عربي
Saturday 27th of April 2024
0
نفر 0

حديث المغفرة

من الاُمور التي أصبح متسالماً عليها عند الجمهور هو حديث المغفرة لأهل بدر، وأصحاب الشجرة والعقبيين وما الى ذلك، ويروون في ذلك أحاديث وروايات. منها ما ورد في قصة حاطب بن أبي بلتعة، والتي ملخصها أنه بعث امرأة لتخبر قريشاً عن مسير النبي (صلى الله عليه وآله) لفتح مكة، فأعلمه الله بذلك فأرسل علياً والزبير فأخذا المرأة واسترجعا كتاب حاطب منها، فاتهم عمر حاطباً بالنفاق وحرّض النبي على قتله، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) ضمن حديث: \"لعل الله اطّلع الى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، وقد غفرت لكم...\"(1).

وعن جابر: أن غلام حاطب بن أبي بلتعة قال: يا رسول الله، والله ليدخلن حاطب النار، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): \"كذبت، إنه شهد بدراً والحديبية\"(2).

إن هذا يستلزم أن يكون أهل بدر مغفوراً لهم، وأن يكونوا جميعاً من أهل الجنة مهما فعلوا، ولا يخفى على الباحث المحقق ما يرمي إليه ذلك، فان عدداً من كبار الصحابة، أو بالأحرى معظمهم -ممن تلبسوا بالفتن بعد ذلك- هم من البدريين، فجاءت هذه الأحاديث المفتعلة لتبرئ ساحتهم وتوحي بعفو الله عنهم حتى لو ارتكبوا كل تلك الأعمال الفظيعة. إلاّ أن الواقع يثبت عدم صحة مثل تلك الأحاديث التي اختلقتها يد السياسة، ففي ترجمة الصحابي ثعلبة بن حاطب، قال ابن عبد البر: شهد بدراً واُحداً، وهو مانع الصدقة فيما

____________

1- صحيح البخاري كتاب المغازي: باب فضل من شهد بدراً.

2- صحيح مسلم 4: 1942 كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل أهل بدر.

 

 


قال قتادة وسعيد بن جبير، وفيه نزلت (وَمِنهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانَا مِنْ فَضلهِ لنصَّدَّقنَّ وَلنكونَنَّ مِنَ الصالِحينَ * فلمّا آتاهُمْ مِنْ فَضلهِ بخِلوُا بهِ وَتولَّوا وَهُم مُعرِضُونَ * فأَعقَبهُمْ نِفاقاً في قُلوبهمْ إلى يَومَ يَلقونَهُ بِما أَخلَفُوا اللهَ ما وَعدُوه وَما كانُوا يَكذبونَ)(1).

قال الفخر الرازي: والمشهور في سبب نزول هذه الآية أن ثعلبة بن حاطب قال: يا رسول الله، اُدع الله أن يرزقني مالا، فقال (عليه السلام): \"يا ثعلبة، قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه\"، فراجعه وقال: والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لاُعطين كل ذي حق حقه، فدعا له، فاتخذ غنماً، فنمت كما ينمو الدود، حتى ضاقت بها المدينة، فنزل وادياً بها، فجعل يصلي الظهر والعصر ويترك ما سواهما، ثم نمت وكثرت حتى ترك الصلوات إلاّ الجمعة، ثم ترك الجمعة، وطفق يتلقى الركبان يسأل عن الأخبار وسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنه، فاُخبر بخبره، فقال: \"يا ويح ثعلبة\"، فنزل قوله (خُذْ مِنْ أَموالهمْ صَدقة)، فبعث إليه رجلين وقال: \"مُرا بثعلبة فخذا صدقاته\"، فعند ذلك قال لهما: ما هذه إلاّ جزية، أو اُخت الجزية، فلم يدفع الصدقة، فأنزل الله تعالى (وَمنهمْ منْ عاهدَ اللهَ)فقيل له: قد اُنزل فيك كذا وكذا، فأتى الرسول (عليه السلام) وسأله أن يقبل صدقته، فقال: \"إن الله منعني من قبول ذلك\"، فجعل يحثي التراب على رأسه، فقال عليه الصلاة والسلام: \"قد قلت لك فما أطعتني\"، فرجع إلى منزله، وقُبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم أتى أبا بكر بصدقته، فلم يقبلها اقتداء بالرسول (صلى الله عليه وآله)، ثم لم يقبلها عمر اقتداء بأبي بكر، ثم لم يقبلها عثمان، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان(2).

