من سمات أهل البيت (عليهم السلام) : 4 - ابتغاء مرضاة اللّه تعالى
الاِنسان الكامل هو الذي لا يفعل شيئاً ولا يتركه إلاّلابتغاء مرضاة اللّه تبارك و تعالى، فيصل في سلوكه ورياضاته الدينيَّة إلى مكان تفنى فيه كلّالدوافع والحوافز إلاّ داع واحد و هو طلب رضى اللّه تبارك و تعالى، فإذا بلغ هذه الدرجة فقد بلغ الذروة من الكمال الاِنساني، وربَّما يبلغ الاِنسان في ظل الرضا درجة لا يتمنّى وقوع مالم يقع، أو عدم ما وقع، وإلى ذلك المقام يشير الحكيم السبزواري بما في منظومته:
وبهجة بما قضى اللّه رضا *** وذو الرضا بما قضى ما اعترضا
اعظم باب اللّه، الرضا وُعي(1) *** وخازن الجنة رضواناً دُعي
فقرا على الغنى صبورٌ ارتضى *** وذا ن سيّان لصاحب الرضا
عن عارف عمّر سبعين سنة *** إن لم يقل رأساً لاَشيا كائنة
يا ليت لم تقع ولا لما ارتفع *** مماّ هو المرغوب ليته وقع(2)
1 . إشارة إلى ما روي انّ الرضا باب اللّه الاَعظم.
2 . شرح منظومة السبزواري:352.
وممَّن يمثل ذلك المقام في الاَُمّة الاِسلامية هو إمام العارفين وسيد المتّقين علي أمير الموَمنين (عليه السلام) فهو في عامة مواقفه في جهاده و نضاله، وعزلته وقعوده في بيته، وفي تسنّمه على منصَّة الخلافة بإصرار من الاَُمّة، فهو في كلّهذه الاَحوال والمواقف، لا همّ له إلاّ طلب رضوانه تعالى.
و قد صرح الاِمام بذلك عندما طلب منه تسلّم مقاليد الخلافة، فقال: «أما والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ اللّه على العلماء ألاّ يقارُّوا على كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم، لاَلقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولاَلفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنزٍ».(1)
وقد تجلت هذه الخصلة في علي (عليه السلام) حين مبيته في فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
روى المحدّثون : أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أراد الهجرة خلّف علي بن أبي طالب (عليه السلام) بمكة لقضاء ديونه و ردّ الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه فقال ص له: يا علي اتَّشح ببردي الحضرمي الاَخضر، ثمّ نم على فراشي، فانّه لا يخلص إليك منهم مكروه، إن شاء اللّه عزّوجلّ، ففعل ذلك (عليه السلام) فأوحى اللّه عز ّوجلّ إلى جبرئيل وميكائيل (عليهما السلام) إنّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيّكما يوَثر صاحبه بالحياة، فاختار كلاهما الحياة، فأوحى اللّه عزّوجلّ إليهما: ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين محمّد ص فنام على فراشه يفديه بنفسه ويوَثره بالحياة ، اهبطا إلى الاَرض فاحفظاه من عدوّه، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه.
1 . نهج البلاغة:الخطبة 3.
فقال جبرئيل: بخ بخ مَن مثلك يابن أبي طالب ؟ يباهي اللّه بك الملائكة، فأنزل اللّه تعالى على رسوله ص و هو متوجِّه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب (عليه السلام) : (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَمَرْضاتِ اللّه ). (1)
وقد نقل غير واحد نزول الآية في حقّ علي (عليه السلام) .
وقال ابن عباس : أنشدني أمير الموَمنين شعراً قاله في تلك الليلة:
وقيت بنفسي من وطىَ الحصا *** وأكرم خلق طاف بالبيت والحجر
وبتَّ أراعي منهم ما يسوءني *** وقد صَّبرت نفسي على القتل والاَسر
وبات رسول اللّه في الغار آمناً *** ومازال في حفظ الاِله وفي الستر(2)
وإلى هذه الفضيلة الرابية وغيرها يشير حسان بن ثابت في شعره عند مدح علي (عليه السلام) :
من ذا بخاتمه تصدَّق راكعا *** و أسرّها في نفسه إسرارا
من كان بات على فراش محمّد *** ومحمد اسرى يوَم الغارا
من كان في القرآن سمّي *** في تسع آيات تلين غزارا(3)