عربي
Thursday 9th of May 2024
0
نفر 0

مع القاسطين والناكثين

مع القاسطين والناكثين

[22]

 

[23]

وفزعت القبائل القرشية كاشد ما يكون الفزع هولا من حكومة الامام وأيقنت أن جميع مخططاته السياسية والاقتصادية إنما هي امتداد ذاتي للاتجاهلات الفكرية والاجتماعية عند الرسول الاعظم ( ص ) الذي أطاح بغلوائهم ، وكبريائهم ، وحطم حياتهم الاقتصادية القائمة على الربا والاحتكار والاستغلال ومما زاد في فزعهم القرارات الحاسمة التي أعلنها الامام فور انتخابه للحكم والتي كان منها اقصاء ولاة عثمان عن جميع مراكز الدولة ، ومصادرة جميع ما نهبوه من الخزينة المركزية ، كما اضطربوا من اعلان الامام ( ع ) للمساواة العادلة بين جميع الشعوب الاسلامية ، مساواة في الحقوق ، والواجبات ، ومساواة في كل شئ ، وقد هالهم ذلك فكانوا يرون أن لهم التفوق على بقية الشعوب ، ولهم امتيازات خاصة على بقية الناس.

لقد ورمت آناف القرشيين وسائر القوى المنحرفة عن الحق من حكومة الامام فاجمع رايهم على اعلان العصيان المسلح ، واشعال نار الحرب في البلاد للاطاحة بحكومته التي اتخذت الحكم وسيلة للاصلاح الاجتماعي ، وتطوير حياة الانسان ، وأول الحروب التي اثيرت على الامام هي حرب الجمل ، وأعقبها حرب صفين ثم حرب النهروان ، وقد وضعت تلك الحروب الحواجز والسدود أمام حكمه الهادف الى رفع مستوى القيم الانسانية ، والقضاء على جميع ألوان التاخر في البلاد.

ويقول الرواة ان الرسول ( ص ) قد أحاط الامام علما بما يمنى به في عهد خلافته من تمرد بعض الفئات عليه ، وقد عهد اليه بقتالهم وقد أسماهم الناكثين والقاسطين والمارقين ( 1 ) ولا بد لنا أن نعرض - بايجاز -


( 1 ) مستدرك الحاكم 3 / 139 ، تاريخ بغداد 8 / 340 ، أسد الغابة 4 / 33 ، كنز العمال 6 / 82 ، مجمع الزوائد 9 / 235 . ( * )

[24]

لهذه الحروب التي تصور لنا الحياة السياسية والفكرية في ذلك العصر الذي اترعت فيه عواطف الكثيرين بحب الملك والسلطان كما تصور لنا الاحقاد التي تكنها القبائل القرشية على الامام ، ومن المقطوع به أن هذه الاحداث قد ساهمت مساهمة ايجابية في خلق كارثة كربلاء فقد نشرت الاوبئة الاجتماعية وخلقت جيلا انتهازيا ، لا ينشد إلا مطامعه الخاصة ، وفيما بلي ذلك :

الناكثون :

وهم الذين نكثوا بيعتهم ، وخاسوا ما عاهدوا عليه الله في التضحية والطاعة للامام ، فانسابوا في ميادين الباطل وساحات الضلال ، وتمرسوا في الاثم ، وقد أجمع فقهاء المسلمين على تاثيمهم إذ لم يكن لهم أي مبرر في الخروج على السلطة الشرعية التي تبنت المصالح العامة ، وأخذت على عاتقها أن تسير بين المسلمين بالحق المحض والعدل الخالص وتقضي على جميع أسباب التخلف في البلاد.

اما اعلام الناكثين فهم طلحة والزبير ، والسيدة عائشة بنت ابي بكر ، ومروان بن الحكم ، وسائر بني امية ، وغيرهم من الذين ضاقوا ذرعا من عدل الامام ، ومساواته.

