عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

تتمّة فيها فوائد مهمّة

تتمّة فيها فوائد مهمّة

حيث إنّنا ذكرنا في صدر هذه النبذة الوجيزة جملاً تتعلق بالأرض وأحوالها , وناحية من شؤونها وخيراتها وبركاتها ، رأينا من المناسب تعميم الفائدة بالتوسع في ذكر نواحٍ اُخرى تتعلق بالأرض ، تشريعية أو تكوينية ، حسبما يخطر على البال مع جري القلم .

ولا ندّعي الاستيعاب والإحاطة ؛ فإنه يحتاج إلى استفراغ واسع لا يساعد عليه تراكم أشغالنا ووفرة أعمالنا ، وتهاجم العلل والأسقام على قوانا ، وإنّما نذكر ما خطر وتيسّر على جهة الاُنموذج .

ولعل المتتبع يجد أكثر ممّا ذكرنا ، ويستدرك بالكثير والقليل علينا ، وبالله المستعان وعليه التكلان .

الفائدة الاُولى :

ورد في جملة من أخبارنا المروية في كتب الحديث المعتبرة ، بل هي أقصى مراتب الاعتبار والوثاقة عندنا ، مثل كتاب (الكافي) الذي هو أجل وأوثق كتاب عند الشيعة الإماميّة .

نعم وردت فيه وفي أمثاله من الكتب العالية الرفيعة ؛ كعلل الشرايع للصدوق (أعلى الله مقامه) , فضلاً عن غيره من المتأخرين كالبحار وغيره عدّةُ أخبار ، ولعل فيها الصحيح والموثّق ؛ مضمونها الشائع عند العوام أنّ الأرض يحملها حوت أو ثور وضعها على قرنه ، فإذا شاء أن تكون في الأرض زلزلة حرّك قرنه فتزلزل الأرض ، مثل ما في (روضة الكافي) ما نصّه :

علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن بعض أصحابه ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن أبي عبد الله ـ أي الصادق (عليه السّلام) ـ قال: «إنّ الحوت الذي يحمل الأرض أسرَّ في نفسه أنّه إنّما يحمل الأرض بقوّته ، فأرسل الله تعالى إليه حوتاً أصغر من شبر , وأكبر من فتر ، فدخلت في خياشيمه فصعق ، فمكث بذلك أربعين يوماً . ثم إنّ الله (عزّ وجلّ) رؤف به ورحمه وخرج ، فإذا أراد الله (جلّ وعزّ) بأرض زلزلة بعث ذلك الحوت إلى ذلك الحوت , فإذا رآه اضطرب فتزلزلت الأرض»(52) .

ونقله (الوافي)(53) و(مَن لا يحضره الفقيه)(54) , ثم عقبه صاحب الوافي الفيض الكاشاني(رحمه الله) بقوله : وسرّ هذا الحديث ومعناه مما لا يبلغ إليه أفهامنا(55) .

ونقل الشيخ الصدوق في الفقيه حديثاً أنّ زلزلة الأرض موكولة إلى ملك يأمره الله متى شاء فيزلزلها(56) ، وفي خبر آخر : إنّ الله تبارك وتعالى أمر الحوت بحمل الأرض وكلّ بلد من البلدان على فلس من فلوسه ، فإذا أراد (عزّ وجلّ) أن يزلزل أرضاً أمر الحوت أن يحرك ذلك الفلس فيحركه ، ولو رفع الفلس لانقلبت الأرض بأذن الله (عزّ وجلّ)(57).

إلى كثير من أمثالها التي لا نريد في هذا المجال جمعها واستقصاءها , وإنّما الغرض الإشارة والايماء إليها ، والتنبيه على ما هو المخرج الصحيح منها ومن أمثالها بصورة عامة ، فنقول : إنّ أساطين علمائنا ؛ كالشيخ المفيد والسيد المرتضى ومن عاصرهم أو تأخر عنهم كانوا إذا مرّوا بهذه الأخبار وأمثالها ممّا تخالف الوجدان وتصادم بديهة العقول ، ولا يدعمها حجّة ولا برهان ، بل هي فوق ذلك أقرب إلى الخرافة منها إلى الحقيقة الواقعة .

نعم إذا مرّ على أحدهم أحد هذه الأحاديث وذكرت لديهم قالوا : هذا خبر واحد لا يفيدنا علماً ولا عملاً . ولا يعملون إلاّ بالخبر الصحيح الذي لا يصادم عقلاً ولا ضرراً ؛ ولذا شاع عن هذه الطبقة أنهم لا يقولون بحجّية خبر الواحد إلاّ إذا كان محفوفاً بالقرائن المفيدة للعلم .

