عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

أما الحلم فهو من أسمى صفات أبي شهداء ( ع ) ومن أبرز خصائصه فقد كان - فيما أجمع عليه الرواة - لا يقابل مسيئا باسائته ، ولا مذنبا بذنبه ، وإنما كان يغدق عليهم ببره ومعروفه شأنه في ذلك شأن جده الرسول ( ص ) الذي وسع الناس جميعا باخلاقه وفضائله ، وقد عرف بهذه

7 - الحلم:

أما الحلم فهو من أسمى صفات أبي شهداء ( ع ) ومن أبرز خصائصه فقد كان - فيما أجمع عليه الرواة - لا يقابل مسيئا باسائته ، ولا مذنبا بذنبه ، وإنما كان يغدق عليهم ببره ومعروفه شأنه في ذلك شأن جده الرسول ( ص ) الذي وسع الناس جميعا باخلاقه وفضائله ، وقد عرف بهذه الظاهرة وشاعت عنه ، وقد استغلها بعض مواليه فكان يعمد إلى اقتراف الاسائة إليه لينعم بصلته واحسانه ، ويقول المؤرخون : إن بعض مواليه قد جنى عليه جناية توجب التأديب فأمر ( ع ) بتأديبه ، فانبرى العبد قائلا:

" يا مولاي ، إن الله تعالى يقول : " الكاظمين الغيظ ".

فقابله الامام ببسماته الفياضة وقال له:

" خلوا عنه ، فقد كظمت غيظي . . . ".

وسارع العبد قائلا:

" والعافين عن الناس ".

" قد عفوت عنك . . . ".

وانبرى العبد يطلب المزيد من الاحسان قائلا:

" والله يحب المحسنين ".

" أنت حر لوجه الله . . . ".

ثم أمر له بجائزة سنية ( 1 ) تغنيه عن الحاجة ومسألة الناس.


( 1 ) الحسين 1 / 117 . ( * )

[125]

لقد كان هذا الخلق العظيم من مقوماته التي لم تنفك عنه ، وظلت ملازمة له طوال حياته.

8 - التواضع:

وجبل الامام الحسين ( ع ) على التواضع ومجافاة الانانية والكبرياء ، وقد ورث هذه الظاهرة من جده الرسول ( ص ) الذي أقام اصول الفضائل ومعالي الاخلاق في الارض ، وقد نقل الرواة بوادر كثيرة من سمو أخلاقه وتواضعهه نلمع إلى بعضها:

1 - انه اجتاز على مساكين يأكلون في ( الصفة ) فدعوه إلى الغداء فنزل عن راحلته ، وتغذى معهم ، ثم قال لهم : قد أجبتكم فأجيبوني ، فلبوا كلامه وخفوا معه إلى منزله ، فقال ( ع ) لزوجه الرباب : اخرجي ما كنت تتدخرين ، فاخرجت ما عندها من نقود فناولها لهم ( 1 ).

2 - مر على فقراء يأكلون كسرا من أموال الصدقة ، فسلم عليهم فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم ، وقال : لولا انه صدقة لاكلت معهم ثم دعاهم إلى منزله ، فاطعمهم ، وكساهم ، وأمر لهم بدراهم ( 2 ).

لقد اقتدى ( ع ) في ذلك بجده الرسول ( ص ) وسار على هديه فقد كان - فيما يقول المؤرخون - يخالط الفقراء ويجالسهم ، ويفيض عليهم ببره واحسانه ، حتى لا يتبيغ بالفقير فقره ، ولا يبطر الغنى ثراؤه.

3 - وجرت مشادة بين الحسين وأخيه محمد بن الحنفية ، فانصرف محمد إلى داره وكتب اليه رسالة جاء فيها " أما بعد : فان لك شرفا


( 1 ) تاريخ ابن عساكر 13 / 54.

( 2 ) اعيان الشيعة 4 / 110 . ( * )

[126]

لا أبلغه ، وفضلا لا أدركه ، أبونا علي لا أفضلك فيه ولا تفضلني ، وأمي أمرأة من بني حنيفة ، وأمك فاطمة بنت رسول الله ( ص ) ولو كان ملء الارض مثل أمي ما وفين بأمك ، فاذا قرأت رقعتي هذه فالبس رداءك ونعليك وسر الي ، وترضيني ، واياك أن أكون سابقك إلى الفضل الذي أنت أولى به مني . . . ".

