قبل فهرست بعد

عظمة البنت في الاسلام

مشيئة الله في الأولاد

عظمة البنت في الاسلام   
ان الله عزوجل فعالٌ لما يشاء ، وهو مالك السموات والارض ، ومن صفاته العليم والقدير والحكيم العدل والرحمان والرحيم ، ومشيئته وقضاؤه بحق عبده تمثّل اللطف بعينه والمحبّة المحضة ومثال الود والرحمة وتجسيداً للكرم وحسن الاختيار .
فكل ما يشاؤه لعبده انما يصب في مصلحته للدنيا والاخرة ، وما على العبد الاّ التسليم ازاء حكمة الله وعدله ورحمته ومشيئته وذلك هو ارفع عبادة ، وهو من خصال الأنبياء والأولياء ، وعلامة على عشق العاشقين له ومعرفة العارفين به جلّت قدرته .
فمن الناس من يجعله عقيماً ، ومنهم من يهبه بنتاً ، ومنهم من يرزقه ابناً ، وقد يجعل في بطن امرأة توأماً أحدهما ذكرٌ والآخر انثى ، كل ذلك يمثّل الرحمة واللطف بعينه وذروة حبّه جلّ شأنه بعباده .
( للهَ مُلْكُ السَّماوَاتِ وَالاَْرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ )(1) .
على ضوء هذه الآية الكريمة ، البنت تمثل عنوان السلطان والملك ، وتجسيداً لارادته تعالى في الخلق ، ونور علمه وقدرته ازاء الانسان ، وقد اقتضى علمه وقدرته ومشيئته وحكمته وسلطانه في ان يهب للابوين بنتاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الشورى : 49 ـ 50 .
ان التجهم ازاء البنات من الاولاد بمثابة التجهم ازاء الحق تعالى ومالكيته وخلقه واختياره وعلمه وقدرته ، وهو ذنبٌ لا يغتفر ، وخصلةً تنم عن الحماقة ، وفعلٌ يجانب المنطق والحكمة .
ان الطفل إذا مات ـ كما يعبّر الامام الصادق ((عليه السلام)) ـ يسلَّم إلى ابراهيم وسارة في عالم البرزخ لتربيته ويصبح ذخيرةً لابويه في الآخرة .
ويروي الشهيد في مسكن الفؤاد عن جعفر بن محمد الصادق ((عليه السلام)) قوله : من اصيب بمصيبة ، جزع عليها أو لم يجزع ، صبر عليها أو لم يصبر ، كان ثوابه من الله الجنة . ولد يقدمه الرجل أفضل من سبعين ولداً ، يبقون بعده ، يدركون القائم ((عليه السلام)) .
وحينما عاد الحسين ((عليه السلام)) بطفله الشهيد ذي الستة أشهر إلى خيامه ووضعه في احضان اخته زينب ((عليهما السلام)) ثم جلس على الارض سأل الله سبحانه ان يجعله ذخراً له في الآخرة .
فإذا كان للطفل الميت هذه الاهمية والاعتبار بالنسبة للانسان ، فما مدى أهمية الطفل الذي يبقى ويتربى على الايمان والادب والوقار نتيجة الجهود التي يبذلها أبواه ؟ ولا فرق بين الذكر والانثى ، فالمراد هو أولاد المرء .
وكما يقول تعالى في الآية 28 من سورة الانفال : ( أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ )

فإنّ الانسان إذا ما خرج ظافراً من هذه الفتنة والامتحان ، أي يفرح به ويرضى ، ويبذل الجهود في تعليمه وتربيته تربية صالحة ، ويهيء مستلزمات زواجه بحدود قدرته ، ويبذل له الاحترام ، ويؤدي حقّه ويجلّه ، فإنّه يكون قد نال عظيم الاجر وجزيل الثواب .
أَوَلم يصرِّح القرآن الكريم :
( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً )(1) .
ان من يجهد نفسه في تربية ولده ويطبّعه على معرفة الحق تعالى وانبيائه وكتابه والأئمة ((عليهم السلام)) ، فإنّ ذلك هو الباقيات الصالحات التي لا مثيل لها بيت جميع الاعمال ، وهو ما عُبِّر عنه : خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملا .
أولم تكن مريم العذراء وآسيا وفاطمة الزهراء ((عليها السلام)) زينب لكبرى ((عليها السلام)) بمثابة الباقيات الصالحات بالنسبة لا بويهنّ ؟
لماذا ينزعج مَنْ يرزق بنتاً ؟ فهل يتحول الجنين في رحم الاُم الى بنت بناءً على ارادة شخص آخر غير الله سبحانه ؟ انّ تحوّل الجنين في رحم اُمه إلى بنت يمثل رحمة الله ورأفته بعينها ورعايته ولطفه ولابد من التسليم ازاء مشيئته ولطفه ، وتقديم الحمد والثناء له عزّ شأنه على نعمة البنت مدى العمر .
الحري بالجميع تأمل هذه الحقيقة وهي :
ان رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) رُزق عدداً من الابناء وهم القاسم والطيب والطاهر وابراهيم ، ومع ان أحداً منهم لم يبق على قيد الحياة ، الاّ أن الله سبحانه لم يبشره وبهنئه لمّا رُزق ابناءً ، كما لم ترد آية في القرآن الكريم بهذا الصدد ، الاّ انّه وبمجرد انعقاد نطفة فاطمة الزهراء ((عليها السلام)) في رحم خديجة نزلت سورة الكوثر وبشر بالخير الكثير والدائم .

