عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

رابعة بنت إسماعيل

رابعة بنت إسماعيل :
في شرح حياة هذه المرأة (1) ورد أنها كانت تقول : ( رأيت أهل الجنة يذهبون ويجيئون وربما رأيت الحور العين يستترن مني بأكمامهن ) . وكما أن
____________
(1) الدر المنثور ، ص 203 .


(244)


الرجال يصلون أحياناً إلى محل يسترون أنفسهم عن الأئمة عليهم السلام كذلك بعض الملائكة يصلون أحياناً إلى محل يسترون أنفسهم عن أولياء الله من الرجال . كما أن النساء يصلن أحياناً إلى محل تستتر الحور العين عنهن . ولكن هل يختفين أم يصبحن تحت شعاع نورهن ؟
إن ما ورد في الرواية من أن الشخص الذي يتوضأ يخلق ملك بماء وضوئه ، أي يصبح بعملهم الصالح ( كن فيكون ) وإلا فالملائكة لا هي من النار ولا من الطين ، يخلقون بالصلاة . مثل نهر عسل الجنة الذي يخلق بالعمل الصالح .
( وانهارٌ من عسل مصفى ) (1) .
عسل الجنة ليس من النحل ، بل يخلق بالصوم والصلاة . كما أن حور الجنة ليست مثل الإنسان حتى تكون ( خالق بشراً من طين ) (2) ، وليست مثل الجن ، حتى تكون ( والجان خلقته من قبل من نار السموم ) (3) ، بل هي تخلق بالصلاة ، بالعبادة والإطاعة . بناء على هذا إذا كان الملك كائن يخلق بالصلاة ، والمصلي أعلى من الصلاة لأن :
( فاعل الخير خير منه ) (4) .
فالنساء من أهل الجنة أعلى من الحور ، وهذا هو الموقع الواقعي للمرأة ، وإذا توهم شخص أن بعض القيود التنفيذية لا تسمح بأن تصل المرأة إلى هذه المواقع العميقة ، فهذا توهم باطل .
____________
(1) سورة محمد ، الآية : 15 .
(2) سورة ص ، الآية : 71 .
(3) سورة الحجر ، الآية : 27 .
(4) نهج البلاغة ، الفيض . الحكمة 31 .


(245)


الخلاصة هي أن الطريق مفتوح للرجل والمرأة بالتساوي وليس هناك أي فرق بينهما في مجال سير الكمالات .
من هم الأبدال والأوتاد ؟
لذا عندما سئل عارف : كم عدد ( الأبدال ) ؟ قال : ( أربعون نفساً ) ، وسئل لماذا لم تقل ( أربعون رجلاً ) ، وقلت : أربعون نفساً ؟ أجاب : ليس جميع هؤلاء رجال ، بل توحيد بينهم نساء ، هذا أولاً ، وثانياً : إن الشخص الذي ينال مقال الأبدال هو إنسان والإنسانية لا تختص بالمرأة أو الرجل (1) .
الأبدال ، في الاصطلاح . هم سالكون ليسوا تحت تدبير شخص معين . ويذكرون بوصفهم ( مفِرد ) أو ( مفرَد ) ، حيث انهم يقطعون الطريق لوحدهم ، وان هو صعب ولكنه قابل للمسير فيه ، ورغم أن سير الإنسان تحت نظر مدير ومدبر يكون أكثر ، ولكن يمكنه قطع هذا الطريق وحيداً .
هناك مجاميع كثيرة لكل منها اسم خاص ، ولكن هذا السؤال والجواب طرح بشأن ( الابدال ) خاصة ، ولذا قال ذلك العارف في الجواب ( أربعون نفساً ) ولو طرح سؤال كم عدد الاقطاب والأوتاد ؟ يمكن أن يقال في الجواب ( أربعون نفساً ) . أي أن الذي يصل إلى هذه المقامات ليس ( رجلاً ) ، بل هو ( إنسان ) والإنسانية ليست امرأة ولا رجلاً .
وعلى أساس هذه النكتة قيل :

( ولو كـان الرجـال كمـن ذكـرنــا

*

لفضلــت النســاء علـى الـرجــال

فـلا التـأنيـت لاسـم الشمـس عيـب

*

ولا التــذكيــر فخــر للهــلال ) (2)

____________
(1) تفسير روح البيان ذيل الآية : 42 من سورة آل عمران ج 2 ، ص 34 .
(2) تفسير روح البيان ذيل الآية : 42 من سورة آل عمران ج 2 ، ص 34 .


