عربي
Tuesday 19th of March 2024
0
نفر 0

المهـدوية في الغـرب الإسـلامي بين الرمز الديني والتوظيف السياسي

شهد الغرب الإسلامي عبر تاريخه المديد الكثير من الحركات المذهبيّة والدعوات السياسيّة التي رامت التّغيير والإصلاح، وإذ لم يكن أمامها مندوحة من استثمار عناصر القوّة في محيطها، فقد عمدت إلى استلهام ما كان سائدا لدى المغاربة -وقد عدّه ابن خلدون من خصائصهم- من \"وقوع الخوارق فيهم وظهور الكاملين في النّوع الإنساني من أشخاصهم\"( )، ولعلّه كان من أقوى الأسباب الباعثة على اكتسابهم الاستعداد للالتفاف حول مدّعي المهدويّة.
ومن المسلّم به أن أبرز حركة سياسيّة قامت في بلاد الغرب الإسلامي على أساس الفكرة المهدويّة، وشكّلت منعطفا حاسما في تاريخ المنطقة، إنّما هي حركة الموحّدين التي استندت في انبعاثها إلى دعوة المهدي بن تومرت.
وكان ابن تومرت قد شرع -منذ عودته من رحلته المشرقيّة- في بثّ دعاية سياسيّة مناهضة لحكم المرابطين بين قبائل جبل دَرَن( )، تمهيدا للدّخول في مواجهة حاسمة ضدهم. وكان قوام هذه الدّعاية السّياسيّة -وكما هو الحال في العصر الإسلاميّ الوسيط- توظيف النّصوص الدّينيّة، قصد تجريد السّلطة القائمة من مشروعيّتها، وإيجاد المبرّرات الشّرعيّة للقيام عليها.
ومن ثمّ، فقد لجأ ابن تومرت إلى اعتماد أسلوب ذكيّ في إيراد الأحاديث النّبويّة والاستدلال بها، إذ كان يسوقها في أنساق مدروسة، تفضي فيها المقدّمات المنتقاة إلى النّتائج المبتغاة؛ فهو يسوق أحاديث الفتن( )، بما يُعرب عن فساد الزّمان واختلال الأمر، حتّى إذا استقرّ في أذهان النّاس أنّ ما أنبأت به النّصوص مطابق لما يعيشونه في الواقع، لوّح لهم بالمخرج من الأوضاع المتردّية التي آل إليها الحال، وليس ذلك سوى المهدي الذي \"سيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا\"( )، ويسوق أحاديث \"المهدي المنتظر\"( ) بما لا يدع مجالا للشّكّ في أنّها تنطبق على شخصه( ).
ثمّ ينتقل خطوة ثالثة؛ فيسوق أحاديث مناقب أهل المغرب( )، تأييدا لما ألقاه في روع أتباعه من أنّهم على الحقّ الذي ليس عليه غيرهم من أهل الأرض( )، فإذا نجح في هذه، راح يعرّض بظلم الأئمّة، ويندّد بانحراف الأمراء( )، تحضيرا للقيام عليهم، وإعلان الجهاد ضدّهم( ).
وعلى الرغم من وفاة ابن تومرت قبل تحقيق مكاسب سياسيّة ملموسة، فإنّ المبادئ التي غرسها في نفوس أتباعه، من منطلق إيمانهم بإمامته ومهدويّته كان لها الأثر الفاعل في استمرار الحركة الموحّديّة ونجاحها في إقامة دولة عتيدة.
غير أنّ المهدويّة التومرتيّة قد أثارت من الجدل بين المؤرّخين قديما والباحثين حديثا ما لم يؤل معه إلى رأي حاسم، حول ما إذا كانت تنهل من معين الفكر الشّيعي، أم أنها لا تخرج عن دائرة المقرّرات السنيّة.
أمّا المؤرّخون القدامى؛ فذهب منهم عبد الواحد المرّاكشي إلى أنّ ابن تومرت \"كان يُبطن شيئا من التّشيّع، غير أنّه لم يُظهر منه إلى العامّة شيئا\"( ). ولعلّ ابن خلدون كان أكثر وضوحا حينما قال عنه إنّه \"كان من رأيه القول بعصمة الإمام على رأي الإماميّة من الشّيعة\"( ).
