عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

عاشوراء لكلّ العصور

عاشوراء لكلّ العصور

 


كربلاء قضية متجذّرة في الوعي الإسلامي، ساهمت في تشكل الوعي الحركي الثائر على الظلم و الفساد ، و باتت مع تقادم الزمن أكثر رسوخاً في وجدان الأمّة، و بعبارة أخرى إنّها تلك الواقعة التي قفزت فوق الزمان و المكان، مستمدة من نور مشكاة النبوة رمزيتها، و من لون البذل عنفوانها، فاستحالت نهجاً يحمل شعلة متوقّدة تسمو بالإنسان في آفاق العزّة و الكرامة، و تعبّر في مدلولاتها عن محورية الصراع الدائر بين الاستكبار و الاستضعاف، و بين رمز العدالة والتفاني في اللهّ و رمز الاستغراق في حطام الدنيا الفانية .

في كُلّ سنة لنا ذكرى مع أجواء عاشوراء ، و في كُلّ سنة نستعيد في وعينا و حياتنا كربلاء ، لكن قيمة عاشوراء و كربلاء الذكرى أن لها لقاء في كُلّ زمن مع الأمّة ، تمدها و تعطيها من حيويتها ، و تدفعها إلى المواقع المتقدمة في مسيرة الحياة الكريمة فتعيش الأمّة آفاق الإمام الحسين (عليه السّلام) تلك الآفاق الواسعة الرحبة التي لا تعيش في الدوائر الضيقة ، بل تشمل العالم الإسلامي كله ، فالحسين (عليه السّلام) كان ينظر من خلال آفاق جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذي عاش الرسالة في كُلّ آفاق العالم ، لأنّ الله أرسله رحمة للعالمين و من هنا كان يطرح دوما و في كُلّ موسم لعاشور ـ كتبيان لأهمية ثورة كربلاء و دورها الرائد ـ شعار أنّ الإسلام ( محمدي الوجود حسيني البقاء ) نظراً لأهمية الدور الذي قام به الحسين (عليه السّلام) من خلال ثورته ، فقد استطاع هذا الإمام أن يعيد تصويب المسار ، بعد أن بدأ الانحراف السريع نتيجة لإبعاد الإسلام عن ساحة الحياة ، أو على الأقلّ بتحويله إلى شكل و رسم بلا مضمون ، و هذه الصورة عبر عنها الحسين (عليه السّلام) آنذاك عندما قال : ( ألا و إنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، و تركوا طاعة الرحمان ، و احلّوا حرام الله، و حرّموا حلاله، و استأثروا بالفيء، و عطلوا الحدود، و أنا أحقّ من غيّر ).

الحركة الحسينية لم تكن انتحارية :

يصف بعض الباحثين ثورة الإمام الحسين بأنها مأساة إنسانية مروعة ، و يرى آخرون إنّها أشبه بعملية انتحارية لم تبلغ أهدافها، بل أسفرت عن نتائج مأساوية مؤلمة ، لا تزال علامة فارقة في جبين الإنسانية، و لطخة عار في تاريخها . بيد أنّ هذا التحليل يبدو سطحياً و ساذجاً و هو مبتنِ على رؤية قاصرة لأهداف الثورة و مقاصدها و نتائجها ، و يؤسف أنّ بعض علماء المسلمين لم يوفقوا لإدراك أبعاد تلك الثورة، و بليغ دروسها، و عظيم عطائها، و كانوا أقصر نظراً من الزعيم الهندي الشهير غاندي القائل : ( تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر ).

