عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

متى بـدأت اعمال الاحتفال بذكرى عاشوراء ؟

متى بـدأت اعمال الاحتفال بذكرى عاشوراء ؟


قد يتوهم البعض أن شعائر الذكرى في عاشوراء المتداولة لدى الشيعة اليوم انما هي امور مستحدثة ودخيلة لا اصل لها في العصور الاسلامية الاولى وبالتالي فهي من دسائس المغرضين والدخلاء الذين يضمرون الشر بالاسلام والمسلمين .
فاقول لهؤلاء : إن هذا الوهم خطأ لا يدعمه إلا الجهل بحقائق التاريخ وحوادث الماضي البعيد ، ولا يبعد أن يكون هذا التوهم بذاته من وحي الدساسين وتلقين المغرضين اعداء الشيعة والتشيع .
اما إقامة مظاهر الحداد والاحتفال لذكرى عاشوراء فهي قديمة جداً قدم مأساة عاشوراء بالذات حيث بدأت مجالس العزاء والاجتماعات للنوح والبكاء على ماساة الحسين (ع) بعد مرور ايام قليلة على مصرع الحسين (ع) وذلك بتوافد أهل الضواحي والسواد الى كربلاء بعد رحيل الجيش ، وإجتماعهم رجالاً ونساءً حول قبر الحسين (ع) ولما عاد الإمام زين العابدين من الشام إلى كربلاء يوم الاربعين وجد أهل السواد مجتمعين حول قبر الحسين وقبور الشهداء بالحزن والحداد فاستقبلوه بالبكاء والعويل يتقدمهم الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري رحمه الله تعالى . ولما عاد أهل البيت إلى المدينة المنورة استقبلهم الناس بالحداد والأسى والنوح والبكاء وضجت المدينة في ذلك اليوم

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

 

152


ضجة واحدة حتى صار ذلك اليوم كيوم مات فيه رسول الله (ص) ثم اقيمت مجالس العزاء في انحاء المدينة وخاصة في حي بني هاشم فكان مجلس الإمام زين العابدين ومجلس العقيلة زينب ومجلس الرباب زوجة الحسين (ع) ومجلس ام البنين ام العباس بن علي (ع) وغيرها تملأ أجواء المدينة بالكآبة والحزن والحداد .
وكان الإمام زين العابدين (ع) يغتنم كل فرصة لإثارة العواطف وإحياء ذكر المأساة في نفوس الجماهير فمن ذلك مثلاً : مر ذات يوم في سوق المدينة على جزار بيده شاة يجرها إلى الذبح فناداه الإمام (ع) ياهذا هل سقيتها الماء فقال الجزار نعم يا بن رسول الله نحن معاشر الجزارين لا نذبح الشاة حتى نسقيها الماء فبكا الإمام (ع) وصاح وا لهفاه عليك أبا عبد الله الشاة لا تذبح حتى تسقى الماء وانت بن رسول الله تذبح عطشاناً .
وسمع عليه السلام ذات يوم رجلاً ينادي في السوق أيها الناس ارحموني انا رجل غريب . فتوجه اليه الإمام عليه السلام وقال له لو قدر لك ان تموت في هذه البلدة فهل تبقى بلا دفن . فقال الرجل الله اكبر كيف ابقى بلا دفن وانا رجل مسلم وبين ظهراني امة مسلمة . فبكا الإمام زين العابدين وقال واأسفاه عليك يا ابتاه تبقى ثلاثة أيام بلا دفن وانت ابن بنت رسول الله (ص) واستمر أئمة الهدى عليهم السلام يحثون شيعتهم على التمسك بإحياء ذكرى عاشوراء رغم الإرهاب والضغط الذي مارسه الحكام ضدهم وكانوا هم صلوات الله عليهم يفتحون أبوابهم للشعراء والمعزين أيام عاشوراء منذ عصر الامامين الباقر والصادق عليهما السلام حتى عصر الامام علي الرضا (ع) في عهد المأمون العباسي الذي توسعت فيه شعائر الحسين (ع) وانتشرت مجالس العزاء أيام عاشوراء بتأييد من الامام الرضا (ع) ودعم من المأمون .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