روايات مهمة حول البنات

يستحب للمرء إذا عُدم البنت ان يرفع يديه بالدعاء ويبتهل إلى الباري تعالى بكل اخلاص ان يرزقه بنتاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الكهف : 46 .
وقد دعا ابراهيم الخليل ((عليه السلام)) ـ وهو أبو الأنبياء ـ ان يرزقه الله بنتاً رغم وجود ابنيه اسماعيل واسحاق ، وقد نقل الصادق ((عليه السلام)) دعاء ابراهيم بهذا النحو :
ان ابراهيم سأل ربّه يرزقه ابنةً تبكيه وتندبه بعد موته »(1) .
ان الغاية التي ذكرت في هذه الرواية ليست ذا اهمية ، بل المهم هو اصل المطلب ، وهو ان نبياً من اولي العزم عدم البنت ، سأل الله ان يبلغه هذه النعمة .
على المرء ان يفتخر اذا اصبحت له بنت ، لان رسول الله كان اباً لبنت ، وهذا مواساة لرسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ومن الفخر ان يرزق المرء بنتاً ، قال الصادق ((عليه السلام)) :
« كان رسول الله أبا بنات »(2) .
ومن لم تكن له بنت وكانت له اختٌ فقد فتح امامه بابٌ من أبواب الرحمة الالهية ايضاً ، يقول جعفر بن محمد الصادق ((عليه السلام)) :
« من عال ثلاث بنات أو ثلاث اخوات وجبت له الجنّة »(3) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« نعمَ الوَلَد البنات ، ملطفات ، مجهزات ، مؤنسات ، مباركات ، مفليّات »(4) .
وقال أبو عبدالله الصادق ((عليه السلام)) :
« من عال ابنتين أو اُختين أو عمّتين أو خالتين حجبتاه من النار »(5) .
أتي رجلٌ وهو عند النبي ((صلى الله عليه وآله)) فأخبر بمولود أصابه فتغيّر وجه الرجل ، فقال له النبي ((صلى الله عليه وآله)) مالك ؟ فقال : خير ، فقال : قل ، قال : خرجتُ والمرأة تمخض فاُخبرت انها ولدت جارية ، فقال النبي ((صلى الله عليه وآله)) : الارض تُقلُّها والسماء تُظلّها والله يرزقها وهي ريحانة تشمّها ، ثم اقبل على أصحابه فقال : من كانت له ابنة فهو مفدوح ، ومن كانت له ابنتان فواغوثاه بالله ، ومن كانت له ثلاث وضع عنه الجهاد وكلّ مكروه ، ومن كانت له اربع فيا عبادالله اعينوه ، يا عبادالله اقرضوه ، يا عبادالله ارحموه »(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الوسائل : 21/361 ، طبعة مؤسسة آل البيت .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ الوسائل : 21/362 .
4 ـ الوسائل : 21/362 .
5 ـ نفس المصدر .
فما أعز البنت أذ يدعو رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) اصحابه الى اغاثة من له بنات واعتبر اعانة ذوي البنات تكليفاً الهيّاً .
ولد لرجل جارية فدخل على أبي عبدالله ((عليه السلام)) فرآه متسخطاً فقال له : أرايت لو ان الله اوحى إليك أن أختار لك أو تختار لنفسك ما كنت تقول ؟ قال : كنت اقول : يا رب تختار لي ، قال : فإنّ الله عزوجل قد اختار لك ، ثم قال ان الغلام الذي قتله العالم الذي كان مع موسى ((عليه السلام)) وهو قول الله عزوجل ( فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً ) ابدلهما الله عزوجل به جارية ولدت سبعين نبياً(2) 
.
قال الصادق ((عليه السلام)) :
« البنات حسناتٌ والبنون نعمةٌ ، والحسنات يُثاب عليها والنعمة يُسأل عنها »(3) .
وقد اوحى الله عزوجل إلى رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ليلة اُسري به :
« . . . قل لآباء البنات : لا تضيقنّ صدوركم على بناتكم فإنّي كما خلقتهنَّ ارزقهنّ »(4) .