ولا بدّ من رعاية القواعد المقررة للعمل بالخبر المنقول عن النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السّلام) , وهي فائدة جليلة لا تجدها في غير هذه الأوراق .

القاعدة الكلّية والضابطة المرعيّة

إنّ الأخبار عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السّلام) سواء كانت من طرق رواة الإماميّة ، أو من طرق الجماعة والسنّة تكاد تنحصر من حيث مضامينها في أنواع ثلاثة :

النوع الأوّل :

ما يتضمّن المواعظ والأخلاق , وتهذيب النفس وتحليتها من الرذائل ، وما يتّصل بذلك من النفس والروح , والعقل والملكات . ويلحق بهذا ما يتعلّق بالجسد من الصحة والمرض والطب النبوي ، وخواص الثمار والأشجار , والنبات والأحجار , والمياه والآبار ، وما يتضمن من الأدعية والأذكار , والأحراز والطلاسم , وخواص الآيات وفضل السور وقراءة القرآن , بل ومطلق المستحبّات من الأقوال والأفعال والأحوال .

فكلُّ خبرٍ ورد في شيء من هذه الأبواب والشؤون يجوز العمل به والاعتماد عليه لكلِّ أحد من سائر الطبقات ، ولا يلزم البحث عن صحة سنده ومتنه إلاّ إذا قامت القرائن والأمارات المفيدة للعلم بكذبه , وأنه من أكاذيب الدسّاسين والمفسدين في الدين .

النوع الثاني :

ما يتضمن حكماً شرعياً فرعياً , تكليفياً أو وضعياً ، وهي عامة الأخبار الواردة في أبواب الفقه من أوّل كتاب الطهارة ، بما يشتمل عليه من الغسل والوضوء والتيمم والمياه ونحوها ، وكتاب الصلاة بأنواعها الكثيرة من الفروض , والنوافل من الرواتب وغيرها ، ذوات الأسباب وغيرها ، والزكاة والخمس , وأحكام الصوم والجهاد ، وأبواب المعاملات , والعقود الجائزة واللازمة ، وكتاب النكاح وأنواعه , والطلاق وأقسامه ، وما يلحق به من الخلع والطهارة وغيرهما , إلى أن ينتهي الأمر إلى الحدود والديات , وأنواع العقوبات الشرعية والجرائم والآثام المرعي فيها سياسة المدن والصالح العام .

وكلُّ الأخبار الواردة والمروية في شيء من هذه الأبواب لا يجوز العمل بها والاستناد إليها إلاّ للفقيه المجتهد الذي حصلت له من الممارسة وبذل الجهد واستفراغ الوسع ملكة الاستنباط ، وكملت له الأهلية مع الموهبة القدسية .

نعم يجوز لأهل الفضل , والمراهقين , والذين هم في الطريق النظر فيها والاستفادة منها , ولكن لا يجوز لهم العمل بما يستفيدونه منها ويستظهرونه من مداليلها ، ولا الفتوى على طبقها قبل حصول تلك الملكة ورسوخها بعد المزاولة الطويلة والجهود المتمادية ، مضافاً إلى الاستعداد والأهلية . نعم لا يجوز للأفاضل ـ فضلاً عن العوام ـ حتّى في المستحبات مطلقاً إلاّ ما كان من قبيل الأذكار والأدعية ؛ فإنّ ذكر الله حسن على كل حال .

ويكفي في بعض المستحبات الرجاء لإصابة الواقع , والرجاء بنفسه إصابة كما يدلّ عليه إخبار مَن بلغه ثواب على عمل فعمله رجاء ذلك الثواب , اُعطي ذلك الثواب وإن لم يكن الأمر كما بلغه ، ولكن مراجعة المجتهد حتّى في مثل هذه الاُمور أبلغ وأحوط .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السياسة عند الامام الحسن عليه السلام
اهمية البناء التبربوي للطفل في الاسلام
فيما نذكره عند المسير من القول و حسن التدبير
الحرية بين النخبة والأمة
المکاره في الاسلام
أدلة وجود الإمام المهدي عليه السلام
حب علي (ع) و بغضه
أربعينية الإمام الحسين عليه السلام
مقتل الحسين عند رهبان اليهود والنصارى وفي كتبهم ...
الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

 
user comment