عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

تعدّد البلدان حسب الرؤية الفقهيّة

تعدّد البلدان حسب الرؤية الفقهيّة

طبقاً لما سبق ذكره فإنّ «دار الإسلام» هي عبارة عن الأرض أو الأراضي التي تعيش عليها الأمّة الإسلاميّة، ويمكن لغير المسلمين كذلك ـ وفق شروط خاصّة ـ العيش فيها بشكل آمن وسلميّ تحت ظلّ الحكومة الإسلاميّة، وإنّ حدود هذا البلد ـ سواءً الطبيعيّة منها أو المصطنعة ـ تسمّى ب‍ «حدود دار الإسلام».

أمّا فيما يخصّ مسألة: هل إنّ دار الإسلام قابلة للتجزئة إلى عدّة دويلات مستقلّة بشكل كامل؟ فهذا ما لم يبحثه القدماء، على الرغم من أنّ سياق كلامهم يدور حول «الدولة الإسلاميّة الواحدة» التي تخضع للسلطة العليا ل‍ «الإمام الواحد» وعندما كانت تظهر عدّة أنظمة‌ حكوميّة كان يدّعي كلّ من قادتها أنّه هو «الخليفة الحقّ» وكان يخَطّئ الباقين ويعتبرهم «بُغاة». لكنّنا نستطيع القول أنّ كلام أغلب الفقهاء ناظر إلى ظروف خاصّة وليسوا ـ بشكل عامّ ـ بصدد نفي المشروعيّة عن الحكومات المتعدّدة. ولعلّ من الممكن الاستنتاج، من إطلاق بعض الأقوال في تعيين شرائط الإمام، بل وفي بعض التصريحات، أنّّهم لا يعتبرون وجود حكومتين في منطقتين منفصلتين ـ على فرض استيفاء مسؤوليهما للشروط ـ أمراً غير مشروع، لاسيّما وأنّ معظم كبار أهل السنّة (أمثال أحمد بن حنبل) يرون أن حكومة الفاسق وشارب الخمر، الذي تسلّط على رقاب الناس بالقوّة،‌ مشروعة وأنّه مفروض الطاعة!

إلاّ أنّ فقهاء الشيعة يجمعون على أنّ الحكومة الإسلاميّة بعد رحيل رسول الله(ص) هي، أصالةً، من شؤون الإمام المعصوم(ع) وينفون الإمامة بالفعل لإمامين معصومين في آنٍ واحد حتّى و إن كان أحدهما ـ فرضاً ـ في شرق الأرض والآخر في غربها. بعبارة اُخرى؛ إنّ عقيدة التشيُّع هي أنّه لابدّ لدار الإسلام برمّتها أن تكون تحت قيادة وإمامة إمامٍ معصوم واحد وإنّ حكّام كلّ منطقة يُنَصّبون ويُعَيّنون من قِبَله، والكلّ ـ طبعاً ـ هو في مقام المنفّذ للقانون الإسلاميّ وأوامر الإمام المعصوم، وإن كان كلّ منهم مفوّض من قبل المعصوم ببعض الصلاحيّات ضمن نطاق حكومته ممّا يتيح له تصويب وتنفيذ قوانين ومقرّرات خاصّة في إطار القانون الإسلاميّ العامّ وحسب ما تقتضيه مصالح المسلمين والظروف الزمانيّة والمكانيّة. بناءً على هذا، يمكن قبول نوع من أنواع الحكم الذاتيّ في الأقاليم المختلفة لدار الإسلام. بالطبع كلّ هذا إنّما يصحّ في حال كون الإمام المعصوم مبسوط اليد ويمتلك القدرة الظاهريّة على الإمساك بزمام الأُمور؛ أي إنّ حكومته الشرعيّة هي محطّ قبول الناس أيضاً. إلاّ أنّنا نعلم أنّ مثل هذه الظروف لم تتوفّر إلاّ لفترة وجيزة من أيّام إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب والإمام الحسن(ع)، وإنّ باقي الأئمّة الطاهرين(ع) ليس فقط لم يتصدّوا لإدارة شؤون البلاد الإسلاميّة، بل لم يكن ليُسمح لهم حتّى إبداء الرأي في مثل تلك المسائل، وكانوا غالباً إمّا تحت المراقبة الشديدة أو في المنفى أو في غياهب الطوامير والسجون، ولم يكونوا يبوحوا بمثل تلك الأمور إلاّ للخواصّ من أصحابهم موصين إيّاهم بكتمانها.

