2 - اءنّ هذه الثورة حصيلة جهود كثيرة وكبيرة من قبل كلّ العاملينفي سبيل الله والمجاهدين وطلائع العمل الاءسلامي، من الذين وعوا محنةتخلّف الاُمّة، وتحمّلوا المسؤولية ونهضوا بأعباء المسؤولية، وتقبّلوا كلّالمتاعب التي واجهتهم علي طريق ذات الشوكة؛ وهؤلاء العاملين فيسبيل الله يشكّلون نسبة واسعة وكبيرة من العاملين في سبيل الله، في اقطارشتّي من اقاليم العالم الاءسلامي، وعلي مستويات مختلفة من الثقافة والعلموالنفوذ، وفي اختصاصات شتّي من عقول العمل الاءسلامي، اءنّ هؤلاءجميعاً وفي عصرنا وقبل هذا العصر لهم دور في بناء قواعد هذه الثورةالمباركة، وفي اءنجاز هذه الحركة الربّانيّة علي وجه الارض، وفي تحريكهذا السيل البشري الهادر الذي زعزع اركان الطاغوت.
اءنّ الطالب الذي كان يدعو اءلي الله ورسوله وتحكيم شريعة الله بينزملائه الطلبة له دور في بناء الثورة، والعامل له دور في هذه الثورة،والخطيب الذي كان يخطب في المساجد والاجتماعات وينشر هديالاءسلام ووعيه له دور في هذه الثورة، والعالم والكاتب والشاعر الاديبوالمعلّم والنساء والرجال. وكلّ حملة الرسالة، والذين وضعوا حجراً فيأساس هذه الثورة في مشارق الارض ومغاربها لهم دور وسهم في هذهالثورة المباركة.
اءنّ هذه الثورة الاءسلامية العملاقة التي زلزلت الارض تحت اقدامالطغاة وهدّدت كيانهم ومصالحهم والتي قادها الاءمام الخميني؛، وتقدمفي طليعتها الشعب الاءيراني المسلم الابي الضيم؛ هذه الثورة الجبارة لمتكن حصيلة فترة زمنيّة محدودة، وجهد جماعة من العاملينوالمجاهدين، واءنّما حصيلة اجيال من العمل في سبيل الله من قبل كلّالعاملين في حقول العمل الاءسلامي، كما كانت هذه الثورة حصيلة كلّالا´لام والحرمان والاضطهاد والعذاب والعناء الذي لاقاه المسلمون فيمرحلة الركود والضعف. وساهم في هذه الثورة كلّ مَن اُضطهد فيسبيلالله، كلّ مَن اءلتوت السياط علي جسمه في غياهب السجون وكلّالدموع، وكلّ الدماء، وكلّ الا´هات، وكلّ الهجرات التي كانت في سبيل الله.
...أجل اءنّ هذه الثورة كانت اءنفجاراً هائلاً لكل تلك الا´لام والمحن،ولو كان الامر في هذه الثورة الاءسلامية يقتصر علي العامل الثاني (ركامالا´لام والعذاب)؛ لكان من الممكن ان تغلب علي هذه الثورة صفةالغوغائية والتخريب والاءنفعال؛ اءلاّ انّ وجود العامل الاول (المبدئيّة)وقوته وفاعليته في تحقيق هذه الثورة المباركة كان عاملاً قوياً في توجيهالثورة وتصحيح مسارها والمحافظة عليها من الانحراف.
لقد كان الفعل الهادف الذي تم خلال هذه المدّة من قبل العاملين فيسبيل الله يصبّ في مصب خط الاءسلام النقي الخط الفقهي الذي تجسّد فيقيادة الاءمام الخميني، والذي عُرف فيما بعد بخط الاءمام. لقد كان هناكبالتأكيد خطوط انحرافية في العمل الاءسلامي، عن يمين ويسار، ولكنهذه الخطوط لم تكن تشكّل تيار الحركة الاءسلامية القويّة.
اءنّ التيّار كان يجري في اتجاه الخط الاءسلامي الاصيل، ولقد كانللفقهاء والعلماء والمرجعيّة الاءسلاميّة الرشيدة دور هام في توجيه هذاالتيار وتنظيم مساره والمحافظة عليه.
ومهما كان من امر فاءنّ هذه الثورة كانت حصيلة كلّ هذه الجهودوالا´لام، ولقد ساهم في بنائها كلّ اُولئك العاملين والمحرومين والمعذّبينفي سبيل الله ولهذا السبب بالذات فاءنّ لهؤلاء العاملين والمعذّبينوالمحرومين علاقة عضويّة قويّة بهذه الثورة، سواء عاشوا في اءيران أمفي العراق أم في جزر اندونيسيا أم في أعماق افريقيا.
