ولما بشر الرسول الاعظم بسبطه المبارك خف مسرعا إلى بيت بضعته فاطمة ( ع ) وهو مثقل الخطا قد ساد عليه الوجوم والحزن ، فنادى بصوت خافت حزين النبرات.
" يا أسماء هلمي ابني ".
فناولته أسماء ، فاحتضنه النبي ، وجعل يوسعه تقبيلا ، وقد انفجر بالبكاء فذهلت أسماء ، وانبرت تقول:
" فداك أبي وأمي مم بكاؤك ؟ ! ! ".
[28]
فاجابها النبي ( ص ) وقد غامت عيناه بالدموع.
" من ابني هذا ".
وملكت الحيرة إهابها فلم تدرك معنى هذه الظاهرة ومغزاها فانطلقت تقول:
" إنه ولد الساعة ".
فاجابها الرسول بصوت متقطع النبرات حزنا وأسى قائلا:
" تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي . . . ".
ثم نهض وهو مثقل بالهم وأسر إلى أسماء قائلا:
" لا تخبري فاطمة فانها حديثة عهد بولادة . . . " ( 1 ).
وانصرف النبي ( ص ) وهو غارق بالاسى والشجون ، فقد استشف من وراء الغيب ما سيجري على ولده من النكبات والخطوب التي تذهل كل كائن حي.
سنة ولادته :
واستقبل سبط النبي ( ص ) دنيا الوجود في السنة الرابعة من الهجرة ( 2 )
( 1 ) مسند الامام زيد ( ص 468 ) وفي أمالي الصدوق ( ص 120 ) أن النبي ( ص ) أخذ الحسين بعد ولادته ، ثم دفعه إلى صفية بنت عبد المطلب وهو يبكي ويقول : لعن الله قوما هم قائلوك يا بني قالها : ثلاثا ، قالت فداك أبي وأمي ، ومن يقتله ؟ قال تقتله الفئة الباغية من بني أمية.
( 2 ) تاريخ ابن عساكر 14 / 313 ، تهذيب الاسماء 1 / 163 ، مقاتل الطالبين ( ص 78 ) خطط المقريزي 2 / 285 ، دائرة المعارف للبستاني 7 / 48 ، جوهرة الكلام في مدح السادة الاعلام ( ص 116 ) = ( * )
[29]
وقيل في السنة الثالثة ( 1 ) واختلف الرواة في الشهر الذي ولد فيه فذهب الاكثر إلى أنه ولد في شعبان ، وأنه في اليوم الخامس منه ( 2 ) ولم يحدد بعضهم اليوم ، وإنما قال : ولد لليالي خلون من شعبان ( 3 ) وأهمل بعض المؤرخين ذلك مكتفيا بالقول أنه ولد في شعبان ( 4 ) وذهب بعض الاعلام إلى أنه ولد في آخر ربيع الاول إلا أنه خلاف المشهور فلا يعني به ( 5 ).
مراسيم ولادته:
وأجرى النبي ( ص ) بنفسه أكثر المراسيم الشرعية لوليده المبارك ، فقام ( ص ) بما يلي:
= الافادة في تاريخ الائمة السادة ليحيى بن الحسين المتوفى سنة ( 424 ه ) من مصورات مكتبة الامام الحكيم ، الذرية الطاهرة من مخطوطات مكتبة الامام أمير المؤمنين العامة ، مجمع الزوائد 9 / 194 ، أسد الغابة 2 / 18 ، الارشاد ( ص 18 ).
( 1 ) أصول الكافي 1 / 463 ، خطط المقريزي 2 / 285 ، الاستيعاب المطبوع على هامش الاصابة 1 / 377.
( 2 ) المعجم الكبير للطبراني من مخطوطات مكتبة الامام أمير المؤمنين عليه السلام تحفة الازهار وزلال الانهار من مخطوطات مكتبة الامام كاشف الغطاء العامة ، خطط المقريزي 2 / 185.
( 3 ) امتاع الاسماع ( ص 187 ) ، أسد الغابة 2 / 18 ، الذرية الطاهرة.
( 4 ) فتح الباري في باب مناقب الحسن والحسين.
( 5 ) المقنعة ، التهذيب ، الدروس . ( * )
[30]
أولا - الاذان والاقامة :
واحتضن النبي وليده العظيم فأذن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ( 1 ) وجاء في الخبر " أن ذلك عصمة للمولود من الشيطان الرجيم " ( 2 ).
إن أول صوت اخترق سمع الحسين هو صوت جده الرسول ( ص ) الذي هو أول من أناب إلى الله ، ودعا إليه ، وأنشودة ذلك الصوت:
" الله أكبر لا إله إلا الله . . . ".
لقد غرس النبي ( ص ) هذه الكلمات التي تحمل جوهر الايمان وواقع الاسلام في نفس وليده ، وغذاه بها فكانت من عناصره ومقوماته ، وقد هام بها في جميع مراحل حياته ، فانطلق إلى ميادين الجهاد مضحيا بكل شئ في سبيل أن تعلو هذه الكلمات في الارض ، وتسود قوى الخير والسلام وتتحطم معالم الردة الجاهلية التي جهدت على اطفاء نور الله.
ثانيا - التسمية :
وسماه النبي ( ص ) حسينا كما سمى أخاه حسنا ( 3 ) ويقول المؤرخون لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذين الاسمين حتى تسمي أبناءهما بهما ،
( 1 ) كشف الغمة 2 / 216 ، تحفة الازهار وزلال الانهار.
( 2 ) روى علي ( ع ) أن رسول الله ( ص ) قال : " من ولد له مولود فليؤذن في اذنه اليمنى ، وليقم في اليسرى فإن ذلك عصمة له من الشيطان الرجيم " وقد أمرني بذلك في الحسن والحسين ، وأن يقرأ مع الاذان والاقامة فاتحة الكتاب وآية الكرسي ، وآخر سورة الحشر ، وسورة الاخلاص والمعوذتين ، جاء ذلك في دعائم الاسلام 1 / 178 ( 3 ) الرياض النضرة . ( * )
[31]
وإنما سماها النبي ( ص ) بهما بوحي من السماء ( 1 ).
وقد صار هذا الاسم الشريف علما لتلك الذات العظيمة التي فجرت الوعي والايمان في الارض ، واستوعب ذكرها جميع لغات العالم ، وهام الناس بحبها حتى صارت عندهم شعارا مقدسا لجميع المثل العليا ، وشعارا لكل تضحية تقوم على الحق والعدل.