عربي
Tuesday 19th of March 2024
0
نفر 0

المنهج الصوفي أو الباطني للتفسير

ولايراد به تفسير تلك الطبقة التي بلغت من النقاء والصفاء ما امتزجت به، بالحب الالهي المطلق أو الجمال الروحي المحض، وإنما المراد به تلك الآراء الغريبة التي تفسر القرآن تفسيراً باطنياً بعيداً عن ظواهر الكتاب، ودلالة السنة، وسيرة المتشرعة، ففسروا القرآن بأهوائهم حتى حملوا الشريعة - والقرآن مصدرها الأول - على أفكار اتسمت بالحلول تارة. وقالت بالتجسيد تارة أخرى معتمدين على فيوضات والهامات تخيلوها عين الصواب، وهي مجانبة للرشد ومنحرفة عن الصراط المستقيم.
ويعدل في أغلب هذا المنهج عن الظواهر العربية وينتقل به من الماديات الى المعنويات ويفسر الحسي بالعقلي، والملموس بالذهني.
وإمام هذا الفن هو الشيخ الاكبر محي الدين بن عربي (ت: 638 هجري) في تفسيره للقرآن، وبه يذهب الى التفسير تفسيراً عرفانياً تارة، وباطنياً صوفياً تارة أخرى، ويومي إلى الاشارات أحياناً، مما خالفه به كثير من الباحثين، ونحن لانحمل أقواله إلا على المحمل الحسن. ففي قوله تعالى: (ولاتأكُلُوا أمْوالَكُمْ بَيْنَكُم بِالباطِلِ وَتُدْلُوا بِها الى الْحُكّامِ) يقولون: لا تأكلوا معارفكم ومعلوماتكم بباطل شهوات النفس ولذاتها، بتحصيل مآربها، واكتساب مقاصدها الحسية والخيالية باستعمالها وترسلوا الى حكام النفوس الامارة بالسوء.
وفي قوله تعالى: (إنَّ أوّلَ بَيْتٍ وُضَعَ لِلنّاسِ لَلّذي بَبكّةَ مُبارَكاً) يرى أن البيت هنا إشارة الى القلب الحقيقي.
وفي قوله تعالى: (يآيُّها الّذينَ آمَنواْ إذا قُمْتُمْ الى الصّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم وَأيديَكُم الى الْمَرافَقِ).
يقول: اذا قمتم: انبعثتم عن نوم الغفلة، وقصدتم الى صلاة الحضور والمناجاة الحنيفية، والتوجه الى الحق، فاغسلوا وجوهكم، أي طهروا وجود قلوبكم بماء العلم النافع الطاهر المطهر، من علم الشرائع والاخلاق والمعاملات التي تتعلق بإزالة الموانع عن لوث صفات النفس (وأيديكم) أي: وقدركم عن دنس تناول الشهوات والتصرفات في مواد الرجس "الى المرافق" الى قدر الحقوق والمنافع.
إن هذا التجوز الفضفاض في الكلمات والمعاني والدلالات جعل كثيرا من العلماء يصفون الصوفية بالجهل تارة وبالكفر تارة أخرى.
قال الزركشي: "فأما كلام الصوفية في تفسير القرآن، فقيل ليس تفسيراً، وأنما هي معان ومواجيد، يجدونها عند التلاوة كقول بعضهم في: (يأيّها الّذينَ آمَنُوا قَاتِلوا الّذينَ يَلونَكُم مِن الكُفّار).
إن المراد النفس، فأمرنا بقتال من يلينا، لأنها أقرب شيء الينا، وأقرب شيء إلى الانسان نفسه).
وحجة الصوفية في منهجهم التفسيري المعتمد على الباطن رواية يروونها عن رسول الله (ص):
(لكل آية ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولك حد مطلع)، وبنوا على هذا منهجهم الغريب، ولعل المراد بالحديث غير ما يذهبون اليه، وقد عالج ذلك الشيخ الطوسي والسيوطي.
وحملاه على وجوه بعيدة عن الفهم الصوفي. بينما دافع عن وجهة نظر بعض التفسير غير الظاهري الشيخ تاج الدين بن عطا اللّه الاسكندري (ت: 709هجري) فقال:
"اعلم أن تفسير هذه الطائفة لكلام اللّه وكلام رسوله بالمعاني العربية، ليس إحالة للظاهر عن ظاهره، ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جلبت الآية له ودلت عليه في عرف اللسان، وتم افهام باطنه تفهم عند الاية والحديث لمن فتح الله قلبه وقد جاء في الحديث: (لكل آية ظهر وبطن) فلايصدنك عن تلقي هذه المعاني منهم أن يقول لك ذو جدل ومعارضة: هذا إحالة لكلام اللّه وكلام رسوله، فليس ذلك بإحالة وإنما يكون إحالة لو قالوا: لامعنى للآية إلا هذا، وهم لم يقولوا ذلك، بل يقرون الظواهر على ظواهرها مراداً بها موضوعاتها، ويفهمون عن اللّه تعالى ما أفهمهم.