 

153


فكانت دار الامام الرضا (ع) في ايام عاشوراء تزدحم بالناس يستمعون فيها إلى رثاء الحسين (ع) وكلمات الحث والتشويق والتشجيع من الإمام (ع) فكان من أقواله المأثورة : إن أهل الجاهلية كانوا يعظمون شهر المحرم ويحرمون الظلم والقتال فيه لحرمته . ولكن هذه الامة ما عرفت حرمة شهرها ولا حرمة نبيها فقتلوا في هذا الشهر أبنائه وسبو نسائه فعلى مثل الحسين فليبكي الباكون فإن البكاء عليه يحط الذنوب ، ولم تزل شعائر عاشوراء تزداد وتتسع بما تلاقيه من الدعم والتأييد المعنوي من قبل أهل البيت (ع) والعلماء الاعلام في كل الأوساط الشيعية حتى قامت الدولة الحمدانية الشيعية فأعطت شعائر عاشوراء قدراً كبيراً من الدعم والتأييد ثم قامت الدولة البويهية الموالية لأهل البيت عليهم السلام فوسعوا ذكرى عاشوراء واعطوها صفة رسمية تعطل من أجلها الأسواق والاعمال والدوائر الحكومية وتخرج المواكب العزائية بالاعلام السود وشارات الحداد تحت رعاية وإشراف كبار العلماء وأقطاب رجال الدين .
فكانت بغداد مثلاً في عهد عضو الدولة الحسن بن بويه الديلمي . تخرج على بكرة أبيها يوم العاشر من المحرم في مواكب عزائية ضخمة يتقدمها رجال الدين والدولة . ولما قامت الدولة الفاطمية في مصر والمغرب العربي انتقلت شعائر عاشوراء إلى تلك الأقطار ودامت حوالي القرنين من الزمن إلى أن قضى عليها الأيوبي بالقهر والإكراه .
ثم لما قامت الدولة الصفوية وملوكها علويون نسباً ينحدرون من سلالة الإمام السابع موسى الكاظم (ع) أيدوا شعائر عاشوراء ووسعوها ومثلوا واقعة كربلاء تمثيلاً حياً تحت رعاية وتوجيه علماء الطائفة ومراجع التقليد أمثال العلامة الحلى والمحقق المجلسي وغيرهما رضوان الله عليهم أجمعين .
وهذا التمثيل له جذور في سيرة الأئمة المعصومين (ع) فإنه قد أخذ من حيث الأصل من ظاهرة وردت في مجلس الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع)

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

 

154


أيام عاشوراء . فقد حدث شاعر اهل البيت الكميت بن زيد الأسدي رحمه الله قال دخلت على ابى عبد الله الصادق يوم عاشوراء فأنشدته قصيدة في جده الحسين (ع) فبكا وبكا الحاضرون وكان قد ضرب ستراً في المجلس واجلس خلفه الفاطميات فبينما أنا انشد والإمام يبكي إذ خرجت جارية من وراء الستار وعلى يدها طفل رضيع مقمّط حتى وضعته في حجر الامام الصادق (ع) فما نظر الإمام إلى ذلك الطفل اشتد بكائه وعلا نحيبه وكذلك الحاضرون .
ومعلوم ان إرسال الفاطميات لذلك الطفل في تلك الحال ما هو إلا بقصد تمثيل طفل الحسين (ع) الذي ذبح على صدر أبيه بسهم حرملة لعنه الله يوم العاشر من المحرم وهو عبد الله الرضيع وغيره من الأطفال الذين قتلوا في ذلك اليوم .
والخلاصة هي : ان إحياء ذكرى عاشوراء قديم عند الشيعة قدم المأساة نفسها فما زال أهل البيت وشيعتهم يحتفلون بذكرى تلك المأساة الفريدة من نوعها منذ السنة الاولى لقتل الحسين (ع) وإلى اليوم يحدوهم لذلك الحب والولاء للحسين (ع) أولاً ، ثم خدمة الدين والدعوة إلى الحق وتركيز المفاهيم الإنسانية لدى النشأ ، ثانياً : والله من وراء القصد وهو والي المؤمنين وصدق الأديب الفاضل السيد جعفر الحلي رحمه الله حيث قال :

