ( عليهم الصلاة والسلام ) .

 

وأما زهدها ( ع ) : فيكفي في إثباته ما روي عن الامام السجاد من أنها ( ع ) ما أدخرت شيئا من يومها لغدها أبدا .

 

وفي كتاب ( جنات الخلود ) ما معناه : وكانت زينب الكبرى في البلاغة ، والزهد ، والتدبير ، والشجاعة ، قرينة أبيها وأمها ، فإن انتظام أمور أهل البيت بل الهاشميين بعد شهادة الحسين ( ع ) كان برأيها وتدبيرها . وعن النيسابوري في رسالته العلوية : كانت زينب بنت علي في فصاحتها وبلاغتها وزهدها وعبادتها كأبيها المرتضى ( ع ) ، وأمها الزهراء ( ع ) .

 

 

ولله درالمؤلف النقدي حيث يقول :

 

[ عقيلة أهل بيت الوحي بنت * الوصي المرتضى مولى الموالي ]

[ شقيقة سبطي المختار من قد * سمت شرفا على هام الهلال ]

 

[ حكت خير الانام علا وفخرا * وحيدر في الفصيح من المقال ]

[ وفاطم عفة وتقى ومجدا * وأخلاقا وفي كرم الخلال ]

 

[ ربيبة عصمة طهرت وطابت * وفاقت في الصفات وفي الفعال ]

[ فكانت كالائمة في هداها * وإنقاذ الانام من الضلال ]

 

[ وكان جهادها بالليل أمضى * من البيض الصوارم والنصال ]

[ وكانت في المصلى إذ تناجي * وتدعو الله بالدمع المذال ]

 

[ ملائكة السماء على دعاها * تؤمن في خضوع وابتهال ]

[ روت عن أمها الزهراء علوما * بها وصلت إلى حد الكمال ]

 

[ مقاما لم يكن تحتاج فيه * إلى تعليم علم أو سؤال ]

[ ونالت رتبة في الفخر عنها * تأخرت الاواخر والاوالي ]

 

[ فلولا أمها الزهراء سادت * نساء العالمين بلا جدال ]

 

أسفارها

السفر الاول ( من المدينة إلى الكوفة مع أبيها أمير المؤمنين ( ع ) ) لما هاجر إليها سافرت ( ع ) هذا السفر وهي في غاية العز ونهاية الجلالة والاحتشام ، يسير بها موكب فخم رهيب من مواكب المعالي والمجد ، ومحفوف بأبهة الخلافة ،

 

محاط بهيبة النبوة ، مشتمل على السكينة والوقار ، فيه أبوها الكرار أمير المؤمنين ( ع ) وإخوتها الحسنان سيدا شباب أهل الجنة ، وحامل الراية العظمى محمد بن الحنفية ، وقمر بني هاشم العباس بن علي ( ع ) ، وزوجها الجواد عبد الله بن جعفر

 

وأبناء عمومتها عبد الله بن عباس وعبيد الله واخوتهما وبقية أبناء جعفر الطيار وعقيل بن أبي طالب وغيرهم من فتيان بني هاشم ، وأتباعهم من رؤساء القبائل وسادات العرب مدججين بالسلاح غاصين في الحديد ، والرايات ترفرف على رؤوسهم وتخفق على هاماتهم وهي في غبطة وفرح وسرور .

 

السفر الثاني ( من الكوفة إلى المدينة مع أخيها الحسن ( ع ) بعد صلحه مع معاوية ) سافرت ( ع ) هذا السفر وهي أيضا في موكب فخم في غاية العز والدلال والعظمة والاجلال ، تحوطها الابطال من إخوتها وبني هاشم الكرام ، حتى وصلت إلى حرم جدها الرسول الاكرم ( ص ) ، ومسقط رأسها المدينة المنورة محترمة موقرة .

 

السفر الثالث (من المدينة إلى كربلاء مع أخيها الحسين ويشتمل هذا السفر على نبذة من مصائبها وصبرها وإخلاصها وثابتها) لما عزم الحسين ( ع ) على السفر من الحجاز إلى العراق ، استأذنت زينب زوجها عبد الله بن جعفر أن تصاحب أخاها

 

الحسين ( ع ) ، مضافا إلى ما عرفت سابقا من اشتراط أمير المؤمنين ( ع ) عليه في ضمن عقد النكاح أن لا يمنعها متى أرادت السفر مع أخيها الحسين ( ع ) ، فأذن لها وأمر ابنيه عونا ومحمدا بالمسير مع الحسين ( ع ) ، والملازمة في خدمته

 

والجهاد دونه ، فسافرت ( ع ) في ذلك الموكب الحسيني المهيب ، في عز وجلال وحشمة ووقار ، تحملها المحامل المزركشة المزينة بالحرير والديباج ، قد فرشت بالفرش الممهدة ووسدت بالوسائد المنضدة ، تحت رعاية أخيها الحسين (ع)

 

تحف بها الابطال من عشيرتها وتكتنفها الاسود الضارية من إخوتها وأبناء إخوتها وعمومتها كأبي الفضل العباس ، وعلي الاكبر ، والقاسم بن الحسن ، وأبناء جعفر وعقيل ، وغيرهم من الهاشميين والعبيد والاماء طوع أمرها ورهن إشارتها ،

 

ولكنها ( ع ) سافرت هذه السفرة منقطعة من علائق الدنيا بأسرها في سبيل الله ، قد أعرضت عن زهرة الحياة من المال والبيت والزوج والولد والخدم والحشم ، وصحبت أخاها الحسين ( ع ) ناصرة لدين الله وباذلة النفس والنفيس

 

لامامها ابن بنت رسول الله مع علمها بجميع ما يجري عليها من المصائب والنوائب والمحن ،

 

كما يدل عليه الحديث المروي في كتاب ( كامل الزيارات ) للشيخ الفقيه أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه طاب ثراه ، قال : حدثني أبو عيسى عبيد الله بن الفضل بن محمد بن هلال الطائي البصري قال : حدثني أبو عثمان سعيد بن محمد قال :

 

حدثنا محمد بن سلام بن يسار الكوفي قال : حدثني نوح بن دراج قال : حدثني قدامة بن زائدة عن أبيه قال : قال علي بن الحسين بلغني يا زائدة أنك تزور قبر أبي عبد الله الحسين ( ع ) أحيانا ، فقلت : إن ذلك لكما بلغك فقال لي : ولماذا تفعل ذلك

 

ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحدا على محبتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب على هذه الامة من حقنا ؟ فقلت : والله ما أريد بذلك إلا الله ورسوله ، ولا أحفل بسخط من سخط ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه ، فقال : والله إن

 

ذلك لكذلك ، فقلت : والله إن ذلك لكذلك يقولها ثلاثا وأقولها ثلاثا . فقال : أبشر ثم أبشر ثم أبشر ، فلاخبرنك بخبر كان عندي في النخب المخزون ، فإنه لما أصابنا في الطف ما أصابنا وقتل أبي وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله وحملت

 

حرمه ونساؤه على الاقتاب يراد بنا الكوفة ، فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا فعظم ذلك في صدري ، واشتد لما أرى منهم قلقي ، فكادت نفسي تخرج ، وتبينت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت علي ( ع ) فقالت : ما لي أراك تجود بنفسك

 

يا بقية جدي وأبي وإخوتي ؟ فقلت : وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي مضرجين بدمائهم مرملين بالعراء مسلبين ، لا يكفنون ولا يوارون ولا يعرج عليهم أحد ولا يقربهم بشر كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر ،

 

فقالت : لا يجزعنك ما ترى فوالله إن ذلك لعهد من رسول الله ( ص ) إلى جدك وأبيك وعمك ، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الامة لا تعرفهم فراعنة هذه الامة وهم معروفون من أهل السماوات ، أنهم يجمعون هذه الاعضاء المتفرقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرجة ، وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد

الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والايام ، وليجهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا وأمره إلا علوا . فقلت : وما هذا العهد وما هذا الخبر ؟ فقالت : نعم حدثتني أم أيمن أن رسول الله

 

( ص ) زار منزل فاطمة ( ع ) في يوم من الايام ، فعملت له حريرة وأتاه علي بطبق فيه تمر ، ثم قالت أم أيمن : فأتيتهم بعس فيه لبن وزبد فأكل رسول الله ( ص ) وعلي وفاطمة والحسن والحسين من تلك الحريرة ، وشرب رسول الله ( ص )

 

وشربوا من ذلك اللبن ، ثم أكلوا وأكل من ذلك التمر والزبد ، ثم غسل رسول الله ( ص ) يده وعلي ( ع ) يصب عليه الماء ، فلما فرغ من غسل يده مسح وجهه ثم نظر إلى علي ( ع ) وفاطمة والحسن والحسين نظرا عرفنا به السرور في وجهه ،

 

وتوجه نحو القبلة وبسط يديه ودعا ثم خر ساجدا وهو ينشج وجرت دموعه ، ثم رفع رأسه وأطرق إلى الارض ودموعه تقطر كأنها صوب المطر ، فحزنت فاطمة ( ع ) وعلي والحسن والحسين ( ع ) وحزنت معهم لما رأينا رسول الله ( ص )

 

وهبنا أن نسأله حتى إذا طال ذلك قال له علي ( ع ) وقالت له فاطمة ( ع ) : ما يبكيك يا رسول الله ؟ لا أبكى الله عينيك ، فقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك . فقال ( ص ) : يا أخي سررت بكم . وقال مزاحم بن عبد الوارث في حديثه هنا فقال :

 

يا حبيبي سررت بكم سرورا ما سررت مثله قط ، وإني لانظر إليكم وأحمد الله على نعمته علي فيكم ، إذ هبط علي جبرائيل فقال : يا محمد إن الله تبارك وتعالى أطلع على ما في نفسك وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك فأكمل لك النعمة وهناك

 

العطية بأن جعلهم وذرياتهم ومحبيهم وشيعتهم معك في الجنة لا يفرق بينك وبينهم ، يحبون كما تحب ويعطون كما تعطي حتى ترضى وفوق الرضا على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ومكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملتك ، ويزعمون أنهم من أمتك

 

براء من الله ومنك خبطا خبطا وقتلا قتلا شتى مصارعهم نائية . قبورهم خيرة من الله لهم ولك فيهم ، فاحمد الله عز وجل على خيرته وارض بقضائه ، فحمدت الله

 

ورضيت بقضائه بما اختاره لكم . ثم قال لي جبرائيل : يا محمد إن أخاك مضطهد بعدك مغلوب على أمتك معتوب من أعدائك ثم مقتول بعدك ، يقتله أشر الخليقة وأشقى البرية ، يكون نظير عاقر الناقة ببلد تكون إليه هجرته وهو معرس شيعته وشيعة

 