وقال الصادق ((عليه السلام)) لرجل :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الوسائل : 21/365 .
2 ـ الوسائل : 21/364 .
3 ـ الوسائل : 21/365 ـ 366 .
4 ـ نفس المصدر .
« انما انك ان تمنّيت موتهنّ ومتن لم تؤجر يوم القيامة ولقيت ربك حين تلقاه وانت عاص »(1) .
وعن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) انّه قال :
« ان الله تبارك وتعالى على الاناث ارقُّ منه على الذكور ، وما من رجل يدخل فرحةً على امرأة بينه وبينها حرمةٌ الاّ فرّحه الله يوم القيامة »(2) .
وقال النبي ((صلى الله عليه وآله)) حول اهمية البنات :
« خيرُ أولادكم البنات »(3) .
وعنه ((صلى الله عليه وآله)) انّه قال :
« من عال ثلاث بنات أو ثلاث اخوات وجبت له الجنة ، قيل يا رسول الله ، واثنين ، قال : واثنتين ، قيل : وواحدة ؟ : وواحدة »(4) .
وعنه ((صلى الله عليه وآله)) أيضاً :
« من دخل السوق فاشترى تحفةً فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج وليبدأو ابالاناث الذكور فإنّ مَنْ فرَّح ابنته فكأنّما اعتق رقبةً من ولدِ اسماعيل »(5) .
انّه حقاً حديثٌ عجيبٌ ، فلم يقف ايُّ دين على مرّ التاريخ إلى جانب البنت بهذا الشكل ، بل على العكس من ذلك فلم يكن حال النساء مرضياً عند سائر الاقوام والشعوب ، انها جهود رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) التي أحدثت هذا التغيير المعنوي الجبّار في حياة البنات والنساء ، والزوجة والبنت .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ نفس المصدر .
2 ـ الوسائل : 20/367 .
3 ـ البحار : 14.html/91 .
4 ـ الوسائل : 21/368 .
5 ـ البحار : 14.html/69 .
والأعجب قول الرسول ((صلى الله عليه وآله)) :
« لا تضربوا أطفالكم على بكائهم فانَّ بكاءهم اربعة اشهر شهادة ان لا اله الا الله ، واربعة اشهر الصلاة على النبي وآله ، واربعة اشهر الدعاء لوالديه »(1) .
بناءً على ذلك ، لا تضربوا من يشهد بوحدانية الله تبارك وتعالى ، يصلّي على النّبي وآله ويدعو لابويه ، لا لانّه لا يستحق الضرب ، بل من الواجب مداراته وعدم التواني عن ابداء المحبة له لما في بكائه من معنى .
تأملوا هذه الرواية المهمة :
عن السكوني قال : دخلت على أبي عبدالله ((عليه السلام)) وانا مغمومٌ مكروب فقال لي ((عليهم السلام)) يا سكوني ما غمّك ؟ فقلتُ : وُلدت لي ابنة ، فقال : يا سكوني ! على الارض ثقلها وعلى الله رزقها تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك ، فسرى والله عنّي ، فقال : ما سميتها ؟ قلت : فاطمة ، قال : آه آه آه ثم وضع يده على جبهته إلى ان قال : ثم قال لي : أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها »(2) .
قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« من كان له اثنى فلم ينبذها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها ادخله الله الجنّة » .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) أيضاً :
« من كانت له ابنةُ واحدةٌ كانت خيراً له من الف حجّة وألفِ غزوة وألفِ بدنة وألف ضيافة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 60/311 .
2 ـ الكافي : 6/48 ، مكارم الأخلاق : 220 ، الوسائل : 21/482 .
قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) : « الجنّة تحت أقدام الاُمهات »
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ميزان الحكمة : 10/712