ولما قرأ الحسين رسالة أخيه سارع اليه وترضاه ( 1 ) وكان ذلك من معالي أخلاقه وسمو ذاته.

9 - الرافة والعطف :

ومن صفات أبي الاحرار أنه كان شديد الرأفة بالناس يمد يده لكل ذي حاجة ، ويسعف كل ذي لهفة ، ويجير كل من استجار به ، وقد فزع مروان اليه والى أخيه وهو من ألد أعدائهم ، بعد فشل واقعة الجمل ، وطلب منهما أن يشفعا له عند أبيهما ، فخفا اليه وكلماه في شأنه وقالا له:

" يبايعك يا أمير المؤمنين ".

فقال ( ع ):

" أولم يبايعني قبل قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته انها كف يهودية ، لو بايعني بيده لغدر بسبابته ، أما أن له امرة كلعقة الكلب أنفه ، وهو أبوالاكبش الاربعة ، وستلقى الامة من ولده يوما أحمر ".

وما زالا يلطفان به حتى عفا عنه ، إلا أن هذا الوغد قد تنكر لهذا المعروف وقابل السبطين بكل ما يملك من وسائل الشر والمكروه ، فهو الذي منع جنازة الامام الحسن أن تدفن بجواز جده ، وهو الذي أشار على


( 1 ) نهاية الارب 3 / 260 ، الف باء 1 / 467 . ( * )

[127]

الوليد بقتل الامام الحسين إن امتنع من البيعة ليزيد ، كما اظهر السرور والفرح بمقتل الامام ( ع ) وحسب مروان أنه من تلك الشجرة التي لم تثمر إلا الخبيث الدنس وما يضر الناس.

ومن ألوان تلك الصور الخالدة لعطف الامام ورأفته بالناس أنه لما استقبله الحر بجيشه البالغ ألف فارس ، وكان قد أرسل لمناجزته وقتاله فرأه الامام وقد أشرف على الهلاك من شدة العطش فلم تدعه أريحيته ولا سمو ذاته أن لا يقوم بانقاذهم ، فأمر ( ع ) غلمانه وأهل بيته أن يسقوا القوم عن آخرهم ، ويسقوا خيولهم فسقوهم عن آخرهم ، وكان فيهم علي بن الطعان المحاربي الذي اشتد به العطش فلم يدر كيف يشرب فقام ( ع ) بنفسه فسقاه ، وكانت هذههه البادرة من أروع ما سجل في قاموس الانسانية من الشرف والنيل.

10 - الجود والسخاء:

من مزايا الامام أبي الاحرار ( ع ) الجود والسخاء فقد كان ملاذا للفقراء والمحرومين ، وملجأ لمن جارت عليه الايام ، وكان يثلج قلوب الوافدين إليه بهباته وعطاياه يقول كمال الدين بن طلحة:

" وقد اشتهر النقل عنه أنه كان يكرم الضيف ، ويمنح الطالب ، ويصل الرحم ، ويسعف السائل ، ويكسوا العاري ، ويشبع الجائع ، ويعطي الغارم ويشد من الضعيف ، ويشفق على اليتيم ، ويغنى ذا الحاجة ، وقل أن وصله مال إلا فرقه ، وهذه سجية الجواد وشنشنه الكريم ، وسمة ذي السماحة ، وصفة من قد حوى مكارم الاخلاق ، فأفعالهه المتلوة شاهدة له

[128]

بصنعه الكرم ، ناطقة بأنه متصف بمحاسن الشيم . . . " ( 1 ).

ويقول المؤرخون إنه كان يحمل في دجى الليل السهم الجراب يملؤه طعاما ونقودا إلى منازل الارامل واليتامى والمساكين حتى أثر ذلك في ظهره ( 2 ) وكان يحمل اليه المتاع الكثير فلا يقوم حتى يهب عامته ، وقد عرف معاوية فيه هذه الظاهرة فأرسل اليه بهدايا والطاف كما أرسل إلى غيره من شخصيات يثرب وأخذ يحدث جلساءه بما يفعله كل واحد منهم بتلك الالطاف فقال في الحسين:

" أما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفين فان بقي شئ نحر به الجزور وسقى به اللبن . . . ".

وبعث رقيبا يرى ما يفعله القوم فكان كما أخبر فقال معاوية:

" أنا ابن هند ، أنا أعلم بقريش من قريش " ( 3 ).