ولده وفيه على كل حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم ، وإن سبطك هذا وأومى بيده إلى الحسين ( ع ) مقتول في عصابة من ذريتك وأهل بيتك وأخيار من أمتك بضفة الفرات بأرض يقال لها كربلاء ، من أجلها يكثر الكرب والبلا على أعدائك وأعداء

 

ذريتك في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تفنى حسرته ، وهي أطيب بقاع الارض وأعظمها حرمة يقتل فيها سبطك وأهله وإنها من بطحاء الجنة ، فإذا كان اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله ، وأحاطت به كتائب أهل الكفر واللعنة ، تزعزعت

 

الارض من أقطارها ، ومادت الجبال وكثر اضطرابها ، واصطفقت البحار بأمواجها ، وماجت السماوات بأهلها غضبا لك يا محمد ولذريتك ، واستهضاما لما ينتهك من حرمتك ولشر ما تكافى به في ذريتك وعترتك ، ولا يبقى شئ من ذلك إلا استأذن

 

الله عزوجل في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجة الله على خلقه بعدك ، فيوحي الله إلى السماوات والارض والجبال والبحار ومن فيهن : إني أنا الله الملك القادر الذي لا يفوته هارب ، ولا يعجزه ممتنع ، وأنا أقدر فيه على الانتصار

 

والانتقام ، وعزتي وجلالي لاعذبن من وتر رسولي وصفيي وانتهك حرمته وقتل عترته ونبذ عهده وظلم أهل بيته عذابا لا أعذب به أحدا من العالمين ، فعند ذلك يضج كل شئ في السماوات والارضين بلعن من ظلم عترتك واستحل حرمتك ، فإذا

 

برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولى الله عزوجل قبض أرواحها بيده ، وهبط إلى الارض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت والزمرد مملوءة من ماء الحياة وحلل من حلل الجنة وطيب من طيب الجنة ، فغسلوا جثثهم بذلك الماء وألبسوها الحلل وحنطوها بذلك الطيب ، وصلت الملائكة صفا صفا عليهم ،

 

ثم يبعث الله قوما من أمتك لا يعرفهم الكفار لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية ، فيوارون أجسادهم ويقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لاهل الحق وسببا للمؤمنين إلى الفوز ، وتحفه ملائكة من كل سماء مائة ألف

 

ملك في كل يوم وليلة ، ويصلون عليه ، ويطوفون حوله ، ويسبحون عنده ، ويستغفرون الله لمن زاره ، ويكتبون أسماء زائرية من أمتك متقربين إلى الله تعالى وإليك بذلك وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم ، ويوسمون في وجوههم بميسم نور

 

عرش الله هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الانبياء ، فإذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الابصار يدل عليهم فيعرفونهم ، وكأني بك يا محمد بيني وبين ميكائيل وعلي أمامنا ، ومعنا من ملائكة الله ما لا

 

يحصى عددهم ونحن نلتقط ذلك الموسوم في وجهه من بين الخلائق حتى ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده ، وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك يا محمد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك لا يريد به غير الله عز وجل ، ويجتهد أناس ممن حقت

 

ليهم اللعنة من الله والسخط أن يعفو رسم ذلك القبر ويمحوا أثره فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلا . ثم قال رسول الله ( ص ) : فهذا أبكاني وأحزنني .

 

 

قالت زينب ( ع ) فلما ضرب ابن ملجم لعنه الله أبي ( ع ) ورأيت عليه أثر الموت ، دنوت منه وقلت له : يا أبت حدثتني أم أيمن بكذا وكذا وقد أحببت أن أسمعه منك ، فقال : يا بنية الحديث كما حدثتك أم أيمن وكأني بك وبنساء أهلك سبايا بهذا البلد

 

أذلاء خاشعين ، تخافون أن يتخطفكم الناس ، فصبرا صبرا فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ما لله على ظهر الارض يومئذ ولي غير محبيكم وشيعتكم ، ولقد قال لنا رسول الله ( ص ) حين أخبرنا بهذا الخبر : إن إبليس لعنه الله في ذلك اليوم يطير

 

فرحا ، فيجول الارض كلها بشياطينه وعفاريته ، فيقول : يا معاشر الشياطين قد أدركنا من ذرية آدم الطلبة ، وبلغنا في هلاكهم الغاية ، وأورثناهم النار إلا من اعتصم بهذه العصابة ، فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم

 

وحملهم على عداوتهم واغرائهم وأوليائهم ، حتى تستحكموا ضلالة الخلق وكفرهم ، ولا ينجوا منهم ناج ، ولقد صدق عليهم إبليس ظنه وهو كذوب انه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح ، ولا يضر مع محبتكم وموالاتكم ذنبا غير الكبائر .

 

 

قال زائدة : ثم قال علي بن الحسين بعد أن حدثني بهذا الحديث : خذه إليك ما لو ضربت في طلبه آباط الابل حولا لكان قليلا ولكون زينب ( ع ) عالمة بجميع ما يجري عليها من المصائب والنوائب والمحن وأنها على بصيرة من أمرها قابلت تلك الرزايا والفوادح بجميل الصبر وعظيم الاتزان وقوة الايمان وكامل الاخلاص .

 

 

وإليك نبذة يسيرة من مصائبها العظيمة وفوادحها الكبرى ، فإنها ( ع ) رأت من المصائب والنوائب ما لو نزلت على الجبال الراسيات لا نفسحت واندكت جوانبها ، لكنها في ذلك تصبر الصبر الجميل كما هو معلوم لكل من درس حياتها ،

 

وأول مصيبة دهمتها هو فقدها جدها النبي ( ص ) وما لاقى أهلها بعده من المكاره ، ثم فقدها أمها الكريمة بنت رسول الله بعد مرض شديد وكدر من العيش والاعتكاف في بيت الاحزان ، ثم فقدها أباها عليا وهو مضرج بدمه من سيف ابن ملجم

 

المرادي ( لع ) ، ثم فقدها أخاها المجتبى المسموم تنظر إليه وهو يتقيأ كبده في الطشت قطعة قطعة ، وبعد موته ( ع ) ترشق جنازته بالسهام ، ثم رؤيتها أخاها الحسين ( ع ) تتقاذف به البلاد حتى نزل كربلاء وهناك دهمتها الكوارث العظام من قتله

 

( ع ) وقتل بقية إخوتها وأولادهم وأولاد عمومتها وخواص الامة من شيعة أبيها ( ع ) عطاشى ، ثم المحن التي لاقتها من هجوم أعداء الله على رحلها ، وما فعلوه من سلب وسبي ونهب وإهانة وضرب لكرائم النبوة وودائع الرسالة ، وتكفلها حال

 

النساء والاطفال في ذلة الاسر ، ثم سيرها معهم من بلد إلى بلد ومن منزل إلى منزل ومن مجلس إلى مجلس ، وغير ذلك من الرزايا التي يعجز عنها البيان ويكل اللسان ، وهي مع ذلك كله صابرة

 

محتسبة ومفوضة أمرها إلى الله ، قائمة بوظائف شاقة من مداراة العيال ومراقبة الصغار واليتامى من أولاد إخوتها وأهل بيتها ، رابطة الجأش بإيمانها الثابت وعقيدتها الراسخة ، حتى أنها كانت تسلي إمام زمانها زين العابدين ( ع ) ، وأما ما كان

 

يظهر منها بعض الاحيان من البكاء وغيره فذلك أيضا كان لطلب الثواب أو للرحمة التي أودعها الله عزوجل في المؤمنين ، أما طلب الثواب فلعلمها بما أعده الله عزوجل للبكائين على الحسين .

 

 

قال الصادق ( ع ) من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح البعوضة ، غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.

 

وأما الرحمة التي أودعها الله في المؤمنين فمثل ما كان من النبي ( ص ) على ما رواه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك عند ما دخل رسول الله ( ص ) وولده إبراهيم يجود بنفسه قال : فجعلت عينا رسول الله ( ص ) تذرفان فقال له

 

عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله ، فقال : يا ابن عوف إنها رحمة . ثم اتبعها بأخرى فقال رسول الله ( ص ) : إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ، وبالجملة فزينب ( ع ) صبرت صبر الكرام على تلك المصائب العظام والنوائب الجسام .

 

 

فمن عجيب صبرها وإخلاصها وثباتها ما نقله في الطراز المذهب أنها سلام الله عليها وعلى أبيها وأمها وأخويها لما وقفت على جسد أخيها الحسين ( ع ) قالت : أللهم تقبل منا هذا القليل من القربان قال : فقارنت أمها في الكرامات والصبر في النوائب بحيث حرقت العادات ولحقت بالمعجزات .

 

 

قال المؤلف النقدي أعلا الله مقامه : فهذه الكلمات من هذه الحرة الطاهرة ، في تلك الوقفة التي رأت بها أخاها العزيز بتلك الحالة المفجعة ، التي كانت فيها تكشف لنا قوة إيمانها ورسوخ عقيدتها وفنائها في جنب الله تعالى ، وغير ذلك مما لا يخفى على المتأمل .

 

 

وقال عمر أبو النصر اللبناني في كتابه الحسين بن علي المطبوع حديثا

 

ومما يجب أن يصار إلى ذكره في هذا الباب ما ظهر من زينب بنت فاطمة وأخت الحسين ( ع ) من جرأة وثبات جأش في موقفها هذا يوم المعركة وعند ابن زياد وفي قصر يزيد إلى آخر ما قال . ولله در الشاعر الخطيب السيد حسن بن السيد عباس البغدادي حيث يقول :

 

[ يا قلب زينب ما لاقيت من محن * فيك الرزايا وكل الصبر قد جمعا ]

[ فلو كان ما فيك من صبر ومن محن * في قلب أقوى جبال الارض لا نصدعا ]

[ يكفيك صبرا قلوب الناس كلهم * تفطرت للذي لاقيته جزعا ]

 

 

السفر الرابع ( من كربلاء إلى الكوفة ومن الكوفة إلى الشام بعد قتل أخيها الحسين ( ع ) وأصحابه الابرار تحت رعاية الظالمين ويشتمل هذا السفر على خطبتيها البلغتين في الكوفة وفي مجلس يزيد في الشام )

 

 

الاشارة إلى بلاغتها وشجاعتها : لما عزم ابن سعد على الرحيل من كربلاء ، أمر بحمل النساء والاطفال على أقتاب الجمال ، ومروا بهن على مصارع الشهداء فلما نظرن النسوة إلى القتلى صحن وضربن وجوههن وفيهن زينب بنت علي ( ع ) تنادي

 

بصوت حزين وقلب كئيب : يا محمداه صلى عليك مليك السماء ، هذا حسين مرمل بالدماء ، مقطع الاعضاء ، وبناتك سبايا ، إلى الله المشتكى ، وإلى محمد المصطفى ، وإلى علي المرتضى وإلى فاطمة الزهراء وإلى حمزة سيد الشهداء ، يا محمداه

 

هذا حسين بالعراء ، قتيل أولاد البغايا ، واحزناه واكرباه عليك يا أبا عبد الله ، اليوم مات جدي رسول الله يا أصحاب محمداه ، هؤلاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا ، وهذا حسين محزوز الرأس من القفا

 

مسلوب العمامة والرداء ، بأبي من أضحى معسكره يوم الاثنين نهبا ، بأبي من فسطاطه مقطع العرى ، بأبي من لا غائب فيرجى ولا جريح فيداوى ، بأبي من نفسي له الفداء ، بأبي المهموم حتى قضى ، بأبي العطشان حتى مضى ، بأبي من شيبه

 

يقطر بالدماء ، بأبي من جده محمد المصطفى ، بأبي من جده رسول إله السماء ، بأبي من هو سبط نبي الهدى ، بأبي محمد المصطفى ، بأبي خديجة الكبرى ، بأبي علي المرتضى ، بأبي فاطمة الزهراء ( ع ) ، بأبي من ردت له الشمس حتى صلى ، فأبكت والله كل عدو وصديق .