وما من شكّ أنّ لمثل هذه الأحكام -فضلا عمّا يُعتقد عند البعض من أنّ \"الحركات الثّوريّة في الإسلام تبنّت دائما إيديولوجيّة شيعيّة\"( )- أثرا في تبنّي عدد من الباحثين( ) القول بتشيّع ابن تومرت، بل إنّ منهم من قصد إلى الإعلاء من شأن حضور المؤثّرات الشّيعيّة في فكره، وراح يلتمس من القرائن ما يدلّل به على وقوعه تحت تأثير دعاة الباطنيّة الإسماعيليّة في المشرق، الذين يُعتقد أنّهم استوعبوه ضمن أحد تنظيماتهم السّرّيّة( ).
وقد تتأيّد هذه الدّعوى الأخيرة بما ذكره المؤرّخون المشارقة، من أنّه في أيّام الخليفة العبّاسيّ المستظهر بالله (487-512ﻫ/1094-1118م) -وهو ما يوافق وجود ابن تومرت في المشرق- \"غلت الأقطار بالباطنيّة\"( )، وتفاقم أمرهم حتّى \"استولوا على المعاقل والحصون\"( ).
بيد أنّ هذا التّوافق في التّوقيت، ليس إثباتا كافيا للجزم بباطنيّة ابن تومرت، فإنّ معاصره الفقيه ابن العربي -والذي حاولت الدّعاية الموحّديّة أن تقرن بينه وبين ابن تومرت في التّتلمذ للإمام الغزالي- على إقراره بالاتّصال بدعاة الباطنيّة في المشرق( )، إلاّ أنّه كان كدأب شيخه من أشدّ المناهضين للفكر الباطني( ). ثمّ إنّه لم يُؤثَر عن ابن تومرت -على ما يمكن أن يكون وظّفه في منهجه الحركي من أساليب استفادها من دعاة الباطنيّة- أنّه تبنّى مقالة عقديّة لهم ممّا بسطه الغزالي في كتابه الذي ألّفه في الرّدّ عليهم( ).
وقد دارت دعوى تأثّره بالمقرّرات الشّيعيّة حول قوله \"بالإمام المعصوم والمهدي المعلوم\"، وهما من الركائز الأساسية في الفكر الشّيعي. 

- دعوى الإمام المعصوم: 

يقول ابن تومرت في رسالة له عن الإمامة؛ إنّها \"ركن من أركان الدّين، وعمدة من عمد الشّريعة، ولا يصحّ قيام الحقّ في الدّنيا إلاّ بوجوب اعتقاد الإمامة في كلّ زمان من الأزمان، إلى أن تقوم السّاعة؛ ما من زمان إلاّ وفيه إمام لله قائم بالحقّ في أرضه… ولا يكون الإمام إلاّ معصوما من الباطل… معصوما من الضّلال… معصوما من الجور…\"( ). ومثل هذا الكلام في الإمامة، والذي لا يكاد يخرج عن كلام الشّيعة فيها، يمنح ما قرّره بعض الباحثين( ) من تقاطع الفكر التّومرتي والفكر الشّيعي في مسألة القول ﺒ \"الإمام المعصوم\"، غير قليل من المصداقيّة والمشروعيّة.
إلاّ أنّ هذه القناعة، لا تلبث أن تصطدم بإقرار ابن تومرت -في رسالته الآنفة الذّكر- بإمامة الخلفاء الرّاشدين (الأربعة)( )، نظير عدم احتفائه بأئمّة الشّيعة المعتدّ بهم؛ إذ ليس بعد العصر الرّاشدي -فيما يقول- سوى \"أفراق وأهواء، ونزاع واختلاف…\"( )، لا ترتفع إلاّ على يدَي مهديّ آخر الزّمان، الذي يُقرّ له ابن تومرت بالإمامة( )، وهو -في الواقع- ليس سوى شخصه.