في كـل عـام لنـا بالعشـر واعيـا

 

تطبـق الـدور الارجـاء والسككـا

و كـل مسلمـة تـرمـي بـزينتهـا

 

حتى السماء رمت عن وجهها الحبكا

يـا ميتـاً تـرك الالبـاب حـائـرةً

 

وبـالعـراء ثلاثـاً جسمـه تركـا

 

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

155

 



لماذ يلتزم الشيعة بالسجود على التربة الحسينية من ارض كربلاء ؟


هذا السؤال كثيراً ما يوجه إلى الشيعة من قبل مخالفيهم منذ القدم وإلى الآن وقد لا يحصل المتسائلون على الجواب الشافي والرد المقنع الصحيح لأن المسئولين عن هذا السؤال قد لا يكونون من أهل العلم والإختصاص وطبيعي أن التعرف على تقاليد الأمة وعادات الطائفة يجب أن يكون عن طريق علمائها وكتب عقائدها «وأتوا البيوت من أبوابها» .
والحقيقة هي أن الشيعة لا يلتزمون بالسجود على التربة الحسينية بالخصوص بل يلتزمون بالسجود على التربة الطبيعية مطلقاً من أي مكان كانت سواء من أرض كربلاء أو من أي أرض في العالم . بشرط أن تكون التربة طاهرة من النجاسة ونظيفة من الأوساخ وطبيعية أولية . يعني غير مخفورة مثل الخزف والسمنت والجص وما شاكل . فإذا لم تحصل هذه التربة بهذه الشروط حينئذ يجوزون السجود على ما تنبته التربة من أنواع النباتات والأخشاب واوراق الأشجار مما لايؤكل ولا يلبس عادة . فالمأكول من النبات كالفواكه والخضر وما شاكلها التي يأكل منها الإنسان عادة وعرفاً لا يصح السجود عليها وكذلك الأعشاب التي يصنع منها بعض الملبوسات عاد كالحرير الصناعي والقطن مثلاً .
فأقول أن الشيعة لا يلتزمون بالسجود على التربة الحسينية وإنما يفضلون ويرجحون السجود عليها فقط حيث يتيسر لهم السجود عليها .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

156


وإليك الآن الأدلة التي يستندون اليها في ذلك الالتزام وهذا التفضيل أما وجوب السجود على الأرض الطبيعية فلقول الرسول الأكرم (ص) في الحديث المتواتر بين المسلمين «جعلت لي الارض مسجداً وطهوراً» فالأرض لغة وحسب مفهومها الحقيقي هي التراب أو الرمل أو الحجر الطبيعي دون المعادن كالذهب والفضة والفحم الحجري وسائر الأحجار الكريمة وغيرها كالجص والاسمنت والآجر وكل المفخورات الاخرى ، ولا يعدل عن هذا المعنى الحقيقي إلى غيره إلا بقرينة صارفة واضحة . ولا يوجد في الحديث مثل تلك القرينة .
وكلمة (مسجد) تعني مكان السجود . والسجود لغة هو وضع الجبهة على الارض تعظيماً . وهذا هو معناه الحقيقي الذي لا يعدل عنه إلا بقرينة لفظية أومعنوية كما في بعض الايات الكريمة التي جاء فيها كلمة سجود أو مشتقاتها بمعنى الطاعة والإنقياد أو مطلق التعظيم والإحترام . مثل قوله تعالى «والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين» ... وقوله تعالى «لله يسجد من في السموات ومن في الأرض» وفي غيرها «يسجد له ما في السموات ...» إلى غير ذلك .
(
وطهوراً) أي مطهراً . فالأرض الطبيعية تطهر الإنسان من الحدث عند فقد الماء بالتيمم . قال تعالى «ولم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً ...» أي طاهراً . والصعيد وجه الارض مطلقاً أو التراب الخالص . كما أن الأرض تطهر أيضاً من الخبث كل ما لامسها مثل الاناء الذي ولغ فيه الكلب فإنه يعفّر بالتراب سبعاً وباطن الخف إذا مشي به الانسان على الأرض الطبيعية وباطن القدم كذلك وطرف العصا الملامس للأرض وما يشبه ذلك .
فعلى ضوء هذا الحديث يعرف أن السجود لا يصح إلا على الأرض الطبيعية الفطرية حسب معناها اللغوي والحقيقي . وذلك بوضع الجبهة عليها مباشرة بدون حائل بينها وبين الجبهة .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