دور الأم في التربية

الولد ثمرة فؤاد الاُم

دور الأم في التربية   
ان كلمة الاُم التي وردت كثيراً في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ، تعني الاصل والمصدر ، ونظراً إلى ان الطفل يمكث في رحم امه ستة اشهر كحد ادنى وتسعة اشهر كحد اعلى ويمتص بكل قواه البدنية والنفسية من ذخائر بدنها ويتغذى من اعصابها وجسمها وروحها ، فقد عبّر عنها بالام .
وفي الحقيقة فإنّ الام تمثل اصل الطفل ومصدره ، والطفل يمثل تجسيداً لحقائق الام البدنية والروحية وثمرةً من تلك الشجرة المباركة .
ان فترة مكوث النطفة في صلب الاب قصيرة جداً ، أما في رحم الام فإنّها تمكث ما يقرب من مئتين وسبعين يوماً ، وعليه فإنّ جميع تأثراتها واستلهاماتها أو أغلبها انما تأتي من الام ، ومن هنا فإنّ الاهمية التي اولاها الاسلام للام لم يولها لغيرها ابداً .
ان افرازات كيان الام بدنياً وروحياً تتجلى في وجود الطفل ، وهو يجبل على ما جبلت عليه الام في أغلب اطواره ومسيرة حياته عن وعي منه أم عن جهل .
على البنت وقبل ان تدخل عش الزوجية أن تعلم أو تُعلَّم بانها ستكون اماً في المستقبل وعليها منذ الآن الاهتمام بغذائها ومعاشرتها وتصرفها وتربيتها وايمانها كي تكون مصدراً لجيل طاهر صالح ملتزم بالآداب .
لقد عثرت في كتاب حول المرأة على هذه العبارة اللطيفة المنقولة عن امبراطور فرنسا نابليون بونابرت ، فقد سئل عن أهم البلدان واعظمها بالنسبة له ، فاجاب البلد الذي يغلب فيه عدد النساء !
يجب ان تترسخ لدى المرأة حقيقة الامومة ، والا فلن يظهر إلى الوجود جيلٌ صالح .
على الام ـ في نظر الثقافة الاسلامية ـ ان تحافظ على امومتها في سبيل تربية ابنائها .
على الاُم ان تبرز امومتها لاولادها كي لا يتعرضوا للعاهات من الناحية الفكرية والعاطفية .
إذا ما ضيَّعت الام مميزات امومتها والقت بنفسها في براثن الحرية بطرازها الغربي واخذت تجالس وتضاحك هذا وذاك وتحارثهم وتماشيهم ، وبالمقابل تهمل نفسها وزوجها وأولادها من اجل رغبات مادية وجسمية ، فإنّها لا تعدٌّ أماً ، بل وحشاً كاسراً ينهش روح الاسرة ، وذئباً جارحاً سيلقي بشرف الاسرة وكرامتها وطهارتها في مهب الريح .
على الام ان تتحلى بالطهارة والعقل السليم والأخلاق الانسانية بغية تخريج ولد يتمتع بالوقار والادب والطهارة والبأس والعلم .
في احدى مقاطع زيارة وارث نخاطب سيد الشهداء الامام الحسين ((عليه السلام)) : اشهد انك كنت نوراً في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة .
وفي نفس الزيارة ننسبه إلى خديجة الكبرى وفاطمة الزهراء ((عليها السلام)) : السلام عليك يابن فاطمة الزهراء ، السلام عليك يابن خديجة الكبرى .
ان ما يوصي به الرسول الاكرم ((صلى الله عليه وآله)) الشباب الذين يرومون الزواج في اختيار ذوات الاصول والدين ، انما يأتي للحدّ من الفساد .
فالتي تفتقد للاصالة الاسرية ، اللئيمة الفاسدة ، الفاقدة للادب والتربية ، ويعوزها الوقار والالتزام ، وأسوء من ذلك مَنْ تلاعبت بها الشهوات والسافرة المتبرجة ، والتي تقضي كل ساعة وطراً مع صديق من الشباب ، لا تمتلك مؤهلات الزواج ، اذ انها قد سحقت اقدامها الغاية التي خلق الله تعالى من اجلها الخلق ، وضيَّعت مقومات الانوثة والامومة ، ولا اهلية لها في انجاب الولد الصالح ، وهي ممّن قال الرسول ((صلى الله عليه وآله)) بحقّهنّ : لو أنّهنّ ولدن عقارب وحيّات في آخر الزمان أفضل من أن يلدن طفلاً ، لأنّهنّ ومن أجل تلبية شهواتهنّ قد أخللن بمصنع الفكر والبدن والنفس .
ومثل هذا المصنع المختلّ يعجز من أن يصنع إنساناً سالماً .
استمعوا إلى هذا المعنى على لسان نبي الله نوح ((عليه السلام)) :
( وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الاَْرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً )(1) .
فلو نوفّر في قوم نوح الامهات ، وكثرت المؤمنات الشاكرات الطاهرات ، لم يقل ان هؤلاء لا يلدوا الاّ فاجراً كفّاراً .
نعم ، إذا كانت البنت والمرأة خضراء الدمن كما عبَّر رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ، فليس من الممكن التفاؤل بأن تُعطي ثماراً طيبةً وتهبُ عطاءً الهياً وانسانياً .
على المرأة ان لا تجلس ما شاءت من المجالس حتى وان كانت تضم الارحام ، لان بعض هذه المجالس تسودها المعاصي وتترك بصماتها على روحية الام وربما تسلب منها حقيقة الامومة .
على المرأة ان لا تتناول ما تمليه رغبتها وميولها من الاطعمة فربما لم يُعدّ الطعام من حلال ، وبذلك تترتب عليه اضرارٌ سيئة بالنسبة لها ولولدها .
على المرأة مراعاة جوانب الطهارة والنجاسة ، والمواظبة على الفرائض والسنن والجوانب الأخلاقية كي يتحول كيانها إلى مصدر نور ومدعاة لاشراقته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ نوح : 26 ـ 27 .
وقد وصلنا عن المعصومين ((عليهم السلام)) انهم اتخذوا من الزهراء ((عليها السلام)) اسوةً لهم ، وتمثّلوا معطياتها الفكرية والروحية والأخلاقية والايمانية .
ان فاطمة ((عليها السلام)) تمثل الام النموذجية والمثل الاعلى للام على امتداد الوجود ، فعلى نسائنا وبناتنا الاقتداء بها في حياتهن ، اذ ان الام تمثل أصل الولد ومصدره .
ان الامهات اللواتي يتوسمن الأخلاق الاسلامية ويتمتعن بالوقار والرصانة والأدب ، ويمثلن مصدر الحنان والمحبّة والعاطفة ، ومادام الاولاد في أرحامهن يتغذون من هذه الخصال ، وبعد الولادة تحلعق عيونهم في عيون امهاتهم ، وتقتصر اسماعهم على ما ينطقن به ، فإنّهم بلا شك يصاغون على ضوء ما عليه الام .
لما اخذ الحسين ((عليه السلام)) براس الحر بن يزيد الرياحي ووضعه في حجره ، نسبَ حريته و انعتاقه من سلطان بني امية إلى امه قائلاً :
انت حرُّ كما سمَّتك امك حرّاً .
ولما اصرَّ عمر بن سعد على ان يبايع الحسين ((عليه السلام)) يزيداً ، عزا ((عليه السلام)) امتناعه واصحابه عن البيعة إلى الامهات وحجورهن الطاهرة قائلاً :
 . . . وحجورٌ طابت وطهرت .