 

 

ولله در الشاعر حيث يقول :

 

[ والطهر زينب تستغيث بندبها * غرقت بفيض دموعها وجناتها ]

[ رقت لعظم مصابها أعداؤها * ومن الرزية أن ترق عداتها ]

 

ثم أنها ( ع ) سافرت هذا السفر المحزن وهي حزينة القلب كسيرة الخاطر باكية العين ناحلة الجسم مرتعدة الاعضاء ، قد فارقت أعز الناس عليها وأحبهم إليها ، تحف بها النساء الارامل والايامى الثواكل ، وأطفال يستغيثون من الجوع والعطش ،

 

ويحيط بها القوم اللئام من قتلة أهل بيتها وظالمي أهلها وناهبي رحلها ، كشمر بن ذي الجوشن وزجر بن قيس وسنان بن أنس وخولي بن زيد الاصبحي وحرملة بن كاهل وحجار بن أبي أبحر وأمثالهم لعنهم الله ، ممن لم يخلق الله في قلوبهم الرحمة إذا

 

دمعت عيناها أهوت عليها السياط ، وإن بكت أخاها لطمتها الايدي القاسية ، وهكذا كان سفرها هذا . ولقد تواترت الروايات عن العلماء وأرباب الحديث بأسانيدهم عن حذلم ابن كثير قال : قدمت الكوفة في المحرم سنة إحدى وستين عند منصرف علي

 

بن الحسين ( ع ) [ ومعه النساء والاطفال ] من كربلاء ومعهم الاجناد يحيطون بهم ، وقد خرج الناس للنظر إليهم ، فلما أقبلوا بهم على الجمال بغير وطاء وجعلن نساء الكوفة يبكين وينشدن ، فسمعت علي بن الحسين ( ع ) يقول بصوت ضئيل وقد نهكته العلة وفي عنقه الجامعة ويده مغلولة إلى عنقه : إن

 

هؤلاء النسوة يبكين فمن قتلنا ، قال : ورأيت زينب بنت علي ( ع ) ولم أر خفرة أنطق منها كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين ( ع ) قال : وقد أومت إلى الناس أن اسكتوا فقالت ( ع ) : الحمد لله والصلاة على محمد وآله الطيبين الاخيار ،

 

أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر ، أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم ، ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف ، والصدر الشنف ، وملق الاماء ، وغمز

 

الاعداء ، أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة ، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون ، أتبكون وتنتحبون ؟ أي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها

 

أبدا ، وأني ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ حيرتكم ومفزع نازلتكم ومنار حجتكم ومدره سنتكم ألا ساء ما تزرون ، وبعدا لكم وسحقا ، فلقد خاب السعي ، وتبت الايدي ، وخسرت الصفقة ، وبئتم

 

بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة ، ويلكم يا أهل الكوفة : أتدرون أي كبد لرسول الله ( ص ) فريتم ، أي دم له سفتكم ، وأي حرمة له انتهكتم ، ولقد جئتم بها صلعاء عنقاء ، سوداء ، فقماء ، خرقاء ، شوهاء ، كطلاع الارض ، أو ملئ

 

السماء ، أفعجبتم أن مطرت السماء دما ، ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون ، فلا يستخفنكم المهل ، فإنه لا يحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثار ، وإن ربكم لبالمرصاد . قال الراوي : فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون ، وقد وضعوا

 

أيديهم في أفواههم ، ورأيت شيخا واقفا إلى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته بالدموع ، وهو يقول : بأبي أنتم وأمي : كهولكم خير الكهول ، وشبابكم خير الشباب ، ونساؤكم خير النساء ، ونسلكم خير نسل ، لا يخزى ولا يبزى .

 

 

قال المؤلف النقدي أعلا الله مقامه ، أقول : وهذا حذلم بن كثير من فصحاء العرب أخذه العجب من فصاحة زينب وبلاغتها ، وأخذته الدهشة من

 

براعتها وشجاعتها الادبية ، حتى أنه لم يتمكن أن يشبهها إلا بأبيها سيد البلغاء ، فقال : كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين ( ع ) ، وهذه الخطبة رواها كل من كتب في وقعة الطف ، أوفي أحوال الحسين ( ع ) ،

 

ورواها الجاحظ في كتابه ( البيان والتبيين ) عن خزيمة الاسدي قال : ورأيت نساء الكوفة يومئذ قياما يندبن مهتكات الجيوب ،

 

ورواها أيضا أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر بن طيفور في ( بلاغات النساء ) وأبو المؤيد الموفق بن أحمد الخوارزمي في الجزء الثاني من كتابه ( مقتل الحسين ) وشيخ الطائفة في أماليه وغيرهم من أكابر العلماء ، ومن بلاغتها وشجاعتها الادبية ما ظهر منها ( ع ) في مجلس ابن زياد .

 

 

قال السيد ابن طاوس وغيرهم وممن كتب في مقتل الحسين ( ع ) أن ابن زياد ( لع ) جلس في القصر وأذن للناس إذنا عاما ، وجئ برأس الحسين ( ع ) فوضع بين يديه ، وأدخلت عليه نساء الحسين ( ع ) وصبيانه ، وجاءت زينب بنت علي ( ع )

 

وجلست متنكرة ، فسأل ابن زياد ( لع ) : من هذه المتنكرة فقيل له هذه زينب ابنة علي ( ع ) فأقبل عليها فقال : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم ، فقالت ( ع ) : إنما يفتضح الفاجر ويكذب الفاسق وهو غيرنا ، فقال : كيف رأيت صنع الله

 

بأخيك وأهل بيته ؟ فقالت : ما رأيت إلا خيرا ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج ونخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ، ثكلتك أمك يا ابن مرجانة ، فغضب اللعين وهم أن يضربها فقال له عمرو

 

بن حريث : إنها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشئ من منطقها ، فقال لها ابن زياد ( لع ) : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك ، فقالت : لعمري لقد قتلت كهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي ، فإن كان هذا شفاؤك فلقد

 

اشتفيت ، فقال ( لع ) : هذه سجاعة ولعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا ، فقالت : يا ابن زياد ما للمرأة والسجاعة وإن لي عن السجاعة لشغلا .

 

وفي ( لواعج الاشجان ) للسيد محسن الامين ( أعلا الله مقامه ) : وكتب

 

ابن زياد إلى يزيد يخبره بقتل الحسين ( ع ) وخبر أهل بيته ، وساق الحديث إلى أن قال : وأما يزيد فإنه لما وصله كتاب ابن زياد أجابه عليه يأمره بحمل رأس الحسين ( ع ) ورؤوس من قتل معه ، وحمل أثقاله ونسائه وعياله ، فأرسل ابن زياد

 

الرؤوس مع زجر بن قيس ، وأنفد معه أبا بردة بن عوف الازدي وطارق بن أبي ظبيان في جماعة من أهل الكوفة إلى يزيد ، ثم أمر ابن زياد بنساء الحسن ( ع ) وصبيانه فجهزوا ، وأمر بعلي بن الحسين فغل بغل إلى عنقه ، وفي رواية في يديه

 

ورقبته ، ثم سرح بهم في أثر الرؤوس مع محفر بن ثعلبة العائدي وشمر بن ذي الجوشن ، وحملوهم على الاقتاب وساروا بهم كما يسار بسبايا الكفار ، فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرؤوس ، فلم يكلم علي بن الحسن ( ع ) أحدا منهم

 

في الطريق بكلمة حتى بلغوا الشام ، فلما انتهوا إلى باب يزيد رفع محفر بن ثعلبة صوته فقال : هذا محفر بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة ، فأجابه علي بن الحسين ( ع ) ما ولدت أم محفر أشر وألام ،

 

وعن الزهري أنه لما جاءت الرؤوس كان يزيد ( لع ) على منظرة جيرون فأنشد لنفسه :

 

[ لما بدت تلك الحمول وأشرقت * تلك الشموس على ربى جيرون ]

[ نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح * فلقد قضيت من النبي ديوني ]

 

قال السيد ابن طاوس ، قال الراوي : ثم أدخل ثقل الحسين ( ع ) ونساؤه ومن تخلف من أهل بيته على يزيد بن معاوية وهم مقرنون في الحبال ، فلما وقفوا بين يديه وهم على تلك الحال قال له علي بن الحسين : أناشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول

 

الله ( ص ) لو رآنا على هذه الصفة ؟ فأمر يزيد بالحبال فقطعت ثم وضع رأس الحسين ( ع ) بين يديه . وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه ، فرآه علي بن الحسين ( ع ) فلم يأكل بعد ذلك أبدا ، واما زينب فإنها لما رأته أهوت إلى جيبها فشقته ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب : يا حسيناه يا

 

 

حبيب رسول الله يابن مكة ومنى ، يابن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، يا بن بنت المصطفى . قال الراوي : فأبكت والله كل من كان في المجلس ويزيد ساكت ،

 

قال السيد ابن طاوس : ثم دعا يزيد بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين ( ع ) ، فأقبل عليه أبوبرزة الاسلمي وقال : ويحك يا يزيد أتنكث بقضيبك ثغر الحسين ( ع ) ابن فاطمة ( ع ) ، أشهد لقد رأيت النبي ( ص ) يرشف ثناياه وثنايا أخيه

 

الحسن ( ع ) ويقول : أنتما سيدا شباب أهل الجنة فقتل الله قاتلكما ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيرا . قال الراوي : فغضب يزيد وأمر بإخراجه فأخرج سحبا ، قال : وجعل يزيد يتمثل بأبيات ابن الزبعرى :

 

[ ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الاسل ]

[ لاهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل ]

 

[ قد قتلنا القرم من ساداتهم * وعدلناه ببدر فاعتدل ]

[ لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل ]

[ لست من خندف إن لم أنتقم * من بني أحمد ما كان فعل ]

 

 

