عربي
Saturday 27th of April 2024
0
نفر 0

هل الاسلام دين أممي؟

ونتحدث حول هذه النقطة في أمرين:
الأمر الأول: الشبهات والاعتراضات الموجهة على ذلك، وأهمها ظواهر بعض الآيات، منها:
1 ـ قوله تعالى: (ويقول الذين كفروا لولا أُنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) الرعد/ 7.
وجه الشبهة أن الآية فرضت أن لكل قوم هادياً، فكيف نفرض الرسول هادياً لجميع البشر؟
والجواب عنها من وجوه:
أ) إن هذا التفسير للآية الكريمة تفسير ساذج لا يلتئم مع افتراض انسجام الرد مع قولهم المردود، فإن هذا الرد ـ على هذا التفسير ـ لا ينسجم مع طبيعة طلبهم وموقفهم، فأي ارتباط بين طلبهم نزول الآية وبين هذا الرد؟!
ويمكن أن تستظهر من الآية وجوه أخرى للتفسير:
منها: ان المقصود بالهادي ليس هو شخص الرسول(ص)، وإنما القرآن الكريم أو نحوه من شواهد الرسالة، ويكون المعنى أن الله تعالى جعل لكل أمة ما يناسبها من الآيات الهادية لهم، ويشهد لهذا المعنى تعدد نسبة الهداية للقرآن الكريم ونحوه مثل (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) الإسراء/ 9، (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أُنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد) سبأ/ 6، (إنا سمعنا كتاباً أُنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق) الأحقاف/ 30، (إنا سمعنا قرآناً عجباً * يهدي إلى الرشد فآمنّا به) الجن/ 1-2، وغيرها..
وهذا التفسير يوفر الانسجام بين مقدمة الآية وتكملتها، فإنهم لما طلبوا الآية المعينة من الرسول(ص)، توجّه الرد عليهم بأن الله ينزل مع كل رسول الآية التي تنسجم مع محيطه أو طبيعة رسالته. قال الزجاج: (طلبوا غير الآيات التي أتى بها فالتمسوا مثل آيات موسى وعيسى فأعلم الله أن لكل قومٍ هادياً).
ومنها: ما حكاه الرازي عن ابن عباس: وضع رسول الله (ص) يده على صدره فقال: (أنا المنذر) ثم أومأ إلى منكب علي(رض)، وقال: (أنت الهادي، يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي). وقريب منه ما رواه الحسكاني.
وهذا قريب من الوجه السابق، ومرجعه ان الهادي هو الذي يربط الناس بالرسالة سواء كان الحجة الناطقة أم الصامتة كما قال (ص): (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي).
أ‌) ان هذا التفسير مبني على تفسير (القوم) بالذين تجمعهم قومية واحدة بالمفهوم المعاصر، وهو بعيد عن المعنى اللغوي، قال الخليل في كتاب العين: قومُ كلّ رجل شيعتهُ وعشيرتهُ، وقال في عشيرك: الذي يعاشرك، أمركما واحد.. وسميت عشيرة الرجل لمعاشرة بعضهم بعضاً.
والاستعمال القرآني الشائع للقوم جاء بهذا المعنى (والله لا يهدي القوم الظالمين) الصف/ 7، (والله لا يهدي القوم الكافرين) البقرة/ 264، (والله لا يهدي القوم الفاسقين) المائدة/ 108، والمقابلة بين القوم الظالمين ونحوهم والقوم المؤمنين التي يؤكدها القرآن خير شاهد على هذا المعنى باعتبار أن الإيمان يجمع المؤمنين والكفر والفسق يجمع الآخرين، مع ان من الطرفين مَن تجمعهم قومية واحدة، وعلى هذا فالقوم في الآية هم المسلمون المهتدون به من أي عرق أو قومية كانوا وفي كل العصور، فيكون (القوم) بمعنى الأمة في قوله تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدةً وأنا ربكم فاعبدون) الأنبياء/ 29.
ج) ان هذه الآية نزلت في المدينة ـ قيل بالإجماع ـ مما يؤكدان (القوم) لا يقصد به قريش أو أهل مكة بالخصوص، كما ان إرادة خصوص العرب ترفضه الشواهد التاريخية التي تؤكد أن الرسول (ص) لم يكن يتعامل بهذا المنظار فلم يكن يفرّق بين الروم وعرب الشام، ولا الفرس وعرب العراق، بحيث لم يفهم أحد آنذاك تميّز العرب بالدعوة، خاصةً ان الأفكار القومية لم تكن معروفة آنذاك.
د) إن وجود العديد من الصحابة غير العرب مثل سلمان الفارسي وبلال وصهيب وغيرهم ينفي هذا التمييز، خاصةً سلمان الذي كان مسيحياً موحداً، فلو لم يكن الاسلام ديناً أممياً لم يكن هناك موجب لاعتناقه له.
هـ) إرسال الرسول (ص) الرسل إلى الملوك غير العرب ينافي هذا الفهم.
2 ـ قوله تعالى: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدّق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومَن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون) الأنعام/ 92.
وقريب منها في سورة الشورى: (وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لاريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير) الشورى/ 7.
وجه الشبهة أن هدف الوحي إلى الرسول كان إنذار أهل مكة ومَن حولها ممن هو قريب منها.
والجواب عنها من وجوه:
أ‌) ان هذا يبتني على تفسير الحول بالقرب، مع ان القرآن استخدمه بغير ذلك ففي سورة الأحقاف: (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى) الأحقاف/ 27.