الثمرة الطيبة

كان عبدالله المبارك حكيماً بارعاً وعالماً عارفاً ، وقد عمل في أيام شبابه لدى أحد اصحاب البساتين .
وفي موسم الرمان استضاف صاحب البستان عدداً من الضيوف فنادى على عبدالله أن يأتي بالرمان لهم ، فجاءهم بسلّة من وإذا بالرمان حامض الطعم ، فنادى عليه صاحب البستان أن يأتي برمان حلو ، فجاءهم بالرمان فإذا به حامض أيضاً ، فقال صاحب البستان : ألم اقل لك هات من الرمان الحلو ؟ ألم تعرف بعد ستة اشهر من العمل في البستان اين هي اشجار الرمان الحلو ؟ فأجابه عبدالله : كلا لا اعلم ، قال صاحب البستان : ولمَ ذاك ؟ أجابه : لمّا استأجرتني كان العقد بيننا ان اعمل بستانياً لا آكلاً للبستان ، فلا علم لي في ثمار هذا البستان ايّها حلوٌ وايّها حامضٌ ! !
نعم ، فالنطفة الطاهرة والرحم الطاهر والام الطاهرة والتربية الطاهرة تصنع حارساً للمال وليس آكلاً لاموال الناس ، تلدُ بستانياً لا آكلاً للبستان .

اُمّي سببُ شقائي

قيل ان شاباً حُكمَ بالاعدام فطلب منه ان يكتب وصيته ، فقال : ليست عندي وصيّة لكني ارغب ان أرى أُمي في هذه اللحظات الاخيرة من حياتي .
فجيء له بامه ، ولما ودع اُمه عضَّ على لسانها وشفتيها بحيث اغمي عليها من شدة الالم ، فهجموا عليه صارخين به : ما الذي تفعله ايّها الظالم ؟
اجاب : انما الظالمُ اُمي هذه ، فهي التي نصبت اعواد مشنقتي ، ففي أحد أيام صباي سرقتُ بيضةً من جيراننا فشجعتني حتى اصبحت بعد ذلك سارقاً لبعير ، ثم تحولتُ إلى قاتل !
نعم ، الجنة تحت اقدام الام ، وهي إلى حدِّ ما تعتبر الدليل والوسيط نحو عذاب جهنم ايضاً .
بعد وفاة فاطمة الزهراء ((عليها السلام)) قال علي ((عليه السلام)) لاخيه عقيل ـ وكان متضلعاً في أنساب العرب ـ :
« انظر امرأةً قد ولدتها الفحول من العرب » .
وبعد مدة قال له عقيل : تزوّج فاطمة الكلابية ، ليس في العرب اشجع من آبائها .
فتزوجها ((عليه السلام)) فكانت نتيجة ذلك الزواج اربعة اشبال شجعان اشداء مؤمنين هم قمر بني هاشم واخوته .
وبعد شهادة مالك الاشتر ((رحمه الله)) صعد أمير المؤمنين ((عليه السلام)) المنبر في مسجد الكوفة وقال : « الا ان مالك بن الحارث قد قضى نحبه وأوفى عهده ولقى ربه فرحم الله مالكاً لو كان جبلاً لكان فنداً ولو كان حجراً لكان صلداً لله مالك ؟ وما مالك ؟ وهل قامت النساء عن مثل مالك ، وهل موجود كمالك ، كان لي كماكنت لرسول الله » .

قد يخبو نور العبادة

جاء شابٌ إلى امه وقال لها : اُماه ! في بعض الاحيان تنكمش رغبتي نحو العبادة واشعر بأن حاجزاً من الظلام يطغى على قلبي ، وان لستُ ممن يأكل الحرام ولا ممن يجالس الاشرار ، كما انني ابتعدُ عن العوامل التي تؤدي إلى التكاسل عن العبادة ، وعند البحث والتمعن في هذا الأمر توصلت إلى ان أسألك فلعل السبب في هذا الظلام والتكاسل قد سرى منك اليَّ ، واريد منك قول الحقيقة كي أجد حلاً لهذا السرّ .
قالت الام : عندما كنت حاملاً بك كان أبوك في سفر وقد مضى وقت على موسم نزول الشمس ، ولم اكن اخرج من الدار كما لم تكن لدىّ امكانية شراء المشمس ، وقد صعدت إلى سطح الداركي ابسط فراش النوم فوقعت عيناي على كمية كبيرة كان جيراننا قد نشروه لتجفيفه فتناولت قليلاً منها كي أتذوقها ، الاّ انني ندمت على ذلك ولم تكن لديّ الجرأة على التحلل منهم ، فقال الشاب : لقد وقعتُ على العلّة يا اُماه واني استأذنك بالذهاب إلى جارناكي احل الأمر معه ليتسنى لي بعد الآن ان أعبد ربّي بعيداً عن وساوس الشيطان !

زواج نوراني

سمعتُ في أيام شبابي من أحد العلماء في مسجد مدينتنا ، ان والد المرجع الكبير المقدس الاردبيلي لما توجه لخطبة ابنة أحد مدينته ، قال له والد البنت : ان ابنتي عمياء صمّاء عضباء عرجاء ، فإن شئت زوجتك اياها ، قال الشاب : كيف اعيش معها ؟ فقال والد البنت : يا بني ما اقصده من العمى هو انها لم ترَ محرماً قط ، ومن الصمم انها لم تسمع ما حرّم الله ، ومن العضب انها لم تمدّ يدها إلى محرَّم قط ، ومن العرج انها لم تخطُ نحو مجلس محرّم أبداً ، فتزوجها وكانت ثمرة ذلك الزواج هذا الرجل العظيم .

