عربي
Saturday 27th of April 2024
0
نفر 0

(( ثورة لسيد شباب أهل الجنة أم سيد شباب أهل الجنة لثورة ؟ ))

من النادر ماتجد شخصية إنسانية ثورية وحرّة ومتطلّعة ومُصلِحة ، تشكّل رُعبا وقلقا وتهسترا لطغاة الارض وظلمتها ، في كلا حالين الوجود وعدم الوجود في هذه الدنيا ، فمن الطبيعي كما نفهم أن يشكل الأحرار والثوّار والقادة والكبار قلقا ورعبا للظالمين الفجّار ، ابّان حياتهم ووجودهم القائم في هذه الحياة وبين الناس ، وسرعان مايقدِمُ أولئك الظلمة على تصفية خصومهم ، ليرتاح وسواس الرعب داخلهم ويلتفتوا للالتذاذ بمغانم حكمهم ، بعيدا عن إزعاج الأحرار والثوار .

أما أن تتحول شخصية الثائر والحرّ والمناضل والمجاهد الى قلق أعظم ، ورعب أكبر بعد استشهادها وموتها على يد الظالمين أكثر بكثير مما هي على قيد الحياة ، فهذا شيء من النادر وقوعه في شخصية إنسانية مهما كان تأثيرها كبيرا ، هذا هو بالفعل ماحصل في شخصية الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) ، وماشكّلته من رعب واضطراب وقلق لكل الظالمين الذين كانوا يتواجدون مع حياة الحسين (عليه السلام) ، وما شكلته أيضا من رعب وخوف وقلق بعد استشهادها لجميع الظالمين على هذه الأرض ، أكثر من حياتها بكثير !!.

ولعلّ المبادئ التي حملها الإمام الحسين (عليه السلام) من إصلاح ، ومطالبة بالعدل والحرية للناس ، وإقامة الحكم الاسلامي الشريف .....الخ ، هي السرّ في عظمة شخصيته التي جعلت منها مؤثرا حقيقياً في الحياة ، ومؤثراً عظيما بعد الممات ، لكن ياترى إذا جاء اليوم أويوم غد ، أي إنسان ينادي للثورة ، وعلى الصفة المبدأية التي رفعها الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) فيما مضى ، فهل ياترى سيكون لشخصيته نفس ما لشخصية الإمام الحسين (عليه السلام) من رعب وقلق واضطراب للظالمين في حياتهم وحتى بعد مماتهم ، كما هو حاصل لحياة شخصية الامام الحسين (عليه السلام) في كلا المعادلتين ؟ .

أم إنه ربما يكون مقلقا للطغاة والفاسدين ابّان حياته وحركته بقوّة ، لكن سرعان ماينتهي تأثيره الشخصي على الجماهير ، وعلى مسير حركة التاريخ ؟.

لاريب أن الكثير يتفق معي في أن الثوّار والأحرار وطلاّب العدالة مهماعلا شأنهم وصفت مبادئهم وعظمت تضحياتهم .....الخ ، لايمكن لهم بأي حال من الأحوال أن يشكلوا نفوذا جماهيريا مرعبا للطغاة والظلمة والمستبدين بعد استشهادهم ، كما هو الحال في حياتهم ، وحتى الأنبياء الطاهرين والرسل المكرّمين يصلحوا أن يكونوا منارات ثورة في حياتهم بالطبع ، لكنهم لايصلحوا أن يكونوا غير مصادر شرائع وقوانين وحكمة بعد انتقالهم للرفيق الأعلى فحسب ، أما أن يكونوا دعاة جحيم للظلم والظلمة ، ومقابرسعير للفاسدين والفسدة ، في حياتهم وبعد موتهم واستشهادهم فهذا أيضا من المستبعد ، أو النادر حصوله لشخصية رسول أو نبي أو قديس أو ثائر أو مناضل أو مجاهد أو حرّ أو مطالب بعدالة ، كما هو حاصل لشخصية الإمام الحسين (عليه السلام) الثورية ، التي عجنت عجنا لتكون شرارة ثورة كيفما كانت لاغير !!.