ويأتي إلحاحه -في موضع آخر من رسالته- على أنّ الإمامة \"معناها الاتّباع والاقتداء، والسّمع والطّاعة، والتّسليم وامتثال الأمر، واجتناب النّهي، والأخذ بسنّة الإمام في القليل والكثير\"( )، ليدعم ما ذهب إليه بعض الباحثين، من أنّ ابن تومرت \"لم تكن تهمّه الدّلالة النّظريّة للإمامة… وإنّما كان يهمّه المنحى العمليّ لها\"( ). ولذلك لم يكن جوهر إمامته \"نظريّا معرفيّا\"، بل كان \"عمليّا سياسيّا\"، من حيث إنّ مدارها كان على الطّاعة والامتثال والانقياد( ).
ويدعم أيضا ما ساقه ابن تومرت في تعريف الإمامة؛ رأي من ذهب إلى أنّ العصمة التي ادّعاها لنفسه \"درجة وسطى بين عصمة الشّيعة التي أثبتوها للإمام، وبين شروط الإمامة التي وضعتها سائر الفرق فيما يتعلّق بالعلم والعدالة\"( )، وهو بذلك يكون قد \"اقتبس صورة العصمة من الشّيعة، واقتبس محتواها من أهل السّنّة\"( ).
ويبرز بجلاء -حينئذ- البعد السّياسي لدعوى \"الإمام المعصوم\" في منظومة الفكر التّومرتي، وهو ما دعا باحثا( ) لأن يرى -بحقّ- في ابن تومرت \"أسطع نموذج\" حاول أن يقيم \"السّلطة\" على \"العصمة\". 

- دعوى المهدي المعلوم: 

شرع ابن تومرت منذ بواكير دعوته في تهيئة نفوس أتباعه لتقبّل إعلان مهدويّته، حتّى إذا التحق بمقرّه الحصين بتِينْمْلَلْ( )، وانحاشت إليه أعداد من قبائل الجبل، \"جعل يذكر المهدي ويشوّق إليه، وجمع الأحاديث التي جاءت فيه من المصنّفات. فلمّا قرّر في نفوسهم فضيلة المهدي ونسبه ونعته، ادّعى ذلك لنفسه\"( ).
ولقد ذهب أحد الدّارسين( ) إلى أنّ ابن تومرت أعلن نفسه \"المهدي المنتظر، والمنقذ الذي يقول به الشّيعة\". بينما تردّد آخر( ) في الحكم على مهدويّته؛ بين كونها \"مهدويّة شيعيّة معتدلة\"، أو كونها \"سارت في إطار سنّيّ محافظ\".
بيد أنّ الاعتقاد بظهور مخلّص؛ فضلا عن كونه ليس مقصورا على الشّيعة دون السّنّة من أهل الإسلام، فإنّه \"اعتقاد شائع في كثير من الدّيانات الشّرقيّة\"( ). وكلّ ما هنالك -فيما يتّصل بالوسط الإسلامي- أنّ المهدويّة لئن اتّخذت في التّصوّرات الشّيعيّة بعدا عقديّا بارزا، فإنّها عند أهل السّنّة على الرّغم من استنادها إلى منطوق النّصوص الحديثيّة، وحضورها ضمن المسائل الكلاميّة، إلاّ أنّها \"لم تصل البتّة لأن تتقرّر كعقيدة دينيّة\"( ).
وبالنّسبة للمهدويّة التّومرتيّة؛ فلئن ساعد الحضور الشّيعيّ في منطقة سوس( ) على التّرويج لنجاحها، واستقطاب الأنصار والمتعاطفين حولها؛ ولئن بدا وأنّ ابن تومرت \"كان مضطرّا لاصطناع فكرة المهدي ليشبع رغبة دفينة لدى جمهور البربر الذين افتتنوا به، وأرادوا أن يكون زعيمهم فوق مستوى البشر\"( ). فإنّ هذا المنزع الذي يعبّر عن \"ظاهرة محلّيّة عريقة\"( )، لا يعني –بالضّرورة- \"ارتباطا بالدّعوة الشّيعيّة\"( )، وهو ما أكّدته دراسة متخصّصة خلصت إلى أنّ المهدويّة التي تأتي مرادفة للإمامة في الفكر التّومرتي، مباينة لكلّ تصوّر شيعيّ( ).
