عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

علم‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) بشهادته‌

الجواب‌: الاوّل‌:

وهو للشيخ‌ المفيد محمد بن‌ محمّد بن‌ النعمان‌ العكبري‌ البغدادي‌1(ت‌ 413 ه) في‌ ردّه‌ علي‌ سؤال‌ حول‌: ان‌ الاءمام‌ يعلم‌ ما يكون‌؛ فما بال‌امير المؤمنين‌(ع) خرج‌ الي‌ المسجد وهو يعلم‌ انه‌ مقتول‌ وقد عرف‌ قاتله‌وعرف‌ الوقت‌ والزمان‌؟ وما بال‌ الحسين‌ بن‌ علي‌(ع) سار الي‌ الكوفة‌ وقدعلم‌ انهم‌ يخذلونه‌ ولا ينصرونه‌، وانه‌ مقتول‌ في‌ سفرته‌ تيك‌؟... الخ‌

فاجاب‌1قائلاً: اما الجواب‌ عن‌ قوله‌: اءن‌ الاءمام‌ يعلم‌ ما يكون‌فاءجماعنا: ان‌ الامر علي‌ خلاف‌ ما قال‌، وما اجمعت‌ البيعة‌ علي‌ هذا القول‌،وان‌ اءجماعهم‌ ثابت‌ علي‌ ان‌ الاءمام‌ يعلم‌ الحكم‌ في‌ كل‌ّ ما يكون‌ دون‌ ان‌يكون‌ عالماً باعيان‌ ما يحدث‌ ويكون‌ علي‌ التفصيل‌ والتمييز، وهذايسقط‌ الاصل‌ الذي‌ بني‌ عليه‌ الاسئلة‌ باجمعها، ولسنا نمنع‌ ان‌ يعلم‌ الاءمام‌اعيان‌ ما يحدث‌، ويكون‌ باءعلام‌ الله تعالي‌ له‌ ذلك‌، فامّا القول‌ بانه‌ يعلم‌ كل‌ّما يكون‌ فلسنا نطلقه‌ ولا نصوّب‌ قائله‌ لدعواه‌ فيه‌ من‌ غير حجة‌ولا بيان‌،والقول‌ بان‌ اميرالمؤمنين‌(ع) يعلم‌ قاتله‌ والوقت‌ الذي‌ كان‌ يقتل‌ فيه‌، فقدجاء الخبر متظاهراً انه‌ كان‌ يعلم‌ في‌ الجملة‌ انّه‌ مقتول‌، وجاء ايضاً بانّه‌ يعلم‌قاتله‌ علي‌ التفصيل‌، فامّا علمه‌ بوقت‌ قتله‌ فلم‌ يات‌ عليه‌ اثر علي‌ التحصيل‌،ولو جاء به‌ اثر لم‌ يلزم‌ فيه‌ ما يظنّه‌ المعترضون‌، اءذ كان‌ لا يمتنع‌ ان‌ يتعبّده‌الله تعالي‌ بالصبر علي‌ الشهادة‌ والاستسلام‌ علي‌ القتل‌، فيبلغه‌ بذلك‌ علوّالدرجات‌ ما لا يبلغه‌ اءلاّ به‌، بانه‌ يطيعه‌ في‌ ذلك‌ طاعة‌ لو كلّفها سواه‌ لم‌يردها، ولا يكون‌ امير المؤمنين‌(ع) بذلك‌ ملقياً بيده‌ الي‌ التهلكة‌ ولا معيناًعلي‌ نفسه‌ معونة‌ يستقبح‌ في‌ العقول‌.

وامّا علم‌ الحسين‌(ع) بان‌ اهل‌ الكوفة‌ خادعوه‌ فلسنا نقطع‌ بذلك‌ اءذ لاحجة‌ عليه‌ من‌ عقل‌ ولا من‌ سمع‌، ولو كان‌ عالماً بذلك‌ ؛ لكان‌ الجواب‌ عنه‌ما قدّمناه‌ في‌ الجواب‌ عن‌ علم‌ امير المؤمنين‌ (ع) بوقت‌ قتله‌، ومعرفة‌ قاتله‌كما ذكرناه‌.