دوافع التمرد :

والشئ المحقق انه لم تكن للناكثين أية اهداف اجتماعية ، وانما دفعتهم مصالحهم الخاصة لنكث بيعة الامام ، فطلحة والزبير قد خفا إليه بعد ان تقلد الخلافة يطلبان منحهما ولاية البصرة والكوفة ، فلما خبا املهما

[25]

اظهرا السخط ، وخفا الى مكة لاعلان الثورة عليه ، وتمزيق شمل المسلمين وقد أدلى الزبير بتصريح أعرب فيه عن أهدافه ، فقد أقبل إليه وإلى طلحة رجل فقال لهما : " إن لكما صحبة وفضلا فاخبراني عن مسيركما وقتالكما أشئ أمركما به رسول الله ( ص ) ؟

وسكت طلحة ، وأما الزبير فقال :

" حدثنا أن ها هنا بيضاء وصفراء - يعني دراهم ودنانير - فجئنا لناخذ منها . . " .( 1 )

من أجل الظفر بالمنافع المادية أعلن الشيخان تمردها على حكومة الامام.

وأما السيدة عائشة فانها كانت تروم ارجاع الخلافة الى اسرتها ، فهي أول من قدح زناد الثورة على عثمان ، وأخذت تلهب المشاعر والعواطف ضده وكانت تقول : " اقتلوا نعثلا فقد كفر " وقد جهدت على ترشيح طلحة للخلافة وكانت تشيد به في كل مناسبة إلا أنها أخيرا استجابت لعواطفها الخاصة المترعة بالود والحنان لابن أختها عبد الله بن الزبير فرشحته لامارة الصلاة وقدمته على طلحة.

وأما بنو أمية فقد طلبوا من الامام ان يضع عنهم ما أصابوا من المال في أيام عثمان ، فرفض الامام أن يضع عنهم ما اختلفوه من أموال الامة فاظهروا له العداء ، وعملوا على اثارة الفتنة والخلاف.

وعلى أي حال فانه لم تكن للناكثين نزعة اصلاحية أو دعوة إلى الحق وإنما كانت بواعثهم الانانية والاطماع ، والاحقاد على الامام الذي هو نفس رسول الله ( ص ) وباب مدينة علمه.


( 1 ) أنساب الاشراف ج 1 ق 1 . ( * )

[26]

خديعة معاوية للزبير :

وأيقن معاوية باهداف الزبير وطلحة ، فقام بدوره في خديعتهما واغرائهما ليتخذهما سلما يعبر عليهما لتحقيق أهدافها وماربه ، فقد كتب الى الزبير رسالة جاء فيها :

" لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان سلام عليك ، أما بعد : فاني قد بايعت لك أهل الشام فاجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب ، فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب فانه لا شئ بعد هذين المصرين ، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك ، فاظهروا الطلب بدم عثمان ، وادعوا الناس إلى ذلك ، وليكن منكما الجد والتشمير أظفركما الله وخذل مناوئكما . . . ".

ولما وصلت هذه الرسالة إلى الزبير لم يملك اهابه من الفرح والسرور وخف الى طلحة فاخبره بذلك فلم يشكا في صدق نيته واخلاصه لهما ، وتحفزا إلى اعلان الثورة على الامام ، واتخذا دم عثمان شعارا لهما ( 1 ).

مؤتمر مكة :

وخف المتامرون الى مكة فاتخذوها وكرا لدسائسهم التخريبية الهادفة لتقويض حكم الامام وقد وجدوا في هذا البلد الحرام تجاوبا فكريا مع الكثيرين من أبناء القبائل القرشية التي كانت تكن في أعماق نفسها الكراهية والحقد على الامام لانه قد وتر الكثيرين منهم في سبيل الاسلام.

وعلى أي حال فقد تداول زعماء الفتنة الاراء في الشعار الذي يتبنونه والبلد الني يغزونها ، وسائر الشؤون الاخرى التي تضمن لثورتهم النجاح.