157


نعم هذا هو الفرض الاسلامي بالنسبة إلى السجود ولكن بما ان الأرض الطبيعية الطاهرة النظيفة قد لا تتيسر للسجود في بعض الأمكنة مثل البيوت والمساجد التي غطي أرضها بالرخام المفجور أوالاسمنت أو ما شاكل ذلك أو التي فرش أرضها بالسجاد أو البسط الصوفية أو القطنية او ما شابهها مما لا يصح السجود عليها . لذلك إتخذ الشيعة اقراصاً من التراب الخالص الطاهر يصنعونها للسجود عليها طاعة لله تعالى وامتثالاً للفرض . فهذه الأقراص التي يسجد الشيعة عليها ماهي إلا جزء من الأرض الطاهرة الطبيعية اعدت للسجود فقط . تسهيلاً لأداء الفرض الأولي فهل تجد في ذلك خلافاً أو منافاة للكتاب والسنة الشريفة ؟
أترى أيها القارئ الكريم أن السجود على الفرش التي تحت الأقدام والأرجل أحسن من السجود على قطعة طاهرة نظيفة من الأرض التي لم يلامسها شيء سوى جبهة المصلي فقط ؟ الجواب طبعاً كلا ثم كلا . إن الشيعة بعملهم هذا يجمعون بين إداء الفرض وهو السجود على الأرض الطبيعية وبين مراعاة النظافة التي هي من لوازم الايمان وسماة المؤمن .
وأما تفضيل الشيعة لتربة الحسين (ع) على غيرها من الارض . فلأنها أي تربة الحسين (ع) رمز عمق الدلالة على أقدس بقعة وأطهر تربة حيث جرى عليها أقدس تضحية في تاريخ بني الانسان في سبيل الحفاظ على الصلاة واقامتها بل في سبيل الدين وبقائه . إن تربة الحسين تذكر المصلي بعظم أهمية الصلاة في الإسلام ومدى تأكد وجوبها على الانسان ذلك الوجوب الذي لا يسقط عن المسلم بحالٍ إلا نادراً . تذكره بذلك لان الحسين (ع) أقامها في أحرج المواقف وأداها في أشد الحالات . فصلى صلاة الظهر عند الزوال يوم عاشوراء في ميدان القتال وساحة الحرب حيث الأعداء يحيطون به من كل جانب يرمونه بالسهام وأصحابه تصرع من حوله . ولو لم يقف رجلان من أصحابه أمامه وهما سعيد ابن عبد الله الحنفي وزهير بن القين اللذان وقفا أمامه يدرآن عنه سهام القوم