(246)


على أية حال هناك نماذج كثيرة إذا ذكرت سوف يتضح ويتبين كم كان ميزان دور المراة في صدر الإسلام بالمقارنة مع الرجل ، وفي البحوث القادمة سنذكر إن شاء الله تعالى أنه كانت هناك في طول التاريخ نساء بمستوى أويس القرني ولكن بسبب أنهن لم يطرحن بقين مجهولات .
قضية الفضيل بن عياض الذي اشتهر في التاريخ وتذكره العارفون ، وتطرح قصته في ذيل الآية الشريفة :
( ألم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله ) .
هي من الحوادث العرفانية الرفيعة ، وقد وقعت حادثة تشبهها لامرأة عارفة كانت لها سابقة فنية ، حيث قيل : إن مولاها أرسلها إلى المستشفى بسبب شدة الحيرة و ... لأنه رأى انها كانت تقول : شعراً رفيعاً بشأن المحبوب يحير العقلاء ، احتار الجميع في من هو ذلك المحبوب ؟ ولم يفهم مولاها من أثر سوء ظن من هو محبوب هذه المرأة الذي تقول من أجله هذا الشعر وتبكي وتضج . وعندما ذهب بعض العارفين في ذلك العصر للالتقاء بها فهموا أن هذه المرأة وصلت إلى مقام بحيث لا ترى إلا الله ، وتنظم هذا الشعر الأدبي الرفيع في فراقه ، وفي النتيجة أخرجوها من المستشفى وفهموا أن طريق القلب ، لا يختص بالعارفين الرجال ، فالنساء إذ لم يكن كالرجال في هذا الطريق فإنهن في نفس اتجاههم وكفؤهم .


(247)

 

المرأة في البرهان

أشير في بداية البحث إلى ان تنظيم البحوث يقع في ثلاثة فصول ، الفصل الاول : بنظر القرآن ، الفصل الثاني : بنظر العرفان ، الفصل الثالث : بنظر البرهان ، ورغم أن البرهان والعرفان مدينان للقرآن ويستعينان به ، ولكن طريقة تنظيم البحث بالاستفادة من المصطلحات أدت إلى طرح البحوث في ثلاثة فصول .

عدم الفرق بين المرأة والرجل بنظر البرهان (1) :
من حيث المسائل العقلية ليس هناك فرق بين المرأة والرجل في أصل الكمال ، طبعاً يمكن ان لا تنال المرأة القمة التي وصلها رجل مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن هناك رجال كثيرون حتى أنبياء ومرسلون وأولياء وأوصياء كثيرون لم يصلوا ذلك المقام أيضاً ، هذا ليس لأن المرأة لكونها امرأة لا تصل إلى ذلك المقام ، بل من أجل أن ذلك المقام يكون من نصيب قليل من الناس الكاملين ، لذا لم يصل كثير من الرجال إلى تلك الدرجة ، بناء على
____________
(1) إلهيات الشّفاء ، المقالة الخامسة ، الفصل الرابع . وان بعض المطالب الواردة في المقالة العاشرة ، الفصل الرابع ، قابلة للتوجيه .


(248)


هذا فانه باستنثاء مقام الإنسان الكامل الذي هو أمر منفصل ، ليس هناك فرق بين المرأة والرجل في الكمالات المترقبة (1) .

الذكورة والأنوثة ليست فصلاً مقوّما :
دليل هذه المسألة حسب ما ورد في الكتب العقلية ، وكما ذكره ابن سينا في الشفاء وذكره تلميذه بهنميار في التحصيل ، هو أنهم يعتبرون الناطق فصلاً في الكتب العقلية من حيث كشف الحد ومعرفة الرسم ومعرفة الذاتي والعرضي ، طبعاً ليس فصلاً منطقياً بل من لوازم الفصل ، كما أن المقصود من الناطق ليس النطق الظاهري ولا النطق الباطني ، بل المقصود هي النفس الناطقة ، وهذا النطق يشتق من النفس الناطقة ، يعتبرون الناطق فصلاً مقوماً الإنسان ، أما الأنوثة والذكورة فيعتبرونهما مصنفاً ، وليس مقوماً ، ولذا حين يقسمون الفصول إلى فصل قريب واقرب ، بعيد وأبعد ليس هناك كلام عن الذكورة والأنوثة ، الكلام هو عن الناطق والصاهل والخائر و .. الذي يتوع الحيوانات ، على هذا ، عندما تكمل الذات ، أي إنسانية الإنسان ويصل إلى نصابه عند ذلك تطرح مسألة الذكورة والأنوثة ، وتشخيص الذاتي والعرضي وعلاماتهما يحصل عن هذا الطريق . هذا قسم من البحث تتولاه الكتب العقلية .

