عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

الامام علي ومشكلة نظام الحكم


النظام الذي أعقب علياً (ع)
لقد انهار النظام الاسلامي كله بوصول معاوية بن أبي سفيان إلى الحكم. فقد ارتد الخليفة الجديد في موضوع تعيين الحاكم وفي صلاحياته، وفي موضوع حقوق الإنسان وحرياته، وفي غيرها... الأمر الذي عُبّر عنه بإقامة \"الملك العضوض\" بدلاً من \"الخلافة\". فكيف مارس معاوية مهماته؟
الحق في السلطة:
لقد كان المعين لمعاوية في وصوله إلى السلطة، \"قميص عثمان\"، إذ أن العامل الأموي على الشام ترك عثمان يحاصر ويقتل مع استصراخه له.
وبعد أن قتل عثمان تصدى معاوية، تحت ستار الثأر له، إلى مقاتلة الخليفة الشرعي علي بن أبي طالب، حتى إذا اغتيل علي، توصل معاوية إلى الاستيلاء على حكم المسلمين.
إذاً أقام معاوية سلطته على الأساس القبلي، الذي أتى الإسلام لينسفه، معتمداً الاتهامات غير الصحيحة، ومتوسلاً بالخداع وحجب المعلومات الحقيقة، حتى إذا وصل إلى ما يريد، كشف عن أغراضه بكل وضوح، فكانت مبادىء حكمه هي التالية:
مهمة الحاكم:
بعد أن كانت مهمة الخليفة، تعليم الرعية ووعظهم والنصح لهم، إضافة إلى إشاعة العدل وتوفير الفيء وإقرار النظام تحولت في زمن معاوية إلى تأمُّر وتسلُّط مبني على الاستخفاف بالعهود، التي قدّسها الإسلام. فقد أعلن عندما وصل الكوفة، أنه لن يلتزم بأي اتفاق، وأنه لا يريد إلاّ التحكم، وذلك في خطابه الذي جاء فيه: \"يا أهل الكوفة، أترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج، وقد علمت أنكم تصلّون وتزكّون وتحجّون، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم، وألي رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا أن كل دم أصيب في هذه الفتنة مطلول، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين\".
أما خطابه لأهل المدينة، من أبناء المهاجرين والأنصار، فلم يكن أفضل، إذ يعلن أنه حكمهم بالقوة ويرفض السير على نهج أبي بكر وعمر، فهو يقول: \"اما بعد، فإني والله ما ولّيتها بمحبة علمتها منكم، ولا مسرّة بولايتي، ولكني جالدتكم عليها بسيفي هذا مجالدة... وقد رُضتُ لكم نفسي على عمل ابن أبي قحافة واردتها على عمل عمر، فنفرت من ذلك نفاراً شديداً\".
أما التعليم والتأديب والنصيحة، التي التزم بها الخلفاء الأول فقد تحولت في ايام معاوية إلى رشوة وتجهيل وإخافة، واستمرت في عهد خلفائه، حتى أن \"الشيوخ من أهل الشام (كانوا) يقسمون لأبي العباس السفاح، أنهم ما علموا لرسول الله (ص) قرابة ولا أهل بيت يرثونه، غير بني أمية، حتى وليتم الخلافة\".
هذا وكان معاوية أعلن بنفسه جهل أهل الشام بمن بنوا الإسلام، يوم قال مخاطباً عمار بن ياسر: \"إن بالشام مئة ألف فارس، كل يأخذ العطاء، مع مثلهم من أبنائهم وعبدانهم، لا يعرفون علياً ولا قرابته، ولا عماراً ولا سابقته، ولا الزبير ولا صحابته، ولا طلحة ولا هجرته، ولا يهابون ابن عوف ولا ماله، ولا يتقون سعداً ولا دعوته\".