نقول‌: هذا الجواب‌ تام‌ في‌ الجملة‌ وسنزيده‌ توضيحاً اكثر اءن‌ شاءاللهتعالي‌.

لكن‌ ما ذكره‌ في‌ اوّل‌ جوابه‌ يحتاج‌ الي‌ مزيد تامّل‌ واءمعان‌ نظر.

وهكذا ما ذكره‌ من‌ عدم‌ القطع‌ بعلم‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) بان‌ اهل‌ الكوفة‌خادعوه‌، حيث‌ من‌ يرجع‌ الي‌ سيرتهم‌ مع‌ ابيه‌ واخيه‌: يطمئن‌ بذلك‌،فمابالك‌ مع‌ مَن‌ عاش‌ الحدثَيْن‌ اعني‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) ؟

 

 

الجواب‌ الثاني‌:

وهو للشريف‌ المرتضي‌ علم‌ الهدي‌ علي‌ بن‌ الحسين‌ الموسوي‌البغدادي‌ (ت‌ 355 ـ 436 ه) ؛ حيث‌ سئل‌ هل‌ يجب‌ علم‌ الوصي‌ ساعة‌وفاته‌ او قتله‌ علي‌ التعيين‌؟ ام‌ ذلك‌ مطوي‌ّ عنه‌؟

فاجاب‌1: اءن‌ّ الاءمام‌ لا يجب‌ اني‌ علم‌ الغيوب‌ وما كان‌ وما يكون‌؛ لان‌ذلك‌ يؤدّي‌ الي‌ انه‌ مشارك‌ للقديم‌ تعالي‌ في‌ جميع‌ معلوماته‌، وان‌ معلوماته‌لا تتناهي‌، وانه‌ يوجب‌ ان‌ يكون‌ عالماً بنفسه‌، وقد ثبت‌ انه‌ عالم‌ بعلم‌محدث‌، والعلم‌ لا يتعلق‌ علي‌ التفصيل‌ اءلاّ بمعلوم‌ واحد، ولو علم‌ ما لايتناهي‌ لوجب‌ وجود ما لا يتناهي‌ من‌ المعلومات‌، وذلك‌ محال‌. وقد بيّناان‌ّ الذي‌ يجب‌ ان‌ يعلمه‌ علوم‌ الدين‌ والشريعة‌.

فاما الغائبات‌ او الكائنات‌ الماضيات‌ والمستقبلات‌، فاءن‌ علم‌ باءعلام‌الله شيئاً فجائز، واءلاّ فذلك‌ غير واجب‌.

وعلي‌ هذا الاصل‌ ليس‌ من‌ الواجب‌ علم‌ الاءمام‌ بوقت‌ وفاته‌، او قتله‌علي‌ التعيين‌. وقد روي‌ ان‌ اميرالمؤمنين‌(ع) في‌ اخبار كثيرة‌ كان‌ يعلم‌ انه‌مقتول‌، وان‌ ابن‌ ملجم‌ (لعنه‌ الله) قاتله‌. ولا يجوز ان‌ يكون‌ عالماً بالوقت‌الذي‌ يقتله‌ فيه‌ علي‌ التحديد والتعيين‌، لانّه‌ لو علم‌ ذلك‌ لوجب‌ ان‌ يدفعه‌عن‌ نفسه‌، ولا يلقي‌ بيده‌ الي‌ التهلكة‌، وان‌ هذا في‌علم‌ الجملة‌ غيرواجب‌.

نقول‌: يرد علي‌ كلامه‌ بعض‌ الملاحظات‌:

منها: قوله‌1: لان‌ّ ذلك‌ يؤدي‌ الي‌ انه‌ مشارك‌ للقديم‌ في‌ جميع‌معلوماته‌... الخ‌ يمكن‌ ان‌ يقال‌: اءن‌ّ المشاركة‌ بالمظهرية‌ لا بالذات‌ لامحذور فيها، نعم‌ علي‌ نحو الموجبة‌ الكلية‌ لا يمكن‌، ولعلّه‌ هذا مراده‌فيرتفع‌ الاءيراد.