عدم تأثير الذكورة والأنوثة في فعلية الإنسان :
وقسم آخر من البحث ذكر في الفرق بين الجنس والمادة ، قيل : إن الذكورة والأنوثة تعودان إلى المادة لا إلى الصورة ، ولأن صورة كل شيء تشكل شيئيته فالذكورة والأنوثة للأشياء ليست دخيلة في فعلية وشيئية الأشياء وتوضيح المسألة هو أنه إذا أردنا معرفة كائن بفعليته ، فان صورته
____________
(1) التحصيل ، المقالة الرابعة ، الفصل الرابع .


(249)


تبين فعليته وتبين لنا حقيقته ، ولكن لأن مادته مشتركة ويمكن ان تظهر بصورة أخرى أيضاً . فهي ليست علامة حقيقته ، التراب هو مادة لصور متنوعة ، يمكن ان يظهر بصورة شجرة أو بصورة معدن أو فواكه متنوعة أو حبوب وأحجار مختلفة أو بصورة إنسان أو حيوانات ، وما لم تظهر في صورة من الصور لا تحصل على فعلية خاصة ، وليس المقصود من الصورة هو الهيكل لأن ذلك عرضي بل المقصود هي الفعلية الجوهرية التي تؤمن حقيقة الشيء وتعود إلى كيفية وجوده من ناحية .
يقول أهل الحكمة : ان الذكورة والأنوثة هي من شؤون مادة الشيء وليس من شؤون صورته ، أي ليس لها دور في قسم الصورة والفعلية ، ولها دور في قسم المادة فقط ، عندما يذكرون الفرق بين الجنس والمادة . يقولون : إن المادة لها أصناف ، بعض تلك الأصناف مذكر وبعضها مؤنث ، وعلامة الذكورة والأنوثة تعود إلى المادة وليس الصورة ، لهذا لا يختص هذان الصنفان بالإنسان ، بل يوجدان في الحيوان أيضاً وكذلك في النباتات . والشيء الذي تتمتع به الكائنات التي هي أقل من الإنسان واضح انه لا يعود إلى صورة إنسانية ؛ لأنه لو كان يعود إلى صورة الإنسان لما كان يتمتع به الكائن الذي هو أقل من الإنسان . قبل مرتبة الإنسانية هناك مرتبة الحيوانية التي لها ذكورة وأنوثة أيضاً وقبل الحيوانية هناك مرتبة النباتية التي تطرح فيها مرتبة الذكورة والأنوثة أيضاً ، لو كانت الذكورة والأنوثة تدخل في قسم الصورة وجزء من فعلية الإنسان لما كانت توجد في كائنات أقل من مستوى الإنسان ، ولانها توجد في مستوى أقل من الإنسان ، يتضح أنها مرتبطة بمادته وليس بصورته ـ.
كما ان الحيوانات إذا أرادت ان يكون لها كمالات فان كمال الحيوانات ليس في ذكورتها وأنوثتها ، كل حيوان له نفس وكمالاته متعلقة


(250)


بها إن ذكورة أو أنوثة الحيوان يمكن أن يكون لها تأثير في قواه البدنية ، ولكن هذه القوى البدنية ليست كمالات حيوانية .الكمالات الحيوانية هي في الأوصاف والخلقيات الخاصة بنفس الحيوان ، والأنوثة والذكورة موجودة في كائنات أقل من الحيوان ، لأنها تعود إلى المادة ، أي أنها موجودة في درجة النباتات أيضاً . جاء في القرآن :
( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) (1) .
كان هذان نموذجين من المسائل العقلية . ولكن لأن القرآن الكريم هو جذر هذه المعارف يجب أن يؤيدها . حين يمدح القرآن الكريم الروح ويعرفها ، يقول بانها من أمر الله ويسندها إلى الله ، والشيء الذي له إضافة تشريعية إلى الله وهو من عالم الحق ، ومفصول عن عالم الخلق ، وهو نشأة أخرى ، يكون منزهاً عن الذكورة والأنوثة .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

القدرية
محكمة خليفية تقضي بإعدام حسين مرزوق وسجن آخرين ...
الوعد والوعيد
شاهد عیان یتکلم عن کارثة منی 2015/ لقد رأينا ...
العلاقة الزوجية بين الرومانسية والجنس
الإعراض عن اللغو
من هم الشیعة ومن أین ؟؟
نص رسالة "محمد رسول الله" لـ"المقوقس" ...
الحياة مع زوج شكاك.. جحيم لا يطاق!
التجلي لموسى عليه السلام

 
user comment