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

158


لما استطاع الحسين (ع) أن يكمل صلاته ولصرع في أثنائها كما صرع بعض أصحابه فيها منهم سعيد بن عبد الله الذي سقط إلى الأرض صريعاً وقد أصابه ثلاثة عشر سهم .
فأي عمل يمكن أن يعبر عن أهمية الصلاة ويؤكد وجوب إدائها على المسلم مهما كانت الظروف والأحوال مثل هذا العمل الذي قام به الحسين (ع) .
هذا بالاضافة إلى ما يمكن أن يستوحيه المصلي اثناء صلاته من ذكرى الحسين (ع) من معاني جمه وعظيمة منها مثلاً تصور عظمة الاسلام واهمية الدين بشكل عام حيث دفع الحسين (ع) ثمن بقائه وصيانته غالياًَ جداً فكشف عليه السلام وبذلك عن حقيقة أن الدين أثمن وأغلى وأفضل من كل ما في الحياة والوجود . وهو أولى بالبقاء من كل شيء سواء في مقام دوران الأمر بين بقائه أو بقاء غيره . فالغير أولي بالتضحية به لأجل بقاء الدين . والسبب في ذلك واضح وهو ان الحياة بكل ما فيها من نعم وخيرات وزينة ولذة من المال والبنين وغيرهما انما يستفاد منها حقيقة وتكون خير للانسان وراحة له ولذة إذا كان المجتمع يسوده الدين ونظام القرآن وشريعة الله تعالى ، يسوده ذلك فكرة وعملاً من حيث العقيدة والسلوك لأنه حينئذ فقط يسود الحق والعدل ويأخذ كل ذي حق حقه ويؤدي كل مسئول واجبه ولا تظلم نفس شيئاً قال سبحانه وتعالى «فمن تبع هداي فلا يظلّ ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً» . «ولو ان أهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم لما كانوا يكسبون» .
والخلاصة هي أن الشيعة إنما يفضلون السجود على تربة الحسين (ع) على غيرها من بقاع الأرض لأن الصلاة في حقيقتها صلة مع الله تعالى وتوجه اليه وتذكر له وخضوع وخشوع بين يديه ولا شك أن ذكرى سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين خير وسيلة للحصول على أكبر قدر ممكن من تلك الأمور كلها وذلك بسبب السجود على تربته المقدسة .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

159


وإلى هنا نكتفي بهذا القدر من الاجابة على هذا السؤال وإن أردت المزيد من التفصيل فيه فراجع كتاب «الأرض والتربة الحسينية» للمرحوم حجة الإسلام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء قدس سره وفي الختام أرى من المناسب أن اسجل هنا فقرة من كتاب (ابو الشهداء) ص 13 تؤيد الفقرات الأخيرة . قال العقاد وهو في معرض بيان ما اكتسبته أرض كربلاء من قدسية بسبب الحسين (ع) .
وليس في نوع الانسان صفات علويات أنبل ولا ألزم له من الايمان والفداء والايثار ويقظة الضمير وتعظيم الحق ورعاية الواجب والجلد في المحنة والانفة من الضيم والشجاعة في وجه الموت المحتوم . وهي ومثيلات لها من طرازها هي التي تجلت في حوادث كربلاء منذ نزل بها ركب الحسين (ع) ولم تجتمع كلها ولا تجلت قط في موطن من المواطن تجليها في تلك الحوادث التي جرت في كربلاء .

فيا كربلا طُلّت السمـاءَ وربمـا

تناول عفواً حظ ذي السعي قاعد

لأنتِ وإن كنتِ الوظيعة نلت من

جوارهم مـا لـم تنلـه الفراقـد

 

 

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

160

 