والدة الشيخ الشوشتري

لقد بلغ الشيخ جعفر الشوشتري مراتب ساميةً من العلم والعمل ، فكان عجيب النفوذ إلى قلوب الناس عند موعظته .
سُئلت اُمه ، هل أنها مسرورةً بهذا الابن ؟ قالت : لا ، قيل : لماذا ؟ قالت : انني لم ارضعه ولم اضمّه إلى صدري الاّ وانا على وضوء ، فكنتُ اتأمل ان يكون شبيه جعفر الصادق ((عليه السلام)) الاّ انه اصبح جعفر الشوشتري ! !

مثال الطهارة الباطنية والظاهرية

ذات مرّة قضيت عشر ليالي في مدينة بروجرد لغرض التبليغ ، وقد وددتُ ان اطلع عن طريق شيوخ المدينة على أحوال المرجع الكبير آية الله العظمى السيد البروجردي .
فحدّثني شيخٌ في التسعين من عمره ان جميع مساعي والدة السيد كانت تنصب على ان ترضعه وهي على وضوء وطهارة .
وذات ليلة كان البرد فيها قارصاً كانت بحاجة إلى ان تغتسل ولم يكن بوسعها الخروج من المنزل فتوكلت على الله واغتسلت بالماء البارد ثم ارضعت طفلها .
ان الالتزام المعنوي للام والجهود المخلصة للاب خرَّجّا للاسلام رجلاً احدث تغييرات جبّارة في الحوزات العلمية الشيعية على الاصعدة العلمية والعملية والأخلاقية .
يا ايتها البنات عليكنّ بالاستعداد إلى مرحلة الاُمومة متجهزات بالضوابط الالهية والانسانية ، وانتنّ ايتها الامهات ! عليكنّ المحافظة على حقيقة الامومة لديكنَّ ، فالله وحده يعلم مدى الربح الذي ينالكنّ في الدنيا والآخرة إثر ولادة وتربية مثل هؤلاء الابناء .
من الذين يشفعون يوم القيامة ، المؤمن والعالم والشهيد ولم يتحدد عدد من يحق لهم ان يشفعوا له ، اذ لهم الحق ان يشفعوا لكل من يستحق الشفاعة ، ولا شك في أن الاُم هي اول من يشفع له هؤلاء الثلاثة .
قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« ثلاثةٌ يشفعون إلى الله عزوجل فيشفَّعون : الأنبياء ، ثم العلماء ، ثم الشهداء »(1) .
وقال الباقر ((عليه السلام)) :
« ان المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر ، وانّ المؤمن ليشفع حتى لخادمه . . . » .
فيا ايتها البنات والامهات ! لِم لا تكوننَّ ممن ينالون شفاعة ابنائهم العلماء والشهداء والمؤمنين يوم القيامة ؟ أليس من الغبن أن تُضيِّعن حقيقة الامومة من أجل أيام معدودات في هذه الدنيا الدنيّة ، وتعملن على تدمير البناء الروحي لاولادكنَّ الذين يعتبرون وديعةً الهية عندكنّ وتجعلنهم العوبةً بيد شياطين الغرب والشرق ؟ ! .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 8/34 .
( يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرأَ سَوْء )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مريم / 28

دور الأب في تكامل الولد

اهتموا باربع حقائق

دور الأب في تكامل الولد   
يستفاد من الآيات « 33 ـ 37 » من سورة آل عمران ، والآية « 28 » من سورة مريم ، ان تكامل الانسان ورقيّه يرتبط باربع اطراف وهي: الاب المؤمن ، والام المؤمنة ، والمعلم النزيه الحريص ، وأكل الحلال .
لما رأى اليهود عيسى ((عليه السلام)) فى حضن مريم ـ و كانت بنتاً لم تتزوج ـ اصابتهم الدهشة فقالوا لها :
( يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً )(1) .
لقد جهلوا حقيقة الأمر بأن المسيح كلمة الله القاها إلى مريم الطاهرة ، فكانوا يتصورون ان العملية وقعت خلافاً للشرع ، فمن خلال معرفتهم بأبي مريم بأنه رجل مؤمن وقورٌ ملتزم بالآداب الالهية ، رجلٌ عظيم كريم ، وبامها بأنها امرأة مؤمنة عفيفة طاهرة ، لم يكن يُتصور ان تلجأ ابنتهما إلى الرذيلة ، فقد كان من الثابت لدى الناس ان الولد تجسيد لمزايا الوالدين واخلاقهم وحقائق وجودهم ، حتى نطق عيسى ((عليه السلام)) فاتضح ان من الحتم ان يلد هذان الابوان مثل هذه البنت الجليلة ذي المقامات السامية التي اصبحت أماً لنبي من اولي العزم .
لاحظتم ان ما كانوا يتوقعونه من طهارة في مريم انما يرجع بالدرجة الاولى إلى طهارة أبيها لذا فقد قالوا لها :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ مريم : 28 .
( مَا كَانَ أَبُوكِ امْرأَ سَوْء ) .
والام التي تحظى بميزة خاصة ايضاً كانت موضع اهتمامهم ، من هنا قالوا لها :
( وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ) .
خلال الفصل السابق تطرقت بالتفصيل إلى الاُم وواجباتها ، ولا أرى في هذا الفصل حاجة للمزيد من التفصيل ، وقد نوهت في ما مضى من بحوث إلى الحلال والحرام والرزق الطيب الطاهر ، كما لا يخفى على أحد تأثير المعلم واحواله واخلاقه على الاولاد .
وما يحتاج إلى مزيد من التوضيح في هذا الفصل هو تأثير الاب في اخلاق الطفل وسلوكه وتربيته .
يتعين على الاب ان يهتم أولاً بتربية الولد الدينية واخلاقه وتعليمه ، ومن ثمّ ان يحيا مع زوجته بنحو لا يعكّر صفو حياة أولادهما ، ومن جهة اخرى عليه التزام جانب الحيطة فلا يطعم عياله لقمةً من الحرام .
ورد في الروايات عن أهل البيت ((عليهم السلام)) ما مفاده : ان عدة من الناس يدخلون جهنّم بغير حساب منهم الآباء الذين لا يعتنون بتربية أولادهم الدينية والأخلاقية .
لقد خلق الله سبحانه الناس جميعاً من اجل بلوغ مقام خلافة الله والهدى والبصيرة وبالتالي دخول الجنّة ، والناس هم الذين يمهّدون لعذابهم .

أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) يبكي

بعد ان انتهت معركة الجمل بانتصار أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) واُطفئت نيران الفتنة ، مرّ ((عليه السلام)) وسط القتلى ولما نظر اليهم بكى بكاءً شديداً ، انه فعلٌ لم يسبق له مثيل ولم يصدر مثله من ايّ عسكري منتصر ، فسئل ((عليه السلام)) عن السبب في بكائه ، فاجاب : هؤلاء الّذين اعتنقوا الاسلام وصاموا وصلّوا وعبدواالله كان يجب أن يدخلوا الجنّة ، وإنّ قلبي يتحرّق لهم ألماً لأنّهم قد عصواالله وقاتلوا الامام المعصوم ، ونتيجة اتباعهم أهواءهم أحلّوا أنفسهم في العذاب الدائم .

أهل النار

ان المعذّبين في النار يطلبون من الله الخلاص من العذاب خمس مرات ، الاّ انهم يقمعون في كل مرّة منها ، وفي الخامسة تُسدُّ افواههم إلى الابد .
وقد وردت احدى هذه المرات الخمس في هذه الآية الكريمة :
( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم مّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَصِير )(1) .
ايّها الآباء ! ان من اهم الاعمال الاهتمام بتربية الولد وكماله ورقيِّه ، فلا تهملوا أولادكم ، وحافظوا على طهارة البيت من أجلهم ، واطمعوهم من الحلال ، وحافظوا على حقوق زوجاتكم ، كي تسري افعالكم واخلاقكم وطريقة كسبكم للحلال اليهم ليصبحوا آباءً مناسبين لاولادهم اسوة بكم .
ايّها الآباء ! ان جميع اعمالكم وممارساتكم تخضع لنظر الباري تعالى ورسوله والأئمة الأطهار :
( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ )(2) .
التزموا الحذر في حياتكم ، وتمثلوا الحيطة في تصرفاتكم واقوالكم وافعالكم اذ ان كافة تحركاتكم تترك بصماتها في اهل الدار .
لقد لفت رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) انظار الآباء إلى مسؤولياتهم الخطيرة ، وكثيراً ما تواترت الوصايا من الأئمة الاطهار إلى الآباء ، فالأب في البيت كالزعيم في البلد وهو مسؤول عن المجتمع بأكمله ، والأب يتعرض لمساءلة الحق تعالى يوم القيامة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ فاطر : 37 .
2 ـ التوبة : 15.html .
عوِّدوا أولادكم على تطهير نواياهم ، وحثّوهم على العمل الصالح ، اعملوا على ان يتجلى في قلوبهم حب العلم والمعرفة والعلماء ، اصطحبوهم إلى المجالس الدينية ، علّموهم الواجبات قبل بلوغ سن التكليف ، ارفقوا بهم ، عاملوهم باللطف والكرم والأخلاق الفاضلة .
ان النبي ((صلى الله عليه وآله)) وأميرالمؤمنين يُعتبران افضل اسوة وقدوة للآباء ، فطالعوا احوالهما وحياتهما وطبقوا افعالهما في حياتكم ، اتخذوا من رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) وسيد العارفين ((عليه السلام)) قدوة لكم بدلاً من رموز الابتذال سواءً في الداخل أو الخارج ، اعدّوا ما يجعل من الدار واهله يتنفسون عطر النبوة والامامة ، كي تضمنوا خير الدنيا و الآخرة .