اذن ليست هي تلك المبادئ التي جعلت من الإمام الحسين (عليه السلام) إسطورة شخصية إنسانية تكون مفاعيل الثورة في داخلها بعد شهادتها ، أعظم بكثير من حال حياتها ، مع أن هذه المبادئ هي ما يتغنى به اليوم الملايين من الأحرار والثوار والمناضلين الأبرار في مبادئ الثورة الحسينية ، وأنها هي أيضا اللغة التي يطلّون من خلالهاعلى شخصية الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) الثورية ، والبطلة والمناضلة والحرّة والكريمة والشجاعة ، وداعمة الفقراء ، والمضحيّة من أجل العدل والإصلاح والسلام !!!.

وعلى هذا فماهي أو ماهو ذالك السرّ الذي يميّز الشخصية الحسينية عن غيرها - إذا التزمنا الحياد المبدئي للموضوع - ليحولها الى كرة ثلج بيضاء ومتوقدة نوراً ، كلما تدحرجت مع الزمن كبر حجمها عند الإنسانية وفي داخلها يوما بعد يوم ؟ .

وهل هناك أبعادا غيبية لاهوتية خلقية فطر الله سبحانه الحسين وطبيعته وروحه وجوهريته عليها ، هي التي أضفت على الشخصية الحسينية مميزات لاتتوفر في أي شخصية إنسانية بشرية أخرى ، تجعل من هذه الشخصية ومن صميم وجوهر ماهيتها أنها ضد الظلم والظالمين ، والقتلة والمتفرعنين أينما وكيفما أخذت ، وعلى أي منبر صدحت ، ولتكون هوية ثورة ضد الظالمين في وجودها ، وبعد غيابها المادي من هذا العالم ؟ .
أم أن هناك أبعاداً أخرى ، وأسراراً متوارية عن عصرنا ، في شخصية الحسين الإمام (عليه السلام) ، هي التي تجعل من وجوده وعدم وجوده في هذا العالم ، شيئا واحداً ضد الظالمين والمستكبرين والقتلة والمتفرعنين ؟ .

فيما مضى من بحث في حياتي كان يشغلني فكريا صورة سؤال : هل عظمة الحسين بسبب ثورته المبدأية الإسلامية لاغير ؟.
أم أن العكس هو الصحيح ؟ ، لتكون الثورة الحسينية المبدأية عظيمة ، لأنها تشرفت بالإنتساب للإمام الحسين (عليه السلام) ، كونه أولاً سيّداً لشباب أهل الجنة إسلاميا ، قبل أن يكون ثائراً في سبيل هذا الإسلام ؟.

بمعنى آخرمن البحث إننا ندرك أن لقب ووسام الحسين بن علي - سيد شباب أهل الجنة - أعطاه الإسلام ورسول الإسلام العظيم محمد (صلى الله عليه وآله) ، قبل أن يكون ثائراً ومجاهداً وشهيدا ، وهذا يعني علو مقام الإمام الحسين (عليه السلام) بثورة أو بدون ثورة ، فهل أراد الإسلام من هذا الوسام أن يدعم ويجعل للثورة الحسينية ومبادئها وشعاراتها شرف الإنتماء للحسين  وسيادته للجنة ومن فيها ؟ .
أم إن الحسين استحق فعلا ليكون سيّداً لشباب أهل جنة الله سبحانه ، لأنه سيكون ثائراً ضد الظالمين ، ومُبيراً للمتفرعنين ، وفاضحاً للمنافقين والدجالين ، داخل الإسلام وخارجه ؟ .