هل يحدث احياء ذكرى الحسين (ع) تفرقة وحزازات طائفية بين المسلمين كما يزعم البعض ؟


قد يمر هذا السؤال على بعض الخواطر ويرد في أفكار بعض الناس وخاصة شباب هذا العصر الذي نشطت فيه المحاولات الالحادية وقويت فيه الدعاية ضد شعائر الدين ومظاهر الاسلام بكل صورها وفي مقدمتها الشعائر الحسينية التي هي من صميم شعائر الله ومظاهر الدين تلك الشعائر التي من أقوى الوسائل لنشر الوعي السياسي والاجتماعي والأخلاقي بين الأحداث والشباب .
ومن ثم نشطت الدعاية المعادية ضد هذه الشعائر الحسينية بكافة أنواعها من عقد المآتم وتنظيم المواكب وغيرها . وكثيراً ما ترفع ضدها شعارات مظلة وخدّاعة باسم الدين وبالتظاهر بالحرص على وحدة المسلمين والاهتمام باتفاق كلمتهم وتوحيد صفوفهم أمام العدو المشترك فيزعمون أن احياء ذكرى ثورة الحسين (ع) ينافي هذا الهدف بسبب ما تولده هذه الذكرى من التفرقة الطائفية لأنها أي تلك الذكرى تشتمل كما يزعمون على الطعن والتنديد والمس بكرامة بعض الصحابة وبعض خلفاء المسلمين وبعض رجال الأمة المحترمين . ولذا يجب ترك هذه الشعائر وعدم إحياء تلك الذكرى حفاضاً على وحدة المسلمين .
هكذا تقول تلك الدعاية اليوم حسب ما نقرأ ونسمع منها بين حين وآخر والجواب عليها ببساطة هو أن نقول :

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

161


اولاً : إن ثورة الحسين (ع) لم تخدم مصلحة الشيعة فحسب ولا مصلحة المسلمين فحسب بل خدمت مصلحة الانسانية العليا في كل زمان ومكان وعليه فالحسين ليس للشيعة فقط بل لجميع المسلمين ولكل الناس الخيرين في العالم وقد أجمعت كلمة الخبراء والعلماء بكنه ثورة الحسين وحقيقتها . على أن واجب كل شعب وامة ان تحيي ذكرى الحسين (ع) خدمة لمصلحة أبنائها وتربية لشبابها على الشعور بعزة النفس واباء الظلم والكرامة الانسانية في حياتهم . فذكرى ثورة الحسين (ع) لا تفرق بل بالعكس توحد الكلمة على الحق والعدل .
ثانياً : إن الذي أمر بقتل الحسين (ع) هو يزيد بن معاوية البالغ من العمر في ذلك اليوم إحدى وثلاثين عاماً فقط وإن الذي نفذ الأمر هو عبيد الله بن زياد لعنه الله البالغ من العمر في ذلك اليوم ثمانية وعشرين عاماً . وإن الذي باشر تنفيذ الأمر هو قائد الجيش عمر بن سعد بن ابي وقاص لعنه الله البالغ من العمر في ذلك اليوم حوالي خمسة وعشرين عاماً . وهم كما ترى ليسوا من صحابة رسول الله (ص) بالمعنى المعروف أي ليس منهم أحد أدرك الرسول (ص) وجالسه وسمع حديثه . فمن هم هؤلاء الصحابة الذين يخشى من الطعن بهم في إحياء ذكرى الحسين (ع) .
نعم ربما يتعرض في خلال الذكرى الى معاوية بن أبي سفيان باعتباره مهد الطريق إلى قتل الحسين (ع) عن قصد أو غير قصد بتوليته ابنه على إمارة المسلمين . ومعاوية معلوم الحال لدى الجميع أسلم قبل وفاة الرسول الأكرم بخمسة اشهر بعد أن ضاقت عليه الأرض وعلم أن الاسلام سيعم وينتشر فدخل في الاسلام خوفاً وطمعاً لا عن عقيدة وإيمان وكان صعلوكاً مستحقراً لدى المسلمين ومعدوداً في المؤلفة قلوبهم الذين لا يتجاوز الاسلام شفاههم ولا يؤمن شرهم على المسلمين إلا بالمال .