( 1 ) شرح النهج 1 / 231 . ( * )

[27]

قرارات المؤتمر :

واتخذ أعضاء المؤتمر بالاجماع القرارات التالية ، وهي:

1 - أن يكون شعار المعركة دم عثمان ، والمطالبة بثاره لانه قتل مظلوما ، واستباح الثوار دمه بعد توبته بغير حق ، لقد رفعوا قميص عثمان شعارا لهم فكان شعارا للتمرد وشعارا للرأسمالية القرشية التي طغت في البلاد.

2 - تحميل الامام علي ( ع ) المسؤولية في اراقة دم عثمان لانه آوى قتلته ، ولم يقتص منهم.

3 - الزحف الى البصرة واحتلالها ، واتخاذها المركز الرئيسي للثورة لان لهم بها حزبا وأنصارا ، وقد أعرضوا عن الزحف الى يثرب لان فيهما الخليفة الشرعي ، وهو يتمتع بالقوى العسكرية التي لا قابلية لهم عليها ، كما أعرضوا عن التزوج الى الشام لان الامويين لم يستجيبوا لهم ، لانها كانت تحت قبضتهم ، فخافوا عليها من التصدع والاحتلال.

تجهيز الجيش بالاموال المنهوبة :

وجهز يعلي بن امية جيش عائشة بالاموال التي نهبها من بيت المال حينما كان واليا على اليمن أيام عثمان ، ويقول المؤرخون إنه أمد الجيش بستمائة بعير ، وبستمائة ألف درهم ( 1 ) وأمدهم عبد الله بن عامر والي عثمان على البصرة بمال كثير ( 2 ) كان قد اختلسه من بيت المال ، ولم يتحرج أعضاء القيادة العسكرية العامة في جيش عائشة من هذه الاموال المحرمة.


( 1 ) و ( 2 ) تاريخ ابن الاثير 3 / 106 . ( * )

[28]

الخطاب السياسي لعائشة :

وخطبت عائشة في مكة خطابا سياسيا حملت فيه المسؤولية في اراقة دم عثمان على الغوغاء فهم الذين سفكوا الدم الحرام في الشهر الحرام ، وقد قتلوا عثمان بعد ما اقلع عن ذنوبه وأخلص في توبته ، ولا حجة لهم فيها اقترفوه من سفك دمه ( 1 ) ، وقد كان خطابها فيما يقول المحققون حافلا بالمغالطات السياسية ، فان الغوغاء لم يسفكوا دمه ، وإنما سفك دمه الذين رفعوا علم الثورة عليه ، وفي طليعتهم كبار الصحابة كعمار بن ياسر وأبي ذر وعبد الله بن مسعود وطلحة والزبير ، وكانت هي بالذات من أشد الناقمين عليه فقد اشتدت في معارضته ، وأفتت في قتله وكفره فقالت : " اقتلوا نعثلا فقد كفر " فاي علاقة للغوغاء باراقة دمه ؟

وأما توبته فان عثمان أعلن غير مرة عن تراجعه عن أحداثه إلا أن بني أمية كانوا يزجونه في مخططاتهم السياسية فيعود الى سياسية الاولى ، ولم يقلع عنها حتى قتل.

وعلى أي حال فقد كان خطابها أول بادرة لاعلان العصيان المسلح على حكومة الامام وكان الاولى بعائشة بحسب مكانتها الاجتماعية أن تدعو إلى وحدة الصف وجمع كلمة المسلمين ، وان تقوم بالدعم الكامل لحكومة الامام التي تمثل أهداف النبي ( ص ) وما تصبوا إليه الامة من العزة والكرامة.