إن علماء الشرع قد يقبلون بعض التفسير الصوفي، أو الاشاردي أو الرمزي إذا توافرت فيه شروط أربعة:
1- أن لا يكون التفسير منافياً لظواهر النظم القرآني.
2- أن يكون شاهد شرعي يؤيده.
3- أن لايكون له معارض شرعي أو عقلي.
4- أن لا يدّعي إن المراد وحده دون الظاهر.
ولعل هذا التقرير هو أسلم الوجوه في قبول أو رد التفسير الصوفي أما غرائب التفسير، وشواذ التأويل فلا تؤخذ بعين الاعتبار ولايقوم دليل نصي أو تاريخي على صحتها، ومن ذلك ما حكاه الكواشي في تفسيره عن قول من قال في (رَبّنا وَلاتُحَمِلنا مَا لا طَاقّةَ لنا بِهِ).
انه الحب والعشق.
فهذا واضح أن مما لم ينزل الله به من سلطان ولايعد من التفسير بشيء بل القول به لايخلو من السذاجة المخلة أو الحمق المفرط، ويجب تنزيه القرآن عن هذا المستوى المتهافت.
وليس التفسير الفلسفي أو العرفاني، من هذا المنهج بل هو تفسير مزج الى جنب الحب الالهي الحسي الفلسفي، وجمع بين الحكمة والفكر الاشاري، فهو يجنح الى الفلسفة من وجه، والى عوالم الالهام من وجوه، أثر في المنهج الافلاطوني حيناً، والمنهج الاسلامي حينا آخر، فقد يحتج لفكرة فلسفية في القرآن فنجد تتابع الالغاز، وترادف المعميات كما هو الحال عند متتبعي النهج الفلسفي، فنجد الفارابي (ت: 339 هجري) لدى احتجاجه على فكرة واجب الوجود وقدم العالم في تفسيره قوله تعالى:(هُوَ الأوّلُ وَالآخِرُ).
يقول الفارابي:
"إنه الأول من جهة انه منه، ويصدر عنه كل موجود لغيره وهو أول من جهة أنه أول بالوجود لغاية قرب منه، أول من جهة أن كل زماني ينسب اليه يكون فقد وجد زمان لم يوجد معه ذلك الشيء ووجد إذ وجد معه لا فيه، هو أول لأنه إذا اعتبر كل شيء كان فيه أولاً أثره، وثانياً قبوله لا بالزمان. هو أخر لأن الاشياء إذا لوحظت ونسبت اليه أسبابها ومبادئها وقف عنده المنسوب، فهو آخر لأنه الغاية الحقيقية في كل طلب.
فهو يعني هنا أن العلة الكاملة التي هي ذات الله تعالى هي نفسها مصدر إيجاد الممكنات المشتملة على كل شيء عدا الباري عز وجل. فهذا وأضرابه من التفسير يعتبر منهجا فلسفياً وليس باطنياً، وقد نجد من يتجه اتجاها عرفانياً في تفسيره، ولكنه يسير في حدود يفسح فيها المجال في صياغة العبارات الواضحة، ولكنها سابحة في مناخ الحب الالهي كما هو الحال عند البروسي، والنيسابوري في تفسيريهما.
وقد تبين لنا مما تقدم إننا لانريد بهذا المنهج: المنهج العرفاني أو الفلسفي أو الصوفي بمعناه المتطور، وإنما نريد المنهج الباطني فحسب، وإنما سميناه: المنهج الصوفي أو الباطني لأن القدامى ممن كتب في علم التفسير وعلوم القرآن كالزركشي والسيوطي مثلا، قد تعارفوا فيما بينهم على تسميته بالمنهج الصوفي أو بالتفسير الصوفي وهم يريدون بذلك المنهج الباطني الذي لايستند على قاعدة من لغة أو نص أو شرع:
وتسميته بذلك من باب التجوز في الألفاظ، والتوسع في المعاني.
--------------------------------


source : البلاغ
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

المعتصم
ورود جيش عمر بن سعد أرض كربلاء
عقاب الكفار و الفجار في الدنيا
الاستيلاء على منصب الخلافة بالقوة هو الذي أوجد ...
واجب المبلغ الاسلامي
صلاة كل ليلة من ليالي شهر رمضان
التفسيرالموضوعي
ثقافة الرجعة
توحيد العبودية للّه
فضائل أهل البیت علیهم السلام فی القرآن الکریم

 
user comment