 

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

162


والإدعاء بأن معاوية كان من كتاب القرآن بين يدي النبي (ص) كذب وإفتراء لم يوجه الرسول (ص) إلى معاوية كتابة اي جزء من الوحي اوآية من القرآن نعم كان يكتب للرسول (ص) بعض الرسائل التي كان يرسلها النبي (ص) إلى الملوك والرؤساء . وكان المسلمون الواعين في حياة الرسول يزدرون معاوية ويكرهون مجالسته . ولا أشك أن المسلمين الواعين في عصرنا هذا ليس فيهم من يحب معاوية ويقدسه ويحترمه وهو يقرأ ويسمع ما شاع وذاع وملأ الآفاق عن بدعه وآثامه وموبقاته إبان ملكه وإمارته . تلك البدع والآثام التي ختمها بفرض ابنه يزيد الفاسق الماجن الخمار السكير فرضه خليفة على المسلمين من بعده فقتل آل الرسول (ص) وأباح مدينة الرسول لجنده ثلاثة ايام دماء وأموالاً وأعراضاً وأخيراً هدم الكعبة واحرق أستارها .
فالغرض هو : أنه لا يوجد في ذكرى ثورة الحسين ذكر لصحابة ولا لرجال دين محترمين يخشى أن يطعن فيهم أو تمس كرامتهم . وبالتالي فإن هذه الذكرى المقدسة لا تفرق بين المسلمين أبداً . نعم تفرق بين المسلمين والمنافقين الدجالين الذين هم على طراز معاوية ويزيد وابن زياد وعمر بن سعد . وهذا التفريق يرحب به كل مسلم ويتمناه «ليميز الله الخبيث من الطيب» وهذه التفرقة هي من ثمرات ذكرى ثورة الحسين بلا شك ومن الأهداف المقصودة من احيائها بل ومن أهداف ثورة الحسين (ع) بالذات .
ثالثاً : كيف يعقل أن تكون ذكرى ثورة الحسين (ع) مفرقة للصف ومشتتة للوحدة بين المسلمين مع أن ثورة الحسين (ع) بالذات ضربت أروع مثال للوحدة بين المسلين حيث جمعت بين أفراد مختلفين وأشخاص متباينين من حيث العنصر والقومية والدين والمذهب والوطن والسن والجنس . وحدّت بينهم الثورة توحيداً كاملاً حتى جعلتهم وكأنهم جسم واحد وشخص واحد يتحركون

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

163


ويعملون وينطقون بارادة واحدة ويد واحدة ولسان واحد . وهم أصحاب الحسين (ع) الذين كانوا حوالي الثلاثمائة والثلاثة عشر رجل . كان فيهم العربي القرشي والعربي غير القرشي الى جنب الفارسي والتركي والرومي والزنجي والمسيحي والمسلم السني والمسلم الشيعي من أقطار الحجاز والكوفة والبصرة واليمن منهم الفقير والغني والحر والعبد والرئيس والمرءوس من مختلف مراحل العمر كالشيخ الكبير والكهل والشاب والمراهق والصبي . وكان معهم جملة من النساء من الهاشميات والعربيات يقدر عددهن بحوالي العشرين امرأة . أجل لقد قدم الحسين من وحدة أصحابه نموذجاً كاملاً عن الوحدة الانسانية العالمية التي ينشدها الإسلام ودعا اليها القرآن وثار لأجل تحقيقها سيد الشهداء أبو عبد الله الحسين عليه السلام ومن قبله أبوه الإمام علي (ع) . الذي هو القدوة المثلى للمسلمين جميعاً في العمل لوحدة المسلمين والحفاظ عليها والتضحية في سبيلها بمصلحته ومصلحة أبنائه ومصلحة شيعته . صبر على اغتصاب حقوقه وحقوق أهل بيته وشيعته خمساً وعشرين سنة مدة حكم الخلفاء الثلاثة قبله ولقد تعاون مع الخلفاء الغاصبين لحقه في الشؤون العامة وخدمة المصلحة العليا بكل امكاناته وطاقاته حسب ما هو معروف لدى الجميع ... وكذلك جميع أبنائه الأئمة الأحد عشر (ع) سالموا خلفاء الوقت وسايروا الحكومات الاسلامية على حساب مصلحتهم الخاصة وحقوقهم المشروعة لأجل صيانة الوحدة الاسلامية .
والخلاصة هي : انه ليس في شعائر الشيعة وذكرياتهم شعار ولا ذكرى تفرق المسلمين أو تورث حزازات طائفية بينهم .
بل إن الذي يفرق ويمزق صف الوحدة الإسلامية ويثير الحزازات الطائفية والفتنة بين المسلمين هم أولئك العملاء المأجورون من قبل الاستعمار وأعداء المسلمين الذين ينفثون سموم التفرقة بين حينٍ وآخر بواسطة بعض