لهذا فإنّ الشيعة ـ الذين حُرموا من بركات حكومة أئمّة أهل البيت(ع) من جهة، ولم يكونوا يقولون بأيّ مشروعيّة للحكومات التي حكمت آنذاك من جهة اُخرى ـ قد وقعوا في ضيق وحرج شديدين الأمر الذي دفعهم، وفقاً للتعاليم التي وردت في بعض الروايات (كمقبولة عمر بن حنظلة ومشهورة أبي خديجة)، إلى السعي إلى تأمين بعض حوائجهم الحكومتيّة ـ لاسيّما القضائيّة منها ـ عبر الرجوع إلى الفقهاء الواجدين للشرائط. وقد جاء التأكيد في بعض تلك الروايات على أنّ مخالفة هؤلاء الفقهاء هو بمنزلة مخالفة الإمام المعصوم ممّا يُعدّ ضرباً من ضروب الشرك بالله تعالى!

على المنوال نفسه كانت المتطلّبات الحكومتيّة للاقليّات الشيعيّة في زمان الغيبة تُسَدّ من خلال الرجوع سِرّاً إلى الفقهاء الجامعين للشرائط ممّا أدّى إلى حصول الشيعة في بعض المناطق على سلطة لا بأس بها، نذكر منهم ـ على سبيل المثال ـ الفاطميّون الذين نجحوا في تشكيل حكومة مستقلّة في مصر، وحكّام الديلم وآل بويه الذين أمسكوا بزمام الحكم في بعض مناطق إيران بل وألقت حكومتهم بظلالها على خلافة الدولة العبّاسيّة التي كانت تعاني آنذاك من مرحلة اُفول وانحطاط، فآلت الأمور بالنتيجة إلى قيام الدولة القويّة للصفويّين في إيران لتكون الندّ والمنافس فيما بعد لنظام الخلافة العثمانيّة.

إنّه في مثل تلك الأحوال والظروف وجد الفقهاء الشيعة الفرصة مناسبة لطرح بحوثهم الفقهيّة حول الحكومة الإسلاميّة وانبروا علناً لنقد نظريّات وآراء فقهاء أهل السنّة وتبيين الرؤية الشيعيّة المبنيّة على مبدأ ولاية الفقيه.

نحن هنا لسنا بصدد البحث بشكل تفصيليّ في نظريّة ولاية الفقيه واُصولها ومبانيها وفروعها ولوازمها، إلاّ أنّه، وكما أشرنا في مقدّمة البحث، من أجل الإجابة على الأسئلة المطروحة لابدّ من إلقاء نظرة على نظريّات الفقهاء وأدلّتهم في هذه المسألة، وهذا المطلب ـ في الحقيقة ـ يشكّل أهمّ أقسام هذه المقالة.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

النبي عيسى وآدم (ع) من منظار القرآن الكريم
تزوجه ص بخديجة( س )و فضائلها و بعض أحوالها
أسباب الغيبة الصغرى للإمام المهدي
في أن الاستقامة إنما هي على الولاية
صُبت علـَـيَ مصـــائبٌ لـ فاطمه زهراعليها ...
التقیة لغز لا نفهمه
الحجّ في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)
وصول الامام الحسین(ع) الى کربلاء
دعاء الامام الصادق عليه السلام
الصلوات الكبيرة المروية مفصلا

 
user comment