حق الإنسان بالحياة:
كان معاوية يستخف بهذا الحق استخفافاً ملفتاً، إذ فكّر بأبادة جزء من الموالي، وذلك لا لذنب سوى أنهم موالٍ، وقد ينتفضون على العرب وعلى الحكم يوماً ما. فهو يقول للأحنف بن قيس: \"إني رأيت هذه الحمراء قد كثرت... وكأني أنظر إلى وثبة منهم على العرب والسلطان، فقد رايت أن أقتل شطراً وأدع شطراً لإقامة السوق وعمارة الطريق\". وقد سار خلفاؤه على تزكية الحساسيات بين الموالي والعرب، فكان الحجاج يخاطب الموالي بالعلوج والأعاجم، ويبقي الجزية على مسلميهم حفاظاً على مداخيله. وقد كتب إلى عماله: إن الخراج قد كسر، وأن أهل الذمة قد دخلوا الإسلام ولحقوا بالأمصار\"، فأمر بإرجاعهم وإبقاء الجزية والخراج عليهم.
كما أن معاوية أمر بسم الحسن بن علي (ع)، وقتل حجر بن عدي وأصحابه، كما قتل عمرو بن الحمق الخزاعي، لا لسبب، إلا لأنه كان يخشى منافسة الأول لورثته من بعده، ولكي يسكت أي صوت يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. فقد كان السبب في قتل حجر بن عدي وصحبه، أنهم استنكروا عدم احقاق الحق على يدي عامله زيادة العراق، بعدم القود من مسلم عربي قتل ذمياً، وكانت النتيجة أن أمر معاوية بقتله مع عدد من الرجال ممن رأوا رأيه.
وقد أصبح القتل من أسهل الأمور عند الأمويين فيما بعد، حتى وصل الحال بخالد بن عبد الله القسري، عامل الأمويين على العراق، أن يذبح الجعد ابن درهم في أسفل المنبر يوم عيد الأضحى، معلناً انه سيضحي به، وذلك لأن الجعد يحمل رأياً لا يروق السلطة، لا لأنه كافرا أو مرتد. إلى جانب إزهاق آلاف الأرواح بدون حق\".
الحق بالملكية الخاصة:
لم يصن معاوية هذا الحق، وكانت مسألة العطاء هي المسألة التي جرى خرق التعاليم الإسلامية بخصوصها، فلم يكتف معاوية بالرشاوى، بل عمد إلى المعاقبة بقطع العطاء عمن لا يؤيده، حتى ولو كان مستعداً للجهاد، الأمر الذي أخلّ بمبدأ المساواة إخلالاً فظيعاً.
فعلى صعيد الرشاوى، كان معاوية يمنح المال إلى المقربين منه، ولعل مساوماته مع عمرو بن العاص حول إعطائه مصر طعمة له، ما يبرز طبيعة وحجم تلك الرشاوى.
أما الحرمان من العطاء فقط طال مؤيدي علي، إلاّ من بقي يراوده الأمل في إسكاته أو تقريبه، ولكن الفئة التي يكرهها الأمويون، والتي منيت بالحرمان بشكل ملفت هم الأنصار، باستثناء عدة أشخاص منهم كالنعمان بن بشير بن سعد، الذي كان أبوه عيناً لقريش بين الأنصار يوم السقيفة.
وهكذا فقد أتى وفد الأنصار يطالب بحقوقهم، وقدّموا على رأسهم النعمان بن بشير نفسه، ليشفع لهم، وهم يشكون الفقر والفاقة، وقالوا لمعاوية: \"لقد صدق رسول الله في قوله لنا: \"ستلقون بعدي أثرة\" فقد لقيناها\".
فقال معاوية: فماذا قال لكم؟
قالوا: قال لنا: فاصبروا حتى تردوا علي الحوض.
قال معاوية فافعلوا ما أمركم به، عساكم تلاقونه غداً عند الحوض، كما أخبركم. وحرمهم ولم يعطهم شيئا.
على أن تصرّف معاوية هذا فتح الباب فيما بعد، ليزيد ابنه ليفتك بهم، ويستبيح المدينة تقتيلاً لرجالها، واغتصابا لعذاراها، في وقعة الحرة الشهيرة.
وأما سلوك معاوية الشخصي فكان على نقيض الخلفاء، فقد كان يلبس الحرير ويشرب في آنية من الذهب والفضة، وهذا ما كان يستنكره كبار المسلمين، حتى قال له أبو الدرداء يوماً: إني سمعت رسول الله (ص) يقول: \"إن الشارب فيهما لتجرجر في جوفه نار جهنم\". فأجاب معاوية: أما أنا فلا أرى بذلك بأسا\".