منها: قوله‌1: ولا يجوز ان‌ يكون‌ عالماً بالوقت‌ الذي‌ يقتله‌ فيه‌ علي‌التحديد... الخ‌ غير تام‌؛ لانّه‌ يمكن‌ ان‌ يعلم‌ علي‌ التحديد والتعيين‌ بوقت‌قتله‌ من‌ دون‌ ان‌ يكون‌ هناك‌ رمي‌ الي‌ التهلكة‌، وما تلك‌ الاجوبة‌ المتقدّمة‌والمتاخرة‌ اءلاّ حل‌ٌّ لهذا التوهّم‌.

منها: قوله‌1: لانّه‌ لو علم‌ ذلك‌ لوجب‌ ان‌ يدفعه‌ عن‌ نفسه‌... الخ‌ غيرتام‌؛ لانه‌ ليس‌ ذلك‌ قاعدة‌ كليه‌، وذلك‌ انه‌ بعد ان‌ نعلم‌ بعدم‌ المحذورية‌ في‌البين‌ يسقط‌ الوجوب‌، ويتحوّل‌ التكليف‌ الي‌ حكم‌ ا´خر كما سوف‌ ياتي‌ اءن‌شاء الله تعالي‌.

 

 

الجواب‌ الثالث‌:

وهو للعلاّمة‌ الحلي‌ الحسن‌ بن‌ يوسف‌ بن‌ المطهّر1 (ت‌ 726 ه)حيث‌ سئل‌ عن‌ علم‌ امير المؤمنين‌(ع) بكيفية‌ ووقت‌ ومكان‌ قتله‌.

فاجاب‌1 بانه‌ يحتمل‌ ان‌ يكون‌(ع) قد اُخبر بوقوع‌ القتل‌ في‌ تلك‌الليلة‌ او في‌ اي‌ مكان‌ يقتل‌، وان‌ تكليفه‌(ع) مغاير لتكليفنا، فجاز ان‌ يكون‌بذل‌ مهجته‌ الشريفة‌ صلوات‌ الله عليه‌ في‌ ذات‌ الله تعالي‌، كما يجب‌ علي‌المجاهد الثبات‌ واءن‌ كان‌ ثباته‌ يفضي‌ الي‌ القتل‌.

نقول‌: يصلح‌ هذا الجواب‌ لان‌ يكون‌ ايضاً حلاّ لعلم‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع)بشهادته‌ وذلك‌ لوحدة‌ النكتة‌، ولكن‌ ما ذكره‌ من‌ قوله‌1: «.. واءن‌تكليفه‌(ع) مغاير لتكليفنا» لا نحتاج‌ الي‌ هذا الاحتمال‌ بعد ان‌ كان‌ غيرالمعصوم‌ يعلم‌ بكيفية‌ ووقت‌ قتله‌؛ كما رُوي‌ عن‌ رشيد الهجري‌ وميثم‌التمار وغيرهما رضوان‌ الله عليهم‌ ممّن‌ كان‌ عندهم‌ علم‌ المنايا. نعم‌ ماذكره‌ اخيراً تام‌، كما سوف‌ نوضّحه‌ اكثر اءن‌ شاء الله تعالي‌.

 

 

الجواب‌ الرابع‌:

وهو للاءمام‌ الاكبر محمد الحسين‌ ا´ل‌ كاشف‌ الغطاء1 (ت‌ 1373 ه)في‌ ردّه‌ علي‌ سؤال‌ حول‌ خروج‌ امير المؤمنين‌(ع) ليلة‌ 19 من‌ شهررمضان‌ المبارك‌ مع‌ علمه‌ بقتل‌ ابن‌ ملجم‌ له‌، وهل‌ يَصدق‌ عليه‌ انه‌ اءلقاءالنفس‌ الي‌ التهلكة‌؟