إلاّ أنّ الملاحظ في تناول الحركات المهدويّة -عموما-، هو الاعتداد ببعدها السّياسيّ لا العقدي( )، وهو ما يبرّر ما خلص إليه العديد من الباحثين، من أنّ ابن تومرت قد وظّف المهدويّة \"توظيفا سياسيا\"( )، وحقّق من ورائها \"أهدافا سياسيّة ذات فعّاليّة تطبيقيّة متطوّرة مع الظّروف الدّينيّة والبيئة الاجتماعيّة المحلّيّة\"( ).
وبقدر ما اختلفت آراء الباحثين وتباينت أنظارهم حول المهدويّة التومرتيّة في طبيعتها وهويّتها، فلم تتفق كلمتهم -أيضا- حول تفسير مآلها وتحديد سبب إخفاقها.
وإذا كان خلفاء ابن تومرت لم ينفكّوا في خطبهم ورسائلهم عن الترضية على \"الإمام المعصوم، المهدي المعلوم\"( )، إلا أن تمسّكهم بإيراد هذه العبارة لم يخرج -في الواقع- عن دائرة الرّمز السّياسي، الذي لم يَرْق إلى درجة المعتقد الدّيني، حتّى إنّ الخليفة المنصور ما برح يتنصّل من دعوى المهدويّة والعصمة التّومرتيّتين، ويُسرّ إلى بعض خواصّه ببراءته منهما( ).
ولقد أفصح عن تلك الرّغبة وجسّدها ابنه المأمون، إذ أعلن -من مرّاكش سنة 626ﻫ/1229م- تنكّره لكلّ ما له صلة بالمهدي، وخطب في النّاس قائلا: \"أيّها النّاس، لا تدعوه بالمهديّ المعصوم، وادعوه بالغويّ المذموم، فإنّه لا معصوم إلاّ الأنبياء، ولا مهديّ إلاّ عيسى، وإنّا قد نبذنا أمره النّحيس\"( ). ثمّ إنّه أمر بإسقاط اسم المهدي من المخاطبات والسّكّة، ومن جميع رسوم الموحّدين، ممّا كان جاريا عليه العمل منذ قيام دولتهم( )، وكتب بذلك إلى سائر البلاد الخاضعة لحكمه( ).
وفيما يرى بعض الباحثين في نكوص الموحّدين عن \"الإيديولوجية التّومرتيّة\"، رِدّة حقيقيّة وقعت على المستوى الرّسمي نتيجة ضغوط مختلفة، خاصّة ضغط البيئة المالكيّة( )، وأنّ إدانة المأمون للمقرّرات الموحّديّة (التّومرتيّة) كان أقلّ ضررا من مقاومة المالكيّة لها( )؛ يرى البعض الآخر في قرار المأمون مجازفة بتشجيع المالكيّة الذين ظلّوا الأكثر عددا في رعيّته، وأنّه لم يسعه -مع ذلك- ولا خليفته من بعده الحصولَ على مهادنتهم( ).
ونحن إذ لا نهوّن من أثر الدّور المالكي في تراجع الموحّدين عن الإيديولوجية التّومرتيّة؛ استنادا إلى إفادات متنوّعة تصوّر لنا الفقيه المالكي –تارة- مائلا في تناوله للأحاديث الواردة في \"المهدي\" إلى توجيهها إلى ما محصّلته أن \"لا مهدي إلاّ عيسى\"( )، وتبرزه لنا –تارة أخرى- مُعرضا عن حضور صلاة الجمعة لِمَا يتداوله الخطباء فيها من ذكر ابن تومرت بتحالي العصمة والمهدويّة( )، وتقدّمه لنا –تارة ثالثة- مُخاطرا بحياته إذ جاهر بتكذيب الخطيب حين \"فَاهَ بعصمة المهدي\"( ). إلاّ أنّنا -من جهة ثانية- لا نرى في قرار المأمون مجازفة، بقدر ما نعدّه خطوة جريئة -ولو أنّها جاءت متأخّرة- من حاكم أمْلى عليه طموحه العملَ على كسب تأييد الاتّجاه السّنّي (المالكي) المتصاعد في بلاد المغرب، في الوقت الذي كان فيه الثّوّار المنتزون ببلاد الأندلس ينادون ببيعة الخليفة العبّاسي ببغداد( ).