ولعل هذا ما فتح الباب واسعاً لخلفاء بني أمية حتى يتنعّموا بأموال المسلمين، حتى أن هشام بن عبد الملك كان \"لا يحمل ملابسه\" إلا سبعماية جمل من أجلد ما تكون من الإبل، وأعظم ما يحمل عليه من الجمال.
شرعية الجرائم والعقوبات:
لقد وجّه معاوية ضربة قاصمة إلى التشريع الإسلامي، عندما عبث بأحد المصدرين الرئيسيين لهن حسب إجماع المسلمين، فقد أمر عماله بالبراءة ممن يروي الأحاديث في فضل علي، كما أمر بوضع الأحاديث لصالح الصحابة، وبأن يوضع في مقابل كل حديث في علي حديث في أحد الصحابة. فقد روى المدائني في كتاب \"الأحداث\": أن معاوية كتب نسخة موحدة إلى عماله بعد استيلائه على الحكم: \"أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته\". كما كتب نسخة أخرى: \"أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان وأهل ولايته، من الذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم\"، ففعلوا.
وكانت النتيجة أن \"ظهر حديث كثير موضوع وبهتان، فنشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان اعظم الناس في ذلك بلية، القرّاء المراؤون المستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقرّبوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين، الذي لا يستحلّون الكذب والبهتان، فتقبلوها ورووها على أنها صحيحة.
وإذا علمنا أن القرآن حمّال ذو وجوه، وأن السنة هي المفسّرة الدقيقة له في الكثير من الأحكام، أدركنا أي انقلاب على الاسلام قام به معاوية، بحيث نسف اسسه من الأعماق.
ثم عيّن الخلفاء الأمويون، من البيت المرواني، الحجاج بن يوسف، الذي طبّقت شهرته الآفاق في القتل والصلب والتقطيع والتخليد في السجون.
على أن جرائم معاوية لم تطل فقط من لم يكن مؤيداً له، فهو كان لا يقيم وزناً حتى لذمة رسول الله، فكان يأمر بالإغارة على أطراف العراق وعلى سواده، بقصد القتل، حتى لو طال القتل النصارى. وهذا ما أنّبه علي (ع) من أجله حين قال له: \"ويحك وما ذنب أهل الذمة في قتل ابن عفان؟\".
هذا وكان معاوية يحاول أحياناً كثيرة إهانة كبار المسلمين وقتلهم، ولكنه كان يتراجع عندما يجد عندهم الحزم، ويخاف قبائلهم، دون مراعاة لكتاب أو سنة.
أما سائر خلفاء الأمويين، فقد تخلّوا عن المرونة الظاهرية بعد أن استتب لهم الحكم. فهذا عبد الملك بن مروان يرفض أي نقد أو توجيه، ويصرّح في خطبة له: \"والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه\".
ويسير عمال بن أمية على النهج الجديد، فالحجاج بن يوسف، الذي مات عن خمسين ألف سجين عدا المصلوبين والمقطعين، يقول: \"والله لا آمر أحداً أن يخرج من باب من ابواب المسجد، فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه\".
هذا وقد أعلن عدد من الخلفاء اللاحقين، من بني أمية، تعاليمهم على الناس، وعدم قبولهم بما كان يتقبله اسلافهم. فقد ودّع عبد الملك بن مروان القرآن عندما بويع له بالخلافة، وقال: \"هذا آخر عهدنا بك\". وخطب على منبر رسول الله(ص) يقول: \"يا معشر الأنصار إنكم لا تحبوننا أبداً وأنتم تذكرون يوم الحرة، ونحن لا نحبكم أبداً ونحن نذكر مقتل عثمان\" ويضيف \"الا أني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلاّ بالسيف، حتى تستقيم لي قناتكم... ألا أن الجامعة (القيد الذي يجمع اليدين إلى العنق) التي جعلتها في عنق عمرو بن سعيد عندي، والله لا يفعل أحد فعله إلا جعلتها في عنقه\".
أما ابنه الوليد، فكان فعلاً ابن السلالة الأموية. وها هو يخاطب في رعيته بقوله: \"إنكم كنتم تكلمون من كان قبلي من الخلفاء بكلام الأكفّاء، وتقولون: يا معاوية ويا يزيد وإني أعاهد الله! لا يكلمني أحد بمثل ذلك إلاّ أتلفت نفسه\". وهو الذي كان يستفسر مستنكراً: \"أيمكن للخليفة أن يحاسب\". وقد أتى أخوه يزيد بأربعين شيخاً فشهدوا له: \"ما على الخليفة من حساب ولا عذاب\".
