عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

عِللُ الغيبة و فلسفتها

عِللُ الغيبة و فلسفتها

   المقدمة

«اللّهمّ عرّفني حُجّتك، فإنّك إنّ لم تُعرّفني حُجّتك ضَلَلْتُ عن ديني»

لا نعرف شيئاً بعد معرفة الله ورسوله وحجّته ووليّه في هذا العصر، أفضل من معرفة العلّة و الحكمة و الفلسفة في غيبته(عج).

لذلك، فإنّي اخترتُ هذا الموضوع من بين المواضيع المقترحة لمؤتمر الإمام الحجّة (ع)، ولذلك راجعت المصادر المعتبرة لأخبار الأئمة الأطهار (ع) حسب تاريخ صدورها وتاريخ تأليف تلك المصادر فكان ماقدّمتهُ في هذا المقال حصيلة لذلك البحث والتنقيب، ولله الحمد.

 

الفصل الاول: الشيخ الكُليني و عِللُ الغيبة

إن الشيخ الكُليني (ره) صنّف الكتاب الكبير المعروف به المسمّى بالكافي في عشرين سنة.

مات ببغداد سنة ثلاثمائة و تسع عشرين، قال ذلك الشيخ النجاشي في رجاله(2) يؤرّخ للعشرين عاماً التي صرفها الشيخ الكليني في تأليفه للكافي منذُمتى؟ إلى متى ويظهر أن ذلك كان بعد الثلاثمائة إلى ماقبل وفاته بعشر سنين.

أي فيما بين الثلاثمائة إلى الثلاثمائة والعشرون للهجرة تقريباً، اي إن ذلك كان بعد بداية الغيبة الصُغرى بأربعين عاماً تقريباً.

وفي كتابه الكافي عقد لصاحب الزمان (عج) ثمانية أبواب في عشرين صفحة، بابان

ـــــــــــــــــــــ

(1)1 ـ پس از اصل شناخت حُجت خدا در اين دوران، هيچ فرعى از فروع معرفت مهم تر از معرفتِ حِكمت و فلسفه ى غيبت حضرت حجت، نيست. از اين رو از ميان موضوع هاى پيشنهادى اجلاس دوسالانه بررسى ابعاد وجودى حضرت مهدى(ع)، اين موضوع را برگزيدم، و درباره ى آن به اخبار ائمّه ى اطهار (ع) در منابع معتبر روايى به ترتيب زمان صدور و تاريخ تأليف كتاب ها، مراجعه و اين نوشتار را تنظيم و تقديم كردم «تا چه قبول افتد و چه در نظر آيد».(مؤلف)

2 ـ رجال النجاشي: 377، رقم 1027.

 

منها في الغيبة ذلك في عشرة صفحات، من دون عنوان:

علّة الغيبة. الأول من البابين، باب نادر في حال الغيبة، فيه ثلاثة أخبار ليس فيها شيء عن عِلل الغيبة، وفي الباب الثانى منهما ثلاثون حديثاً.

 

1 ـ حكمة المحنة و التمحيص:

الحديث الثاني في الباب الثاني للغيبة: بسنده عن الإمام الكاظم (ع) قال: إنّه لابدّ لصاحب الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر مَنْ كان يقول به; إنّما هي فتنة من الله عزّوجلّ امتحن بها خلقه.

الثالث فيه: بسنده عن أبيه الإمام الصادق (ع) قال: أما والله ليُغيّبنّ امامكم سنيناً من دهركم (و) لمُتَحَصُنّ حتى يُقال: مات أو هلك بأىّ واد سلك.

و الخبر الخامس فيه، بسنده عنه (ع) ايضاً قال: اِن للقائم غيبة قبل أن يقوم. اِنّ الله عزّوجلّ يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون.

ثم عقد لهذا المعنى باباً مستقلاً بعنوان: باب التمحيص والامتحان، ضمّنه ستة أخبار عن الأئمة الأطهار (ع)، آخرها عن منصور الصيقل قال: كنت أنا والحارث بن المغيرة وجماعة من أصحابنا جلوساً (نتحدّث عند الإمام الصادق (ع)) و هو يسمع كلامنا، فقال لنا: في أىّ شىء انتم؟ هيهات هيهات، لا والله لا يكون ما تمدون اليه اعينكم حتى تُغربلوا، لا والله لا يكون ما تمدون اليه اعينكم حتى تمحّصوا، لا والله لا يكون ما تمدون اليه اعينكم حتى تميَّزوا، لا والله لا يكون ما تمدّون اليه اعينكم إلاّ بعد إياس، لا والله لا يكون ما تمدون اليه أعينكم حتى يشقى من يشقى ويُسعد مَنْ يُسعد.