وعلى أي حال فقد نقل المؤرخون بوادر كثيرة من جود الامام وسخائه نلمع إلى بعضها:

1 - مع اسامة بن زيد:

ومرض اسامة بن زيد مرضه الذي توفي فيه فدخل عليه الامام عائدا فلما استقر به المجلس قال أسامة:

- واغماه.

- ما غمك ؟.

- ديني وهو ستون الفا.

- هو علي.


( 1 ) مطالب السؤول ( ص 73 ).

( 2 ) ريحانة الرسول ( ص 71 ).

( 3 ) عيون الاخبار 3 / 40 . ( * )

[129]

- أخشى أن أموت قبل أن يقضى.

- لن تموت حتى أقضيها عنك.

وبادر الامام ( ع ) فقضاها عنه قبل موته ( 1 ) وقد غض طرفه عن اسامة فقد كان من المتخلفين عن بيعة أبيه ، فلم يجازيه بالمثل وإنما أغدق عليه بالاحسان.

2 - مع جارية له:

روى أنس قال : كنت عند الحسين فدخلت عليه جارية بيدها طاقة ريحانة فحيته بها ، فقال لها : أنت حرة لوجه الله تعالى ، وبهر أنس فانصرف يقول:

- جارية تجيئك بطاقة ريحان ، فتعتقها ؟ ! ! - كذا أدبنا الله ، قال تبارك وتعالى : " واذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " ، وكان أحسن منها عتقها ( 2 ) وبهذا السخاء والخلق الرفيع ملك قلوب المسلمين وهاموا بحبه وولائه.

3 - مع غارم:

كان الامام الحسين ( ع ) جالسا في مسجد جده الرسول ( ص ) وذلك بعد وفاة أخيه الحسن ( ع ) ، وكان عبد الله بن الزبير جالسا في ناحية منه كما كان عتبة بن أبي سفيان جالسا في ناحية أخرى منه ، فجاء اعرابي على ناقة فعقلها ودخل المسجد فوقف على عتبة بن أبي سفيان فسلم عليه فرد عليه السلام ، فقال له الاعرابي:

" اني قتلت ابن عم لي ، وطولبت بالدية فهل لك أن تعطيني شيئا ؟ ".


( 1 ) أعيان الشيعة 4 / 104.

( 2 ) الفصول المهمة لابن الصباغ ( ص 184 ) . ( * )

[130]

فرفع عتبة اليه رأسه وقال لغلامه : ادفع اليه مائة درهم ، فقال له الاعرابي:

" ما أريد إلا الدية تامة ".

فلم يعن به عتبة ، فانصرف الاعربي آيسا منه ، فالتقى بابن الزبير فعرض عليه قصته ، فأمر له بمائتي درهم فردها عليهه ، وأقبل نحو الامام الحسين ( ع ) فرفع اليه حاجته ، فأمر له بعشرة آلاف درهم ، وقال له:

هذه لقضاء ديونك ، وأمر له بعشرة آلاف درهم أخرى وقال له : هذه تلم بها شعثك وتحسن بها حالك ، وتنفق بها على عيالك ، فاستولت على الاعرابي موجات من السرور واندفع يقول:

طربت وما هاج لي معبق *** ولا لي مقام ولا معشق

ولكن طربت لآل الرسو *** ل فلذ لي الشعر والمنطق

هم الاكرمون الانجبون *** نجوم السماء بهم تشرق

سبقت الانام إلى المكرمات *** وأنت الجواد فلا تلحق

أبوك الذي ساد بالمكرمات *** وأنت الجواد فلا تلحق

أبوك الذي ساد بالمكرمات *** فقصر عن سبقه السبق

به فتح الله باب الرشاد *** وباب الفساد بكم مغلق ( 1 )

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أسرة آل بُوَيه في الريّ
من هم قتلة عثمان
من الراوي في قضية ميلاد أمير المؤمنين (ع) في ...
السلاجقة والتشيع .
نصوص السماء لا من انتخاب المنتخبين فعلي ان وجد ...
ملامح عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )
ابتکار نظرية الصحابة
غزوة بدر الكبرى أسبابها وأهميتها
مناظرة أمير المؤمنين(ع) مع رجل من أهل الشام في ...
احتجاج الإمام علي(ع) بحديث الغدير

 
user comment