خطبة زينب ( ع ) في مجلس يزيد في الشام : قال الراوي : فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب ( ع ) فقالت : الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين ، صدق الله سبحانه كذلك يقول : ( ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن

 

كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون ) ( 1 ) أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الارض وآفاق السماء ، فأصبحنا نساق كما تساق الاسراء أن بنا هوانا على الله ، وبك عليه

 

* هامش *

(1) سورة الروم ، الآية : 10 . ( * )

 

كرامة ، وأن ذلك لعظم خطرك عنده ، فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، جذلان مسرورا حيث رأيت الدنيا لك مستوسقة . والامور متسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، فمهلا مهلا ، أنسيت قول الله تعالى : ( ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي

 

لهم خير لانفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ) ( 1 ) أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإمائك ، وسوقك بنات رسول الله ( ص ) سبايا قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، تحدو بهن الاعداء من بلد إلى بلد ويستشرفهن

 

أهل المناهل والمناقل ، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدني والشريف ، ليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمى ؟ وكيف ترتجي مراقبة من لفظ فوه أكباد الازكياء ، ونبت لحمه من دماء الشهداء ؟ وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت

 

من نظر إلينا بالشنف والشنآن ، والاحن والاضغان ؟ ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم :

 

[ لاهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل ]

 

منحنيا على ثنايا أبي عبد الله ( ع ) سيد شباب أهل الجنة تنكثها بمخصرتك ، وكيف لا تقول ذلك ! وقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة بإراقتك دماء ذرية محمد ( ص ) ، ونجوم الارض من آل عبد المطلب ، وتهتف بإشياخك زعمت أنك

 

تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ، ولتودن انك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت ، أللهم خذ بحقنا وانتقم من ظالمنا ، واحلل غضبك ممن سفك دماءنا وقتل حماتنا ، فوالله ما فريت إلا جلدك ، ولا حززت إلا لحمك ، ولتردن على

 

رسول الله ( ص ) مما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم ، ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) ( 2 ) وحسبك الله حاكما وبمحمد ( ص )

 

* هامش *

(1) سورة آل عمران ، الآية : 178 .

(2) سورة آل عمران ، الآية : 169 . ( * )

 

خصيما وبجبرائيل ظهيرا ، وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين ، وبئس للظالمين بدلا ، وأيكم شر مكانا وأضعف جندا ، ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك ، إني لاستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك ، لكن العيون عبرى

 

والصدور حرى ، ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء ، فهذه الايدي تنطف من دمائنا ، والافواه تتجلب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل وتعفرها أمهات الفراعل ، ولئن اتخذتنا مغنما

 

لتسدنا وشيكا مغرما ، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك ( وما ربك بظلام للعبيد ) ( 1 ) فإلى الله المشتكى وعليه المعول ، فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك ، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا ولا تدحض عنك عارها ، وهل

 

رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد ، يوم ينادي المنادي : ألا لعنة الله على الظالمين ، فالحمد لله رب العالمين الذي ختم لاولنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة إنه رحيم

 

ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل . فقال يزيد :

 

[ يا صيحة تحمد من صوائح * ما أهون الموت على النوائح ]

 

 

قال المؤلف النقدي ( أعلا الله مقامه ) : إن بلاغة زينب وشجاعتها الادبية ليست من الامور الخفية ، وقد اعترف بها كل من كتب في وقعة كربلاء ، ونوه بجلالتها أكثر أرباب التاريخ ، ولعمري إن من كان أبوها علي بن أبي طالب ( ع ) الذي ملات

 

خطبه العالم وتصدى لجمعها وتدوينها أكابر العلماء ، وأمها فاطمة الزهراء صاحبة خطبة ( فدك الكبرى ) وصاحبة ( الخطبة الصغرى ) التي ألقتها على مسامع نساء قريش ، ونقلتها النساء لرجالهن ، نعم إن من كانت كذلك

 

 

* هامش *

(1) سورة فصلت ، الآية : 46 . ( * )

 

 

 

 

فحرية بأن تكون بهذه الفصاحة والبلاغة ، وأن تكون لها هذه الشجاعة الادبية والجسارة العلوية ، ويزيد الطاغية يوم ذاك هو السلطان الاعظم والخليفة الظاهري على عامة بلاد الاسلام تؤدى له الجزية الامم المختلفة والامم المتبانية في مجلسه ، الذي

 

أظهر فيه أبهة الملك وملاه بهيبة السلطان ، وقد جردت على رأسه السيوف ، واصطفت حوله الجلاوزة ، وهو وأتباعه على كراسي الذهب والفضة وتحت أرجلهم الفرش من الديباج والحرير ، وهي صلوات الله عليها في ذلة الاسر ، دامية القلب

 

باكية الطرف ، حرى الفؤاد من تلك الذكريات المؤلمة والكوارث القاتلة ، قد أحاط بها أعداؤها من كل جهة ، ودار عليها حسادها من كل صوب ، ومع ذلك كله ترمز للحق بالحق ، وللفضيلة بالفضيلة ، فتقول ليزيد غير مكترثة بهيبة ملكه ولا

 

معتنية بأبهة سلطانه : أمن العدل يا ابن الطلقاء ، وتقول له أيضا : ولئن جرت على الدواهي مخاطبتك إني لاستصغر قدرك وأستعظم تقريعك واستكثر توبيخك ، فهذا الموقف الرهيب الذي وقفت به هذه السيدة الطاهرة مثل الحق تمثيلا ، وأضاء إلى

 

الحقيقة لطلابها سبيلا ، أفحمت يزيد ومن حواه مجلسه المشؤوم بذلك الاسلوب العالي من البلاغة ، وأبهتت العارفين منهم بما أخذت به مجامع قلوبهم من الفصاحة ، فخرست الالسن وكمت الافواه وصمت الآذان ، وكهربت تلك النفس النورانية تلك

 

النفوس الخبيثة الرذيلة من يزيد وأتباعه بكهرباء الحق والفضيلة ، حتى بلغ به الحال أنه صبر على تكفيره وتكفير أتباعه ، ولم يتمكن من أن ينبس ببنت شفة ليقطع كلامها أو يمنعها من الاستمرار في خطابتها ، وهذا هو التصرف الذي يتصرف به أرباب الولاية متى شاؤوا وأرادوا بمعونة الباري تعالى لهم ، وإعطائهم القدرة على ذلك .

 

 

وما أبدع ما قاله الشاعر الجليل السيد مهدي بن السيد داود الحلي عم الشاعر الشهير السيد حيدر رحمهما الله في وصف فصاحتها وبلاغتها من قصيدة :

 

[ قد أسروا من خصها بآية * التطهير رب العرش في كتابه ]

[ إن ألبست في الاسر ثوب ذلة * تجملت للعز في أثوابه ]

 

[ ما خطبت إلا رأوا لسانها * أمضى من الصمصام في خطابه ]

[ وجلببت في أسرها آسرها * عارا رأى الصغار في جلبابه ]

[ والفصحاء شاهدوا كلامها * مقال خير الرسل في صوابه ]

 

 

ومن شجاعتها الادبية في مجلس يزيد ما نقله أرباب المقاتل وغيرهم من رواة الاخبار : أن يزيد دعا بنساء أهل البيت والصبيان فأجلسوا بين يديه في مجلسه المشؤوم ، فنظر شامي إلى فاطمة بنت الحسين ( ع ) فقام إلى يزيد وقال : يا أمير

 

المؤمنين هب لي هذه الجارية تكون خادمة عندي ؟ قالت فاطمة بنت الحسين ( ع ) : فارتعدت فرائصي ، وظننت أن ذلك جائز لهم ، فأخذت بثياب عمتي زينب فقلت : عمتاه أو تمت واستخدم ؟ فقالت عمتي للشامي : كذبت والله ولؤمت ، ما جعل

 

الله ذلك لك ولا لاميرك . فغضب يزيد وقال : كذبت والله إن ذلك لي ولو شئت لفعلت قالت : كلا والله ما جعل ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا ، فاستطار يزيد غضبا وقال : إياي تستقبلين بهذا الكلام إنما خرج من الدين أبوك وأخوك

 

فقالت زينب : بدين أبي وأخي اهتديت أنت وأبوك إن كنت مسلما قال : كذبت يا عدوة الله قالت : يا يزيد أنت أمير تشتم ظالما وتقهر بسلطانك ، فكأنه استحى وسكت فأعاد الشامي كلامه هب لي هذه الجارية فقال له يزيد : أسكت وهب الله لك حتفا قاضيا .

 

وروى السيد ابن طاوس في اللهوف هذه الرواية كما يأتي : قال نظر رجل من أهل الشام إلى فاطمة بنت الحسين ( ع ) فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية ، فقالت فاطمة لعمتها زينب ( ع ) : أو تمت واستخدم ؟ فقالت زينب ( ع ) : لا ولا

 

كرامة لهذا الفاسق فقال الشامي : من هذه الجارية ؟ فقال يزيد : هذه فاطمة بنت الحسين ، وتلك زينب بنت علي بن أبي طالب ، فقال الشامي : الحسين بن فاطمة وعلي بن أبي طالب ؟ قال نعم ، فقال الشامي :

 

لعنك الله يا يزيد ، أتقتل عترة نبيك وتسبي ذريته والله ما توهمت إلا أنهم سبي الروم ، فقال يزيد : لالحقنك بهم ، ثم أمر به فضربت عنقه ، والذي يظهر ان هاتين القضيتين كلتيهما وقعتا في ذلك المجلس المشؤوم .

 

 

قال السيد محسن الامين في لواعجه : ثم دخلت نساء الحسين ( ع ) وبناته على يزيد فقمن إليهن وصحن وبكين وأقمن المأتم على الحسين ( ع ) ، ثم أمر لهم يزيد بدار تتصل بداره ، وقيل أمر بهم إلى منزل لا يكنهم من حر ولا برد ، فأقاموا فيه حتى تقشرت وجوههم ، وكانوا مدة مقامهم في الشام ينوحون على الحسين ( ع ) .

 

 

السفر الخامس ( من الشام إلى كربلاء ومن كربلاء إلى المدينة في رعاية النعمان بن بشير وأصحابه ، وقد أمرهم يزيد بالرفق بنساء الحسين ( ع ) )

 

قال المفيد في ( الارشاد ) : ندب يزيد النعمان بن بشير وقال له : تجهز لتخرج بهؤلاء النسوة إلى المدينة ، وأنقذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولا تقدم إليه أن يسير بهم في الليل ، ويكونوا أمامه حيث لا يفوتون طرفه ، فإذا نزلوا انتحى عنهم

 

وتفرق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم ، وينزل منهم بحيث ان أراد إنسان من جماعتهم وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم ، فسار معهم في حملة النعمان ولم يزل ينازلهم في الطريق ويرفق بهم كما وصاه يزيد حتى دخلوا المدينة .