أخرج هذه القصة معظم المفسّرين، وتحيّر القرطبي في الأمر، فقال: وجاء

____________

1- الاستيعاب 1: 210 والآيات هي: 75، 76، 77 من سورة التوبة.

2- التفسير الكبير 16: 138.

 

 


فيمن شاهد بدراً يعارضه قوله تعالى في الآية: (فَأَعقَبهمُ نِفاقاً في قُلوبهم)(1).

فهذا الصحابي، وإن كان بدرياً اُحدياً، إلاّ أن الله طبع على قلبه وأورثه نفاقاً، لخيانته ما عاهد الله ورسوله عليه!

وفي ترجمة معتب بن قشير، قال ابن حجر: ذكروه فيمن شهد العقبة، وقيل إنّه كان منافقاً، وأنه الذي قال يوم اُحد: لو كان لنا من الأمر شيء ما قُتلنا هاهنا! وقيل إنّه تاب، وقد ذكره إبن إسحاق فيمن شهد بدراً(2).

فهذا أيضاً صحابي بدري اُحدي عقبي يقول مقالة ينزل فيها قرآن يُتلى ذماً له. قال السيوطي: أخرج ابن أبي حاتم عن السدي، قال: حفر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الخندق واجتمعت قريش وكنانة وغطفان، فاستأجرهم أبو سفيان بلطيمة قريش، فأقبلوا حتى نزلوا بفنائه، فنزلت قريش أسفل الوادي، ونزلت غطفان عن يمين ذلك، وطليحة الاسدي في بني أسد يسار ذلك، وظاهرهم بنو قريظة من اليهود على قتال النبي (صلى الله عليه وآله)، فلما نزلوا بالنبي (صلى الله عليه وآله)، تحصّن بالمدينة، وحفر النبي (صلى الله عليه وآله) الخندق، فبينما هو يضرب فيه بمعوله إذ وقع المعول في صفا، فطارت منه كهيئة الشهاب من النار في السماء، وضرب الثاني فخرج مثل ذلك، فرأى ذلك سلمان(رضي الله عنه) فقال: يا رسول الله، قد رأيت يخرج من كل ضربة كهيئة الشهاب فسطع الى السماء، فقال: \"لقد رأيت ذلك\"؟ فقال: نعم يا رسول الله. قال: \"تفتح لكم أبواب المدائن، وقصور الروم، ومدائن اليمن!\" ففشا ذلك في أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، فتحدثوا به، فقال رجل من الأنصار يدعى قشير بن معتب(3)، أيعدنا محمد أن يفتح لنا مدائن اليمن، وبيض المدائن، وقصور

____________

1- الجامع لأحكام القرآن 8: 209.

2- الاصابة 3: 443.

3- الصحيح معتب بن قشير.

 

 


الروم، وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته إلاّ قُتل، هذا والله الغرور! فأنزل الله تعالى في هذا (وَإذْ يقولُ المُنافِقونَ والَّذينَ في قُلوبهمْ مرضٌ ما وَعَدنا اللهُ وَرسُولُه إلاّ غُروراً)(1).

وفي معركة اُحد إنهزم معظم الصحابة وتركوا النبي في مواجهة العدو، ولما ذاع في الناس أن النبي قد قُتل، قالت فرقة منهم \"نلقي إليهم بأيدينا فانهم قومنا وبنو عمنا، وهذا يدل على أن هذه الفرقة ليست من الأنصار، بل من المهاجرين\"(2).

واستعراض كل ذلك يستغرق وقتاً، ولكننا نريد أن نخلص الى المبحث القادم، لكيما نعرف الأسباب التي دفعت بالجمهور الى القول بعدالة الصحابة أجمعين، وطيّ صفحتهم وعدم التعرض لذكر الخلاف بينهم.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

المهدي المنتظر في القرآن الكريم
خصائص القائد الإسلامي في القرآن الكريم
الولاء لأهل البيت عليهم السلام
الظلم ممارسةً وتَحَمُّلاً ودولةً لها أركان
القضية الفلسطينية في كلمات الإمام الخميني ( قدس ...
لا توفيق مع الغشّ
تحرير المدينة المنورة والحجاز
من شهد واقعة الطف
آداب المعلّم والمتعلّم في درسهما
الألفاظ الدخيلة والمولَّدة

 
user comment