أما الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك فقد كان يرمي القرآن بالنبل ويقول:
\"أتوعد كل جبار عنيـد
فهـا أنا ذاك جبـار عنيد
إذا لاقيت ربك يوم حشر
فقل يـا رب مزّقني الوليد
وقد عزم على أن يحج ليشرب الخمر فوق ظهر الكعبة. ولما قتل خاطبه أخوه سليمان قائلاً: \"أشهد انه كان شروباً للخمر ماجناً فاسقاً ولقد راودني عن نفسي\".
هذا وقد تمادى خلفاء بني أمية وعمالهم في تجاهل الشرع، فإسترقّوا المسلمين وأبقوا الجزية على بعضهم. فقد سبى زياد ذراري قريب وزحاف الخارجين، ثم سبيت بنت لعبيدة بن هلال اليشكري وبنت لقطري بن الفجاءة المازني، وأم يزيد بن عمرو بن هبيرة واسترققن. كما سبي رجال من المسلمين واسترقوا أيضاً، كواصل بن عمرو القنا وسعيد الحروري. كما كانوا يبيعون الرجل في الدين، كمعز أبي عمير بن معن الكاتب، الذي اشتراه أبو سعيد بن زياد بن عمرو العنكي. وباع الحجاج علي بن بشير الماحوز، لأنه قتل رسول المهلب إلى رجل من الأزد. كل ذلك إلى جانب أخذ البيعة ليزيد من أهل المدينة بعد وقعة الحرة على أنهم عبيد أرقّاء ليزيد بن معاوية.
وأخيراً فإن الأمويين، بعد معاوية وبعد ما سنّ لهم من استباحة الشرائع، أرسوا تقاليد نبش القبور والتمثيل بالجثث، كما فعلوا بزيد بن علي بن الحسين، الذي نبشوا قبره، وأخرجوا جثته، ورموا برأسه في ارض الدار، يوطأ بالأقدام، وينقره الدجاج.
وكل هذه عقوبات مخالفة للقرآن والسنة، وخاصة لمبدأ \"شرعية الجرائم والعقوبات\".
الحريات العامة:
لم يكن معاوية يقيم أي وزن للحريات العامة، إلاّ مراعاة لموازين القوى. فكان يسكت على النقد والاستنكار ما داما لا يشكلان خطراً على حكمه، وقد سأله أحد أقربائه كيف يسمح لزعماء القبائل والعشائر بأن ينتقدوه، فقال له: أنحول بين الناس والسنتهم. فما داموا لا يهددون ملكنا فليقولوا ما يشاؤون\".
على هذا النهج سار معاوية، ضارباً بالحريات، خصوصاً في المجال السياسي، عرض الحائط. ففي مجال اختيار خليفته، عبث معاوية بمسألة البيعة إلى الدرجة التي اختار فيما ابنه يزيد خليفة له، وهو لم يكن من المسلمين إلاّ في بعض الظاهر إذ كان سكّيراً قاتلاً يلاعب القرود، وقد مات فيما كان يجري سباقاً مع قرد، فوقع من فوق الحصان وعلقت رجله بالركاب، وجرّه الحصان حتى مات، وهو الذي قتل الحسين (ع)، وأصحابه في سنته الأولى، واحتل المدينة واباح رجالها ونساءها لجيشه بعد موقعة الحرة في السنة الثانية، وأمر بدكّ الكعبة في السنة الثالثة.
أما عن كيفية أخذ البيعة من المسلمين، ليزيد فكانت صفعة للإسلام، وخاصة في فكرة السياسي، فقد أجلس معاوية ابنه يزيد لأخذ البيعة، فتولى الأمر من بين من تكلموا، يزيد بن المقنّع، فقال مشيراً إلى معاوية: \"أمير المؤمنين هذا. فإن هلك، (وأشار إلى يزيد) فهذا، فمن أبى (وضرب يده على السيف) فهذا.