 

 

وقال السيد ابن طاوس لما بلغوا العراق قالوا للدليل : مر بنا على طريق كربلاء ، فوصلوا إلى موضع المصرع ، فوجدوا جابر بن عبد الله الانصاري ( رحمه الله ) وجماعة من بني هاشم ورجالا من آل الرسول ( ص ) قد وردوا لزيارة قبر

 

الحسين ( ع ) فتوافوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرحة للاكباد ، واجتمع إليهم نساء ذلك السواد فأقاموا على

 

ذلك أياما ، قال : ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة ، قال بشر بن حذلم : فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين ( ع ) فحط رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال : يابشر رحم الله أباك لقد كان شاعرا ، فهل تقدر على شئ منه ؟ فقلت بلى يا ابن

 

رسول الله إني لشاعر فقال ( ع ) : ادخل المدينة وانع أبا عبد الله ( ع ) قال بشر : فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة ، فلما بلغت مسجد النبي ( ص ) رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول :

 

[ يا أهل يثرب لا مقام لكم بها * قتل الحسين فادمعي مدرار ]

[ الجسم منه بكربلاء مضرج * والرأس منه على القناة يدار ]

 

قال : ثم قلت هذا علي بن الحسين ( ع ) مع عماته وإخواته قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله إليكم أعرفكم مكانه ، قال : فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن مكشوفة شعورهن ، مخمشة وجوههن ، مضروبة

 

خدودهن ، يدعون بالويل والثبور ، فلم أر باكيا وباكية أكثر من ذلك اليوم ولا يوما مر على المسلمين مثله ، وقال أبو مخنف في مقتله نظير ما نقله السيد ابن طاوس ثم قام السجاد ( ع ) يمشي إلى أن دخل المدينة ، فلما دخلها زار جده رسول الله ( ص ) ثم دخل منزله ،

 

 

وفي ( المنتخب ) : وأمام أم كلثوم فحين توجهت إلى المدينة جعلت تبكي وتقول :

 

[ مدينة جدنا لا تقبلينا * فبالحسرات والاحزان جينا ]

[ خرجنا منك بالاهلين جمعا * رجعنا لا رجال ولا بنينا ]

 

[ وكنا في الخروج بجمع شمل * رجعنا حاسرين مسلبينا ]

[ وكنا في أمان الله جهرا * رجعنا بالقطيعة خائفينا ]

 

[ ومولانا الحسين لنا أنيس * رجعنا والحسين به رهينا ]

[ فنحن الضائعات بلا كفيل * ونحن النائحات على أخينا ]

[ ونحن السائرات على المطايا * نشال على جمال المبغضينا ]

 

[ ونحن بنات يس وطه * ونحن الباكيات على أبينا ]

[ ونحن الطاهرات بلا خفاء * ونحن المصطفون المخلصونا ]

 

[ ونحن الصابرات على البلايا * ونحن الصادقون الناصحونا ]

[ ألا يا جدنا قتلوا حسينا * ولم يرعوا جناب الله فينا ]

 

[ ألا يا جدنا بلغت عدانا * مناها واشتفى الاعداء فينا ]

[ لقد هتكوا النساء وحملوها * على الاقتاب قهرا أجمعينا ]

 

[ وزينب أخرجوها من خباها * وفاطم واله تبدي الانينا ]

[ سكينة تشتكي من حر وجد * تنادي الغوث رب العالمينا ]

 

والقصيدة تركناها خوف الاطالة .

 

قال الراوي : وأما زينب ( ع ) فأخذت بعضادتي باب المسجد ونادت : يا جداه إني ناعية إليك أخي الحسين ( ع ) ، وهي مع ذلك لا تجف لها عبرة ولا تفتر من البكاء والنحيب ، وكلما نظرت إلى علي بن الحسين ( ع ) تجدد حزنها وزاد وجدها ،

 

أقول : وكأني بها ( ع ) بعد أخيها الحسين ( ع ) لا زالت باكية العين حزينة القلب منهدة الركن من المصيبة وكأني بلسان حالها يقول : -

 

[ يا غائبا عن أهله أتعود أم * تبقى إلى يوم المعاد مغيبا ]

[ يا ليت غائبنا يعود لاهله * فنقول أهلا بالحبيب ومرحبا ]

[ لو كان مجروحا لعولج جرحه * كيف العلاج ونور بهجته خبا ]

 

 

السفر السادس ( من المدينة إلى الشام تحت رعاية زوجها عبد الله بن جعفر ) أو إلى مصر ، مع بعض النساء من بني هاشم على اختلاف الروايات ، وسيأتي تفصيل ذلك في الفصل الآتي إن شاء الله

 

 

وفاتها ومدفنها ورثائها وكراماتها وزيارتها ومدفنها

 

 

فنقول : إن من المأسوف عليه أن حملة التاريخ على توسعهم في سرد القصص والاحوال في أشياء كثيرة بما يكون القارئ في غنى عنها ، أهملوا حقائق من التأريخ تمس إليها حاجة المقب ويشاق إليها طلبة الباحث ، ولسنا الآن في صدد الاسباب الباعثة

 

على ذلك ، ولعلها لا تخفى على الناقد غير أن المهم في هذا الكتاب هي ناحية واحدة أصبحت من مواضيعه ، وهو البحث عن وفاة عقيلة بني هاشم زينب الكبرى ، وتحري الوقوف على مدفنها ، وإن كانت المصادر التي نستمد منها لا تخلو جملة منها

 

من تشويش واضطراب ، وعلى العلات فنحن نقدم إلى القارئ الكريم ما قيل في ذلك ونحيل الحكم إليه ، فقيل أنها توفيت في المدينة المنورة ، وكان ذلك بعد رجوعهم من الشام ، ذكره صاحب ( الطراز ) عن ( بحر المصائب ) ، ولو صح هذا لبقي

 

لعظيمة بيت الوحي أثر خالد ومشهد يزار كما بقي لمن دونها في المرتبة من بني هاشم بل لمن يمت إليهم بالولاء من رجالات الامة ، وقيل أنها توفيت حوالي الشام ، نقله صاحب ( الطراز ) أيضا عن ( أنوار الشهادة ) و ( بحر المصائب ) في تفصيل لا مقيل له من ظل الحقيقة ، وهو بالروايات الخرافية أشبه فالاعراض عنه أجدر ،

 

وقيل أنها توفيت في الشام نقله في ( الطراز ) أيضا عن ( كنز الانساب ) لكن قائله تفرد برواية قصة في ذلك لم تتأكد ، وقيل أنها توفيت في إحدى قرى الشام نسبه في ( الطراز ) أيضا إلى بعض المتأخرين ، وتلهج الالسن في سبب ذلك بحديث

 

المجاعة التي أصابت أهل المدينة المنورة ، فهاجرت مع زوجها عبد الله إلى الشام وتوفيت هنالك ، وهو حديث لا أثر له في كتب التاريخ والسير والانساب والتراجم ، ولم يذكره المنقبون في الآثار ممن في كتب أهل البيت ، كالكليني ، والصدوق ،

 

والشيخ المفيد ، والسيد المرتضى ، والشيخ الطوسي ، وابن شهر أشوب والطبرسي ، وابن الفتال ، والعلامة الحلي ، وابن طاوس والوزير الاربلي ، والمجلسي الذي جمع فأوعى وقد احتوت مكتبته على ما لا يوجد في غيرها من آلاف الكتب ،

 

وتبرز هو في الاحاطة بالسير والآثار وأخبار أهل البيت ( ع ) ، إلى غيرهم كسبط ابن الجوزي ، وابن الصباغ المالكي ، وابن طلحة الشافعي ، والحافظ الكنجي ، وابن الصبان ، والشبلنجي ، والمحب الطبري ، والبدخشي ، والسيد علي الهمداني،

 

إلى نظرائهم ، وما أدري ولا المنجم يدري من أين جاء القائل بحديث المجاعة ، وقد خلت عند زبر الاولين الذين هم اقرب عهد بأمثال هذه الوقائع من هذا القائل وذويه ، وأغرب من يدعي وصلا بليل عزاه إلى كتاب لم نجده فيه بعد الفحص والتتبع .

 

 

أما هذا القبر الذي هو في الشام فقد ذكر جماعة من المؤلفين أنه للسيدة أم كلثوم بنت أمير المؤمنين ، والمشهور أن أسمها زينب أيضا ، ويفرق بينها وبين اختها زينب الكبرى بالوسطى ، ولعل الاصح وأن اسمها رقية للحديث المروي في ( ينابيع

 

المودة ) ، وبه قال جماعة من أهل العلم منهم صاحب كتاب ( ذخائر العقبى ) قال في ضمن كلامه : وولدت فاطمة ( ع ) حسنا وحسينا ( ع ) وزينب ورقية وأم كلثوم ، وولدت هذه السيدة بعد أختها زينب الكبرى وكانت من أجل النساء فضلا وزهدا وتقوى وعبادة وشرفا وعفة إلى غير

 

 

 

ذلك من الصفات الكريمة والاخلاق الفاضلة ، أخذت العلم عن أبيها وأخويها وأختها ونشأت نشأتها المباركة في البيت العلوي الطاهر ، ومحل قبرها الشريف بقرية راوية من غوطة دمشق المعروفة بقرية الست .

 

وقيل أن زينب الكبرى توفيت بمصر ولعل الاصح كما نص عليه العبيدلي كما سيأتي ، ونقل الموافقة له ناشر كتاب ( الزينبيات ) عن ابن عساكر الدمشقي في تاريخه الكبير ، والمؤرخ ابن طولون الدمشقي في ( الرسالة الزينبية ) ،

 

ووجدنا الموافقة له أيضا في كتاب ( لواقح الانوار ) للشعراني ، وفي كتاب ( إسعاف الراغبين ) للشيخ محمد صبان بهامش ( نور الابصار ) وفي كتاب ( نور الابصار ) للشبلنجي ، وفي ( الاتحاف ) للشبراوي ،

 

وفي ( مشارق الانوار ) لحسن العدوي نقلا عن الشعراني في ( الانوار القدسية ) و ( المنن ) ، وعن العلامة المناوي في طبقاته ، وعن جلال الدين السيوطي في رسالته الزينبية ، وعن العلامة الاجهوري في رسالته على مسائل عاشوراء ،

 

وقال البحاثة فريد وجدي على ما نقله عنه بعض الاجلاء السيدة زينب بنت علي كانت من فاضلات النساء وشريفات العقائل ، ذات تقى وطهر وعبادة ، هاجرت إلى مصر وتوفيت بها ، وقال العلامة المحقق المطلع الشيخ محمد علي الاردوبادي في قصيدة قالها في رثاء الصديقة زينب وهي طويلة :

 

[ قد عاد مصر للحفيظة مغربا * فسنا ذكاها واضح لن يغربا ]

[ بمليكة حسبا زكت فيه ولم * يعقد عليه غير صنويها الحبا ]