و يظهر للمتأمل أنّ أساس الاشتباه لدى هؤلاء هو في نظرتهم لمفهومي النصر و الهزيمة ، هذه النظرة الضيقة التي تحدد مفهوم النصر بمقدار النجاح العسكري فحسب ، الأمر الذي لم يتحقق في نهضة الحسين (عليه السّلام) ما يجعل منها حركة فاشلة وفق المقياس المذكور . لكنّ النظرة المذكورة لمفهوم النصر غير صحيحة، بل هي مجترئة و مشوهة و لا تلامس الحقيقة ، فالحقيقة التي يدركها البصير و المتابع لحركة النهضة الحسينية و تداعياتها و نتائجها على الواقع الإسلامي ماضياً و حاضراً هي أنّ دماء الحسين (عليه السّلام) ساهمت في تغيير مجرى التاريخ الإسلامي . و أيقظت الضمائر الميتة، و حررت إرادتها، و خلقت حركة وعي في الأمّة الإسلامية كان من نتائجها حركات التمرد، و ثورات الغضب و الانتقام التي تلاحقت و تتالت :

1 ـ حيث نجد بعد عام من ثورة الحسين (عليه السّلام) أنّ المدينة تثور على يزيد ، و تطرد واليه و جميع الأمويين.

2 ـ و في السنة الثانية تثور مكّة المكرمة أيضاً على يزيد الطاغية.

3 ـ و يصبح حكم الأمويين مهدداً بالسقوط بعد موت يزيد ، و نمو و تطور حركة عبد الله بن الزبير ، و المختار بن عبيدة الثقفي .

4 ـ و بعد ذلك أخذت الثورات تتوالى، حيث ظهرت ثورة التوابين و التي تعتبر أثراً مباشراً لثورة الحسين (عليه السّلام) حيث كانت شعاراتهم يا لثارات الحسين ، و لم تهدأ هذه الثورة حتى تكون ثورة المختار، و الذي قام من أجل الثأر لدماء الحسين (عليه السّلام)، و يتمكن المختار من عمل عسكري مهم و عمل سياسي أهم ، أما العمل العسكري فهو القضاء على الجيش الأموي، و قتل عبيد الله بن زياد الذي كان يقود هذا الجيش ، و العمل السياسي هو تصفية الكوفة من جميع قتلة الحسين (عليه السّلام)، و من أنصار الأمويين . و قد استمر هذا التحرك و الرفض في الأمّة حتى تمت الإطاحة بالحكم الأموي بعد عدة عقود من الزمن . هذا من جهة .

و من جهة أخرى فإنّ الحسين (عليه السّلام) أصبح مثلاً أعلى لكلّ الثوار، و المناضلين من أجل التحرر و الإنعتاق من نير الظالمين و المستبدين . و عندما يغدو المرء ملهماً للثوار فهذا دليل انتصار لا هزيمة ، و عندما تزلزل دماءه الزكية عروش الظالمين فهذا دليل نصر مؤزر لا مأساة مروعة . .

و لكنّ السؤال هنا ماهي النقاط و الوسائل التي أكد عليها الإمام في نهضته، و كان لها الدور و التأثير البالغ في ضمير الأمّة و إرادتها ، ثمّ كان لها هذا التأثير البالغ في جميع الأجيال و العصور ؟

في معرض الجواب على هذا السؤال يجدر بنا أولاً أن نعالج العناوين التالية :

1 ـ دراسة دوافع الثورة الحسينية، و أسباب هذه الحركة التي قام بها الإمام الحسين (عليه السّلام)

2 ـ الجواب على السؤال الذي لازال موجوداً في كثير من أذهان الدارسين و الباحثين عن ثورة الحسين (عليه السّلام) ، هذا السؤال هو : لماذا لم يكن هدف الحسين (عليه السّلام) هو الوصول على السلطة . ثمّ الأهمّ من ذلك ، لماذا لم يتحقق للحسين (عليه السّلام) أن يصل إلى تغيير الحكم و الإطاحة بنظام يزيد بن معاوية ؟ و بصدد الجواب على هذا السؤال نفسه ، لابد لنا من

1 ـ أن نتعرف على الشروط الأساسية العامة التي يجب أن تتوفر في الثورة الناجحة.

2 ـ الفحص على وجود هذه الشروط الأساسية و توفرها في ثورة الحسين (عليه السّلام) أو عدم توفرها .