لحمة من حياة الشهيد الشيخ فضل الله النوري

ولد هذا الرجل العظيم ، المجاهد والمرجع الأمين من اُم طاهرة وأب كريم ، وقد جهد والده في تربية ، اذ سخّر الوالد كلَّ وجوده في سبيل تربية ابنه وكماله ورقيِّه ، ولما لمس منه شغفاً في العلم والعمل ارسله إلى النجف الاشرف وتتلمذ على اساتذة كبار كالشيخ الانصاري والميرزا الشيرازي والحاج الميرزا حسين النوري فنهل كثيراً منهم ، ثم عاد إلى طهران متزوداً بالعلم والفضيلة والأخلاق والتقوى ، فاصبح في طليعة العلماء فاشعل فتيل الثورة ضد الظلم والجور وذلك في حركة المشروطة ، فانتصرت ثورته ، بيد ان الخونة تسلّلوا إلى شرايين الحكم ومفاصلة فحرفوا مسير الثورة تصطبغ بما تمليه لندن ، فكان ((رحمه الله)) من بين جميع العلماء ذا نظرة ثاقبة ازاء هذه الواقعة المرّة ، منادياً معلناً ، غير انه لم يفلح فاعتُقل وحكم عليه بالاعدام لانه كان يريد المشروطة حركةً تستند إلى الشرعية ، ومن مجلس الشورى مجلساً يستند إلى القرآن والسنّة ونهج البلاغة والفقه الشيعي ، كانت نيته خالصة لله تعالى ، ومطالبه مطالب الهية ، كان ((رحمه الله)) حريصاً ذا بصيرة ، وكل ذلك استلهمه من أبيه ومن احضان امه ، واختلط فيه الكمال مع النور الذي يتأتى من لقمة الحلال .
وقد اعتلى اعواد المشنقة يوم 13 رجب ذكرى ولادة أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) واعدم على أيدي الجلادين بسبب مطالبه الحقة ، فتصوروا انهم اعدموا ضميره باعدامه ناسين الآية الكريمة .
( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهَ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )(1) .
وبعد مضي ما يقرب من ثمانين سنة على اعدامه ، وبالذات في الساعة العاشرة صباحاً من يوم الثالث عشر من رجب وعلى مقربة من محل اعدامه في ساحة المدفعية تجلّت ثمار ثورة الشعب الايراني المنجب للشهداء بافتتاح مجلس الشورى الاسلامي بتلاوة بيان الامام الخميني الكبير ((رحمه الله)) فتحققت امنية شهيدنا العظيم الشيخ فضل الله النوري ، وكنتُ من بين المدعوين لحضور ذلك الحفل ، فلم يراودني العجب لان الله سبحانه ناصرُ المؤمن ومعينه وهو الذي يحقق امانيه وان اُعدم أو استشهد .
طوبى لوالد ذلك الشهيد حيث يقف يوم القيامة موشحاً بالكرامة في محضر الباري تعالى وانبيائه والأئمة الطاهرين ، وذلك نتيجة الظفر بمثل هذا الابن .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الصف : 8 .

ايّها الشباب احذروا

ايّها الشباب ، يا ابناء الاسلام ، يا اتباع رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) لكم مني وصية مهمة ، وهي ان توجدوا في انفسكم مستلزمات الابوة الصالحة والمناسبة ، فموعد الزواج لم يزل بعيداً ، بل فكروا من الآن بتخلية انفسكم من رذائل الأخلاق ، وتهذيب اعمالكم ومجالسكم وزياراتكم ، وعليكم بالاعتناء بمأكلكم خاصة ، ففي نطفكم مادةٌ تُسمى الجين وهي التي تحمل جميع شمائلكم إلى ذراريكم ، وهذا ليس من ثمار الدراسات التي قام بها علماء الغرب ومحققوه فيهمله البعض منكم متصوراً انها نظرية قد تبطل مستقبلاً ، انها قضية بديهية وذاتية اهتم بها الاسلام العزيز منذ بزوغ فجره .
تأملوا هذه الرواية المهمة بهذا الشأن :
اتى رجل من الانصار رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) فقال هذه ابنة عمي وامرأتي لا أعلم الا خيراً ، وقد اتتني بولد شديد السواد منتشر المنخرين . . . وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) : ان العرق دساس .
مرادف العرق ، الجين ، ودساس تعني الناقل ، من خلال هذه العبارة انقذ ((صلى الله عليه وآله)) هذا الشاب من القلق وسوء الظن .
نعم ، فإنّ شمائل الاب تنتقل إلى الابناء كما عبّر رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ، وهذا ما اثبتته الاجهزة العلمية المعاصرة .
بناءً على ذلك ، عليكم السعي قبل مرحلة الزواج ان تتوفر فيكم الصفات التي يتوسمها الاسلام في الاب ، فلا تبادروا إلى الزواج بقصد التلذذ المادي متناسين الحقائق ، فيكون ابناؤكم بئس الثمار بالنسبة لكم وللمجتمع .
لقد كان رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) وائمة الهدى ((عليهم السلام)) يفتخرون بانتسابهم لابراهيم الخليل ((عليه السلام)) محطم الاصنام ، فقد انتقلت شمائل ذلك الرجل العظيم إلى ذريته الطاهرة .
في زيارة وارث ـ وهي زيارة صحيحة ومسلّمة ـ نخاطب الامام الحسين ((عليه السلام)) بأنه وارث آدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد ((صلى الله عليه وآله)) وأميرالمؤمنين ((عليه السلام)) ، وهذا الارث الذي وصله ليس مالاً أو ثروة ، بل هو تجليات معنوية وعلوم الهية واخلاق فاضلة والكرم والفضيلة والشرف ، فلم لا ننهل نحن الآباء من هذه النعم المعنوية كي ينعم بها ابناؤنا ؟
قبل فهرست بعد