فاءنّ هذه الثورة لهؤلاء جميعاً، وعلي هؤلاء جميعاً المحافظة علي هذهالثورة وحمايتها ضدّ مخططات الاءستكبار العالمي. فاءنّ هذه الثورةواجهت مخطّطات رهيبة من قبل الاستكبار العالمي الشرقي والغربي،وسوف تستمر هذه المواجهة وتدوم. ومسؤولية المحافظة علي هذهالثورة لا تقتصر فقط علي الشعب الايراني الذي فجّر الثورة، واءنّما تعمالمسؤولية كلّ ابناء هذه الثورة وبُناتها والمساهمين فيها؛ فليست هذهالثورة ثورة اءقليم كما يحاول اعداء الاءسلام ان يبرّزوها، وكما تنطلياحياناً علي بعض السذج من المسلمين، وليست ثورة اءسلاميّة ايرانيّة،واءنّما هي ثورة اءسلامية شاملة وعميقة ساهم فيها كلّ العاملين والمعذبينمن المسلمين، وشاء الله تعالي ان تكون نقطة انفجارها في ارض اءيران،وان يكون الشعب الذي يفجّرها هو الشعب الاءيراني المسلم. فأيّةُ محاولةلاقلمة هذه الثورة وعزلها عن مشاعر واحاسيس وقلوب المسلمين هيخيانة لهذه الثورة، ان كانت من قبل اعداء هذه الاُمّة والمتربّصين بهاالسوء، وهي سذاجة وجهل اءن كانت من قبل هذه الاُمّة، ومن وراء هذهالسذاجة خيانة. والغاية من هذه الخيانة عزل الثورة الاءسلامية عن مشاعرالمسلمين. وعن الرأي العام الاءسلامي وتطويقها مقدمة للاءجهاز عليها.
وعلينا نحن المسلمين ان نواجه هذه المؤامرة بوعي واءنتباه، وبعيداًعن جو الحسّاسيّات، وفي جو من المسؤولية الشرعية.
اءنّ هذه الثورة ليست ثورة اءقليم، ولا ثورة قوميّة. واءنّما هي ثورةالمسلمين جميعاً في مقابل الكفر العالمي والشرك، واءيران لا تزيد انتكون نقطة بداية لانفجار هذه الثورة.
واءنّ كلّ الثورات التي تحدث فيما بعد في اقطار العالم الاءسلامي،وباتجاه هذا الخط الربّاني، تُشكّل مراحل مختلفة لثورة واحدة وشاملة،وهي ليست ثورات اُخري في مقابل هذه الثورة، ولا امتدادات لهذهالثورة، واءنّما هي مراحل مختلفة لثورة واحدة شاملة وقد شاء الله تعالي انتتمّ المرحلة الاُولي منها في اءيران، وفي احضان هذا الشعب المسلمالمضحّي الشجاع.
أرأيت خطّ الزلزال والهزّات الارضية التي تنطلق من نقطة، وتمتدعلي منطقة واسعة من الارض بفعل التفاعلات الجيولوجية غير المرئية لنافي عمق الارض؟ كذلك كانت هذه الثورة؛ لقد تمّ في عمق هذه الاُمّةتفاعلات واسعة وكبيرة وقويّة بتأثير الفعل (العامل الاول) والانفعالات(العامل الثاني) في غياب من رصد الاستكبار العالمي، وحيث كانالاستكبار العالمي يزهو بانتصاراته الكبيرة علي العالم الاءسلامي، ويعيشفي نشوة سلطانه وسيطرته علي العالم الاءسلامي؛ جرت هذه الاءنفعالاتفي أعماق الاُمة الاءسلامية وتفاعلت وتفاقمت، ثم كان الزلزال الذي هزالارض من تحت اقدام حكّام البيت الابيض والكرملين والاليزيه، ولمينتبه هؤلاء الطغاة من نشوة وسكر السلطان اءلاّ بعد ان حدث الزلزال،وكانت نقطة البداية للزلزال في اءيران، اءلاّ ان خط الزلزال كان خطاً طويلاًوممتداً، ولم ينقطع هذا الزلزال الحضاري الكبير، واءنّما يمتد خطه منطهران اءلي بغداد اءلي القدس.
اءنّ الذي حدث في اءيران في 22 بهمن كان شيئاً أكبر بكثير منتصوراتنا السياسية المحدودة، وكان تحقيقاً لوعد الله سبحانه وتعاليللصالحين المستضعفين من عباده في هذه الاُمة (ونُريد ان نمنّ علي الذيناستُضعفُوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين.، ونمكّن لهم في الارض).