3 ـ إذا وجدناها متوفرة في ثورة الحسين (عليه السّلام) ، يطرح السؤال نفسه مرة أخرى و هو : لماذا لم تتمكن ثورة الحسين (عليه السّلام) من أن تحقق هدف الإطاحة بحكم يزيد ، على الرغم من إنّها كانت تستجمع الشروط التي لابد لكلّ ثورة ناجحة أن تستجمعها ؟

دوافع الثورة الحسينية :

التفسيرات التي تطرح عادة في تبيين دوافع الحركة الحسينية يمكن تصنيفها إلى صنفين :

الصنف الأول :

 التفسيرات التي أعطيت من بعض المستشرقين ، من بعض المسلمين ، من بعض الحكام أنفسهم في زمن الإمام و بعده ، قسم من هذه التفسيرات نصنفها و نجعلها في عداد التفسيرات الباطلة، لأنها ناتجة من أغراض و نوايا سيئة نجد بذورها منذ زمن الحكام الأمويين، و قد نجد الباحثين المتأخرين قد تأثروا بتلك الكلمات التي يجدونها مبثوثة في بعض الكتب التاريخية ، و قسم من هذه التفسيرات الباطلة قد تكون ناتجة من أن أصحاب التفسير و التحليل التاريخي لقضية الحسين (عليه السّلام) و هم بعيدون كُلّ البعد عن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عن حقيقة الأئمة و معنى الإمامة ، و يمكننا هنا أن نشير إلى تفسيرين مشهورين في هذه القائمة ، قائمة التفسيرات الباطلة و المنحرفة ، ربما يجدها الإنسان في بعض الكتب التاريخية و بعض الدراسات الإستشراقية .

التفسير الأول : ثورة الحسين (عليه السّلام) صراع قبلي:

فُسّرَت الحركة التغييرية للحسين (عليه السّلام) في بعض كتب التاريخ و بعض كتب الاستشراف على أساس أنّ حركة الحسين كانت حركة قبلية ( عشائرية )، تعبّر عن الصراع المحتدم بين قبيلتين قرشيتين ، كانتا تتصارعان على السلطة و الهيمنة قبل الإسلام ، و استمّر هذا الصراع بينهما إلى ما بعد الإسلام ، ذلك هو الصراع بين بني هاشم و بني أمية ، و حاول هذا التفسير أن يستشهد لما ذهب إليه ببعض الأشعار و القصائد و قد أنشدها بعض الشعراء من مثل الأخطل و غيره أو بعض الأشعار التي ذكرها بعض السلاطين و الحكام الجاهلين أنفسهم كشعر يزيد الذي يقول فيه :

لـيت أشـياخي بـبدر شهدوا       جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهـلـوا و اسـتهلوا 
فـرحاً      ثـمّ  قـالوا يـا يزيد لا تشل
لـعبت هـاشم بـالملك 
فـلا      خـبر  جـاء و لا وحي نزل

كما استشهدوا بواقع المجتمع الإسلامي آنذاك، الذي كان يسوده النظام القبلي رغم مجيئ الإسلام ، حيث بقيت هذه العشائر و أعرافها و مزاجها و طبيعتها لها الدور البالغ في تسيير الأمور الاجتماعية و السياسية للأمة .

الحقائق الثابتة ترفض هذا التفسير :

لا يمكن قبول هذا التفسير للأسباب التالية :

1 ـ هذا التفسير يتنافى مع أصل العقيدة الإسلامية، لأنّه يبتني على قاعدة ترفض الإيمان بحسب الحقيقة ، و تعتبر الحسين، و الأئمة، و الرسول الكريم جميعاً منطلقاتهم منطلقات من هذا القبيل ، و هذا يرجع إلى عدم الإيمان بنبوة الرسول، و صدقه و الأئمة فيما كانوا يفصحون عنه، و يبينونه من رسالة و من قيم كلها ترفض بشدّة أمثال هذه المقولات ..