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

164


الكتب أو المقالات أو الخطب التي تحمل وتتحامل على الشيعة بالكذب والافتراء والتهم والسب والشتم ونسبة الكفر والشرك اليهم بكل صراحة ووقاحة .
ان الذين يفرقون كلمة المسلمين هم أولئك الذين يكتبون عن الشيعة أنهم صنيعة الصهيونية ومن أتباع عبد الله بن سبا اليهودي الذي ابتدع مذهب الشيعة . وعبد الله بن سبا هذا قد أجمع الخبراء على أنه اسطورة خيالية لا وجود له إلا في أذهان هؤلاء الذين يريدون التشهير بالشيعة .
إن مذهب الشيعة في الإسلام إنما هو مذهب أهل البيت (ع) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً . ذلك المذهب الذي يفرض التعاون بين المسلمين جميعاً على البر والتقوى ومصلحة الإسلام العليا . ذلك المذهب الذي يعتبر المسلم أخاًً للمسلم شاء ذلك أم أبى ... وأخيراً أقول أن الشيعة لا يهاجمون ولا يعتدون بل يدافعون عن الحق وبالحق وليس في مذهب التشيع شيء غير الحق .
ومما يقوله المشاغبون على الشيعة أيضاً :
هو أن الشيعة شغلوا بالبكاء والعويل على الحسين (ع) عن مصالحهم الحيوية وقضاياهم المصيرية فتخلّفوا عن ركب العالم علمياً واقتصادياً وصناعياً وسياسياً .
أقول : ان قولهم هذا يذكرني بقول بعض الملحدين الذين يقولون أن المسلمين شغلوا بالصلاة والصيام والحلال والحرام عن مسايرة ركب التطور العالمي فظلوا متخلفين عن الأمم الأخرى .
أجل : ما أشبه قول المشاغبين عن الشيعة بقول الملحدين عن المسلمين عامة وما أقرب الدوافع والغايات للقولين . تلك الغايات التي تتلخص بكلمة واحدة

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

165


وهي «التشويه» فكل من القولين مغالطة مفضوحة لا تنطلى إلا على السذج من عوام الناس وإلا . فكل عاقل عارف يعلم يقيناً أن الإسلام بكل ما فيه ، لا دخل له في تخلف المسلمين مطلقاً . كما ان احياء ذكرى عاشوراء بكل ما فيه لا دخل له في تخلف الشيعة مطلقاً .
ان السبب الأساسي في تخلف المسلمين عامة والشيعة خاصة في العصور الأخيرة . هو الاستعمار الكافر بأساليبه وعملائه وسياساته .
وإن قلت : من الذي مكن العدو المستعمر من السيطرة عليهم واستعمارهم.
قلت : هم الحكام الخونة الذين اغتصبوا السلطة من أصحابها الشرعيين منذ العصور الأولى وبعد وفاة الرسول (ص) . على وجه التحديد . وإلى اليوم .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

من خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ...
المدن الشيعيّة في شبه القارّة الهنديّة
قبسات من الكلام الفاطمي
التضحية وصناعة التاريخ .. ثورة الإمام الحسين ...
في تقدم الشيعة في علم الكلام ، وفيه صحائف
الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام
أهل الذمة في عصر الأمويين
أسرة آل بُوَيه في الريّ
من هم قتلة عثمان
من الراوي في قضية ميلاد أمير المؤمنين (ع) في ...

 
user comment