قال الطبرسي: (معناه: ولقد أهلكنا يا أهل مكة ما حولكم، وهم قوم هود وكانوا باليمن وقوم صالح بالحجر وقوم لوط على طريقهم إلى الشام). وكذا في سورة العنكبوت: (أوَلم يروا أنا جعلنا حَرماً آمناً ويتخطّف الناس من حولهم) العنكبوت/ 67.
ب) الملحوظ في الآية أنها لم تعبر (مكة وما حولها) وهذا يكشف عن ان المنظار ليس هو البقعة وما يحيط بها جغرافياً، بل في كلتا الآيتين جاء التعبير بـ(أم القرى) وكأنه لتأكيد مركزية مكة بالنسبة للبقاع الأخرى بسبب وجود الكعبة والبيت الحرام فيها، والعرب تسمي كل أمر جامع يُجتَمع عليه (أماً). ولذا ورد عن ابن عباس أن سبب تسمية مكة بذلك أن الأرضين دحيت من تحتها ومن حولها، وقال أبو بكر الأصم: (سمّيت بذلك لأنها قبلة أهل الدنيا فصارت هي كالأصل وسائر البلاد والقرى تابعة لها).
فاختصاص هذا الاسم بمكة خير شاهد على عدم النظر إليها بما أنها بقعة معيّنة.
ج) إن هذا التفسير يجعل الرسالة محدودة بحدود جغرافية ضيقة، وهذا خلاف الضروري من سيرة الرسول(ص).
د) لو فرضنا ظهور الآيتين في البقعة الجغرافية فقد يكون من باب التأكيد نظير (وأنذر عشيرتك الأقربين) الشعراء/ 214، و(اخفض جناحك للمؤمنين) الحجر/ 88، أو التدرج في الدعوة للاسلام باعتبار أنهم كانوا المباشرين آنذاك، ومن المعلوم أن القرآن ابتنى على ملاحظة المناسبات والتأكيد على ذكر الخصوصيات، نظير قوله تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) الجمعة/ 2 على التفسير القائل أنهم أهل مكة ـ مع أن سورة الجمعة مدنية ـ فلم يستنكر ذلك أحد من المسلمين ولم يراوده تساؤل عن اختصاص الرسالة بأهل مكة.
ومما يشهد بعدم ورود الآية الكريمة في مقام الحصر الحقيقي، قوله: (وتنذر يوم الجمع) الشورى/ 7، حيث لا إشكال في أن الهدف من إنزال القرآن ليس مجرد الإنذار ليوم الجمع..
هـ) إن قوله تعالى (.. والذين يؤمنون بالآخرة..) يشمل كل المنتسبين للأديان السماوية وهو لا يلتئم مع اختصاص الرسالة بأهل مكة ومَن حولها، خصوصاً مع ندرة وجودهم في هذه المنطقة.
الأمر الثاني: الأدلة والشواهد ـ القرآنية وغيرها ـ الدالة على أممية الاسلام. وهي كثيرة جداً، منها:
1 ـ قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً) الفتح/ 28. ونظيرها ما في سورتي التوبة والصف.
2 ـ (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيِّن لكم على فترة من الرسل) المائدة/ 19. ونظيرها كثير من الآيات التي تخاطب أهل الكتاب.
3 ـ (وما أرسلناك إلا كافة للناس) سبأ/ 28، (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين) الأنبياء/ 107، ونحوهما كثير من الآيات التي تؤكد شمولية الرسالة الاسلامية.
4 ـ (ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) الصف/ 6، ونحوها مما دل على تبشير غير العرب برسالته(ص).
5 ـ (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) البقرة/ 89، حيث دلّت على شمول رسالته لغير العرب، وان اليهود كانوا يترقبون بعثته.
6 ـ (إن الدين عند الله الاسلام) آل عمران/ 19، (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام) الأنعام/ 125، ونحوها من الآيات.
7 ـ (وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا إن تولوا فإنما عليك البلاغ) آل عمران/ 20، وكذا غيرها من آيات المحاججة وتحدي أهل الكتاب، مثل آية المباهلة.
8 ـ تعامل الرسول(ص) مع أهل الكتاب ودعوته لهم باتباعه كما دعا المشركين إلى ذلك.
9 ـ موقف أهل الكتاب من الرسول(ص) وتوجسهم من دعوته، لعلمهم بأنه يستهدفهم في دعوته.
10 ـ اسلام العديد من الصحابة ممن كانوا من أهل الكتاب ومن غير العرب كالنجاشي وبلال وسلمان وصهيب، وكذلك غيرهم من الأجيال اللاحقة.
11 ـ رسائل الرسول(ص) إلى ملوك فارس والروم والحبشة، ودعوتهم للإيمان برسالة الاسلام.
12 ـ الإخبارات الغيبية للرسول(ص) عن دخول شعوب غير عربية في الاسلام.
13 ـ موقف الأئمة(ع) وعدم ردعهم عن قضية الفتوحات ـ رغم التحفظات على الواقع القائم وبعض الممارسات خلال الفتوحات ـ .
14 ـ طبيعة التشريعات المرتبطة بالتعامل مع غير المسلمين، مثل أحكام الجزية ونحوها المعبّرة عن خطة المشرّع الاسلامي لجذب أهل الكتاب وغيرهم للاسلام.


source : * السيد رياض الحكيم
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أين يقع غدير خُمّ؟
مكانة السيدة المعصومة (عليها السلام)
ابن عباس: مدرستُه، منهجه في التفسير
من معاجز أمير المؤمنين عليه السّلام
من كنت مولاه فهذا علي مولاه
دعاء الموقف لعلي بن الحسين ع
المهدي المنتظر في القرآن الكريم
خصائص القائد الإسلامي في القرآن الكريم
الولاء لأهل البيت عليهم السلام
الظلم ممارسةً وتَحَمُّلاً ودولةً لها أركان

 
user comment