إذن فمن ناحية المعتقد هذا تفسير يتنافى مع أصل العقيدة الإسلامية، فضلاً عن العقيدة الخاصة في حقّ أهل البيت (عليه السّلام) الذين طهرهم الله و اذهب عنهم الرجس ، و هذا معنى من معاني الرجس أن يكون دوافعه و منطلقاته عشائرية قبائلية جاهلية .

2 ـ أمّا من الناحية التاريخية ، عندما يراجع الإنسان التاريخ يجد أنّ هذا التفسير لا يمكن أن يقبل حتى لو قطعنا النظر عن الجانب العقائدي في هذه المسألة ، فملاحظة التاريخ و دراسة ما وقع في التاريخ الإسلامي دراسة موضوعية علمية ، تكشف للإنسان بأقلّ التفاتة ، أنّ هذا الصراع بحسب الحقيقة لا يمكن أن يكون صراع بين قبيلتين و أنّ دوافعه الحقيقية إحساسات عشائرية أو قبائلية أو شيء من هذا القبيل ، كيف و أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بحسب تاريخه أوّل من عارض هذه الفكرة، و طبقها في حقّ نفسه و في مجتمعه ، سلمان الفارسي يجعله محمدياً بينما أبا لهب يجعله كافراً ، هل هناك ما هو أوضح من هذا دلالة على أنّ عمل النبي و سلوكه و تفكيره لم يكن عشائرياً .

3 ـ لو كانت المسألة مسألة قبيلة و عشيرة لكان ينبغي على الإمام الحسين (عليه السّلام) أن ينهض بعشيرته قبل أن ينهض بالغرباء البعيدين عن عشيرته ، كان ينبغي أن ينهض في موطن عشيرته و هو الحجاز، بينما المسألة لم تكن كذلك لا الحركة بدأت من موطن تلك العشيرة و لا المتحركين بهذه الحركة كانوا من أصحاب هذه العشيرة ، ذلك أنّ أصحاب الحسين (عليه السّلام) سواء كانوا من حيث الانتماء القبلي أو من حيث الانتماء القومي أو الشعوبي ، أو من حيث الانتماء لمستوى الثقافة أو مستوى الوضع الاجتماعي ، بل و حتى من حيث الانتماء المذهبي يمثلون نماذج و عينات متعددة و مختلفة ، حيث نلاحظ أنّ هناك اختلافاً عظيماً بين هؤلاء ، و لا يمكن أن تجمع كُلّ هؤلاء أو توحدهم قضية الصراع القبلي!!

إذن هذا التفسير مرفوض وذلك للاسباب التالية:

أوّلاً : عقائدياً، باعتبار أنّه يخدش في قضية الإيمان بنبوة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلّم).

ثانياً : علمياً من خلال مراجعة وقائع التاريخ .

ثالثاً : الإمام الحسين و من خلال تصريحه الأول و الذي يحدد فيه هوية تحركه التغييري ، بّين أنّ خروجه لم يكن إلاّ لطلب الإصلاح في أمّة جدّه، و هو هدف رسالي مبدئي، و ليس هدفاً قبلياً أو عشائرياً .

أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام)

(شبكة القطيف)