فاجاب‌1: معاذ الله ان‌ يكون‌ ذلك‌ من‌ باب‌ اءلقاء النفس‌ الي‌ التهلكة‌،بل‌ هو علي‌ الاءجمال‌ من‌ باب‌ الجهاد الخاص‌ علي‌ الاءمام‌ لا الجهاد العام‌علي‌ عموم‌ الاءسلام‌. يعني‌ انه‌ من‌ باب‌ المفاداة‌ والتضحية‌ والتسليم‌ لامر اللهسبحانه‌ في‌ بذل‌ النفس‌ لحياة‌ الدين‌ وتمييز الحق‌ّ من‌ الباطل‌؛ ليهلك‌ من‌هلك‌ عن‌ بيّنة‌ ويحيي‌ من‌ حي‌ّ عن‌ بيّنة‌، ويميز الله الخبيث‌ من‌ الطيّب‌،ومن‌ هذا الباب‌ اءقدام‌ الحسين‌(ع) علي‌ الشهادة‌ مع‌ علمه‌ بانه‌ مقتول‌ لامحالة‌.

ولاشك‌ انهم‌ سلام‌ الله عليهم‌ كانوا يعلمون‌ بكل‌ ذلك‌ باءخبار النبي‌(ص)وحياً، ولكن‌ يحتملون‌ فيه‌ ان‌ يتطرق‌ اءليه‌ البداء ويكون‌ من‌ لوح‌ المحووالاءثبات‌، وان‌ يكون‌ ثابتاً في‌ العلم‌ المخزون‌ المكنون‌ الذي‌ استاثر اللهسبحانه‌ به‌ لنفسه‌؛ فلم‌ يظهر عليه‌ ملَكاً مقرّباً ولا نبيّاً مرسلاً، وباب‌ البداءباب‌ واسع‌ لا مجال‌ هنا لشرحه‌، وفي‌ هذا كفاية‌ اءن‌ شاء الله.

نقول‌: لا نحتاج‌ في‌ الجواب‌ الي‌ ان‌ نجعل‌ هذا من‌ باب‌ الجهاد علي‌الاءمام‌؛ لانه‌ لا دليل‌ علي‌ ذلك‌، ثم‌ اءنّه‌ قد يرد علي‌ كلامه‌1 الاخير انه‌ مجرّداحتمال‌ المخالفة‌ لا يكون‌ مبرراً لارتكاب‌ الفعل‌، واءلاّ لجاز ان‌ يرمي‌الاءنسان‌ بنفسه‌ من‌ شاهق‌، مع‌ احتمال‌ ان‌ يكون‌ قد كُتب‌ له‌ في‌ اللوح‌المحفوظ‌ انه‌ لا يصيبه‌ شي‌ء، وهو كماتري‌.

 

 

الجواب‌ الخامس‌:

وهو لسيّد مشايخنا العلاّمة‌ محمّد حسين‌ الطباطبائي‌1 (ت‌ 1402ه)صاحب‌ «تفسير الميزان‌»؛ حيث‌ قال‌: اءن‌ّ علمهم‌: بالحوادث‌ علم‌ بماآنهاواجبة‌ التحقق‌، ضرورية‌ الوقوع‌ لا تقبل‌ بداءً ولا تحمل‌ تخلفاً كما في‌الاخبار. والعلم‌ الذي‌ هذا شانه‌ لا اثر له‌ في‌ فعل‌ الاءنسان‌.