( 1 ) نص خطابها في تاريخ الطبري 3 / 468 . ( * )

[29]

عائشة مع أم سلمة :

ومن الغريب حقا أن تخف عائشة إلى أم سلمة تطلب منها القيام بمناجزة الامام مع علمها بما تكنه من الولاء والتقدير له الامر الذي دل على عدم خبرتها بالاتجاهات الفكرية لضراتها من أزواج النبي ( ص ) ولما قابلتها خاطبتها بناعم القول قائلة :

" يا بنت أبي امية أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله ( ص ) وأنت كبيرة أمهات المؤمنين ، وكان رسول الله يقسم من بيتك ، وكان جبرئيل أكثر ما يكون في منزلك . . ".

ورمقتها أم سملة بطرفها ، وقالت لها بريبة :

" لامر ما قلت هذه المقالة ؟ "

فاجابتها عائشة مخادعة :

" ان القوم استتبابوا عثمان فلما تاب قتلوه صائما في الشهر الحرام ، وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ، ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعل الله يصلح هذا الامر على أيدينا . "

وأسدت لها أم سلمة النصيحة وذكرتها بموافقها مع عثمان ونقمتها عليه وحذرتها من الخروج على ابن عم رسول الله ( ص ) قائلة :

" يا بنت أبي بكر بدم عثمان تطلبين ؟ ! ! والله لقد كنت من أشد الناس عليه ، وما كنت تسميه الا نعثلا ، فمالك ودم عثمان ؟ وعثمان رجل من بني عبد مناف وأنت امراة من بني تيم بن مرة ، ويحك يا عائشة ! ! أعلى علي وابن عم رسول الله ( ص ) تخرجين وقد بايعه المهاجرون والانصار ؟ . . . "

وجعلت أم سلمة تذكر عائشة فضائل علي وماثره وقرب منزلته من

[30]

رسول الله وكان عبد الله بن الزبير يسمع حديثها فغاظه ذلك ، وخلاف أن تصرف عائشة عن عزمها فصاح بها :

" يا بنت أبي أمية ، إننا قد عرفنا عداوتك لال الزبير ".

فنهرته أم سلمة وصاحت به :

" والله لتوردنها ثم لا تصدنها أنت ولا أبوك ! ! أتطمع أن يرضى المهاجرون والانصار بابيك الزبير وصاحبه طلحة ، وعلي بن أبي طالب حي وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة ".

فقال لها ابن الزبير : ما سمعنا هذا من رسول الله ( ص ) ساعة قط ".

فقالت أم سلمة : " إن لم تكن أنت سمعته فقد سمعته خالتك عائشة ، وها هي فاسالها قد سمعته ( ص ) يقول : " علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي من عصاه فقد عصاني " أتشهدين يا عائشة بهذا أم لا ؟ . . "

فلم يسع عائشة الانكار وراحت تقول : " اللهم نعم . . ".

ومضت أم سلمة في نصيحتها لعائشة قائلة : " اتق الله يا عائشة في نفسك ، واحذر ما حذرك الله ورسوله ، ولا تكون صاحبة كلاب الحواب ، ولا يغرنك الزبير وطلحة فانهما لا يغنيان عنك من الله شيئا . . . " ( 1 ).

ولم تع عائشة نصيحة أم سلمة ، واستجابت لعواطفها ، وأصرت على مناجزة الامام.


( 1 ) الفتوح 2 / 282 - 283 . ( * )

[31]

وكتبت أم سلمة بجميع الاحداث التي جرت في مكة الى الامام ( ع ) واحاطته علما باعضاء الفتنة ( 1 ).

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أروى بنت الحارث
البشائر ببعثته
بقيت إلا الرأس
خيبر
حرب صافوراء مع وصي موسي (علیه السلام)
هل كتب الشيعة تكفر عامة الصحابة كافة ؟
مناظرة الإمام الجواد(ع) مع ابن اكثم
خطبة الإمام السجاد ( عليه السلام ) في الكوفة
الابتعاد عن التشيع .
المذهب الحنبلي

 
user comment