وقد سمح البحث في كتابات النّقود الموحّديّة( ) بالوقوف على المنحى السّنّي في الانقلاب الذي تبنّاه المأمون؛ ففي حين كان مكتوبا على النّقود قبل عهده: (الله ربّنا، محمّد رسولنا، المهدي إمامنا)، أضحت تحمل على عهده العبارت الآتية: (الله ربّنا، محمّد رسولنا، القرآن إمامنا)، وعلى أخرى (الله ربّنا، محمّد رسولنا، القرآن كلام الله).
ومن شواهد تقرّب المأمون إلى الفقهاء ومراعاته لهم، ما يُروى من أنّه منع أبا عليّ الشَّلَوْبِين (ت 645ﻫ/1247م) من معاودة حضور مجلس \"المذاكرة في المذاهب\"، لِمَا فرط منه من وضع لسانه في أئمّة الفقه، وقيل له -على سبيل التّحذير أو الاعتذار-: \"أنت رجل لا تترك عادتك، وأئمّة الفقه ليسوا كأئمّة النّحو، ويُخشى عليك من أن تتعرّض لسفك دمك!\" ( ).
وفي المقابل حظي المأمون -حين تبرّأ من المهدي وأنكر ما كان عليه أسلافه من تعظيم أمره وتفخيم شأنه- بتأييد الفقهاء وتقريظهم، ومن ذلك قول الفقيه الأديب أبي عمرو بن خبّازة الفاسي (ت 637ﻫ/1239م) -مُنحيا على ابن تومرت( )-:
وَجَدَ النُّبُـوَّةَ حُلَّـةً مَطْـوِيَّةً لاَ يَسْتَطِيعُ الخَلْقُ نَسْجَ مِثَالِهَا
فَأَسَرَّ حَسْواً فِي ارْتِغَاءٍ يَبْتَغِي بِمُحَالِهِ نَسْـجاً عَلَى مِنْـوَالِهَا
بينما أزجى قصائد المديح للمأمون كلّ من الفقيهين: أبي عبد الله بن عسكر المالقي (ت 636ﻫ/1239م)، وأبي الحسن بن الفخّار الإشبيلي (ت 666ﻫ/ 1268م)( ).
ولئن اضطرّ خلفه الرّشيد -تحت إلحاح زعماء القبائل المصموديّة- إلى إعادة العمل بما أزيل من \"رسوم الدّعوة المهديّة\"( )، غير أنّ خطوته -تلك- كانت دون طائل، إذ أنّ التّملّص من فحوى الإيديولوجية التّومرتيّة، بات الطّابع المميّز لسياسة مَن تولّى مِن الخلفاء بعد الرّشيد. ونكاد نلمس ذلك من خلال ما أضفاه ابن القطّان( ) -مؤرّخ البلاط الموحّدي لعهد المرتضى- على مفهوم العصمة التّومرتيّة من دلالات تقصر بها على معنى امتناع صاحبها من أذى الخصوم والمتربّصين به. بل إنّ المرتضى -نفسه- لجأ -على سبيل المداراة والمجاملة لأهل سبتة- إلى إسقاط عبارة \"المهدي المعصوم\" من رسالة ديوانيّة صادرة عنه بتاريخ 14 رجب 648ﻫ/أكتوبر 1250م( ).
وإذ قُدّر للمهدويّة التّومرتيّة أن تنبعث -من جديد- بعد عصر الموحّدين في أوساط ما عُرف ﺑ \"طائفة العكاكزة\" بالمغرب الأقصى( )، فإنّ ذلك لم يكن سوى من قبيل اتّقاد الشّعلة قبل انطفائها. 