بيان‌ ذلك‌: ان‌ من‌ المقرّر عقلاً ـ وقد صدّقه‌ الكتاب‌ والسنّة‌ ـ ان‌ كل‌حادثة‌ من‌ الحوادث‌ تحتاج‌ في‌ تحقّقها الي‌ علّة‌، وان‌ العلّة‌ المتوقف‌ عليهاوجود الشي‌ء تنقسم‌ الي‌ ناقصة‌ وتامة‌، والعلّة‌ التامة‌ تمام‌ ما يتوقف‌ عليه‌وجود الشي‌ء؛ فيجب‌ بوجودها وجوده‌ وبعدمها عدمه‌، والعلّة‌ الناقصة‌بعض‌ ما يتوقف‌ عليه‌ وجود الشي‌ء فلا يجوب‌ بوجودها وجوده‌؛ لافتقاره‌معها الي‌ غيرها، ولكن‌ يجب‌ بعدمها عدمه‌. ومن‌ هنا يظهر انه‌ لا تتحقّق‌حادثة‌ من‌ الحوادث‌ اءلاّ وهي‌ واجبة‌ الوجود باءيجاب‌ علّتها التامة‌ التي‌فوقها، وكذا الكلام‌ في‌ علّتها التامة‌ حتي‌ ينتهي‌ الي‌ الواجب‌ بالذات‌ تعالي‌وتقدّس‌. فالعالم‌ مؤلّف‌ من‌ سلسلة‌ من‌ الحوادث‌، كل‌ حلقة‌ من‌ حلقاتهاواجبة‌ الوجود بما يسبقها ـ واءن‌ كانت‌ ممكنة‌ بالقياس‌ علي‌ علّتها الناقصة‌ ـوهذه‌ الوجوبات‌ المترتبة‌ الواقعة‌ في‌ سلسلة‌ الحوادث‌ في‌ نظام‌ القضاءالحتمي‌ الذي‌ ينسبه‌ الله تعالي‌ الي‌ نفسه‌. قال‌ تعالي‌: (لِّيَقْضِي‌َ اللَّه‌ُ أَمْرًا كَان‌َمَفْعُولاً). وقال‌: (وَكَان‌َ أَمْرًا مَّقْضِيًّا).

ثم‌ّ اءن‌ من‌ المعلوم‌ ان‌ الاءنسان‌ الفعّال‌ بالعلم‌ والاءرادة‌ اءنّما يقصد مايتعلّق‌ به‌ علمه‌ من‌ الخير والنفع‌، ويهرب‌ ممّا يتعلق‌ به‌ علمه‌ من‌ الشرّوالضر، فللعلم‌ اثر في‌ دعوة‌ الاءنسان‌ الي‌ العمل‌، وبعثه‌ نحو الفعل‌ والترك‌بالتوسل‌ بما ينفعه‌ في‌جلب‌ النفع‌ او دفع‌ لاضرر، بوذلك‌ يظهر ان‌ علم‌الاءنسانب‌ الخير وكذا الشرّ والضرر في‌ الحوادث‌ المستقبلة‌ اءنّما يؤثر اثره‌لو تعلّق‌ بها العلم‌ من‌ جهة‌ اءمكانها لا من‌ جهة‌ ضرورتها علي‌ ما اُشير اءليه‌ا´نفاً، وذلك‌ كان‌ يعلم‌ الاءنسان‌ انه‌ لو حضر مكاناً كذا في‌ ساعة‌ كذا من‌ يوم‌كذا قتل‌ قطعاً؛ فيؤثر العلم‌ المفروض‌ فيه‌ ببعثه‌ نحو دفع‌ الضرر؛ فيختارترك‌ الحضور في‌ المكان‌ المفروض‌ تحرّزاً من‌ القتل‌. واما اءذا تعلّق‌ العلم‌بالضرر مثلاً من‌ جهة‌ كونه‌ ضروري‌ الوقوع‌ واجب‌ التحقّق‌؛ كما اءذا علم‌ انه‌في‌ مكان‌ كذا في‌ ساعة‌ كذا من‌ يوم‌ كذا مقتول‌ لا محالة‌ بحيث‌ لا ينفع‌ في‌دفع‌ القتل‌ عنه‌ عمل‌ ولا تحول‌ دونه‌ حيلة‌؛ فاءن‌ مثل‌ هذا العلم‌ لا يؤثر في‌الاءنسان‌ امراً يبعثه‌ الي‌ نوع‌ من‌ التحرّز والاتقاء لفرض‌ علمه‌ بانه‌ لا ينفع‌فيه‌ شي‌ء من‌ العمل‌، فهذا الاءنسان‌ مع‌ علمه‌ بالضرر المستقبل‌ يجري‌ في‌العمل‌ مجري‌ الجاهل‌ بالضرر.