يمر على استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) أربعون يوماً، وقد قضى العقل والدين باحترام عظماء الرجال أحياء وامواتاً، وتجديد الذكرى لوفاتهم، وشهادتهم، واظهار الحزن عليهم، لا سيما من بذل نفسه، وجاهد حتى قتل لمقصد سام وغاية نبيلة.
وقد جرت على ذلك الأمم في كل عصر وزمان، فحقيق على المسلمين ــ بل جميع الأمم ــ أن يقيموا الذكرى في كل عام للإمام الحسين (عليه السلام)، فإنه قد جمع أكرم الصفات، وأحسن الأخلاق، وأعظم الأفعال، وأجل الفضائل والمناقب، علماً وفضلاً وزهادة وعبادة وشجاعة وسخاء وسماحة وإباء للضيم ومقاومة للظلم، وقد جمع إلى كرم الحسب شرف النسب.
وقد جاهد الإمام الحسين (عليه السلام) لنيل أسمى المقاصد، وأنبل الغايات، وقام بما لم يقم بمثله أحد، فبذل نفسه وماله وآله في سبيل إحياء الدين وإظهار فضائح المنافقين، واختار المنيّة على الدنيّة، وميتة العزّ على حياة الذل، ومصارع الكرام على اللئام، وأظهر من عزة النفس والشجاعة والصبر والثبات، ما بهر به العقول وحيّر الألباب واقتدى به في ذلك كل مَن جاء بعده، ومن يمتلك مثل هذه الصفات، فالحق أن تقام له الذكرى في كل عام وتبكي له العيون بدل الدموع دماً.
وبكى الإمام زين العابدين (عليه السلام) على مصيبة أبيه الإمام الحسين (عليه السلام) أربعين سنة، وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يبكي لتذكر المصيبة، ويستنشد الشعر في رثائه ويبكي، وكان الإمام الكاظم (عليه السلام) إذا دخل شهر محرم، لا يرى ضاحكاً وكانت الكآبة تغلب عليه، وقال الإمام الرضا (عليه السلام):
((إن يوم الحسين أقرح به جفوننا، وأسال دموعنا، وأورثنا الكرب، والبلاء إلى يوم الإنقضاء))، وقد حثوا شيعتهم وأتباعهم على إقامة الذكرى لهذه الفاجعة الأليمة في كل عام، وهم نعم القدوة، وخير مَنْ اتبع، وأفضل من إقتفي أثره، وأخذت منه سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فضل يوم الأربعين:
روي عن الإمام العسكري (عليه السلام) أنه قال: ((علامات المؤمن خمس صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم في اليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم)) بحار الانوار: 101 / 329.
وقال عطاء : كنت مع جابر بن عبد الله الأنصاري يوم العشرين من صفر، فلما وصلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها ولبس قميصاً كان معه طاهراً، ثم قال لي: أمعك من الطيب ياعطاء ؟ قلت: معي سُعد، فجعل منه على رأسه وسائر جسده، ثم مشى حافياً حتى وقف عند رأس الحسين (عليه السلام) وكبر ثلاثاً ثم خرّ مغشياً عليه، فلما أفاق سمعته يقول: السلام عليكم يا آل الله… ).
وكان يزيد قد أمر برد سبايا الحسين (عليه السلام) إلى المدينة، وأرسل معهم النعمان بن بشير الانصاري في جماعة، فلما بلغوا العراق قالوا للدليل: مُر بنا على طريق كربلاء، وكان جابر بن عبد الله الانصاري وجماعة من بني هاشم ورجال من آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد وردوا لزيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، فبينا هم كذلك إذ بسواد قد طلع عليهم من ناحية الشام، فقال جابر لعبده: إنطلق إلى هذا السواد وآتنا بخبره، فإن كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع إلينا لعلنا نلجأ إلى ملجأ، وإن كان زين العابدين (عليه السلام) فأنت حر لوجه الله تعالى، فمضى العبد فما أسرع أن رجع وهو يقول: يا جابر قمْ واستقبل حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، هذا زين العابدين قد جاء بعمّاته وأخواته، فقام جابر يمشي حافي الأقدام مكشوف الرأس إلى أن دنا من الإمام زين العابدين فقال الإمام
:(( أنت جابر))؟ فقال: نعم يابن رسول الله، فقال:(( يا جابر ها هنا واللهِ قُتلت رجالنا وذُبحت أطفالنا وسُبيت نساؤنا وحرقت خيامنا)).
وفي كتاب الملهوف: إنهم توافوا لزيارة قبر الحسين (عليه السلام) في وقت واحد، وتلاقوا بالبكاء، والحزن، وأقاموا المأتم، واجتمع عليهم أهل ذلك السواد، وأقاموا على ذلك أياماً
فضل زيارته (عليه السلام)
جاءت روايات كثيرة في فضل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) بل في وجوبها، منها: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ((من زار الحسين (عليه السلام) بعد موته فله الجنّة)) ـ .
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال:
((زيارة الحسين بن علي (عليه السلام) واجبة على كل من يقرّ للحسين بالإمامة من الله عزّ و جلّ))
وقال (عليه السلام):
(( زيارة الحسين (عليه السلام) تعدل مائة حجّة مبرورة، ومائة عمرة مـُتـَـقبـّـلة)) ـ أي تعدل بثوابها ـ
وروي: أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان ذات يوم جالساً وحوله عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال لهم:
((كيف بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتّى))؟ فقال له الحسين (عليه السلام):(( أنموت موتاً أونقتل))؟ فقال:(( بل تقتل يا بني ظلماً، ويقتل أخوك ظلماً، وتشرّد ذراريكم في الارض)). فقال الحسين (عليه السلام):(( ومن يقتلنا يا رسول الله؟ قال: شرار الناس، قال: فهل يزورنا بعد قتلنا أحد؟ قال: نعم، طائفة من أمتي يريدون بزيارتكم برّي وصِـلـَتي، فإذا كان يوم القيامة جئتهم إلى الموقف حتى آخذ (بأعضادهم فأخلّصهم) من أهواله وشدائده)) ـ
وروى شيخنا المفيد (قدس سره) بأسناده إلى عليّ بن ميمون، عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام)، قال
: ((يا عليّ، بلغني أن قوماً من شيعتنا يمرّ بأحدهم السنة والسنتان لا يزور الحسين (صلوات الله عليه)))،
قلت: جعلت فداك، اني أعرف ناساً كثيراً بهذه الصّفة،
قال: ((أما والله لحظّهم أخطأوا، وعن ثواب الله زاغوا، وعن جوار محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تباعدوا))،
قلت: جعلت فداك، في كم الزيارة؟
قال:(( يا علي، إن قدرت أن تزوره كل شهر فافعل)) .