ثم أن معاوية، بعد أخذ البيعة لابنه في الشام، توجه إلى المدينة فجمع أبناء المهاجرين والأنصار، ودعا إلى البيعة من على منبر رسول الله (ص)، موقفاً حواليه كبار المسلمين، موكلا حرسه بهم مع أوامره بضرب عنق من يحاول الكلام منهم، فيما يشهد هو عن السنتهم بأنهم بايعوا يزيد.
وقد ذهبت هذه العادة سنّة في بني أمية، فقد أوصى عبد الملك بن مروان ابنه الوليد بقوله: \"وادع الناس إذا مت إلى البيعة، فمن قال برأسه هكذا (أي رفض)، فقل بسيفك هكذا (أي اضرب عنقها).
كما أن سليمان بن عبد الملك، دعا بقرطاس وكتب فيه العهد لخليفته وختمه، وأرسل من ينادي في الناس قائلاً: \"إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب\". ولما شعر بأن البعض يتساءلون، رجع إلى سليمان، فأمره بأن ينطلق إلى صاحب الشرطة، ثم يجمع الناس ويأمرهم بالبيعة فمن أبى ضرب عنقه.
أما في الجوانب الأخرى من الحريات التي أرساها الإسلام، فلم يكن الشرع يعرف طريقه إلى التطبيق، بعدما شجع معاوية من أتى بعده على الاستبداد والتحكم الكيفي، فكان انتهاك حرمات المنازل، وقتل الأطفال أمراً مألوفاً. فبسر بن أرطأة، الذي كلفه معاوية بالترويع والقتل في الحجاز واليمن دخل بيتاً فيه طفلان لعبيد الله بن العباس، فضربهما بالأرض فماتا، واستهل حلفاء معاوية أمر انتهاك الحرمات، فدخلوا دور بني هاشم، أيام يزيد، وسائر بيوت المدينة عنوة، فقتلوا واغتصبوا النساء وسبوهن، وما سبي بنات رسول الله (ص) بعد مقتل الحسين إلاّ القمة التي وصل إليها هؤلاء القوم في انتهاك حرمة الإسلام، وليس حرمة البيوت وحسب.
المساواة:
لم يكن معاوية مؤمناً بالمساواة، وكان يدّعي للناس أن قريشاً كان يحوطهم الله على كفرهم، فكيف وهم مسلمون، فلم يكن يعطي بالسوية، بل كان يعطي المال إما رشوة، وإمّا بسبب القرابة. وقد تحوّل بنو أمية إلى فئة ارستقراطية نتيجة لهذه المعاملة.
وكان التسويغ الذي يستخدمه معاوية، هو أن المال مال الله وهو وكيل الله، فباستطاعته توزيع المال كما يشاء. وقد أجابه أبو ذر الغفاري على هذا الادعاء: بأن المال مال المسلمين، ولهم حقوق معلومة فيه ومحددة، الأمر الذي دفع به إلى التخلص من أبي ذر، وكان ذلك في زمن عثمان.
الغدر ونقض العهود:
لم يكن معاوية يقيم وزناً للعهود، وحتى الموثقة منها بالأيمان المغلّطة، رغم تشديد القرآن والرسول وقادة الاسلام على الوفاء بالوعد. فقد نقض معاوية ما تعهد به للحسن بن علي (ع)، كما رأينا، ولمّا يجفّ حبره، وكذلك هو تعهد لجعدة بن الأشعث بن قيس، إن هي سمّت الإمام الحسن، بتزويجها من يزيد وحنث، كما حنث مع عبد الله بن سلام الذي دفعه إلى طلاق زوجته أرينب بنت إسحاق ليزوّجها إلى يزيد، واعداً زوجها بأن يزوجه ابنته، فلما طلُّق عبد الله بن سلام أرينب، لم يف له معاوية بما وعده، كما تراجعت ابنة معاوية عن وعدها له.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

القضية الفلسطينية في كلمات الإمام الخميني ( قدس ...
لا توفيق مع الغشّ
تحرير المدينة المنورة والحجاز
من شهد واقعة الطف
آداب المعلّم والمتعلّم في درسهما
الألفاظ الدخيلة والمولَّدة
الحجّ في نهج البلاغة -4
مكانة الشهيد
المجالس والبعد السياسي
المهدي المنتظر يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ...

 
user comment