وعلينا قبل كلّ شيء ان نعي بصورة جيدة الابعاد الحقيقية لهذهالثورة، وان ننشر هذا الوعي في صفوف المسلمين، لنحبط المؤامراتالتي يحيكها أعداء الاءسلام لتطويق ومحاصرة الثورة الاءسلامية الكبريالمعاصرة في دائرة الاءقليم والقوميّة الفارسية لتنعزل الثورة - بعد ذلك -عن الرأي العام الاءسلامي وعن مشاعر المسلمين.
اءنّ الذي يتابع كلام الاءمام الخميني؛ قائد الثورة، يجد وعياً دقيقاًلهذه المؤامرة، وسعياً وافراً لاءحباطها.
ومن هنا فاءنّ ربط مصير المسلمين جميعاً بهذه الثورة سنّة وشيعةوعرباً وفُرساً واتراكاً واكراداً، واءيرانيين وعراقيين ولبنانيين، وعلماءوساسة وعمالاً، وتعميم مسؤولية المحافظة علي هذه الثورة عليالمسلمين جميعاً هو واجب علي كلّ مسلم؛ اءذ ان هذه الثورة من عملوجهد وعناء كلّ المسلمين الصالحين، ورسالة هذه الثورة فك الاغلالوكسر القيود عن ايدي واقدام كلّ المسلمين، ومسؤولية المحافظة عليهذه الثورة من واجب كلّ المسلمين كذلك، ومن أجل هذه الشموليّةالواسعة في هذه الثورة نجد انّ فكرة تصدير الثورة رافقت ولادة هذهالثورة ومن كلمات قائد الثورة بالذات.
اءنّ مَن يعرف طبيعة وجذور واعماق هذه الثورة يعرف جيداً انّ هذهالثورة لا تعترف بالحدود الاقليمية والقومية، وانّها لا تقف من وراءالحدود، تستأذن سدنة هذه الحدود ليفتحوا لها الطريق، اءنّها السيل، لاتستأذن ولا تقف ولا تعترف بالحدود ولا تنتظر ولا تتردّد. ووعي هذهالحقائق ضروري في حماية ودعم الثورة، كما انّ تضبيب اُفق الثورةبالحسّاسيّات يساعد في الخط العكسي الذي تعمل عليه العقول المخطّطةللاءستكبار العالمي.
ونحن نضع هذه الحقائق عن هذه الثورة بين يدي هذه الاُمّة المؤمنةومفكّريها وقادتها وعلمائها والعاملين في صفوفها وضميرها الحرّ،الواعي، المستنير؛ ليتحمّلوا مسؤوليتهم عن هذه الثورة بين يدي اللهتعالي.
3 - اءنّ هذه الثورة من أيّام الفرقان في تأريخ الاءسلام اءذ انّها شطرتالناس تجاهها شطرين: شطر الموالين، وشطر المعادين.
ولكن، ليس للثورة ولاء جديد في قبال الولاء لله ولرسوله ولاوليائه،واءنّما ولاؤها هو من امتداد الولاء لله. اءنّ هذه الثورة كانت من الاحداثالقليلة النادرة في التأريخ التي لم تسمح لاءنسان ان يقف فيها موقفالمتفرّج واللامبالاة، واءنّما تطلب الموقف من كلّ الناس، وتفرضالموقف علي كلّ الناس، لها او عليها.
ومنذ ايام بزوغ هذه الثورة، ومنذ ان اءندلع لهيبها من طهران وجدناكلّ القلوب المؤمنة والضمائر الحيّة المؤمنة قد تجمّعت حول هذه الثورةوتعاطفت معها من اقصي الجنوب في جزر اندونيسيا اءلي اقصي الشمالمن الولايات الاءسلامية التي يحتلّها الاتحاد السوفيتي، ومن أقصي شرقيآسيا اءلي اقصي المغرب الافريقي.
لقد تجمّعت كلّ العواطف والاحاسيس والمشاعر الصادقة المؤمنةفي هذه الرقعة الواسعة من الارض حول هذه الثورة المباركة، وكانتتعيش باءهتمام بالغ ساعات ميلاد هذه الدولة المباركة. وحبس التأريخانفاسه ليتابع لحظات هذا الميلاد السعيد، لحظات (عودة الحضارةالربّانيّة) و (عودة سيادة الاءسلام علي وجه الارض) و (حاكميّة الله فيحياة الاءنسان) بعد تلك السنوات العجاف من الركود والخمول والضعفوالهزائم النفسية والاءنصهار المذلّ في حضارة الاءستكبار الشرقيوالاستكبار الغربي الجاهلي، ونفوذ وسيطرة الكفر العالمي علي اُمّتناوبلادنا وثرواتنا.