هنا يكون الجواب شبه محيّر ، بين أن تكون الثورة هي شخصية الإمام الحسين (عليه السلام) ، وبين أن يكون الحسين نفسه هو شخصية الثورة ، وكأنهما وجهان لعملة واحدة ، لايمكن فصل إحداهما عن الأخرى ، فالثورة إذا كانت هي مميز شخصية الإمام الحسين (عليه السلام) ، فلماذا لانجد جميع الثوار أسيادا لجنة الأرض والآخرة ، وإذا قلنا بأن الإمام الحسين (عليه السلام) هو مميز شخصية الثورة ، فهل سيبقى الحسين هو الحسين بدون ثورته التي تتجدد سنويا وكل حين ، حتى أصبح إسم ورسم وماهية الحسين هي هي الثورة لاغير ؟ .

إن هذا المميز بين الحسين والثورة على الظالمين ، هوالذي فرّق بين جميع أسماء البشرية ، وإمكانية تعايش الظلمة والمتفرعنين والقتلة والمخادعين معها ، حتى ولو كانت أسماء رسل وقديسين وأنبياء ومجاهدين ، بعكس إسم الإمام الحسين (عليه السلام) وماهيته ، فجميع ظلمة العالم ترى فيه أنه (( فتنة )) لابد من إبادتها ومطاردتها ، وعدم السماح لها بالتنفس في أي مكان كانت ، لاسيما في داخل أمة الإسلام وتحت غطاء أرضهم ودولهم !!.

إسم محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأربعة عشر قرنا مضت ، استطاع القتلة والمتفرعنين أن يروضوه ، ليكون رافدا لظلمهم وفسادهم وفرعنتهم وطغيانهم على العالمين ، وحتى أصبح النهوض بوجه الظلم خروجا على السلطان وكفراً بالإسلام كما زيفه - عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله - المزيفون ، وتلاعب بأحكامه ودينه المتلاعبون !!.
وهكذا اسم عيسى رسول الله وموسى كليم الله (عليهما السلام) أيضا ، أصبح في ليلة وضحاها قائداً لأمة الظلم والعنصرية والإحتلال والدكتاتورية والإرهاب والكراهية بين العالمين ، لأمة انتسبت إليه وقامرت بشخصيته واسمه ، وباعت مبادئه لتحوله من قائداً للعدل والحرية ، إلى منظرا للإستبداد والعنصرية !! .

أما اسم الحسين (عليه السلام) ، فلا يرّكب بشريا أبدا على أي فكرة ترّوج للظلم ولاتنفع مطلقا ، لتكون مع الأغنياء ضد الفقراء ، أومع المستبدين ضد المستضعفين ، أو مع الفاسدين ضد المصلحين ، أو مع الجهلة ضد الواعين المثقفين ، ولو ترادف الإنس والجن على فعل ذالك لما استطاعوا زحزحة اسم الإمام الحسين (عليه السلام) ، لما صُنع وخلق من أجله !!.

الحسين يعني لاظلم ، الحسين يعني صراخ بوجه الطغاة ، وبكاء بصوت عالٍ من ألم سياطهم المجرمة ، الحسين يعني كشف للمزيفين وفضح للمنافقين ، وسيف يهوي على رقاب المنتفعين ، الحسين يعني شراكة بالثروة ولارأسمالية للمترفين ، الحسين يعني أخلاق ولامكان للتافهين والمنحرفين ، الحسين يعني عدالة لجميع المحرومين ، الحسين يعني لاشرعية لليزيديين ، الحسين يعني امرأة حرّة وشعب قوي متطلع لايستكين ، الحسين يعني تضحية بالأطفال قبل الرجال من أجل الكرامة والعيش الشريف والأصيل .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

من معاجز أمير المؤمنين عليه السّلام
من كنت مولاه فهذا علي مولاه
دعاء الموقف لعلي بن الحسين ع
المهدي المنتظر في القرآن الكريم
خصائص القائد الإسلامي في القرآن الكريم
الولاء لأهل البيت عليهم السلام
الظلم ممارسةً وتَحَمُّلاً ودولةً لها أركان
القضية الفلسطينية في كلمات الإمام الخميني ( قدس ...
لا توفيق مع الغشّ
تحرير المدينة المنورة والحجاز

 
user comment