* * * 

ولنا نتساءل في الختام فيما إذا كان إخفاق المهدويّة التّومرتيّة -ومهدويّات أخرى على غرارها- لكونها تنطوي على مضمون ديني لم يتأتّ له أن يتماهى وتطلّعات المستضعفين من النّاس ويستجيب لانشغالاتهم، أم أن الأمر لم يعد مجرّد توظيف سياسيّ رهين نزعة برغماتية أضرّت بالمبدأ بدل أن تنجح في استثماره؟
بل ربما كان أكبر هاجس قد يساور الباحث بهذا الصدد: هل أثّر ظهور المهدويّات على مسرح التاريخ في استهلاك المرجعيّة الدينيّة لعقيدة المخلّص المنتظر، أم أنها لا تزال حيّة في النفوس تحتفظ بألقها وعنفوانها؟

لائحة المصادر والمراجع: 

1- المصادر:
الإدريسي، أبو عبد الله محمّد بن محمّد السّبتي (ت 560ﻫ/1165م): القارّة الإفريقيّة وجزيرة الأندلس؛ مقتبس من كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، تحقيق: إسماعيل العربي، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعيّة، 1983.
ابن تومرت، أبو عبد الله محمّد بن عبد الله السّوسي (ت 524ﻫ/1130م): أعزّ ما يُطلب، تحقيق: عمّار طالبي، الجزائر: المؤسّسة الوطنيّة للكتاب، 1985.
ابن حوقل، أبو القاسم محمّد بن علي البغدادي (ت 380ﻫ؟/990م؟): صورة الأرض، بيروت: دار مكتبة الحياة، د.ت..
ابن الخطيب، أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الغرناطي (ت 776ﻫ/1375م):
-أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام (القسم الثّاني)؛ نشر بعنوان: تاريخ إسبانيا الإسلاميّة، تحقيق: ليفي بروفنسال، ط02، بيروت: دار المكشوف، 1956.
-رقم الحلل في نظم الدّول، تونس: المطبعة العموميّة، 1898.
ابن خلدون، أبو زيد عبد الرّحمن بن محمّد الحضرمي (ت 808ﻫ/1405م):
-كتاب العبر وديوان المبتدإ والخبر في أيّام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السّلطان الأكبر، بيروت: دار الكتب العلميّة، 1992.
-المقدّمة، تحقيق: درويش الجويدي، بيروت: المكتبة العصريّة، 1995.
الدّبّاغ، أبو زيد عبد الرّحمن بن محمّد القيرواني (ت 699ﻫ/1299م): معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، تونس: المطبعة العربيّة التّونسيّة، 02-1907.
الذّهبي، أبو عبد الله محمّد بن أحمد الدّمشقي (ت 748ﻫ/1348م): سير أعلام النّبلاء، أشرف على تحقيقه: شعيب الأرنؤوط، بيروت: مؤسّسة الرّسالة، 81-1985.
رسائل موحّديّة:
-مجموع رسائل موحّديّة، نشر: ليفي بروفنسال، الرّباط: المطبعة الاقتصاديّة، 1941.
-رسائل موحّديّة -مجموعة جديدة-، تحقيق: أحمد عزّاوي، القنيطرة-المغرب: منشورات كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، 1995.
ابن رُشيد، أبو عبد الله محمّد بن عمر السّبتي (ت 721ﻫ/1321م): إفادة النّصيح في التّعريف بسند الجامع الصّحيح، تحقيق: محمّد الحبيب بن الخوجة، تونس: الدّار التّونسيّة للنّشر، د.ت..
ابن أبي زرع، أبو الحسن علي بن عبد الله الفاسي (حي سنة 726ﻫ/1326م): الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، تحقيق: عبد الوهّاب بن منصور، الرّباط: دار المنصور، 1973.
ابن سعيد، أبو الحسن علي بن موسى الغرناطي (ت 685ﻫ/1286م):
-اختصار القدح المعلّى في التّاريخ المحلّى، تحقيق: إبراهيم الأبياري، ط02، القاهرة: دار الكتاب المصري-بيروت: دار الكتاب اللّبناني، 1980.
-كتاب الجغرافيا، تحقيق: إسماعيل العربي، ط02، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعيّة، 1982.
الشّاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الغرناطي (ت 790ﻫ/1388م): الاعتصام، نشر: أحمد عبد الشّافي، ط02، بيروت: دار الكتب العلميّة، 1995.