وفي مقابل ذلك: فقد احس الظالمون والعتاة والجلاّدون والذين باعوادينهم وضمائرهم، وكلّ الطغاة والجبّارين في الارض؛ كلّ اُولئك احسّوابالشرّ، وأحسّوا بالخطر، واحسّوا بأنّ هناك حدثاً جديداً، وميلاداً جديداًفي طهران، وانّ الذي يجري في طهران ليس أمراً كسائر الامور التيتجري هنا وهناك، اءنّه نهاية لمرحلة وبداية لمرحلة، ونهاية لحضارةوبداية لحضارة. لقد احسّ هؤلاء بالشرّ، وبالخطر يفاجئهم علي حينغفلة؛ فأعلنوا عداءهم تجاه الثورة منذ اللحظات الاُولي، ولم يخفواحسّاسيّتهم وتخوّفهم من هذه الثورة من ساعاتها الاُولي.
لقد استقبلت الثورة من قبل طائفتين من الناس: فطائفة استقبلتهابقلوب ملؤها العطف والحبّ والاءقبال والاءندفاع لنصر الثورة، والدعاء اءليالله بتأييد الثورة، وطائفة اُخري استقبلتها بقلوب حاقدة متخوّفةومتحسّسة، ولم تتمكن من اءخفاء تخوّفاتها وحسّاسيّتها حتّي منذالساعات الاُولي لميلاد هذه الدولة المباركة وانتصار الثورة.
وهذا الاءنشطار في الولاء والبراءة من خصائص ايّام الفرقان فيالتأريخ، ولسوف تبقي هذه الثورة تحتفظ بهذه الخاصية المزدوجة فيمراحلها المختلفة.
4 - ولقد كان من الطبيعي ان يكون ميلاد هذه الدولة المباركةوانتصار هذه الثورة اءيذاناً بصراع ممتد طويل بين الاءسلام والجاهلية فلقدكانت هذه الثورة تمتد لاءسقاط معاقل الجاهليّة والاستكبار علي وجهالارض، واءطلاق ايدي المستضعفين من العقال والقيود وفكّ الاغلالعنهم، وكسر هيبة القوي الكبري في نفوس المسلمين؛ ولهذا فلا يمكنان يسكت الاستكبار العالمي أمام هذه الموجة الربّانيّة دون اءثارة الفتنوالمتاعب في طريق الدعوة والثورة، ودون ان يعمل علي تطويقومصادرة هذه الثورة.
اءنّ الذي يتفهّم سنن الله تعالي في التأريخ يستطيع ان يفهم بوضوححتميّة الصراع بين هاتين القوتين: القوة الاءسلامية النامية وقوة الكفرالعالمي، واءنّ هذا الصراع سوف يكون من اقسي انواع الصراع واطولهواكثره دواماً واستمرارية؛ ذلك انّ هذا الصراع صراع علي البقاء كما قلنا،والصراع علي البقاء يطول ويقسو ويستمر، فالصراع منّا صراع في العقيدةوالحضارة، وليس صراعاً علي ماء وطين وعلي نفط وصلب ونحاسحتّي يمكن التفاهم واللقاء، فلا يمكن تجنّب هذا الصراع بحال منالاحوال.
اءنّ هذه الثورة والدولة قد كسرتا دائرة النفوذ الاستكباري (الشرقيوالغربي) علي العالم الاءسلامي، وخرجت الدولة الاءسلامية لاول مرّة عنمنطقة نفوذ القوي الكبري بشكل كامل، وتعمل الثورة الا´ن لفكّ هذاالحصار عن كلّ العالم الاءسلامي. ومن الطبيعي ان يواجه الاستكبار هذهالثورة ودولتها الناشئة بكل انواع الضغوط والمؤامرات من الداخلوالخارج لتحجيمها واستهلاكها وتطويقها.
اءنّ الحرب العراقية الاءيرانية جزء من هذا المخطّط الاستكباريالرهيب، وجزء من هذا الصراع الحي الذي تحدثنا عنه. والنظام العراقيليس هو الطرف في هذه الحرب، واءنّما هو منفّذ لاءرادة القوي الكبري،والطرف الحقيقي في هذا الصراع هي الدول الكبري التي تتقاسم فيمابينها الشعوب المستضعفة والمضطهدة علي وجه الارض.
اءنّ الثورة الاءسلامية يجب ان تواجه الصراع الطويل والقاسي، ويجبان تستمر خلال حياتها في مواجهة الامر الواقع الذي لا يمكن تجنّبه،وتعتبر ذلك ضريبة الثورة والاءنجازات الكبري التي تحققها هذه الثورةفي حياة الاءنسان؛ علي ان الثورة لا تستطيع ان تحقق هذه الاءنجازاتالكبري، ولا تستطيع ان تؤهّل أبناءها للقيام بأعمال كبيرة، ومواجهةالتحدّيات الصعبة، من دون ان يتمرّسوا طويلاً في هذا الصراع.