اءذا علمت‌ ذلك‌ ثم‌ راجعت‌ الاخبار الناصّة‌ علي‌ ان‌ّ الذي‌ علّمهم‌ اللهتعالي‌ من‌ العلم‌ بالحوادث‌ لا بداء فيه‌ ولا تخلّف‌؛ ظهر لك‌ اندفاع‌ ما وردعلي‌ القول‌ بعلمهم‌ بعامّة‌ الحوادث‌ من‌ انه‌ لو كان‌ لهم‌ علم‌ بذلك‌ لاحترزواممّا وقعوا فيه‌ من‌ الشر، كالشهادة‌ قتلاً بالسيف‌ وبالسم‌ لحرمة‌ اءلقاء النفسه‌في‌ التهلكة‌.

وجه‌ الاندفاع‌، ان‌ّ علمهم‌ بالحوادث‌ علم‌ بها من‌ جهة‌ ضرورتها كماهو صريح‌ في‌ نفي‌ البداء عن‌ علمهم‌، والعلم‌ الذي‌ها شانه‌ لا اثر له‌ في‌ فعل‌الاءنسان‌ الي‌ نوع‌ من‌ التحرّز، واءذا كان‌ الخطر بحيث‌ لا يبل‌ الدفع‌ بوجه‌ من‌الوجوه‌ فالابتلاء به‌ وقوع‌ في‌ التهلكة‌ لا اءلقاء الي‌ التهلكة‌، قال‌ تعالي‌: (قُل‌لَّوْ كُنتُم‌ْ فِي‌ بُيُوتِكُم‌ْ لَبَرَزَ الَّذِين‌َ كُتِب‌َ عَلَيْهِم‌ُ الْقَتْل‌ُ اءِلَي‌' مَضَاجِعِهِم‌ْ).

نقول‌: هذا الكلام‌ مع‌ دقّته‌ قد يُلاحظ‌ علي‌ ا´خره‌ انه‌ لو كان‌ قضاءً لازماًوقدراً حاتماً لبطل‌ الثواب‌، كما ورد نظير ذلك‌ عن‌ امير المؤمنين‌ عليه‌افضل‌ صلوات‌ المصلّين‌ عندما ساله‌ الشامي‌ حول‌ مسيره‌ الي‌ الشام‌ وانه‌بقضاء من‌ الله وقدر منه‌..

مضافاً الي‌ ذلك‌ فقد ورد في‌ عدة‌ روايات‌ ان‌ اميرالمؤمنين‌(ع) خُيّر في‌الليلة‌ التاسعة‌ عشرة‌ من‌ شهر رمضان‌ المبارك‌ من‌ السنة‌ التي‌ ضُرب‌ فيهابين‌ البقاء واللقاء فاختار لقاء الله تعالي‌.

نعم‌ جاء في‌ بعض‌ النسخ‌ عوض‌ كلمة‌ «خُيّر» (بالخاء المعجّمة‌) كلمة‌«حيّر» (بالحاء المهملة‌) اءلاّ ان‌ النسخة‌ الاُولي‌ تتناسب‌ مع‌ عنوان‌ الباب‌الذي‌ ذكرت‌ فيه‌ هذه‌ الرواية‌، وهو باب‌: اءن‌ّ الائمة‌: يعلمون‌ متي‌يموتون‌ وانهم‌ لا يموتون‌ اءلاّ باختيارهم‌، حتي‌ صرّحت‌ بعض‌ روايات‌هذا الباب‌ بذلك‌؛ فقد جاء بسند معتبر عن‌ عبدالملك‌ بن‌ اعين‌، عن‌ ابي‌جعفر(ع)، قال‌: «انزل‌ الله تعالي‌ النصر علي‌ الحسين‌(ع) حتّي‌ كان‌ ما بين‌ السماءوالارض‌، ثم‌ خُيّر النصر او لقاء الله، فاختار لقاء الله تعالي‌».

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

استشهاد النبي الرسول محمد(ص) اغتيالا بالسم
هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وثورة الحسين ...
إرادة الله شـــــاءت
أحد الزائرين يعود بصره اليه بفضل كرامة أمير ...
كربلاء ملحمة تتجدد
باب المحرم، من رمى، من قتل
ما أوحي إلى آدم ع
السخرية.. بواعثها وآثارها
الصراع على السلطة بين الأصهب والأبقع
معنى النفاق لغةً واصطلاحاً

 
user comment