 

[ ومن النبوة في أسرة وجهها * بلج كمثل الشمس يجلو الغيهبا ]

[ وتضوع منها للخلافة عبقة * تطوى بنفحتها الصحاصح والربى ]

 

[ بجلال أحمد في مهابة حيدر * قد أنجبت أم الائمة زينبا ]

[ فيجمع الشرفين بضعة فاطم * حصلت على أكرومة عظمت نبا ]

 

فأشار في البيت الاول وهو مطلع القصيدة إلى محل قبرها الشريف في مصر ، وإليك ما ذكره النسابة شيخ الشرف ابن الحسن يحيى بن الحسن

 

العقيقي العبيدلي في ( أخبار الزينبيات ) على ما حكاه عنه مؤلف كتاب ( السيدة زينب ) ، ذكر أن زينب الكبرى بعد رجوعها من أسر بني أمية إلى المدينة ، أخذت تؤلب الناس على يزيد بن معاوية ، فخاف عمرو بن سعيد الاشدق انتقاض الامر ،

 

فكتب إلى يزيد بالحال فأتاه كتاب يزيد يأمره بأن يفرق بينها وبين الناس ، فأمر الوالي بإخراجها من المدينة إلى حيث شاءت ، فأبت الخروج من المدينة وقالت : قد علم الله ما صار إلينا قتل خيرنا وسقنا كما تساق الانعام ، وحملنا على الاقتاب ، فوالله

 

لا أخرج وإن أهرقت دماؤنا . فقالت لها زينب بنت عقيل : يا ابنة عماه قد صدقنا الله وعده وأورثنا الارض نتبوء منها ما نشاء فطيبي نفسا وقري عينا وسيجزي الله الظالمين ، أتريدين بعد هذا هوانا ، إرحلي إلى بلد آمن ، ثم اجتمعت عليها نساء بني

 

هاشم وتلطفن معها في الكلام ، فاختارت مصر وخرج معها من نساء بني هاشم فاطمة بن الحسين ( ع ) وسكينة ، فدخلت مصر لايام بقيت من ذي الحجة ، فاستقبلها الوالي مسلمة بن مخلد الانصاري في جماعة معه ، فأنزلها داره بالحمراء فأقامت

 

بها أحد عشر شهرا وخمسة عشر يوما ، وتوفيت عشية الاحد لخمسة عشر يوما مضت من رجب سنة اثنتين وستين هجرية ، ودفنت بمخدعها في دار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوى ، حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ، انتهى نص العبيدلي .

 

 

يقول مؤلف هذه الوفاة وجامع هذه المقتطفات : لا يخفى على الناقد البصير . أن حديث العبيدلي المذكور ، الذي استدل به المؤلف النقدي ( أعلا الله مقامه ) على مهاجرة زينب الكبرى إلى مصر لا يخلو من الملاحظات والانتقادات والاشياء التي

 

لعلها لا تتناسب مع مقام الصديقة الصغرى ( سلام الله عليها ) ، مثل أنها كانت تؤلب الناس على يزيد ، ومثل أنها حلفت أن لا تخرج من المدينة ثم خرجت ، ومثل أنها خرجت مع النساء ولم يتعرض لذكر أحد من رجالها كزوجها عبد الله بن جعفر أو أحد بني هاشم ، ولم يتعرض إلى

 

أنها استأذنت من زوجها أو من حجة الله الامام زين العابدين ( ع ) ، غير ذلك مضافا إلى ما في الخبر من التهافت والتدافع ، مثل أنها دخلت مصر لايام بقيت من ذي الحجة وأقامت بها أحد عشر شهرا وخمسة عشر يوما ، وتوفيت لخمسة عشر يوما

 

مضت من رجب ، وإن كان الصحيح أن دخولها مصر على تقدير صحة الخبر في غرة شعبان كما في كتاب ( بطلة كربلاء ) لبنت الشاطئ كما لا يخفى وكيف كان فالارجح عندي أنها ( ع ) توفيت في الشام في النصف من شهر رجب من العام

 

الخامس والستين من الهجرة وهو عام المجاعة ، وذلك بمحضر زوجها الجواد عبد الله بن جعفر ، ودفنت في إحدى قراه المعروفة برواية من غوطة دمشق المشتهرة الآن بقرية الست ، والدليل على ما اخترناه ثلاثة أمور :

 

الامر الاول ما ذكره الفاضل الشيخ محمد مهدي المازندراني في الجزء الثاني من كتابه ( معالي السبطين ) ، والفاضل الخطيب السيد جاسم السيد حسن شبر في كتابه ( البلاغة العلوية ) نقلا عن البحاثة المحقق آية الله السيد حسن صدر الدين

 

( طاب ثراه ) ، قال في كتابه ( نزهة أهل الحرمين ) : زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ( ع ) وكنيتها أم كلثوم قبرها في قرب زوجها عبد الله بن جعفر الطيار خارج دمشق الشام معروف ، جاءت مع زوجها عبد الله بن جعفر أيام عبد الملك بن

 

مروان إلى الشام سنة المجاعة ليقوم عبد الله بن جعفر في مكان له من القرى والمزارع خارج الشام حتى تنقضي المجاعة ، فماتت زينب ( ع ) هناك ودفنت في بعض تلك القرى ، هذا هو التحقيق في وجه دفنها هناك ، وغيره غلط لا أصل له ،

 

فاغتنم فقد وهم في ذلك جماعة فخبطوا خبط العشواء انتهى كلام السيد الصدر ( أعلى الله مقامه ) ، وقوله : قبرها في قرب زوجها تصحيف وغلط مطبعي ، والصحيح قبرها في قرى زوجها كما تدل عليه العبارة الآتية وهي قوله : ودفنت في بعض تلك القرى ، فتنبه .

 

الامر الثاني ما نقله المازندراني في الجزء الثاني من ( المعالي ) عن العلامة الجليل ثقة الاسلام السيد هبة الدين الشهرستاني أنه قال : لامير المؤمنين ( ع ) بنتان بهذا الاسم الصغرى تلقب أم كلثوم والكبرى هي سيدة الطف ، وكان ابن عباس ينوه

 

عنها بعقيلة بني هاشم ولدتها الزهراء ( ع ) بعد شقيقها الحسين بسنتين ، وتزوجها عبد الله ابن عمها جعفر الطيار ، وكانت قطب دائرة العيال في المخيم الحسيني وقد أفرغ لسان الملك ترجمتها في مجلد خاص من موسوعة ( ناسخ التواريخ ) ،

 

وجاء في ( الخيرات الحسان ) وغيره : أن مجاعة أصابت المدينة فرحل عنها بأهله عبد الله بن جعفر إلى الشام في ضيعة له هناك ، وقد حمت زوجته زينب ( ع ) من وعثاء السفر أو ذكريات أحزان وأشجان من عهد سبي يزيد لآل الرسول ( ص ) ، ثم توفيت على أثرها في نصف رجب سنة خمس وستين من الهجرة ودفنت هناك حيث المزار المشهور .

 

 

الامر الثالث قول الذاكر الخطيب الشيخ حسن بن الشيخ كاظم سبتي في أواخر قصيدته التي قالها في شرح أحوال الصديقة الصغرى قال تحت عنوان سبب وفاتها : -

 

[ وزوجها ابن عمها الطيار عبد * الله بارى في السخاء السحبا ]

[ لما أصابت يثربا مجاعة * وشدة وعامهم قد قطبا ]

 

[ فسار عبد الله ينحو الشام في * عياله يحملهم وزينبا ]

[ لكن وعثاء الطريق أثرت * بها فكابدت عناء نصبا ]

 

[ فعندما تذكرت دخولها * للشام حسرى وهي في أسر السبا ]

[ حمت وما زالت تعاني سقما * وسقمها في جسمها قد نشبا ]

 

[ وعام خمسة وستين قضت * صابرة بالصبر حازت رتبا ]

[ وقد مضت عنا بنصف رجب * يا ليت انا لم نشاهد رجبا ]

 

فكأني بها ( صلوات الله عليها ) لما قرب منها الموت وحانت منها المنية ، اضطجعت على فراشها واستقبلت القبلة ، وقالت : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن جدي محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على

 

الدين كله ولو كره المشركون ، وأن أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وأخوي الحسن والحسين وعلي بن الحسين وبقية الائمة الطاهرين ( ع ) أئمتي وأوليائي وإن جميع ما جاء به جدي رسول الله ( ص ) حق ومن عند الحق ، وأن الجنة والنار

 

حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وكأني بها سلام الله عليها عند احتضار الموت قد غمضت عينيها ومدت يديها ورجليها وقرأت سورة يس والصافات ، وفاضت نفسها الطيبة وفارقت روحها الدنيا ، وكأني بمن

 

حضر هذه الكارثة العظمى والفادحة الكبرى من نساء ورجال قد علا منهم الصياح ، وارتفع النياح ، وكثر منهم الضجيج والعجيج ، ولطموا الخدود ، وشققوا الجيوب ، ونادوا بالويل والثبور وعظائم الامور ، فلم ير في ذلك اليوم إلا باك وباكية

 

وناع وناعية ، ونائح ونائحة ، وصارخ وصارخة ، ينادون وازينباه ، واسيدتاه ، واغريبتاه ، وامصيبتاه ، وافجعتاه ، واوحشتاه ، واطول حزناه ، واثكلاه ، وكأني بزوجها الحزين مع من حضر من الجمع قد قاموا في جهازها ، فغسلوها وكفنوها ،

 

وصلوا عليها ، ودفنوها في قبرها ، وأهالوا عليها التراب فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولله در الفاضل الخطيب الميرزا محمد الخليل النجفي حيث يقول في قصيدة له في رثائها عليها السلام : -

 

[ إذا نابك الدهر لا تعجب * فليس على الدهر من متعب ]

[ ولا تغترر بابتساماته * فبالناب يغدر والمخلب ]

 

[ وكن جلدا عند دهم الخطوب * فمن يرتدي الصبر لم يغلب ]

[ وإن دهمتك صروف الزمان * تذكر عقيلة آل النبي ]

 

[ تذكر مصائبها سلوة * وحمر الدموع عليها اسكب ]

[ فكل النوائب تسلى لدى * نوائب خير النسا زينب ]

 

[ وناهيك أرزاؤها في الطفوف * فمهما تحدثت لم تكذب ]

[ رزايا يحار لديها الصبور * احتمالا ومنها يشيب الصبي ]

 

[ وقد قابلتها بكظم الوصي * وصبر البتول وحلم الوصي ]

[ إلى أن قضت وهي حلف الاسى * بصبر لدى الدهر لم ينضب ]

[ فيا قلب ذب بعدها حسرة * ويا عين فيضي لها واسكبي ]

 

أما رثاؤها ( ع ) فهو كثير لا يحصى نظما ونثرا ، ولكن لا يسقط الميسور بالمعسور ، فنقول من جليله الحقائق أن نظم القريظ في أي أحد فيه إشادة بذكره ، وإقامة لامره ، فإن المأثرة مهما عظمت فقد تنسى ويخمل ذكرها بمرور الحقب والاعوام

 

لكن الشعر الخالد الذي تسير به الركبان يؤيد ذلك الفضل البائد ، ويلفت الانظار إلى جهته ، وبما أن ذكرى أهل بيت العصمة ( صلوات الله عليهم ) هي أساس الدين وجذم الاصلاح لما يتبعها من اعتناق تعاليمهم واقتفاء آثارهم ، تواتر الحث على سرد

 

الشعر فيهم مدحا ورثاء ورتبت عليه المثوبات العظيمة في أحاديث أئمة الهدى ( ع ) وعد ذلك أفضل الطاعات .