ابن الطّقطقي، أبو جعفر محمّد بن علي (ت 709ﻫ/1309م): الفخري في الآداب السّلطانيّة والدّول الإسلاميّة، بيروت: دار صادر، 1966.
ابن عبد الملك، أبو عبد الله محمّد بن محمّد المرّاكشي (ت 703ﻫ/1303م): الذّيل والتّكملة لكتابي الموصول والصّلة، السّفر السّادس، تحقيق: إحسان عبّاس، بيروت: دار الثّقافة، 1973.
عبد الواحد المرّاكشي، أبو محمّد بن علي التّميمي (ت 647ﻫ/1249م): المعجب في تلخيص أخبار المغرب، تحقيق: محمّد زينهم محمّد عزب، طرابلس: دار الفرجاني، 1994.
ابن عِذاري، أبو العبّاس أحمد بن محمّد المرّاكشي (حي سنة 712ﻫ/1312م): البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، القسم الخاصّ بالموحّدين، تحقيق: محمّد إبراهيم الكتّاني وآخرون، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1985.
ابن العربي، أبو بكر محمّد بن عبد الله الإشبيلي (ت 543ﻫ/1148م):
-عارضة الأحوذي لشرح صحيح التّرمذي، بيروت: دار الكتاب العربي، د.ت..
-العواصم من القواصم، تحقيق: عمّار طالبي، ط02، الجزائر: الشّركة الوطنيّة للنّشر والتّوزيع، 1981.
الغزالي، أبو حامد محمّد بن محمّد الطّوسي (ت 505ﻫ/1112م): فضائح الباطنيّة وفضائل المستظهريّة، تحقيق: عبد الرّحمن بدوي، القاهرة: الدّار القوميّة للطّباعة والنّشر، 1964.
ابن القطّان، أبو محمّد حسن بن علي الكتامي (حي سنة 650ﻫ/1252م): نظم الجمان لترتيب ما سلف من أخبار الزّمان، تحقيق: محمود علي مكّي، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1990.
القلقشندي، أبو العبّاس أحمد بن علي المصري (ت 821ﻫ/1476م): صبح الأعشى في كتابة الإنشا، نشر بإشراف: محمّد عبد الرّسول إبراهيم، القاهرة: دار الكتب المصريّة، 1922.
المالكي، أبو بكر عبد الله بن محمّد (حي سنة 474ﻫ/1082م): رياض النّفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية وزهّادهم ونسّاكهم وسير من أخبارهم وفضائلهم وأوصافهم، تحقيق: بشير البكّوش، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1983.
المجّاصي، أبو عبد الله محمّد بن الحسن المكناسي (ت 1103ﻫ/1692م): نوازل المجّاصي، فاس: المطبعة الحجريّة، د.ت..
مجهول (حي سنة 783ﻫ/1381م): الحلل الموشّية في ذكر الأخبار المرّاكشيّة، تحقيق: سهيل زكّار وعبد القادر زمامة، الدّار البيضاء: دار الرّشاد الحديثة، 1979.
مسلم، أبو الحسين بن الحجّاج النّيسابوري (ت 261ﻫ/875م): الجامع الصّحيح، نشر بعناية: محمّد فؤاد عبد الباقي، القاهرة: دار الكتاب المصري-بيروت: دار الكتاب اللّبناني، د.ت..
المقّري، أبو العبّاس أحمد بن محمّد التّلمساني (ت 1041ﻫ/1632م): أزهار الرّياض في أخبار عيّاض، تحقيق: مصطفى السّقّا وآخرون، الرّباط: منشورات وزارة الأوقاف والشّؤون الإسلاميّة، 1980.
الوزّان، أبو علي الحسن بن محمّد الفاسي (حي سنة 957ﻫ/1550م): وصف إفريقيا، نقله عن النّسخة الفرنسيّة: محمّد حجّي ومحمّد الأخضر، ط02، بيروت: دار الغرب الإسلامي-الرّباط: الشّركة المغربيّة للنّاشرين المتّحدين، 1983.
الونشريسي، أبو العبّاس أحمد بن يحيى التّلمساني (ت 914ﻫ/1508م): المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب، أشرف على تحقيقه: محمّد حجّي، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 81-1983.