و اختصره في الخبر الثالث: عن منصور الصيقل نفسه قال: قال لي أبو عبدالله الصادق (ع): يا منصور، إنّ هذا الأمر لا يأتيكم إلاّ بعد إياس، و لا والله حتى تميّزوا، و لا

ـــــــــــــــــــــ

(1)1 ـ اُصول الكافي: 336، ح 2 و 3.

(2)2 ـ المصدر السابق: 337، ح 5.

 

والله حتى تُمحّصوا، و لا والله حتى يشقى مِنْ يشقى و يُسعد مِنْ يُسعد.

و هذا هو الخبر المرتبط بالموضوع و ما عداه في مطلق التمحيص و الإمتحان، وقد مرّ أن الكليني لم يُعنون شيئاً من ذلك بعلّة الغيبة أو نحوه، وسيأتي من الشيخ الطوسي التنبيه إلى أن ذلك لا يمكن أن يكون علّة للغيبة.

 

2 ـ حكمة الخوف على النفس:

وأربعة من أخبار الباب هي: 5 و 9 و 18 و 29 كُلّها عن زُرارة عن الصادق (ع) لا أحسبها إلاّ خبراً واحداً بثلاثة طرق، اقصرها التاسع و الثامن عشر، و أطول منها التاسع والعشرون، و اكملها الخبر الخامس الذى مرّ صدره وذيله قال فيه زُرارة: سمعت أباعبدالله (ع) يقول: إنّ للقائم غيبةً قبل أن يقوم. قلت: و لِمَ؟ قال: يخاف. و أومأ بيده إلى بطنه.

 

3 ـ علّة أن لا تكون عليه بيعة:

و في الخبر السابع و العشرين من أخبار باب الغيبة: بسنده عن هشام بن سالم عن الصادق (ع) أيضاً قال: يقوم القائم وليس في عُنقه عهد ولاعقد ولا بيعة.

 

الفصل الثانى: الشيخ النعمانى و أول كتاب في الغيبة

في أوائل عهد الغيبة الصغرى في بلدة النعمانية وُلد لابراهيم بن جعفر ولدٌ سماه محمداً، درس أوائل العلوم على يد ولده ثم رحل في طلب العلم إلى بغداد و فسكنها.

و في اوائل القرن الرابع الهجري هاجر الشيخ الكليني الرازى الى بغداد، و فيها و بعد عشرون عاماً من التصنيف تمّ كتابه (الكافي) و خلال هذه الفترة وازره الشيخ ابوعبدالله محمد بن ابراهيم النعمانى لطلب العلم و الروآية فاختص به و كان يكتب له كتاب

ـــــــــــــــــــــ

(1)1 ـ المصدر السابق: 370، ح 6 و 3.

(2)2 ـ اصول الكافى: 337، ح 5.

(3)3 ـ المصدر السابق: 342، ح 27.

«الكافي»(1) حتى توفى الشيخ الكلينى في 329 هـ.

 

كانت يومئذ مدينة حلب و الشام تبعاً لمصر يحكمها الأمير كافور الأخشيدى فاستقلّ بالأمر فى حلب سيف الدولة علي بن عبدالله بن حمدان عام 333 هـ واستولى على الشام و الجزيرة، فتوافد عليه حملة العلم ونوابغ الشعراء(2) فكان ممن و فد عليه الشيخ النعماني من بغداد.

بعد حدود عشرة سنين في أواخر سنة 342 هـ. املى النعمانى على كاتبه محمد بن أبي الحسن الشجاعي كتابه في الغيبة(3) كتب في مقدمة كتابه سبب تأليفه ايّاه فقال:

«فإنّا رأينا طوائف من العصابة المنسوبة إلى التشيّع، المنتمية إلى محمد وآله صلّى الله عليهم ممن يقول بالإمامة.. قد تفرقت كلمتها وتشعبت مذاهبها، و استهانت بفرائض الله عزّوجلّ و خفّت إلى محارم الله تعالى، فطال بعضها غُلّواً، و انخفض بعضها تقصيراً، و شكّوا جميعاًـ إلاّ القليل ـ في امام زمانهم و وليّ أمرهم و حجة ربّهم التي اختارها بعلمه... للمحنة الواقعة بهذه الغيبة.. فلم يزل الشك و الارتياب قادحَين في قلوبهم، كما قال أميرالمؤمنين (ع) في كلامه لكميل بن زياد في صفة طالبي العلم و حملته: «أو منقاد لأهل الحق لا بصيرة له، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة» حتى اتاهم ذلك إلى التيه و الحيرة، و العمى و الضلالة، و لم يبق منهم إلاّ القليل النذر الذين ثبتوا على دين الله و تمسّكوا بحبل الله، و لم يحيدوا عن صراط الله المستقيم، و تحقق فيهم و صف الفرقة الثابتة على الحق التي لا تزعزعها الرياح و لا يضرّها الفتن، و لا يغرّها لمع السراب، و لم تدخل في دين الله بالرجال فتخرج منه بهم..

.. و لعمري ما أتى مَنْ تاه و تحيّر و افتتن و انتقل عن الحق و تعلّق بمذاهب اهل الزخرف و الباطل، إلاّ من قلّة الرواية و العلم و عدم الدراية و الفهم، فإنّهم الأشقياء لم يهتمّوا بطلب

ـــــــــــــــــــــ

1 ـ كما عن عين الغزال: 12 و في مرآة العقول 1: 396.

2 ـ تاريخ الشيعة: 139.

3 ـ الغيبة للنعماني: 9 ط بيروت، في الحاشية، و قارن: 103.

 

العلم و لم يتّعبوا أنفسهم في اقتنائه و روايته من معادنه الصافية، على انهم لو رووا ثم لم يدروا لكانوا بمنزلة مَنْ لم يرووا..

.. و اكثر مَنْ دخل في هذه المذاهب إنّما دخل على أحوال:

فمنهم: مَنْ دخله بغير رواية و لا علم، فلما اعترضه يسير الشبهة تاه.

و منهم: مَنْ اراده طلباً للدنيا وحطامها، فلما أماله الغواة و الدنياويون إليها، مال مؤثراً لها على الدين، مغترّاً مع ذلك بزخرف القول غروراً من الشياطين..

.. ومنهم: مَنْ تحلّى بهذا الأمر للرياء و التحسّن بظاهره و طلباً للرئاسة وشهوة لها و شغفاً بها، من غير اعتقاد للحق و لا اخلاص فيه، فسلب الله جماله وغيّر حاله و أعدّ له نكاله.

و منهم: مَنْ دان على ضعف من إيمانه و وهن من نفسه بصحة ما نطق به منه، فلما وقعت هذه المحنة (الغيبة) التي آذننا أولياء الله بها منذ ثلاثمائة سنة تحيّر ووقف..

.. فقصدت القربة إلى الله عزّوجلّ بذكر ماجاء عن الأئمّة الصادقين الطاهرين: من لدن أميرالمؤمنين (ع) إلى آخر مَنْ روى عنه منهم، فى هذه الغيبة التي عمى عن حقيقتها و نورها مَنْ أبعده الله عن العلم بها و الهداية إلى ما أُوتي عنهم (ع) فيها، ما يصحّح لأهل الحق مارووه و دانوا به، و تؤكّد حجّتهم بوقوعها وبصدق ما آذنوا به منها..»

و كأن النعمانىّ رأى أن ما رواه شيخه الكليني في «اُصول الكافي» في زهاء الستين خبراً في عشرة صفحات غير كاف أو غير شاف لغليل هذا الجمع غير القليل عن هذه الشُبهة الكثيرة و غير القليلة بشأن الغيبة، فجمع في أول كتاب مستقل في الغيبة في خمسة و عشرون باباً ماوفقه الله لجمعه من الأحاديث التي رواها الشيوخ عن الأئمة الصادقين (ع) أجمعين في الغيبة بحسب ماحضره.

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الانحراف العقائدي عن القضية المهدوية
مشاهدة الإمام الغائب عليه السلام عند شهادة والده ...
نظرة في احاديث المهدي
بعض الاعمال في عصر الانتظار
أتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
تطابق الحقيقة التاريخية والحقيقة الوجودية في ...
مناظرة الشيخ المفيد مع بعضهم في الدليل على وجود ...
دولة الإمام المهدي (عج) ورسالات الأنبياء
عالمية حكومة الإمام المهدي عليه السلام
الامام الهادي عليه السلام وقضاة عصره

 
user comment