 

 

ففي (عيون الاخبار) لشيخنا الصدوق رحمه الله بالاسناد عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : قال أبو عبد الله الصادق ( ع ) من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتا في الجنة ، وفيه عن علي بن سالم عن أبيه عن الصادق ( ع ) أنه قال ما قال فينا قائل بيت شعر حتى يؤيد بروح القدس ، إلى غير ذلك من الاخبار الكثيرة .

 

 

وبما أن زينب العقيلة ( سلام الله عليها ) من أولئك الافراد الذين هم عمد الدين وأعضاد الشريعة وقد شاركت الحسين ( ع ) في نهضته المقدسة والذب عن

 

شريعة جدها الرسول ، تبادر أفذاذ ممن يمتهم الولاء إلى تحري ذلك الاجر الجزيل بنظم مدائحها ومراثيها . فمن أولئك الافذاذ حجة الاسلام آية الله المغفور له الشيخ محمد حسين الاصفهاني المتوفي 5 - 12 عام 1361 ه‍ . قال أعلى الله مقامه : -

 

[ وليت وجهي شطر قبلة الورى * ومن بها تشرفت أم القرى ]

[ قطب محيط عالم الوجود * في قوسي النزول والصعود ]

 

[ ففي النزول كعبة الرزايا * وفي الصعود قبلة البرايا ]

[ بل هي باب حطة الخطايا * وموئل الهبات والعطايا ]

 

[ ام الكتاب في جوامع العلا * أم المصاب في مجامع البلا ]

[ رضيعة الوحي شقيقة الهدى * ربيبة الفضل خليفة الندى ]

 

[ ربة خدر القدس والطهارة * في الصون والعفاف والخفارة ]

[ فإنها تمثل الكنز الخفي * بالسر والحياء والتعفف ]

 

[ تمثل الغيب المصون ذاتها * تعرب عن صفاته صفاتها ]

[ مليكة الدنيا عقيلة النسا * عديلة الخامس من أهل الكسا ]

 

[ شريكة الشهيد في مصائبه * كفيلة السجاد في نوائبه ]

[ بل هي ناموس رواق العظمة * سيدة العقائل المعظمة ]

 

[ ما ورثته من الرحمة * جوامع العلم أصول الحكمة ]

[ سرابها في علو الهمة * والصبر في الشدائد الملمة ]

 

[ ثباتها ينبئ عن ثباته * كان فيها كل مكرماته ]

[ لها من الصبر على المصائب * ما جل أن يعد في العجائب ]

 

[ بل كاد أن يلحق بالمعاجز * لانه حرفة كل عاجز ]

[ فإنها سلالة الولاية * ولاية ليس لها نهاية ]

[ بيانها يفصح عن بيانه * كأنها تفرغ عن لسانه ]

 

[ ناهيك فيه الخطب المأثورة * فإنها كالدرر المنثورة ]

[ بل هي لولا الحط من مقامها * كاللؤلؤ المنضود في نظامها ]

 

[ فإنها وليدة الفصاحة * والدها فارس تلك الساحة ]

[ وما أصاب أمها من البلا * فهو تراثها بطف كربلا ]

 

[ لكنها عظيمة بلواها * من الحرب شاهدت دهاها ]

[ رأت هجوم الخيل بالنار على * خبائها أو محور السبع العلى ]

 

[ وأسلبوا يا ويلهم قرارها * مذ سلبوا إزارها خمارها ]

[ وسبيهم ودائع المختار * عار على الاسلام أي عار ]

 

[ يكاد أن يذهب بالعقول * سبي بنات الوحي والتنزيل ]

[ وما رأت بالطف من أهوالها * جل عن الوصف بيان حالها ]

 

[ ومن يطيق وصف سوء حالها * مذ رأت السبط على رمالها ]

[ معفر الخد مضرجا بدم * لهفي على جمال سلطان القدم ]

 

[ وحولها فتيانه على الثرى * كالشهب الزهر تحف القمرا ]

[ واها على كواكب السعود * عقد نظام الغيب والشهود ]

 

[ كيف هوت وانتثرت أشلاؤها * بأي ذنب سفكت دماؤها ]

[ وشاهدت ريحانة الرسول * تدوسها حوافر الخيول ]

 

[ فأصبحت خزانة اللاهوت * حلبة خيل الجبت والطاغوت ]

[ صدر تربى فوق صدر المصطفى * ترضه الخيل على الدنيا العفا ]

 

[ ترى العوالي مركز المعالي * مدرجة لذروة الكمال ]

[ وهي عرش وعليه التاج * أو أنها البراق والمعراج ]

 

[ نال من العروج ما تمنى * كقاب قوسين دنا أو أدنى ]

[ حتى تجلى قائلا إني أنا * من شجر القناة في طور القنا ]

 

[ لسان حاله لسلطان القدم * سعيا على الرأس إليك لا القدم ]

[ وسوقها إلى يزيد الطاغية * أشجى فجيعة وأدهى داهية ]

[ وما رأته في دمشق الشام * يذهب بالعقول والاحلام ]

 

[ أمامها رأس الامام الزاكي * وخلفها النوائح البواكي ]

[ أو الكتاب الناطق المبين * حف به الحنين والانين ]

 

[ وأفظع الكل دخول الطاهرة * حاسرة على ابن هند العاهرة ]

[ وما لها ومجلس الشراب * وهي ابنة السنة والكتاب ]

 

[ أتوقف الحرة من آل العبا * بين يدي طليقها واعجبا ]

[ يشتمها طاغية الالحاد * وهي سلالة النبي الهادي ]

 

[ بل سمعت من ذلك اللعين * سب أبيها وهو أصل الدين ]

[ أتنسب الطاهرة الصديقة * للكذب وهي أصدق الخليقة ]

 

[ واحر قلباه لقلب الحرة * فما رأته لا أطيق ذكره ]

[ شلت يد مدت بقرع العود * إلى ثنايا العدل والتوحيد ]

 

[ تلك الثنايا مرشف الرسول * وملثم الطاهرة البتول ]

[ وما حناه باللسان أعظم * وكفره المكنون منه يعلم ]

 

[ وقد أبانت كفر ذاك الطاغي * بأحسن البيان والبلاغ ]

[ حنت بقلب موجع محترق * على أخيها فأجابها الشقي ]

 

[ يا صيحة تحمد من صوائح * ما أهون النوح على النوائح ]

 

 

ومن أولئك الافذاذ الخطيب الشيخ حسن بن الشيخ كاظم سبتي ، وإليك ما قاله شارحا أحوال الصديقة ( ع ) وفضلها :

 

[ سل زينبا عما عليهم جرى * عما عليهم جرى سل زينبا ]

[ هي العقيلة التي عنها روى * الحبر ابن عباس وعنها كتبا ]

 

[ عامين من بعد شقيقها الحسين * ولدت أهلا بها ومرحبا ]

[ أول شعبان أتى ميلادها * أضاء نورها فأخفى الكوكبا ]

 

[ وبشر النبي لما ولدت * وهو على المنبر يلقي الخطبا ]

[ بشره سلمان فيها بعد ما * وافاه جبريل بذاك مطنبا ]

 

[ وقال سماها الاله في السما * بزينب لما تقاسي نوبا ]

[ فأم دار ابنته فاطمة * مهنيا لها بها مرحبا ]

 

جلالة قدرها

 

[ إن قصدت تزور قبر جدها * شوقا إليه إذ هم بيثربا ]

[ اخرجها ليلا أمير المومنين * والحسين والزكي المجتبى ]

 

[ يسبقهم أبوهم فيطفئ * الضوء الذي في القبر قد ترتبا ]

[ قيل له لم ذا فقال إنني * أخشى بأن تنظر عين زينبا ]

 

 

مكارم أخلاقها

 

[ روحي لها الفداء من مصونة * زكية كريمة ذات إبا ]

[ ذات عفاف ووقار وحجى * من شرفت أما وجدا وأبا ]

 

[ أحمد جدي وعلي والدي * وفاطم أم فأكرم نسبا ]

[ تكفلت أثقل ما في الدار * بعد أمها من أيام الصبا ]

 

[ وجرعت ما جرعته أمها * من الاذى ما منه تنسف الربى ]

 

 

علمها

 

[ عيبة علم غير أن علمها * غريزة ولم يكن مكتسبا ]

[ عالمة عاملة لربها * طول المدى سوى التقى لن تصبحا ]

 

[ تقية من أهل بيت عصمة * شقيقة السبط الحسين المجتبى ]

[ صديقة كبرى لجم علمها * طاشت بها الالباب والفكر كبا ]

 

[ فيا لها داعية إلى الهدى * في حل كل مشكل قد صعبا ]

[ ذات فصاحة إذا ما نطقت * حينا تخال المرتضى قد خطبا ]

 

[ سل مجلس الشام وما حل به * مذ خطبت ماج بهم واضطربا ]

 

صبرها

 

[ لله من صابرة على الاذى * تجرعت مع الحسين الكربا ]

[ ألفته فردا أو عداه أقبلت * وخيلهم ملؤ الفيافي والربى ]

 

[ واحتوشته بالرماح فارتوت * من دمه سمر الرماح والضبا ]

[ وأبصرته مذ هوى إلى الثرى * مصافحا ذاك المحيا التربا ]

 

[ رأته في مصرعه مخذم * الجسم لقى معفرا قد سلبا ]

[ ملقى على وجه الصعيد عاريا * والشمر فوق صدره قد ركبا ]

 

[ وخيلهم تعدو على جثمان من * نشا على صدر النبي قربا ]

[ ورأسه شيل على مثقف * مرتفع أمامها قد نصبا ]

 

[ مرتلا آيات أهل الكهف * لكن بالدماء شيبه قد خضبا ]

[ وشاهدت ما في الحما مقسما * إلى العدى مغتنما حتى الخبا ]

 

[ فكابدت بالطف ما لو بعضه * صبت على الهضاب هد الهضبا ]

 

 

في أنها كانت سلوة وعزاء للسجاد طيلة مرضه

 

[ ومذ عرا زين العباد السقم * بالطف لما عانى بلاء مكربا ]