2- المراجع:
الإدريسي، علي: الإمامة عند ابن تومرت -دراسة مقارنة مع الإماميّة الاثني عشريّة، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعيّة، 1991.
إسماعيل، محمود: فكرة التّاريخ بين الإسلام والماركسيّة -مجموعة دراسات-، القاهرة: مكتبة مدبولي، 1988.
أمين، أحمد: المهدي والمهدويّة، القاهرة: دار المعارف، 1951.
بل، ألفرد: الفرق الإسلاميّة في الشّمال الإفريقي، تعريب: عبد الرّحمن بدوي، ط03، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1987.
بولقطيب، الحسين: \"ابن تومرت وتجديد الفكر الإسلامي\"، مجلّة الاجتهاد (بيروت)، ع 20/1993، ص59-83.
تسيهر، جولد: العقيدة والشّريعة في الإسلام، تعريب: محمّد يوسف موسى وآخران، بيروت: دار الرّائد العربي، د.ت..
توما، إميل: الحركات الاجتماعيّة في الإسلام، بيروت: دار الفارابي، 1980.
حايفي، مسعود: \"عقيدة الخلاص في الأديان السّماويّة\"، رسالة ماجستير، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلاميّة بقسنطينة، 1998.
حجاب، محمّد فريد: المهدي المنتظر بين العقيدة الدّينيّة والمضمون السّياسي، الجزائر: المؤسّسة الوطنيّة للكتاب، 1984.
ديورانت، ول: قصّة الحضارة، تعريب: محمّد بدران وآخرون، بيروت: دار الجيل، 88-1992.
صبحي، أحمد محمود: نظريّة الإمامة لدى الشّيعة الاثني عشريّة، القاهرة: دار المعارف، 1969.
ضريف، محمّد: تاريخ الفكر السّياسي بالمغرب -مشروع قراءة تأسيسيّة-، ط02، الدّار البيضاء: إفريقيا الشّرق، 1989.
طالبي، عمّار: آراء أبي بكر بن العربي الكلاميّة، الجزائر: الشّركة الوطنيّة للنّشر والتّوزيع، 1975.
عبد الحميد، سعد زغلول: محمّد بن تومرت وحركة التّجديد في المغرب والأندلس، بيروت: دار الأحد، 1973.
العُروي، عبد الله: مجمل تاريخ المغرب، ط04، بيروت-الدّار البيضاء: المركز الثّقافي العربي، 1994.
علاّم، عبد الله علي: الدّعوة الموحّديّة بالمغرب، القاهرة: دار المعرفة، 1964.
العلوي، هاشم: \"حركة المهدويّة في الغرب الإسلامي\"، مجلّة كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بفاس، ع 10/1989، ص177-187.
غراب، سعد: \"مرشدة ابن تومرت وأثرها في التّفكير المغربي\"، الكرّاسات التّونسيّة، ع 103-104/1978، ص107-137.
القاضي، وداد: \"الشّيعة البجليّة في المغرب الأقصى\"، ضمن أعمال المؤتمر الأوّل لتاريخ المغرب العربيّ وحضارته، تونس: ديسمبر 1974، منشورات الجامعة التّونسيّة، 1979، 1/165-194.
النّجّار، عبد المجيد:
-تجربة التّغيير في حركة المهدي بن تومرت، قرطاج: مطبعة تونس، 1984.
-المهدي بن تومرت، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1983.
يفّوت، سالم: ابن حزم والفكر الفلسفي بالمغرب والأندلس، الدّار البيضاء: المركز الثّقافي العربي، 1986.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

التفسيرالموضوعي
ثقافة الرجعة
توحيد العبودية للّه
فضائل أهل البیت علیهم السلام فی القرآن الکریم
القرآن الكريم ورأيه حول المرأة
إلى السيدة رقية عليها السلام
يا ليتَنا كنّا مَعكم
5شعبان ولادة الامام زين العابدين(ع)
الإمام المهدي (عج) في روايات أهل السنّة
آثار الغيبة على الفرد والمجتمع وإفرازاتها

 
user comment