وعن محمد بن داود بن عقبة، قال: كان لنا جار يُعرف بعلي بن محمد، قال: كنت أزور الحسين (عليه السلام) في كل شهر، قال: ثم علت سِنِيّ وضعف جسمي وانقطعت عنه مدّة، ثم وقع إليّ أنها آخر سِنِيّ عمري، فحملت على نفسي وخرجت ماشياً، فوصلت في أيام، فسلّمت وصليت ركعتي الزيارة، ونمت، فرأيت الحسين (صلوات الله عليه) قد خرج من القبر.
فقال لي:
((يا علي، لم جفوتني وكنت بي برّاً))؟
فقلت: يا سيدي، ضعف جسمي وقصرت خطاي، ووقع لي أنها آخر سِنِيّ عمري فأتيتك في أيام، وقد روي عنك شيء أحبّ أن أسمعه منك.
فقال:
((قـُـل)).
قال: فقلت: روي عنك
((من زارني في حياته زرته بعد وفاته)).
قال:
((نعم)).
قلت: فأروه عنك ((من زارني في حياته زرته بعد وفاته)).
قال:
((نعم، أروِ عنّي، من زارني في حياته زرته بعد وفاته، وإن وجدته في النار أخرجته)).

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الشعائر الحسينية... الجذور والمعطيات
إباء الإمام الحسين ( عليه السلام ) عن الضيم
اصحاب الامام الحسين عليه السلام يوم الطف
وصول سبايا الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى ...
جذور التشيع في تركيا من أين يمتد ؟!
مناقب الحسنين(عليهما السلام) في الصحيحين
عاشوراء في خطابات القادة
قصيدة تلقى قبل اذان الصبح في حضرة الامام الحسين ...
الملهوف على قَتلى الطفوف
في رثاء الحسين ( عليه السلام ) للعرندس

 
user comment