[ كان له بها السلو والعزا * بعد أبيه دون كل الاقربا ]

 

[ فلم تزل تنبى بما يزيده * الله بأحسن الحديث والنبا ]

[ ما دام زين العابدين مجهدا * يشكو السقام والعنا والوصبا ]

 

 

سبب وفاتها

 

[ وزوجها ابن عمها الطيار عبد * الله بارى في السخاء السحبا ]

[ لما أصابت يثربا مجاعة * وشدة وعامهم قد قطبا ]

 

[ فسار عبد الله بنحو الشام في * عياله يحملهم وزينبا ]

[ لكن وعثاء الطريق أثرت * بها فكابدت عناء نصبا ]

 

[ فعندما تذكرت دخولها * للشام حسرى وهي في أسر السبا ]

[ حمت وما زالت تعاني سقما * وسقمها في جسمها قد نشبا ]

 

[ وعام خمسة وستين قضت * صابرة بالصبر حازت رتبا ]

[ وقد مضت عنا بنصف رجب * يا ليت أنا لم نشاهد رجبا ]

 

 

للعالم الفاضل شاعر أهل البيت ( ع ) الشيخ محمد نصار :

 

[ هاج وجدي لزينب إذ عراها * فادح في الطفوف هد قواها ]

[ يوم أضحت رجالها غرضا للنبل * والسمر فيه هاج وغاها ]

 

[ ونعت بين نسوة ثاكلات * تصدع الهضب في حنين بكاها ]

[ آه وا لهفتاه ما ذا تقاسي * من خطوب تربو على ما سواها ]

 

[ ولمن تسكب المدامع من عين * جفا جفنها لذيذ كراها ]

[ النهب الخيام أم لعليل * ناحل الجسم أم على قتلاها ]

 

[ أم لاجسامهم على كثب الغبر * أم مخضوبة بفيض دماها ]

[ أم لرفع الرؤوس فوق عوالي السمر * أم رض صدر حامي حماها ]

 

[ أم لاطفالها تقاسي سياق الموت * أم عظم سيرها وسراها ]

[ أم لسير النساء بين الاعادي * ثاكلات يندبن يا آل طاها ]

 

[ وهي ما بينهن تندب من قد * ندبته الاملاك فوق سماها ]

 

 

وأما الكرامات المروية عن زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ( ع ) والمنقولة في الكتب العربية والفارسية كثيرة ، ولا بأس بذكر واحدة من تلك الكرامات تيمنا وتبركا فنقول : من كراماتها الباهرة ما نقله العلامة النوري في كتابه ( دار السلام )

 

قال : حدثني السيد السند ، والحبر المعتمد ، العالم العامل ، وقدوة أرباب الفضائل ، والبحر الزاخر ، عمدة العلماء الراسخين السيد محمد باقر السلطان آبادي نفع الله به الحاضر والبادي قال : عرض لي في أيام اشتغالي ببروجرد

 

مرض شديد ، فرجعت من بروجرد إلى سلطان آباد ، فاشتد بي المرض بسبب هذه الحركة ، وانصبت المواد في عيني اليسرى فرمدت رمدا شديدا ، واعتراها بياض وكان الوجع يمنعني من النوم ، فأحضر والدي أطباء البلد للعلاج ، ولما رأوا

 

حالتي قال أحدهم : يلزم أن يشرب الدواء مدة ستة أشهر ، وقال الآخر : مدة أربعين يوما ، فضاق صدري وكثر همي من سماع كلماتهم لكثرة ما كنت شربت من الدواء في تلك المدة وكان لي أخ صالح تقي أراد السفر إلى المشاهد العظيمة وزيارة

 

سادات البرية ، فقلت له : أنا أيضا أصاحبك للتشرف بتلك الاعتاب الطاهرة ، لعلي أمسح عيني بترابها الذي هو دواء لكل داء ، ويأتيني ببركاتها الشفاء فقال لي : كيف تطيق الحركة مع هذا المرض العضال وهذا الوجع القتال ؟ ولما بلغ الاطباء عزمي

 

على السفر قالوا بلسان واحد : إن بصره يذهب في اول منزل أو ثاني منزل ، فتحرك أخي وأنا جئت إلى بيته بعنوان مشايعته في الظاهر ، وكان هناك رجل من الاخيار سمع قصتي فحرضني على الزيارة وقال لي : لا يوجد لك شفاء إلا لدى خلفاء ال

 

له وحججه ، فإني كنت مبتلى بوجع في القلب مدة تسع سنين وكلت الاطباء عن تداويه ، فزرت أبا عبد الله الحسين ( ع ) فشفاني بحمد الله من غير تعب ومشقة ، فلا تلتفت إلى خرافات الاطباء ، وامض إلى الزيارة متوكلا على الله تعالى ،

 

فعزمت من وقتي على السفر ، فلما كنا في المنزل الثاني من سفرنا اشتد بي المرض ليلا . ولم استقر من وجع العين ، فأخذ من كان يمنعني من السفر يلومني ، واتفق أصحابي كلهم على أن أعود إلى بلدي الذي جئت منه ، فلما كان وقت السحر

 

وسكن الوجع قليلا رقدت فرأيت الصديقة الصغرى زينب بنت إمام الاتقياء عليه آلاف التحية والثناء ، فدخلت علي وأخذت بطرف مقنعة كانت في رأسها وأدخلته في عيني ومسحت عيني به ، فانتبهت من منامي وأنا لم أجد للوجع أثرا في عيني ،

 

فلما أصبح الصباح قلت لاصحابي لم أجد اليوم ألما في عيني فلا تمنعوني من السفر ، فما تيقنوا مني فحلفت لهم وسرنا ، فلما أخذنا في السير رفعت المنديل الذي كان على عيني المريضة ونظرت إلى البيداء وإلى الجبال

 

فلم أر فرقا بين عيني اليمنى الصحيحة واليسرى المريضة ، فناديت الرفقاء وقلت لهم : تقربوا مني وانظروا في عيني ، فنظروا وقالوا : سبحان الله لا نرى في عينك رمدا ولا بياضا ولا أثرا من المرض ، ولا لفرق بين عينك اليمنى واليسرى ،

 

فوقفت وناديت الزائرين جميعا وقصصت لهم رؤياي وكرامة الصديقة الصغرى زينب ( سلام الله عليها ) ، ففرح الجميع وأرسلت البشائر إلى والدي فاطمأن خاطره بذلك . قال العلامة النوري : وحدثني بتلك الكرامة شيخنا الجليل النبيل والعالم

 

الذي عدم له النظير والبديل المولى فتح علي السلطان ، آبادي قال : إنه شاهد هذه الحكاية بنفسه . يقول مؤلف هذه الوفاة وجامع هذه المقتطفات : وجدت في كتاب ( السيدة زينب ) تأليف الشيخ أحمد فهمي زيارة الصديقة زينب ( ع ) قال : وقد ذكر في كتاب ذخيرة العباد في زيارة قبر السيدة زينب بنت علي ( ع ) قف عند قبرها وقل :

 

زيارة زينب ( ع ) بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليك يا بنت سلطان الانبياء ، السلام عليك يا بنت صاحب الحوض واللواء ، السلام عليك يا بنت فاطمة الزهراء ، السلام عليك يا بنت خديجة الكبرى ، السلام عليك يا بنت سيد الاوصياء وركن

 

الاولياء أمير المؤمنين ، السلام عليك يا بنت ولي الله ، السلام عليك يا ام المصائب يا زينب بنت علي ورحمة الله وبركاته ، السلام عليك أيتها الفاضلة الرشيدة ، السلام عليك أيتها العاملة الكاملة ، السلام عليك أيتها الجليلة الجميلة ، السلام عليك أيتها

 

التقية النقية ، السلام عليك أيتها المظلومة المقهورة ، السلام عليك أيتها الرضية المرضية ، السلام عليك يا تالية المعصوم ، السلام عليك يا ممتحنة في تحمل المصائب بالحسين المظلوم ، السلام عليك أيتها البعيدة عن الآفاق ، السلام عليك أيتها

 

الاسيرة في البلدان ، السلام على من شهد بفضلها الثقلان ، السلام عليك أيتها المتحيرة في وقوفك في القتلى وناديت جدك رسول الله ( ص ) بهذا النداء : صلى عليك مليك السماء هذا حسين بالعراء مسلوب العمامة والرداء مقطع الاعضاء وبناتك

 

سبايا ، السلام على روحك الطيبة وجسدك الطاهر ، السلام عليك يا مولاتي وابنة مولاي وسيدتي وابنة سيدتي ورحمة الله وبركاته ، أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت

 

 

الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأطعت الله ورسوله وصبرت على الاذي في جنب الله حتى أتاك اليقين ، فلعن الله من جحدك ولعن الله من ظلمك ولعن الله من لم يعرف حقك ولعن الله أعداء آل محمد من الجن والانس من الاولين

 

والآخرين وضاعف عليهم العذاب الاليم . أتيتك يا مولاتي وابنة مولاي قاصدا وافدا عارفا بحقك فكوني شفيعا إلى الله في غفران ذنوبي ، وقضاء حوائجي ، واعطاء سؤلي وكشف ضري ، وأن لك ولابيك وأجدادك الطاهرين جاها عظيما وشفاعة

 

مقبولة ، السلام عليك وعلى آبائك الطاهرين المطهرين وعلى الملائكة المقيمين في هذا الحرم الشريف المبارك ورحمة الله وبركاته .

 

ثم صل ركعتين لله تعالى قاصدا إهداء ثوابهما إليها ، ثم ادع الله عزوجل بما أحببت فإن قبرها أحد الاماكن المجاب فيها الدعاء .

 

وقبل انصرافك اتجه إلى قبرها وودعه بهذا : السلام عليك يا سلالة سيد المرسلين ، السلام عليك يا بنت أمير المؤمنين ، السلام عليك يا بنت فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، أستودعك الله واسترعيك وأقرأ عليك السلام ، أللهم لا تجعله آخر

 

العهد مني لزيارة أم المصائب زينب بنت علي ، فإني أسألك العود ثم العود أبدا ما أبقيتني وإذا توفيتني فاحشرني في زمرتها وادخلني في شفاعتها وشفاعة جدها وأبيها وأمها وأخيها برحمتك يا أرحم الراحمين . أللهم بحقها عندك ومنزلتها لديك اغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار وصلى الله على سيدنا محمدا وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

 


source : www.aban.ir
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)
معاجـز الإمـام الکاظم وعلمــه
أوَلَسنا على الحق
التفسير المأثور عن الامام الرضا عليه السلام
الزيارة الجامعة الكبيرة
استجابة دعاء الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام )
السيد علي بن الامام الباقر عليه السلام
الحديث الفني
قالت السيدة الزهراء (س) في الخطبة الفدكية: "طاعتنا ...
ما الذي قاله الإمام الباقر عليه السلام حول صفات ...

 
user comment